أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-09-2015
1826
التاريخ: 14-08-2015
4287
التاريخ: 14-08-2015
30739
التاريخ: 27-7-2017
16494
|
منذ
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأت المدرسة الرمزية تتغيّر وتميل
إلى الانحدار فأولئك الشعراء الشبان الذين كانوا يلتفون حول مالارميه، لم يكونوا
يمتلكون ذكاءه ومعارفه وموهبته، ولذا مضوا في مذهبه إلى حد المبالغة، فبحجة الحرص
على المرونة الشعرية والتحرّر من القيود الثقيلة جردوا الشعر من الإيقاع والجرس
الموسيقيّ والقافية، فأصبح لديهم شبيهاً بالنثر المصطنع المتقطع في أسطرٍ متفاوتة
الطول. وبدعوى الارتفاع عن العاديّة سقطوا في الغموض الذي لا طائل تحته. أما
معجمهم اللغوي فكان مملوءاً بالأغلاط التي لا يقع فيها إلا الأجنبي الذي يجهل
اللغة وأصبحت تراكيبهم خارجة عن المنطق والحسّ السليم، والواقع أن عدداً منهم
كانوا ينتمون إلى أصول أجنبية، وتذكر من هذه الفئة فرديناند غريغ وأفراييم ميخائيل
وغوستاف، كاهن..
ولكن
يجب أن نميز بين أولئك الرمزيين الذين يمتلكون المهارة والمعرفة والذين يحاولون
الإغراب، وبين الفنانين الحقيقيين الذين مرّوا بفترة من المحاولة والتدريب ثم ما
لبثوا أن أصبحوا شعراء حقيقيين مفهومين، محتفظين بمزايا الرمزية ومبتعدين عن
مثالبها ومزالقها.
ومن
الرمزيين الشبان أناسٌ موهوبون لكنهم يحبون الإيغال في الصور الغامضة ويبتعدون عن
التناغم الموسيقي.. مما حدا ببعض النقاد لأن يصنفوهم ضمن اللاشعوريين أحياناً وضمن
الدجالين المخادعين أحياناً أخرى.
ومنهم
من تحاشى المبالغة الرمزية وحافظ على الإيقاع والوضوح وتمتع بقسط من الحريّة
وسلمتْ أشعارُه من الإبهام والتنافر والعَرَج واستطاع شق طريقته بقوةٍ وأصالة
موازناً بين شتى معطيات المدارس الشعرية، ومن هؤلاء البارزين نذكر:
1-ألبير سامان: (1858-1900)
Albert Samain
لم
يكن سامان رومانسياً ولا برناسياً ولا رمزياً بل تجمعت لديه تأثيرات شتّى من
المدارس القديمة والحديثة بشكل عفوي غير مقصود. وكان ينظم الشعر لنفسه يبثه أحلامه
وأحزانه الخاصة. فقد عاش حياةً شاقة ذاق فيها اليتم والحاجة. ولما حلّ باريس انضم
إلى بعض المجموعات الأدبية المؤلفة ممن كانوا يدعونهم الشعراء
المنحلين وأخذ يلقي منظوماته وينثرها، ثم بدأت شهرته حين نال جائزة من
الأكاديمية وقدمه الناقد برونتيير إلى جريدة (العالَميْن) يتميز شعره بواقعية
ملوّنةٍ خلابة وتعبير عن الألم والحزن بصدق. استفاد من صور الرمزية دون أن يفقد
الوضوح. ويعد حقاً من بين أفضل الشعراء الفرنسيين. من مجموعاته (في بستان الوريث،
على جوانب الإناء، العربة الذهبية).
2-هنري دو رينييه: Henri de
Regnier (1864-1936)
شغف رينييه
أولاً بالشعر الحرّ الواضح، الذي رأى أنه يوافق موضوعات معينة، ثم مال إلى
البرناسية والرمزية متأثراً بسولي برودوم وفيرلين وجماعة الشعر الحرّ، وعبر عن
شجونه بالرموز وكان يحب جمال الطبيعة وجمال الأشياء ويجد فيها سحراً أخاذاً، ومن
ذلك إعجابه بجمال الخريف، كما أولع بالأساطير القديمة. نال رينييه إعجاب كبار
الشعراء مثل سولي برودوم ولو كنت دوليل وهوغو ودفينيي وهيريديا الذي أسكنه عنده
وزوجه ابنته من أشهر. مجموعاته الشعرية (الوسام الخزفيّ، ومدينة المياه والحذاء
المجنح ومرآة الساعات..) وله مؤلفات قصصية كثيرة
3-فرنسيس جامّ(1868-1938)
Francis Jammes:
ينتمي
إلى الرمزية من حيث الموسيقا الحرة، ويخالفها بوضوحه وبساطته ولغته العفوية
القريبة إلى روح الطفولة. وكان لا يصف إلاّ الأشياء العاديّة البسيطة ويعرضها
ببساطة وبشكل واقعي صادق. وإن القارئ ليبتسم أمام بعض أوصافه كما يبتسم أمام صورة
خرقاء ولكنها قوية التأثير. وقد عرّف نفسه بقوله:
إلهي،
لقد ناديتني من بين البشر، فلبيك! إنني أتألم وأحب، وقد تكلمتُ بالصوت الذي
منحتني، وكتبت باللغة التي علمتها أمي وأبي اللّذين نقلاها إليّ. أمشي في الطريق
كحمار محمّل، يضحك منه الأطفال فيخفض رأسه. سأمضي حيث تريد، وحين تريد، ها هي
النواقيس تقرع...!
4-بول فاليري: paul Valery (1871-1945)
من
الشعراء الشبان الذين تتلمذوا على مالارميه. وكان في شبابه شديد التأثر به
والافتتان بموضوعاته والولع بالمناظر الجميلة والأشياء النفيسة وقد جعل أشعار
الشباب في مجموعته (الأشعار القديمة) وبعد فترة من الصمت درس خلالها الرياضيات
وقويت ملكته اللغوية عاد إلى الشعر بنفسٍ جديد قوامه الإتقان اللغوي والبحث عن
الكلمات الدقيقة المعنى والتزام الأطر الموسيقية التقليدية مع قليل من التسامح-والتأمل
في العالم الداخليّ وكدّ الذهن والتصوير الرمزي والأداء المكثف المختصر الذي يكثر
فيه التلميح والحذف. ولذا اعترى أشعاره بعض الغموض وعسر الفهم والبرودة العاطفيّة،
وأصبح شعره وقفاً على الخاصّة المثقفة، ولكنه نجا مما شاع في القرن العشرين من
فساد الصورة وتشويشات اللاشعور في السريالية، وكانت رمزيته نهجاً خاصاً تصالح فيه
مع التقاليد الشعرية والواقع المحسوس.
قال
في قصيدته المقبرة البحريّة 1920:
..
كما تذوب الفاكهة معطية لذة،
كما
تُمتصّ وتتحول إلى متعة،
في
الفم الذي تنتهي فيه حياتها،
هكذا
أنا هنا، أشم وأتذوق التراب
والرماد
الذي سأصير مستقبلاً...!
وقال
في قصيدته ربة القدر الصغرى 1912:
دَعْ
جسدي يكسر قيود الفكر،
دعني
استنشق الهواء الوليد،
نسيم
منعشٌ يهبّ من البحر فينعش روحي،
دعني
أقذف بنفسي في وسط الأمواج،
ثم
أخرج منها كائناً حياً مرة أخرى..(1)
ومن
أشهر قصائده الأخرى: نرسيس، والأفعى، والغزّالة النائمة.
__________
(1)
الرمزية: تشارلز تشادويك ترجمة: نسيم ابراهيم يوسف-الهيئة المصرية للكتاب ص117