المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

بشير الرحمة ونذير النقمة
2023-05-19
القوى الكائنة بين الشحنات
5-1-2016
حق الكرامة
20-6-2017
التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي
11-1-2023
CAVEATS FOR BEGINNERS
2024-09-06
امراض القمح (التفحم النتن في القمح (التفحم المغطى أو الخميرة))
6-4-2016


مراحل المدرسة الرمزية – مرحلة النضج والقمّة  
  
2535   03:14 مساءاً   التاريخ: 29-09-2015
المؤلف : عبد الرزاق الأصفر
الكتاب أو المصدر : المذاهب الأدبية لدى الغرب
الجزء والصفحة : ص112-18
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد الحديث /

تقسّم مرحلة النضج في المدرسة الرمزية حسب أعلامها:
1-ستيفان مالارميه: Stephane Mallarme(1842-1898)
كان مالارميه الرأس الحقيقي المنظر للمدرسة الرمزية. وتميّز بالموهبة والتواضع. تضلّع من اللغة الفرنسية وآدابها وعمل مدّرساً للغة الانجليزية. وكان يستقبل في بيته حلقة من الشبان المحبين للشعر. وكان زملاؤه وتلاميذه يحبونه ويعجبون بشعره ويعدونه أمير الشعراء بعد فيرلين. جمع أجمل آثاره في كتابه شعر ونثر وكان منها ما يتّسم بالرمزية الشفافة ومنها بالرمزية الغامضة المقبولة. وعلى العموم كان ينفر من السهولة والوضوح ولغة التفاهم العادية وكأنها أسوأ العيوب. علم أتباعه التركيب الغامض وجماليته، وبقي مخلصاً للقواعد الشعرية والإتقان البرناسيّ.
أصبحت اللغة عنده سحراً والكلمات أشياء، والأشياء رموزاً موحية لا تقصد لذاتها، ولذلك نعته بعضهم بالصوفيّة. أراد مالا رميه أن يسعى إلى الكمال وأن يحقق المستحيل وأن يعبّر عن سرّ الكون الغامض ولكنه لم يجد سوى العقم والعدم والخواء والصمت، فراح يبحث عن المطلق لكنه عجز عن الوصول إليه. ورأى الفن وحده الذي يدوم لينقذ شيئاً من حطام العالم...! وبهذه الفلسفة المتشائمة التي تذكرنا الرومانسية، انفصل شعره عن الواقع المجسّد وتغرّب عن الطبيعة والذات.
يصف تيودور وايزيوا شعره فيقول: التزم أن يضمّن كل بيتٍ عدة معانٍ متراكبة، وتعمّد أن يجعل كل بيت صورة تشكيلية وتعبيراً عن عاطفة، ورمزاً فلسفياً ونغمة موسيقية تنسجم متكاملة مع الموسيقا العامة للقصيدة مع الحفاظ على قواعد النظم المعروفة، بحيث تبدو قصيدته كلاً متكاملاً ومكتملاً يجسّد بالفن حالة نفسية كاملة.
من أشهر قصائده: أمسية أحد الفونات(1) والنوافذ،
واللازورد، وطائر التمّ..
اللازورد L،azur (2)
ستيفان مالارميه
السُّخرية الصافية للاّزورد الأبديّ،
تُثْقِلُ بتراخٍ شديد، كما تثْقِلُ الأزهارَ،
الشاعرَ العاجز الذي يلعن قريحته
عبرْ صحراءَ عقيمةٍ من الآلام...! (3)
أحسُّه هارباً مُغْلق العينين، (4)
وفي ضميره توبيخٌ كثيف مذهل،
ينظر إلى روحي الفارغة، أين المفرّ؟
وأيُّ ليلٍ مذعور تلقيه خرقاً بالية على هذا المُفْجِعِ الكريه؟ (5)
انهضْ أيّها الضباب، واسكبْ رمادك الرتيب،
مع قطعٍ من أَسْمال الظلام،
في السماءِ التي ستغرق في سبخةِ الخريف الداكنة(6)
وابنِ سقفاً كبيراً صامتاً..
وأنت أيها الضّجر العزيز، اخرُجْ من مستنقع النسيان،
وحين تأتي، اجمع الوحلَ والقصب الشاحب،
لتسدَّ بيدك التي لا تعرف الونى
الثقوبَ الكبيرة الزرقاء التي تحدِثها الطيور المتخابثة(7)
وفوق ذلك، لتقْذفِ المداخنُ الحزينةُ دخانَها دون إمهال،
ولتجعلْ من سُخامها سجناً هائماً،
تخنق في رهبة ذيوله السّوداء،
الشمسَ المحتضرة الصفراءَ في الأفق.
إن السماء ميْتَة! ولذا أتوجّهُ إليكِ أيّتها المادة،
راجياً أن تقدّمي نسيانَ الخطيئةِ والمثلِ الأعلى القاسي،
إلى هذا الشهيد، الذي أَتى ليقاسِم قُطعانَ البشر السّعداء،
الحظائرَ التي ترقد فيها(8)
هذا ما أريد، ما دامتْ جمجمتي أَضْحت خاوية،
كإناءِ زينةٍ فارغ قابع عند أسفل جدار،
ليس لديها فنّ تجميل الفكرة الباكية
ولا تفتأ تتثاءب منتظرةً مصيرها المشؤوم في مرقدها المظلم
لا جَدوى! فالّلازورد ينتصر، وإنّي لأسمعه،
يغني في ألحان النواقيس،
إنّه يُصوّت ليزيدنا رعباً بظفره الخبيث،
ومن المعدنِ الحيّ يخرُج لنا في رنّاتٍ زرقاء..(9)
أَزليَّاً يسير بالضّباب
ويخترق احتضارَكَ الولاديّ كسيفٍ مُصمِّم،
فأين المفرّ وما جدوى التمرّد الأخرق،
إني مَسْكون: الّلازورد، الّلازورد، الّلازورد، الّلازورد!
***
2-بول فيرلين: (1844-1896) P.Verlaine
بدأت شهرة فيرلين عام 1881 عندما عمل في الصّحافة وأخذ يرتاد الحيّ اللاتيني والتف حوله جماعة من الشعراء الشبان المعجبين به. وكان أوّل الأمر برناسيّاً ثم تطور شعره تدريجياً وبشكل عفوي نحو فنٍ أكثر تحرّراً، ولكن دون نظريات ومدارس، حتى إنه أصبح رمزياً بل مؤسساً للرمزية دون قصدٍ أو وعي لشيء اسمه الرمزيّة، بل كان يكره هذه التسمية...! وكانت حياته مأساةً غريبة بسبب انسياقه مع نزواته. تنقل بين باريس وبروكسل ولندن، وسجن عامين لإطلاقه النار على صديقه رامبو. وتلقى من هذه التجربة درساً في السلوك العاقل، فعاد إلى زوجته وكاثوليكيته، وكتب أشعار مجموعته (حِكْمة) لكنه سرعان ما عاد بعد وفاة أمه إلى الخمرة والتشرد والبؤس واعتراه المرض فقضى سنواته الأخيرة بين المقاهي والمستشفيات وفي عام 1884 انتخبه الشعراء أميراً لهم. ولكن هذه الإمارة لم تطل إذ اختطفته المنية بعد عامين.
وكانت أشعاره صدى إحساسه وتجاربه. فهو يعيش شعره ويندفع من بواعث شعورية ولا شعوريّة. قال عنه جول لوميتر: إنه شاعر بوهيميّ وبربري وطفل، لكن لهذا الطفل موسيقاه الروحية. وهو يسمع أحياناً أصواتاً لم يسمعها أحدٌ قبله وكان جرسُ أشعاره وإيقاعها يتطابق مع إلهامه ويمتلك المضمون والشكل معاً في تدفق شعري واحد يصدر دائماً عن الفطرة والعفوية حتى لكأنه الشاعر البدائي أو الطفل إضافة إلى كل الإرهافات العصرية والتقليديّة في الشعر. وكان يتميز دون غيره من شعراء الرمز بالشفافية والسهولة والتناغم الموسيقي العذب.
ويمكن أن نستشف معالم منهجه من قصيدته فن الشعر 1874 التي أرسلها إلى صديقه الشاعر شارل موريس، والتي تعدّ دستوراً للرمزية يقابل في الكلاسيكية الفن الشعري لبوالو. وهو يوصى فيها قبل كل شيء بمزيد من الموسيقا، لأن بها يمكن التعبير عن الأحاسيس المرهفة الدقيقة التي لا تسعها الكلمات! ولهذا السبب كان يؤثر الأوزان ذات المقاطع الفرديّة خمسة مقاطع أو سبعة أو تسعة أو أحد عشر، ولا يفضل الاثني عشري المزدوج. وهذه الأوزان التي كان يفضلها ليست جديدة بل كانت موجودة في القرن السادس عشر وفي بعض أشعار رونسار.
ثم يوصي باستعمال الكلمات في غير معناها الدقيق وبعدم المبالغة في الاهتمام بالقافية (تلك الحلية الجوفاء) وبليّ عنق الفصاحة وبشيءٍ من الغموض يتزاوج مع الدقة والوضوح، وهذا ما عبّر عنه بالأغنية الرمادية التي هي أصل الأغاني والتي كأنما تنظر من خلف أسداف، وأخيراً بأن تكون القصيدة مغامرة مشتّتة تطوف مع أنسام الفجر الباردة لتشمّ عبق النعنع والسعتر..
أصدر فيرلين مجموعات عديدة منها: أشعارٌ زُحَلية، وأعياد زاهية، وفي هاتين المجموعتين يغلب الطابع البرناسيّ. وله أيضاً: الأغنية الجيدة، وغزلٌ دون كلام، والحكمة، والمدائح، والأناشيد الدينية الحميمة، وبالتوازي، وقديماً وبالأمس القريب، وأغانٍ إليها، وسعادة.. كما أن له بعض الآثار النثريّة.
أغنية الخريف (1866) (10)
فيرلين (أشعار زُحَليّة)
الانتحابات الطويلة،
لكمنجاتِ الخريف،
تجرَحُ قلبي بِوَنىً رتيب،
كل شيءٍ خانقٌ وشاحب
عندما تدقّ الساعة،
أتذكر الأيام السالفة،
وأبكي
وأمضي في ريحٍ سيّئة
تحملني من هنا وهناك
شبيهاً بالورقة الميْتة .
السماء فوق السّطح(11)
فيرلين: حكمة (1881)   
كتبها في السجن
السماء فوق السّطح
شديدة الزرقة والهدوء.
شجرة فوق السطح
تؤرجح بلحَها
الناقوس في السماء التي تُشاهَد،
يدقّ بنعومة
عصفور على الشجرة التي تُشاهد،
يغني أشجانه
إلهي، إلهي، إن الحياة هناك
بسيطة هادئة
وهذه الضوضاء الهادئة
تأتي من المدينة.
ماذا فعلتَ يا من تديم النحيب؟
ماذا فعلت يا هذا في شبابك؟
3-أرتور رامبو: Arthur Rimbaud (1854-1891)
وُلِدَ رامبو لأبٍ صارمٍ وأمّ شديدة، وشعر وهو تلميذ برغبة جامحة في الهرب. وشاءت الظروف أن تجمع بينه وبين الشاعر فيرلين إثر أبيات أرسلها إليه، وتوثقت الصلة بينهما، حتى أسكنه فيرلين في بيته وقدّمه إلى المنتديات الأدبيّة، واصطحبه في أسفاره إلى بلجيكا وانجلترا، ولكن الفتى قرّر أن يتحرّر منه، ولما استقل القطار أطلق عليه فيرلين النار فجرحه ونقل إلى المستشفى ودخل الجاني السجن..
ثم تجول رامبو في أنحاء العالم فزار دول أوربا من الشمال إلى الجنوب وسافر إلى جزائر السوند ومصر وعدن والحبشة، وعمل جندياً ومترجماً وعامل سيرك وموظفاً تجارياً.. ولم تطل حياته فقد توفي في أحد مستشفيات مرسيليا في السابعة والثلاثين دون أن يدري أحد أن شاعراً عظيماً قد مات..
دخل رامبو عالم الشعر كعاصفة مفاجئة سريعة بحيث لم تكتشف منزلته إلا بعد وفاته بزمن طويل. بدأ نظم الشعر في الخامسة عشرة وأقلع عنه في العشرين، لكن أشعاره طبعت مرات عديدة وأهمّها: فصلٌ في الجحيم، وأشعار، وإضاءات.
كان رامبو من طليعة الشعراء الرمزيين الذين تركوا أثراً عميقاً في الحركة الشعرية الشابّة، موهبةٌ متوقدة ومخيلةٌ خلاقة ذات صور غريبة وعنيفة وشباب مشردٌ محموم وانطلاق مغامرٌ مبكر.. وإعجابٌ ببودلير وفيرلين.. كل ذلك جعل منه الشاعر المتمرد المبتكر الذي لا يحفل بالقيود التقليدية بل ينساق مع الموهبة العفويّة. تتراوح أشعاره بين الوضوح والغموض وبين البساطة والتعقيد والسهولة والصعوبة. وقد عرف كيف يوفق في بعض الأحيان بين الشعر والواقعيّة، ولكن بعض رموزه عسير على الفهم كقوله في وصف جندي ميْت:
شاحبٌ في سريرهِ الأخضر حيث يهطلُ النور..
وقوله:
نُزُلي في الدبّ الأكبر ونجومي لها في السماء حفيفٌ لطيف..
النائم في الوادي(12)
رامبو
نظمها عام 1870 يصف جنديّاً قتيلا:
إنّه ثُقْبٌ في الخضرة حيث يُغَنّي نهرٌ،
معلّقاً على الأعشاب عشوائياً أسمالاً فضّية.
وتسطع الشمس من الجبل الأرعن،
إنه وادٍ صغير يزبد بالأشعّة.
ثمّ جنديٌ شابٌ، فاغر الفم حاسرُ الرأس،
قذاله يغوص في الجرجير الرطب الأزرق،
ينام مستلقياً على العشب تحت السماء،
شاحباً في سريره الأخضر حيث يهطل النور.
قدماه بين الزنابق، ينامُ مبتسماً،
مثلَ طفلٍ مريض، أخذَتْه غفوة،
أيتها الطبيعة هدهديه بحرارة، إنه بردان!
لم تُرْعِشْ أنفَه الروائح الزكيّة،
يرقد وادعاً في ضوء الشمس ويده على صدره،
وثقبانِ أحمران في جنبه الأيمن.
بوهيميّتي(13)
رامبو، من ديوان (أشعار)
هذه القصيدة من وحي حياة رامبو بين السادسة عشرة والعشرين من عمره، في أثناء فترة التشرد وفورة العبقرية.. حين كان يعيش مثل البوهيميين أوالغجر، دأبه التنقّل ومزاولة الأعمال العديدة والعيش ليومه فقط..
كنت أمضي ويداي في جيبيَّ المخروقين،
وقد أضحى معطفي أيضاً مثالياً(14)
كنتُ أمضي تحت السماء، يا ربَّة إلهامي، مؤمناً بك،
آه، اطمئنّي، فكم عشقٍ رائع حلمتُ به...!
سروالي الوحيد كان فيه خرقٌ واسع،
كعقلة الإصبع الحالم، كنت أنثر أشعاري في أثناء تجوالي(15)
كان مثواي في الدبّ الأكبر، ولنجومي في السماء حفيف لطيف...!
كنت أصغي إليها جالساً على حافة الطُرْق،
في تلك الأماسي الجميلة من سبتمبر،
وأحسُّ قطراتِ الندى على جبيني وكأنها خمرة الروح.
هناك، في ظلال الوهم، كنت أنظم أشعاري
وأشد خيوط حذائي الجريح،
وكأنه قيثارة.. قدمٌ على قلبي...! (16)
_______________
(1) الفون Faune كائن خرافيّ عند الرومان يعدّونه إله الحقول
(2) * ترجمة المؤلف عن: les Grands Ecrivains de France
Grouzet leger p 1752
(3) الصحراء العقيمة رمز لجفاف قريحة الشاعر وعجزه عن الكتابة
(4) الضمير يعود إلى اللازورد أي زرقة السماء قبيل الغروب.
(5) الليل المذعور هو الشاعر الكئيب المذعور.
(6) في الخريف يمتزج الضباب بالظلام وكأنهما مستنقع داكن
(7) ربما قصد نفوذ الطيور من الضباب إلى صفاء السماء أو رمز بالطيور إلى السماء وهذه الطيور متخابثة لأنها تحدث ثقوباً في الظلام تكشف السماء خلافاً لرغبة الشاعر.
(8) الشهيد هو الشاعر. وقد شبّه البشر السّعداء بالقطعان لتهالكهم على المادّة
(9) الرنات الزرقاء فيها تقارض حواسٍ عُرِفَتْ به الرّمزية. والزرقة هنا لازورد السماء
(10) ترجمة المؤلف عن الأدب المشروح لدى غرانج وشارييه ص409
(11) ترجمة المؤلف عن المصدر السابق ص414
(12) ترجمة المؤلف عن المؤلّف السابق ص416
(13) ترجمة المؤلف عن المصدر السابق ص417
(14) المثاليّ هنا في مقابل الواقعي. فمعطفه لشدة بلاه لم يعد معطفاً حقيقياً بل فكرة معطف.
(15) عقلة الإصبع بطل قزم في قصة كتبها للأطفال شارل بيرّو. وكان ينثر في طريقه حصىً بيضاً ليعرف طريق العودة
(16) حين كان يصلح حذاءه يضمه إلى صدره كقيثارة يشد أوتارها. ولنتصوّر المفارقة المفجعة: حذاءٌ على قلبه!




دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.