أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2015
8287
التاريخ: 3-8-2016
2961
التاريخ: 2023-03-25
1133
التاريخ: 31-7-2016
4191
|
قال الحسن بن محمد النوفليّ : قدم سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله .
ثم قال له : إنّ ابن عمّي علي بن موسى قدم عليّ من الحجاز وهو يحبّ الكلام وأصحابه ، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته .
فقال سليمان : يا أمير المؤمنين إنّي أكره أن اسأل مثله في مجلس في جماعة من بني هاشم ، فينتقص عند القوم إذا كلّمني ولا يجوز الاستقصاء عليه .
قال المأمون : إنّما وجهت إليك لمعرفتي بقوّتك وليس مرادي إلّا أن تقطعه عن حجّة واحدة فقط .
فقال سليمان : حسبك يا أمير المؤمنين . اجمع بيني وبينه وخلّني وإياه وألزم .
فوجّه المأمون إلى الرضا ( عليه السّلام ) ، فقال : إنّه قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام ، فإن خفّ عليك أن تتجشّم المصير إلينا فعلت .
فنهض ( عليه السّلام ) للوضوء وقال لنا : تقدّموني وعمران الصابي معنا ، فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيديّ فأدخلاني على المأمون ، فلمّا سلمت قال :
أين أخي أبو الحسن أبقاه اللّه ؟
قلت : خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدّم ، ثم قلت : يا أمير المؤمنين إنّ عمران مولاك معي وهو بالباب .
فقال : من عمران ؟ قلت الصابي الذي أسلم على يدك .
قال : فليدخل ، فدخل فرحّب به المأمون ، ثم قال له : يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم .
قال : الحمد للّه الذي شرّفني بكم يا أمير المؤمنين .
فقال له المأمون : يا عمران هذا سليمان المروزي متكلّم خراسان .
قال عمران : يا أمير المؤمنين إنّه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء .
قال : فلم لا تناظره ؟
قال عمران : ذلك إليه .
فدخل الرضا ( عليه السّلام ) فقال : في أيّ شيء كنتم ؟
قال عمران : يا بن رسول اللّه هذا سليمان المروزي .
فقال سليمان : أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه ؟
قال عمران : قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجّة احتجّ بها على نظرائي من أهل النظر .
قال المأمون : يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟
قال : وما أنكرت من البداء يا سليمان ؟ واللّه عزّ وجل يقول : أَ وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ويقول عزّ وجل : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ويقول : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ * ويقول عزّ وجل : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ويقول : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ويقول عزّ وجل : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ويقول عزّ وجل : وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ .
قال سليمان : هل رويت فيه شيئا عن آبائك ؟
قال : نعم ، رويت عن أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) أنّه قال : « إن للّه عزّ وجل علمين ، علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلّا هو ، من ذلك يكون البداء وعلما علّمه ملائكته ورسله ، فالعلماء من أهل بيت نبيّه يعلمونه .
قال سليمان : أحبّ أن تنزعه لي من كتاب اللّه عزّ وجلّ .
قال ( عليه السّلام ) : قول اللّه عزّ وجل لنبيه ( صلّى اللّه عليه واله ) : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ أراد هلاكهم ثم بد اللّه فقال : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .
قال سليمان : زدني جعلت فداك .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال : إنّ اللّه عزّ وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه : أن أخبر فلان الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا اللّه الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، فقال : يا ربّ اجّلني يشبّ طفلي وأفضي أمري فأوحى اللّه عزّ وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله وزدت في عمرة خمس عشرة سنة .
فقال ذلك النبي : يا ربّ انّك لتعلم أني لم أكذب قطّ ، فأوحى اللّه عزّ وجل إليه : إنّما أنت عبد مأمور ، فأبلغه ذلك واللّه لا يسأل عمّا يفعل ، ثم التفت إلى سليمان فقال : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب .
قال : أعوذ باللّه من ذلك ، وما قالت اليهود ؟
قال : قالت يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعنون أن اللّه قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا .
فقال اللّه عزّ وجل : غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) عن البداء فقال : وما ينكر الناس من البداء وأن يقف اللّه قوما يرجيهم لأمره .
قال سليمان : ألا تخبرني عن إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في أي شيء أنزلت ؟
قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان ليلة القدر يقدّر اللّه عزّ وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر ، أو رزق فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم .
قال سليمان الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني .
قال ( عليه السّلام ) : يا سليمان إنّ من الأمور أمورا موقوفة عند اللّه تبارك وتعالى يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، يا سليمان إنّ عليا ( عليه السّلام ) كان يقول : العلم علمان : فعلم علّمه اللّه ملائكته ورسله ، فما علّمه ملائكته ورسله فإنّه يكون ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله .
وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء .
قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ، ولا اكذّب به إن شاء اللّه .
فقال المأمون : يا سليمان سل أبا الحسن عما بدالك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف .
قال سليمان : يا سيّدي أسألك ؟
قال الرضا ( عليه السّلام ) : سل عمّا بدالك .
قال : ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة مثل حيّ وسميع وبصير وقدير ؟
قال الرضا ( عليه السّلام ) : إنّما قلتم حدثت الأشياء واختلف لأنّه شاء وأراد ولم
تقولوا حدثت واختلفت لأنه سميع وبصير ، فهذا دليل على أنها ليست بمثل سميع ولا بصير ولا قدير .
قال سليمان : فإنّه لم يزل مريدا .
قال : يا سليمان فإرادته غيره ؟
قال نعم .
قال : فقد أثبتّ معه شيئا غيره لم يزل .
قال سليمان : ما أثبت ؟
قال الرضا ( عليه السّلام ) : أهي محدثة ؟
قال سليمان : لا ما هي محدثة .
فصاح المأمون وقال : يا سليمان مثله يعايا أو يكابر ؟ عليك بالإنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر ثم قال : كلّمه يا أبا الحسن فإنّه متكلّم خراسان ، فأعاد عليه المسألة .
فقال : هي محدثة ، يا سليمان فإنّ الشيء إذا لم يكن أزليّا كان محدثا ، وإذا لم يكن محدثا كان أزليّا .
قال سليمان : إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فإرادته نفسه .
قال : لا .
قال ( عليه السّلام ) : فليس المريد مثل السميع والبصير .
قال سليمان : إنّما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون حيّا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا ؟ !
قال : نعم .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : أفبإرادته كان ذلك ؟ ! ثمّ قال ( عليه السّلام ) : فليس لقولك أراد ، أن يكون حيّا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته .
قال سليمان : بلى ؛ قد كان ذلك بإرادته .
فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضا ( عليه السّلام ) ثم قال لهم : ارفقوا بمتكلّم خراسان . يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغيّر عنها وهذا ممّا لا يوصف اللّه عزّ وجل به ، فانقطع .
ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان أسألك مسألة .
قال : سل جعلت فداك .
قال : أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون ، أو بما لا يعرفون ؟ !
قال : بل بما يفقهون ويعرفون .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة وأنّ المريد قبل الإرادة وأنّ الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم : إنّ الإرادة والمريد شيء واحد .
قال : جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون .
قال ( عليه السّلام ) : فأراكم ادّعيتم علم ذلك بلا معرفة ، وقلتم : الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل ، فلم يحر جوابا .
ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان هل يعلم اللّه عزّ وجل جميع ما في الجنة والنار ؟ !
قال سليمان : نعم .
قال : أفيكون ما علم اللّه عزّ وجل أنه يكون من ذلك ؟
قال : نعم .
قال : فإذا كان حتّى لا يبقى منه شيء إلّا كان ، أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟ !
قال سليمان : بل يزيدهم .
قال : فأراه في قولك : قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون .
قال : جعلت فداك والمزيد لا غاية له .
قال ( عليه السّلام ) : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك ، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيها لم يعلم ما يكون فيها قبل أن يكون ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .
قال سليمان : إنّما قلت لا يعلمه لأنّه لا غاية لهذا ، لأنّ اللّه عزّ وجل وصفهما بالخلود ، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنّه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم ، وكذلك قال اللّه عزّ وجل في كتابه : كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ وقال عزّ وجل لأهل الجنة : عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وقال عزّ وجل : وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ فهو جلّ وعزّ يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه ؟
قال : بلى .
قال : أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟
قال سليمان : لا .
قال : فكذلك كل ما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم .
قال سليمان : بل يقطع عنهم فلا يزيدهم .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : إذا يبيد ما فيها ، وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب ، لأن اللّه عزّ وجل يقول : لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ ويقول عزّ وجل : عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ويقول عزّ وجل : وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ ويقول عزّ وجل : خالِدِينَ فِيها أَبَداً * ويقول عزّ وجل : وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ .
فلم يحر جوابا .
ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل ؟
قال : بل هي فعل .
قال : فهي محدثة لأن الفعل كلّه محدث .
قال : ليست بفعل .
قال : فمعه غيره لم يزل .
قال سليمان : الإرادة هي الإنشاء .
قال : يا سليمان هذا الذي ادّعيتموه على ضرار وأصحابه من قولهم : إنّ كلّ ما خلق اللّه عزّ وجل في سماء أو أرض أو بحر أو برّ ، من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة ، إرادة اللّه عزّ وجل وإن إرادة اللّه عزّ وجل تحيا وتموت ، وتذهب ، وتأكل وتشرب وتنكح وتلد ، وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك ، فتبرّء منها وتعاديها ، وهذا حدّها .
قال سليمان : إنّها كالسمع والبصر والعلم .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : قد رجعت إلى هذا ثانية ، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع .
قال سليمان : لا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فكيف نفيتموه فمرّة قلتم لم يرد ، ومرة قلتم أراد ، وليست بمفعول له ؟ !
قال سليمان : إنّما ذلك كقولنا مرّة علم ومرة لم يعلم .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : ليس ذلك سواء ، لأنّ نفي المعلوم ليس بنفي العلم ، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون ، لأن الشيء إذا لم يرد لم يكن إرادة ، وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر ، فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر ، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم .
قال سليمان : إنّها مصنوعة .
قال ( عليه السّلام ) : فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة .
قال سليمان : إنّها صفة من صفاته لم تزل .
قال : فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل ، لأن صفته لم تزل .
قال سليمان : لا لأنه لم يفعلها .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا خراسانيّ ما أكثر غلطك ، أفليس بإرادته وقوله تكوّن الأشياء ؟
قال سليمان : لا .
قال : فإذا لم يكن بإرادته ولا مشيّته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك ؟ ! تعالى اللّه عن ذلك .
فلم يحر جوابا .
ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : ألا تخبرني عن قول اللّه عزّ وجل : وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها يعني بذلك أنه يحدث إرادة ؟ !
قال : له نعم .
قال : فإذا أحدث إرادة كان قولك : إن الإرادة هي هو أم شيء منه باطلا ، لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغيّر عن حاله ، تعالى اللّه عن ذلك .
قال سليمان : إنّه لم يكن عنى بذلك أنّه يحدث إرادة .
قال : فما عنى به ؟
قال : عنى فعل الشيء .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : ويلك كم تردّد هذه المسألة ، وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة ، لأن فعل الشيء محدث .
قال : فليس لها معنى .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له ، فإذا
لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم : إنّ اللّه لم يزل مريدا .
قال سليمان : إنّما عنيت أنها فعل من اللّه لم يزل .
قال : ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولا وحديثا وقديما في حالة واحدة .
فلم يحر جوابا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : لا بأس ، أتمم مسألتك .
قال سليمان : قلت : إن الإرادة صفة من صفاته .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : كم تردّد عليّ أنها صفة من صفاته ، وصفته محدثة أو لم تزل ؟ !
قال سليمان : محدثة .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : اللّه أكبر فالإرادة محدثة ، وإن كانت صفة من صفاته لم تزل .
فلم يرد شيئا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : إنّ ما لم يزل لا يكون مفعولا .
قال سليمان : ليس الأشياء إرادة ولم يرد شيئا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله ، وهذه صفة من لا يدري ما فعل ، تعالى اللّه عن ذلك .
قال سليمان : يا سيدي قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم .
قال المأمون : ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردّد اقطع هذا وخذ في غيره ، إذا لست تقوى على هذا الردّ .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة ، تكلّم يا سليمان ؟
قال : قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : لا بأس أخبرني عن معنى هذه ، أمعنى واحد أم معان مختلفة ؟ !
قال سليمان : بل معنى واحد .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فمعنى الإرادات كلّها معنى واحد .
قال سليمان : نعم .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام وإرادة القعود وإرادة الحياة وإرادة الموت إذا كانت إرادته واحدة لم يتقدّم بعضها بعضا ولم يخالف بعضها بعضا ، وكان شيئا واحدا .
قال سليمان : إن معناها مختلف .
قال ( عليه السّلام ) : فأخبرني عن المريد أهو الإرادة أو غيرها ؟
قال سليمان : بل هو الإرادة .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فالمريد عندكم يختلف إن كان هو الإرادة .
قال : يا سيدي ليس إلّا إرادة المريد .
قال ( عليه السّلام ) : فالإرادة محدثة ، وإلّا فمعه غيره أفهم وزد في مسألتك .
قال سليمان : فإنها اسم من أسمائه .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : هل سمّى نفسه بذلك ؟
قال سليمان : لا لم يسمّ نفسه بذلك .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فليس لك أن تسمّيه بما لم يسمّ به نفسه ؟
قال : قد وصف نفسه بأنه مريد .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : ليس صفته نفسه أنّه مريد إخبارا عن أنه إرادة ولا إخبارا عن أنّ الإرادة اسم من أسمائه .
قال سليمان : لأنّ إرادته علمه .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا جاهل فإذا علم الشيء فقد أراده .
قال سليمان : أجل .
قال ( عليه السّلام ) : فإذا لم يرده لم يعلمه .
قال سليمان : أجل .
قال ( عليه السّلام ) : من أين قلت ذاك ؟ وما الدليل على أنّ إرادته علمه وقد يعلم ما لا يريده أبدا ، وذلك قوله عزّ وجلّ : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فهو يعلم كيف يذهب به ويذهب به أبدا .
قال سليمان : لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : هذا قول اليهود ، فكيف قال عزّ وجل : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ؟
قال سليمان : إنما عنى بذلك أنه قادر عليه .
قال ( عليه السّلام ) : أفيعد ما لا يفي به ؟ فكيف قال عزّ وجل : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ وقال عزّ وجل : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وقد فرغ الأمر .
فلم يحر جوابا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان هل يعلم أن انسانا يكون ولا يريد أن يخلق إنسانا أبدا وأن إنسانا يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم ؟
قال سليمان : نعم .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : فيعلم أنّه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون ؟ !
قال : يعلم أنّهما يكونان جميعا .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : إذن يعلم أن إنسانا حيّ ميّت ، قائم قاعد ، أعمى بصير في حال واحدة وهذا هو المحال .
قال : جعلت فداك فإنّه يعلم أنّه يكون أحدهما دون الآخر .
قال ( عليه السّلام ) : لا بأس فأيّهما يكون ؟ الذي أراد أن يكون ، أو الذي لم يرد أن يكون .
قال سليمان : الذي أراد أن يكون فضحك الرضا ( عليه السّلام ) والمأمون وأصحاب المقالات .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : غلطت وتركت قولك : إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم وإنه يخلق خلقا وهو لا يريد أن يكون .
قال سليمان : فانّما قولي : إن الإرادة ليست هو ولا غيره .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا جاهل إذا قلت : ليست هو فقد جعلتها غيره وإذا قلت : ليست هي غيره فقد جعلتها هو .
قال سليمان : فهو يعلم ، فكيف يصنع الشيء .
قال ( عليه السّلام ) : نعم .
قال سليمان : فإنّ ذلك إثبات الشيء .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : أحلت ، لأن الرجل قد يحسن البناء ، وإن لم يبن ، ويحسن الخياط وإن لم يخط ، ويحسن صنعة الشيء وإن لم يصنعه أبدا .
ثم قال له : يا سليمان ، هل يعلم أنه واحد لا شيء معه ؟ !
قال : نعم .
قال : أفيكون ذلك إثباتا للشيء ؟ !
قال سليمان : ليس يعلم أنه واحد لا شيء معه .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : أفتعلم أنت ذاك ؟ ! ثمّ قال : فأنت يا سليمان أعلم إذا .
قال سليمان : المسألة محال .
قال : محال عندك أنه واحد لا شيء معه ، وأنّه سميع بصير ، حكيم ، عليم ، وقادر ؟
قال : نعم .
قال ( عليه السّلام ) : فكيف أخبر اللّه عزّ وجل أنه واحد حيّ سميع ، بصير ، عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ؟ وهذا ردّ ما قال وتكذيبه ، تعالى اللّه عن ذلك .
ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : فكيف يريد صنع مالا يدري صنعه ، ولا ما هو ؟ ! وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أن يصنعه فإنّما هو متحيّر ، تعالى اللّه عن ذلك .
قال سليمان : فإن الإرادة القدرة .
قال الرضا ( عليه السّلام ) : وهو عزّ وجل يقدر على ما لا يريده أبدا ، ولا بدّ من ذلك لأنّه قال تبارك وتعالى : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، فلو كانت الإرادة هي القدرة ، كان قد أراد أن يذهب به لقدرته .
فانقطع سليمان .
قال المأمون عند ذلك : يا سليمان هذا أعلم هاشميّ ، ثم تفرّق القوم[1].
[1] التوحيد : 441 - 454 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|