المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية الماشية في جمهورية مصر العربية
2024-11-06
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05

الشبكة العالمية " WEB" WWW
23-7-2022
النفاس
2023-05-20
صورة العملة النقدية بعهد المامون
17-9-2017
إعداد بذور البن
2024-03-11
المعاملات الحيوية Biotreatments
1-9-2017
اللواط والنظرة الاعجازية في القران
22-04-2015


حوار الإمام الرضا (عليه السلام) مع سليمان المروزي  
  
1538   01:44 صباحاً   التاريخ: 2023-03-25
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 10، ص222-235
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / التراث الرضوي الشريف /

قال الحسن بن محمد النوفليّ : قدم سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله .

ثم قال له : إنّ ابن عمّي علي بن موسى قدم عليّ من الحجاز وهو يحبّ الكلام وأصحابه ، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته .

فقال سليمان : يا أمير المؤمنين إنّي أكره أن اسأل مثله في مجلس في جماعة من بني هاشم ، فينتقص عند القوم إذا كلّمني ولا يجوز الاستقصاء عليه .

قال المأمون : إنّما وجهت إليك لمعرفتي بقوّتك وليس مرادي إلّا أن تقطعه عن حجّة واحدة فقط .

فقال سليمان : حسبك يا أمير المؤمنين . اجمع بيني وبينه وخلّني وإياه وألزم .

فوجّه المأمون إلى الرضا ( عليه السّلام ) ، فقال : إنّه قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام ، فإن خفّ عليك أن تتجشّم المصير إلينا فعلت .

فنهض ( عليه السّلام ) للوضوء وقال لنا : تقدّموني وعمران الصابي معنا ، فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيديّ فأدخلاني على المأمون ، فلمّا سلمت قال :

أين أخي أبو الحسن أبقاه اللّه ؟

قلت : خلّفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدّم ، ثم قلت : يا أمير المؤمنين إنّ عمران مولاك معي وهو بالباب .

فقال : من عمران ؟ قلت الصابي الذي أسلم على يدك .

قال : فليدخل ، فدخل فرحّب به المأمون ، ثم قال له : يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم .

قال : الحمد للّه الذي شرّفني بكم يا أمير المؤمنين .

فقال له المأمون : يا عمران هذا سليمان المروزي متكلّم خراسان .

قال عمران : يا أمير المؤمنين إنّه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء .

قال : فلم لا تناظره ؟

قال عمران : ذلك إليه .

فدخل الرضا ( عليه السّلام ) فقال : في أيّ شيء كنتم ؟

قال عمران : يا بن رسول اللّه هذا سليمان المروزي .

فقال سليمان : أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه ؟

قال عمران : قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجّة احتجّ بها على نظرائي من أهل النظر .

قال المأمون : يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟

قال : وما أنكرت من البداء يا سليمان ؟ واللّه عزّ وجل يقول : أَ وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ويقول عزّ وجل : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ويقول : بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ * ويقول عزّ وجل : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ويقول : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ويقول عزّ وجل : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ويقول عزّ وجل : وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ .

قال سليمان : هل رويت فيه شيئا عن آبائك ؟

قال : نعم ، رويت عن أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) أنّه قال : « إن للّه عزّ وجل علمين ، علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلّا هو ، من ذلك يكون البداء وعلما علّمه ملائكته ورسله ، فالعلماء من أهل بيت نبيّه يعلمونه .

قال سليمان : أحبّ أن تنزعه لي من كتاب اللّه عزّ وجلّ .

قال ( عليه السّلام ) : قول اللّه عزّ وجل لنبيه ( صلّى اللّه عليه واله ) : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ أراد هلاكهم ثم بد اللّه فقال : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .

قال سليمان : زدني جعلت فداك .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال : إنّ اللّه عزّ وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه : أن أخبر فلان الملك أني متوفّيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا اللّه الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، فقال : يا ربّ اجّلني يشبّ طفلي وأفضي أمري فأوحى اللّه عزّ وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله وزدت في عمرة خمس عشرة سنة .

فقال ذلك النبي : يا ربّ انّك لتعلم أني لم أكذب قطّ ، فأوحى اللّه عزّ وجل إليه : إنّما أنت عبد مأمور ، فأبلغه ذلك واللّه لا يسأل عمّا يفعل ، ثم التفت إلى سليمان فقال : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب .

قال : أعوذ باللّه من ذلك ، وما قالت اليهود ؟

قال : قالت يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعنون أن اللّه قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا .

فقال اللّه عزّ وجل : غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) عن البداء فقال : وما ينكر الناس من البداء وأن يقف اللّه قوما يرجيهم لأمره .

قال سليمان : ألا تخبرني عن إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في أي شيء أنزلت ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان ليلة القدر يقدّر اللّه عزّ وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر ، أو رزق فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم .

قال سليمان الآن قد فهمت جعلت فداك فزدني .

قال ( عليه السّلام ) : يا سليمان إنّ من الأمور أمورا موقوفة عند اللّه تبارك وتعالى يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ، يا سليمان إنّ عليا ( عليه السّلام ) كان يقول : العلم علمان : فعلم علّمه اللّه ملائكته ورسله ، فما علّمه ملائكته ورسله فإنّه يكون ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله .

وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه يقدم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء .

قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ، ولا اكذّب به إن شاء اللّه .

فقال المأمون : يا سليمان سل أبا الحسن عما بدالك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف .

قال سليمان : يا سيّدي أسألك ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : سل عمّا بدالك .

قال : ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة مثل حيّ وسميع وبصير وقدير ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إنّما قلتم حدثت الأشياء واختلف لأنّه شاء وأراد ولم

تقولوا حدثت واختلفت لأنه سميع وبصير ، فهذا دليل على أنها ليست بمثل سميع ولا بصير ولا قدير .

قال سليمان : فإنّه لم يزل مريدا .

قال : يا سليمان فإرادته غيره ؟

قال نعم .

قال : فقد أثبتّ معه شيئا غيره لم يزل .

قال سليمان : ما أثبت ؟

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أهي محدثة ؟

قال سليمان : لا ما هي محدثة .

فصاح المأمون وقال : يا سليمان مثله يعايا أو يكابر ؟ عليك بالإنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر ثم قال : كلّمه يا أبا الحسن فإنّه متكلّم خراسان ، فأعاد عليه المسألة .

فقال : هي محدثة ، يا سليمان فإنّ الشيء إذا لم يكن أزليّا كان محدثا ، وإذا لم يكن محدثا كان أزليّا .

قال سليمان : إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فإرادته نفسه .

قال : لا .

قال ( عليه السّلام ) : فليس المريد مثل السميع والبصير .

قال سليمان : إنّما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون حيّا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا ؟ !

قال : نعم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أفبإرادته كان ذلك ؟ ! ثمّ قال ( عليه السّلام ) : فليس لقولك أراد ، أن يكون حيّا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته .

قال سليمان : بلى ؛ قد كان ذلك بإرادته .

فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضا ( عليه السّلام ) ثم قال لهم : ارفقوا بمتكلّم خراسان . يا سليمان فقد حال عندكم عن حاله وتغيّر عنها وهذا ممّا لا يوصف اللّه عزّ وجل به ، فانقطع .

ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان أسألك مسألة .

قال : سل جعلت فداك .

قال : أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون ، أو بما لا يعرفون ؟ !

قال : بل بما يفقهون ويعرفون .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فالذي يعلم الناس أنّ المريد غير الإرادة وأنّ المريد قبل الإرادة وأنّ الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم : إنّ الإرادة والمريد شيء واحد .

قال : جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون .

قال ( عليه السّلام ) : فأراكم ادّعيتم علم ذلك بلا معرفة ، وقلتم : الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل ، فلم يحر جوابا .

ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان هل يعلم اللّه عزّ وجل جميع ما في الجنة والنار ؟ !

قال سليمان : نعم .

قال : أفيكون ما علم اللّه عزّ وجل أنه يكون من ذلك ؟

قال : نعم .

قال : فإذا كان حتّى لا يبقى منه شيء إلّا كان ، أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟ !

قال سليمان : بل يزيدهم .

قال : فأراه في قولك : قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون .

قال : جعلت فداك والمزيد لا غاية له .

قال ( عليه السّلام ) : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك ، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيها لم يعلم ما يكون فيها قبل أن يكون ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا .

قال سليمان : إنّما قلت لا يعلمه لأنّه لا غاية لهذا ، لأنّ اللّه عزّ وجل وصفهما بالخلود ، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنّه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم ، وكذلك قال اللّه عزّ وجل في كتابه : كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ وقال عزّ وجل لأهل الجنة : عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ وقال عزّ وجل : وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ فهو جلّ وعزّ يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه ؟

قال : بلى .

قال : أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟

قال سليمان : لا .

قال : فكذلك كل ما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم .

قال سليمان : بل يقطع عنهم فلا يزيدهم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إذا يبيد ما فيها ، وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب ، لأن اللّه عزّ وجل يقول : لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ ويقول عزّ وجل : عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ويقول عزّ وجل : وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ ويقول عزّ وجل : خالِدِينَ فِيها أَبَداً * ويقول عزّ وجل : وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ .

فلم يحر جوابا .

ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل ؟

قال : بل هي فعل .

قال : فهي محدثة لأن الفعل كلّه محدث .

قال : ليست بفعل .

قال : فمعه غيره لم يزل .

قال سليمان : الإرادة هي الإنشاء .

قال : يا سليمان هذا الذي ادّعيتموه على ضرار وأصحابه من قولهم : إنّ كلّ ما خلق اللّه عزّ وجل في سماء أو أرض أو بحر أو برّ ، من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة ، إرادة اللّه عزّ وجل وإن إرادة اللّه عزّ وجل تحيا وتموت ، وتذهب ، وتأكل وتشرب وتنكح وتلد ، وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك ، فتبرّء منها وتعاديها ، وهذا حدّها .

قال سليمان : إنّها كالسمع والبصر والعلم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : قد رجعت إلى هذا ثانية ، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع .

قال سليمان : لا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فكيف نفيتموه فمرّة قلتم لم يرد ، ومرة قلتم أراد ، وليست بمفعول له ؟ !

قال سليمان : إنّما ذلك كقولنا مرّة علم ومرة لم يعلم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : ليس ذلك سواء ، لأنّ نفي المعلوم ليس بنفي العلم ، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون ، لأن الشيء إذا لم يرد لم يكن إرادة ، وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر ، فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر ، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم .

قال سليمان : إنّها مصنوعة .

قال ( عليه السّلام ) : فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة .

قال سليمان : إنّها صفة من صفاته لم تزل .

قال : فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل ، لأن صفته لم تزل .

قال سليمان : لا لأنه لم يفعلها .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا خراسانيّ ما أكثر غلطك ، أفليس بإرادته وقوله تكوّن الأشياء ؟

قال سليمان : لا .

قال : فإذا لم يكن بإرادته ولا مشيّته ولا أمره ولا بالمباشرة فكيف يكون ذلك ؟ ! تعالى اللّه عن ذلك .

فلم يحر جوابا .

ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : ألا تخبرني عن قول اللّه عزّ وجل : وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها يعني بذلك أنه يحدث إرادة ؟ !

قال : له نعم .

قال : فإذا أحدث إرادة كان قولك : إن الإرادة هي هو أم شيء منه باطلا ، لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغيّر عن حاله ، تعالى اللّه عن ذلك .

قال سليمان : إنّه لم يكن عنى بذلك أنّه يحدث إرادة .

قال : فما عنى به ؟

قال : عنى فعل الشيء .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : ويلك كم تردّد هذه المسألة ، وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة ، لأن فعل الشيء محدث .

قال : فليس لها معنى .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له ، فإذا

لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم : إنّ اللّه لم يزل مريدا .

قال سليمان : إنّما عنيت أنها فعل من اللّه لم يزل .

قال : ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولا وحديثا وقديما في حالة واحدة .

فلم يحر جوابا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : لا بأس ، أتمم مسألتك .

قال سليمان : قلت : إن الإرادة صفة من صفاته .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : كم تردّد عليّ أنها صفة من صفاته ، وصفته محدثة أو لم تزل ؟ !

قال سليمان : محدثة .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : اللّه أكبر فالإرادة محدثة ، وإن كانت صفة من صفاته لم تزل .

فلم يرد شيئا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إنّ ما لم يزل لا يكون مفعولا .

قال سليمان : ليس الأشياء إرادة ولم يرد شيئا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله ، وهذه صفة من لا يدري ما فعل ، تعالى اللّه عن ذلك .

قال سليمان : يا سيدي قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم .

قال المأمون : ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردّد اقطع هذا وخذ في غيره ، إذا لست تقوى على هذا الردّ .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة ، تكلّم يا سليمان ؟

قال : قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : لا بأس أخبرني عن معنى هذه ، أمعنى واحد أم معان مختلفة ؟ !

قال سليمان : بل معنى واحد .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فمعنى الإرادات كلّها معنى واحد .

قال سليمان : نعم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فإن كان معناها معنى واحدا كانت إرادة القيام وإرادة القعود وإرادة الحياة وإرادة الموت إذا كانت إرادته واحدة لم يتقدّم بعضها بعضا ولم يخالف بعضها بعضا ، وكان شيئا واحدا .

قال سليمان : إن معناها مختلف .

قال ( عليه السّلام ) : فأخبرني عن المريد أهو الإرادة أو غيرها ؟

قال سليمان : بل هو الإرادة .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فالمريد عندكم يختلف إن كان هو الإرادة .

قال : يا سيدي ليس إلّا إرادة المريد .

قال ( عليه السّلام ) : فالإرادة محدثة ، وإلّا فمعه غيره أفهم وزد في مسألتك .

قال سليمان : فإنها اسم من أسمائه .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : هل سمّى نفسه بذلك ؟

قال سليمان : لا لم يسمّ نفسه بذلك .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فليس لك أن تسمّيه بما لم يسمّ به نفسه ؟

قال : قد وصف نفسه بأنه مريد .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : ليس صفته نفسه أنّه مريد إخبارا عن أنه إرادة ولا إخبارا عن أنّ الإرادة اسم من أسمائه .

قال سليمان : لأنّ إرادته علمه .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا جاهل فإذا علم الشيء فقد أراده .

قال سليمان : أجل .

قال ( عليه السّلام ) : فإذا لم يرده لم يعلمه .

قال سليمان : أجل .

قال ( عليه السّلام ) : من أين قلت ذاك ؟ وما الدليل على أنّ إرادته علمه وقد يعلم ما لا يريده أبدا ، وذلك قوله عزّ وجلّ : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فهو يعلم كيف يذهب به ويذهب به أبدا .

قال سليمان : لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : هذا قول اليهود ، فكيف قال عزّ وجل : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ؟

قال سليمان : إنما عنى بذلك أنه قادر عليه .

قال ( عليه السّلام ) : أفيعد ما لا يفي به ؟ فكيف قال عزّ وجل : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ وقال عزّ وجل : يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وقد فرغ الأمر .

فلم يحر جوابا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا سليمان هل يعلم أن انسانا يكون ولا يريد أن يخلق إنسانا أبدا وأن إنسانا يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم ؟

قال سليمان : نعم .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : فيعلم أنّه يكون ما يريد أن يكون أو يعلم أنه يكون ما لا يريد أن يكون ؟ !

قال : يعلم أنّهما يكونان جميعا .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : إذن يعلم أن إنسانا حيّ ميّت ، قائم قاعد ، أعمى بصير في حال واحدة وهذا هو المحال .

قال : جعلت فداك فإنّه يعلم أنّه يكون أحدهما دون الآخر .

قال ( عليه السّلام ) : لا بأس فأيّهما يكون ؟ الذي أراد أن يكون ، أو الذي لم يرد أن يكون .

قال سليمان : الذي أراد أن يكون فضحك الرضا ( عليه السّلام ) والمأمون وأصحاب المقالات .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : غلطت وتركت قولك : إنه يعلم أن إنسانا يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم وإنه يخلق خلقا وهو لا يريد أن يكون .

قال سليمان : فانّما قولي : إن الإرادة ليست هو ولا غيره .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : يا جاهل إذا قلت : ليست هو فقد جعلتها غيره وإذا قلت : ليست هي غيره فقد جعلتها هو .

قال سليمان : فهو يعلم ، فكيف يصنع الشيء .

قال ( عليه السّلام ) : نعم .

قال سليمان : فإنّ ذلك إثبات الشيء .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أحلت ، لأن الرجل قد يحسن البناء ، وإن لم يبن ، ويحسن الخياط وإن لم يخط ، ويحسن صنعة الشيء وإن لم يصنعه أبدا .

ثم قال له : يا سليمان ، هل يعلم أنه واحد لا شيء معه ؟ !

قال : نعم .

قال : أفيكون ذلك إثباتا للشيء ؟ !

قال سليمان : ليس يعلم أنه واحد لا شيء معه .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : أفتعلم أنت ذاك ؟ ! ثمّ قال : فأنت يا سليمان أعلم إذا .

قال سليمان : المسألة محال .

قال : محال عندك أنه واحد لا شيء معه ، وأنّه سميع بصير ، حكيم ، عليم ، وقادر ؟

قال : نعم .

قال ( عليه السّلام ) : فكيف أخبر اللّه عزّ وجل أنه واحد حيّ سميع ، بصير ، عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ؟ وهذا ردّ ما قال وتكذيبه ، تعالى اللّه عن ذلك .

ثم قال الرضا ( عليه السّلام ) : فكيف يريد صنع مالا يدري صنعه ، ولا ما هو ؟ ! وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشيء قبل أن يصنعه فإنّما هو متحيّر ، تعالى اللّه عن ذلك .

قال سليمان : فإن الإرادة القدرة .

قال الرضا ( عليه السّلام ) : وهو عزّ وجل يقدر على ما لا يريده أبدا ، ولا بدّ من ذلك لأنّه قال تبارك وتعالى : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، فلو كانت الإرادة هي القدرة ، كان قد أراد أن يذهب به لقدرته .

فانقطع سليمان .

قال المأمون عند ذلك : يا سليمان هذا أعلم هاشميّ ، ثم تفرّق القوم[1].

 


[1] التوحيد : 441 - 454 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.