أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-09
1040
التاريخ: 2023-06-03
922
التاريخ: 28-2-2016
1293
التاريخ: 2023-06-11
798
|
أذكر أنني حضرت دورة تعليمية في علم الفلك في جامعة لندن عام 1967 كان المحاضر فيها يتحدث عن موضوع إشعاع الخلفية الكوني، الذي كان يعد أحد الاكتشافات الحديثة وقتها. وقد أخبرنا أنه بالاستناد إلى ما يمكن استقاؤه من هذا الاكتشاف بشأن الحالة المبكرة الكثيفة الحارة للكون من الممكن التوصل إلى التغيرات الفيزيائية التي وقعت في الدقائق القليلة الأولى التي أعقبت الانفجار العظيم. انفجر جميع الحاضرين في الضحك؛ ففي تلك الأيام كان من الصعب أخذ أي تحليل تفصيلي لما كان الكون عليه بعد دقائق من نشوئه بمحمل الجد. وحتى الإنجيل لا يخبرنا عن الأمر إلا بالكلمات «في اليوم الأول». ومع هذا، في غضون سنوات قليلة صار (الكون المبكر) - الذي حدده علماء الكونيات على أنه المرحلة الممتدة ما بين واحد ميكروثانية بعد الانفجار العظيم ووقت التقاط صور المسبار WmAP (380 ألف عام) - موضوع دراسة روتينيا في المحاضرات ومشاريع رسائل الدكتوراه. وحتى كتاب ستيفن واينبرج الذي حقق أعلى المبيعات بعنوان «الدقائق الثلاث الأولى» كان يعد بالفعل من المراجعات التقليدية حين نشر عام 1977.
دعوني أبدأ بذكر بعض الإنجازات المباشرة لنظرية الانفجار العظيم. إن أكبر نجاحاتها يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالموضوع الرئيسي لهذا الكتاب؛ ملاءمة الكون للحياة. ان بعض متطلبات الحياة، وعلى رأسها وجود مخزون من العناصر الكيميائية المتعددة التي تستخدمها الكائنات الحية. هذه العناصر لم توجد لحظة الانفجار العظيم؛ إذ كانت الحرارة شديدة بما يمنع تكونها. وبعد عقود من الأبحاث صار من الممكن إعادة بناء كيفية تكون العناصر بنوع من التفصيل. تبدأ القصة بعد الانفجار العظيم بثانية واحدة في ذلك الوقت كانت الحرارة تزيد عن 10 مليار درجة مئوية، أي أشد حرارة من أشد النجوم حرارة. في ظل هذه الظروف لا تستطيع الذرات التواجد، وحتى أنوية الذرات ستتهشم تمامًا. على هذا لم تكن حالة الكون وهو في عمر ثانية واحدة إلا حساء (أو بلازما على نحو أدق) من المكونات الذرية الحرة؛ بروتونات ونيوترونات وإلكترونات.
الهيدروجين هو أبسط العناصر الكيميائية؛ إذ تحتوي نواته على بروتون وحيد. إن أغلب البروتونات التي خرجت من الانفجار العظيم ظلت حرة، وقدر لها أن تكون ذرات هيدروجين فور أن هدأت حرارة الكون بما يكفي كي يقتنص كل بروتون إلكترونا. (هذه الخطوة الأخيرة لم تحدث لقرابة 400 ألف عام.) في الوقت ذاته لم تكن جميع البروتونات منعزلة؛ إذ اصطدم بعضها بنيوترونات والتصق بها مكونا الدويتيريوم، وهو أحد النظائر النادرة للهيدروجين يحمل بروتونا ونيوترونا في كل نواة. واندمجت بروتونات أخرى مكونة الهليوم، ثاني أبسط العناصر الكيميائية، وتحتوي نواته على بروتونين ونيوترونين. إن ما أصفه يطلق عليه الاندماج النووي، وهي عملية معروفة بشكل كبير. بإمكان البروتونات والنيوترونات أن تندمج معًا مكونة أنوية مركبة فور أن تهبط درجة الحرارة بقدر معين حتى لا تتحطم النواة المكونة حديثًا ثانية بسبب الحرارة الشديدة. إلا أن نافذة الفرص أمام الاندماج النووي كانت محدودة؛ حيث فتحت والكون يبلغ من العمر 100 ثانية أو نحو ذلك، وأغلقت مجددًا بعد دقائق قليلة. وفور هبوط الحرارة ما دون حوالي المائة مليون درجة، يتوقف الاندماج النووي لافتقار البروتونات الطاقة التي تمكنها من التغلب على قوى التنافر الكهربي المتبادلة.
من الممكن احتساب مقدار الهليوم المتكون وعدد البروتونات التي تركت حرة لتكون الهيدروجين على افتراض صحة الفكرة الأساسية للانفجار العظيم الحار. تبلغ الإجابة حوالي ثلاث ذرات هيدروجين في مقابل كل ذرة هليوم، ولا شيء آخر دون ذلك (خلا كميات ضئيلة من الدويتيريوم والليثيوم). هذا تقريبًا ما قدره علماء الفلك فيما يخص الوفرة النسبية لأبسط العناصر. كيف عرفوا؟ إن كل العناصر الكيميائية تحمل، على الضوء الذي ينبعث منها، (كودًا شريطيًّا) على صورة خطوط مرئية في أطيافها، وبتحليل الضوء الصادر عن النجوم يستطيع علماء الفلك قراءة هذه الأكواد الشريطية ومعرفة ما يتكون منه النجم. يستخدم نفس الأسلوب مع أي مصدر فلكي يطلق (أو يمتص الضوء، بما في ذلك سحب الغاز المنتشرة. وعن طريق هذه القياسات بتنا نعرف أن الكون مكون بالكامل تقريبًا من الهيدروجين والهليوم بنسبة تقارب الثلاثة إلى واحد. إن الهليوم، إذن، هو الأثر الباقي للدقائق الأولى القليلة للكون.1
ذكرت للتو أن الاندماج النووي أمر معروف. في حقيقة الأمر أغلب العمليات الفيزيائية التي جرت خلال الفترة بين واحد على مليون من الثانية وعدة دقائق من الانفجار العظيم تعتبر من الأشياء العادية الآن. ولا أعني ذلك من الناحية النظرية وحسب؛ إذ صار من الممكن اختبار العمليات الفيزيائية التي جرت في الكون المبكر بطريقة مباشرة في المختبرات. في لونج أيلاند توجد آلة عملاقة تسمى مصادم الأيونات الثقيلة والمصممة بغرض دفع أنوية الذهب وغيره من الذرات الثقيلة للارتطام بعضها ببعض مباشرة، بقوة كافية تحاكي ظروف الكون المبكر بعد جزء من المليون من الثانية من بدايته، حين كانت درجة الحرارة تربو على التريليون درجة. هذه التصادمات عالية الطاقة تمكن العلماء في مختبر بروكهافن الوطني، الذي ابتكر المعجل من رؤية ما كان يحدث حين كان الكون الذي نشاهده اليوم مضغوطا إلى حجم لا يتجاوز حجم نظامنا الشمسي، في درجة حرارة تزيد بمليون ضعف عن حرارة قلب الشمس. وقد اتضح أنه في ظل هذه الظروف القاسية، حتى البروتونات والنيوترونات لا يمكنها التواجد ككيانات مستقلة، بل كانت منصهرة في خليط غير منتظم الشكل من الشظايا دون النووية.
هوامش
(1) The helium that is used to fill balloons comes not from the big bang, but from the product of radioactive decay in the Earth’s interior.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|