أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-3-2022
1993
التاريخ: 7-8-2020
1821
التاريخ: 28-2-2016
1319
التاريخ: 25-8-2020
1252
|
على مدار التاريخ اقتنع العديد من المفكرين البارزين بأن العالم الذي نرصده بحواسنا ليس إلا تجسيدًا سطحيًّا لحقيقة خفية أعمق من المفترض أن نعثر بها على إجابات أسئلة الوجود العظيمة. ظل هذا الاعتقاد مسيطرًا حتى إن مجتمعات بأكملها تشكلت وفقه. استعان الباحثون عن الحقيقة بطقوس وشعائر، واستخدموا العقاقير والتأمل من أجل الدخول في حالات أشبه بالغشية، واستشاروا الكهنة والمتصوفين ورجال الدين في محاولة منهم لكشف النقاب عن العالم الغامض الواقع خلف ذلك الذي ندركه. وقد ظل البحث عن سبيل لذلك العالم الخفي شغلا شاغلا لجميع الثقافات، بداية من أساطير سكان أستراليا الأصليين وصولا إلى فكرة تذوق آدم وحواء الثمرة المحرمة لشجرة المعرفة.
لم يساعد الجدل الفكري والمنطق على التخلص من الفكرة الآسرة بوجود حقيقة خفية شبه الفيلسوف اليوناني القديم أفلاطون عالمنا الظاهر بظل يتراقص على جدران أحد الكهوف، وكان أتباع فيثاغورث مقتنعين بأن الأرقام تحمل مغزى خفيًّا، ويذخر الإنجيل بإشارات عديدة للأعداد، على سبيل المثال الظهور المتكرر للرقمين 7 و40، أو ارتباط العدد 666 بالشيطان. إن قوة الأرقام قادت إلى الاعتقاد بأنه بإمكان أرقام، وأشكال هندسية، ومعادلات بعينها أن تنشئ تواصلا مع ذلك العالم الخارق للطبيعة، وأنه يمكن لشفرات غامضة، معروفة فقط للمطلعين، أن تكشف لنا عن أسرار الكون الخفية.3 لا تزال بقايا علم الأعداد العتيق موجودة في وقتنا هذا؛ إذ يعتقد بعض المؤمنين بالخرافات أن أرقامًا مثل 8 و13 قد تكون جالبة للحظ السعيد أو التعيس.
لم تحقق محاولات اكتساب معلومات مفيدة عن العالم من خلال السحر والتصوف والشفرات الرياضية السرية أي نجاح. لكن منذ حوالي 350 عاما عثر أعظم ساحر عرفته البشرية على مفتاح الكون، شفرة كونية يمكنها فتح أبواب المعرفة. كان هذا الرجل هو إسحاق نيوتن المتصوف وعالم اللاهوت والخيميائي، ورغم ميله للتصوف فإنه كان أكثر من أسهم في تغيير عصر السحر إلى عصر العلم. أسهم نيوتن، مع عدد قليل من العلماء البارزين من بينهم نيكولاس كوبرنيكوس ويوهانز كبلر وجاليليو جاليلي، في ميلاد عصر العلم الحديث. إن كلمة science التي تعني «علم» بالإنجليزية مشتقة من الكلمة اللاتينية scientia التي تعني «المعرفة». في البداية لم يكن العلم إلا أسلوبًا غامضًا آخر من الأساليب الكثيرة التي تسعى للتغلب على قصور حواسنا على أمل الوصول إلى الحقيقة غير المرئية. لكن هذا النوع تحديدًا من «السحر» الذي وظفه العلماء الأوائل تضمن إجراءات خاصة لم تكن مألوفة حتى ذلك الوقت؛ على غرار إجراء الحسابات باستخدام الرموز الرياضية على قطع من الورق واستمالة المادة للتصرف على نحو غريب. اليوم نحن نأخذ هذه الأمور كأمور مسلم بها ونطلق عليها نظريات وتجارب علمية. لم يعد منهج البحث العلمي فرعًا من السحر؛ تلك الهواية الغريبة التي تمارسها جماعة مغلقة من الكهنة. إلا أن الألفة تولد الازدراء، وفي أيامنا هذه بات يُنظر إلى أهمية المنهج العلمي بنوع من عدم التقدير. وعلى وجه الخصوص لا يندهش الناس كثيرًا من أن العلم «ناجح» بالفعل، وأننا نملك بين يدينا مفتاح هذا الكون. لقد كان القدماء محقين؛ فأسفل ذلك التعقيد السطحي للطبيعة يكمن معنى ضمني، مكتوب بشفرة رياضية بارعة. تحتوي هذه الشفرة الكونية 4 على القواعد السرية التي يسير العالم وفقًا لها. تعامل نيوتن وجاليليو وغيرهما من أوائل العلماء مع هذا البحث كنوع من السعي الديني؛ إذ كانوا يعتقدون أنه بالكشف عن الأنماط المنسوجة في عمليات الطبيعة سيتعرفون بشكل أكبر على عقلية الخالق 5 لا يتعامل أغلب العلماء المعاصرين مع العلم من المنظور الديني، ومع ذلك فهم يقبلون بوجود نص واضح تعمل الطبيعة وفقه، لأنهم لو لم يؤمنوا بذلك فسيفتقدون الدافع للبحث العلمي من الأساس، وهو الكشف عن شيء ذي معنى بشأن العالم لسنا على معرفة به بالفعل.
لم يكن العثور على مفتاح الكون أمرًا حتميًّا، ففي البداية لا يوجد سبب منطقي يحتم وجود هذا النص الرياضي الكامن في الطبيعة من الأساس. وحتى لو كان موجودًا فلا يوجد سبب واضح يجعل البشر قادرين على فهمه. إنك لن تستطيع قط بالنظر إلى العالم المادي تخمين أن أسفل سطح الظواهر الطبيعية المضطربة يكمن نظام مجرد لا يمكن رؤيته أو سماعه، فقط يمكن استنتاج وجوده. وحتى أصحاب أذكى العقول لا يمكنهم من واقع الخبرات اليومية وحدها أن يدركوا أن النظم الطبيعية المتباينة التي يتألف منها الكون متصلة، في أعماقها، بواسطة شبكة من العلاقات الرياضية المشفرة. ومع ذلك فقد كشف العلم عن وجود هذا النطاق الرياضي الخفي، وهكذا صرنا نحن البشر، مطلعين على كيفية عمل الكون. إن الحيوانات الأخرى تشاهد نفس الظواهر مثلنا، لكن المخلوق الوحيد على سطح هذا الكوكب الذي تمكن من تفسيرها هو الإنسان العاقل.
كيف تحقق هذا؟ بشكل ما صمم الكون، ليس فقط وعيه الخاص، بل أيضًا فهمه الخاص. لقد تآزرت الذرات المتخبطة غير العاقلة كي لا توجد الحياة وحدها، ولا العقل وحده، بل الفهم أيضًا. وهكذا أنتج الكون المتطور بشرًا قادرين ليس فقط على مشاهدة العرض، بل على كشف حبكته أيضًا. ما الذي مكن شيئًا صغيرًا رقيقًا متكيفًا مع الحياة الأرضية كالمخ البشري أن يتوحد مع شمولية الكون والنغمة الرياضية الصامتة التي يرقص وفقًا لها؟ حسب علمنا، هذه هي المرة الأولى والوحيدة في أي مكان من الكون التي تفهمت فيها العقول الشفرة الكونية. وإذا زال البشر من الوجود في غمضة عين كونية فقد لا يحدث هذا مجددًا. قد يستمر الكون لتريليون عام أخرى، محاطا بالغموض التام، خلا لحظة تنوير عابرة مرت على كوكب صغير يدور حول نجم عادي في مجرة لا يميزها شيء، ظهرت للوجود بعد 13.7 مليار عام من بداية كل شيء.
هل لا يمكن أن يكون هذا إلا مصادفة؟ هل حقيقة ارتباط أعمق مستويات الواقع مع ظاهرة طبيعية خاصة نطلق عليها «العقل البشري قد لا تمثل سوى لحظة شذوذ وقتية عجيبة مرت بهذا الكون العبثي الذي بلا معنى؟ أم أن هناك حبكة أخرى أعمق تؤدي عملها؟
هوامش
(3) Martin Gardner, “WAP, SAP, PAP, & FAP,” New York Review of Books, May 8, 1986.
(4) Leonard Susskind, the Cosmic Landscape: String Theory and the Illusion of Intelligent Design (New York: Little, Brown, 2005), p. 138.
(5) Bernard Carr (ed.), Universe or Multiverse? (Cambridge, UK: Cambridge University Press, 2007). (6) Paul Davies, the Mind of God (New York: Simon & Schuster, 1992).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|