أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-5-2020
2613
التاريخ: 11-8-2020
1576
التاريخ: 2023-02-06
1241
التاريخ: 19-8-2020
2112
|
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يا علي، ثلاث مَن لقي لله بهنّ فهو من أفضل الناس: مَن أتى الله بما افترض الله عليه فهو مِن أعبد النّاس، ومَن ورع عن محارم الله فهو مِن أورع الناس، ومَن قنع بما رزقه الله فهو مِن أغنى الناس» (1).
سؤال وجواب:
سؤال يلحّ على ذهن الإنسان كثيراً وينتظر الإجابة يقول ما هي مقاييس الأفضليّة بين النّاس؟ وللإجابة على هذا السؤال نحتاج إلى بيان مقدمة:
إنّ المعرفة أحياناً تتمّ بواسطة معرفة الأشياء ذاتها وأحياناً بواسطة آثارها. فأكثر الأشياء في هذا الكون المادّيّة والمعنويّة لها مقاييس وطرق للمعرفة والتمييز. فمثلاً معرفة الأشياء المادّيّة تتمّ عادة بواسطة مقدّمات بسيطة؛ لأنّ المادة تقع تحت سلطة حواسنا. والحواس البشريّة هي الأدوات القريبة التي بها يدرك الإنسان ذوات الأشياء المادّيّة أو آثارها فبالذوق مثلاً نعرف أن هذا أطيب من ذاك فالطعام الجيّد من الرديء يمكن بواسطة الذوق أن نميزه وبالشم نعرف أن هذه الرائحة أذكى من تلك الرائحة فرائحة الزهور أذكى من رائحة السمك وذلك التفضيل تم بواسطة الشم، وبالعين نعرف أن هذه اللوحة أجمل من تلك اللوحة وباللمس نستطيع أن نميز الناعم من الخشن، وهكذا باقي الحواس الظاهريّة، أمّا معرفة الأشياء المعنويّة فهي تختلف عن المادية بل هي أشد صعوبة لدى الدرك والتمييز إذ إنها لا تحس بالحواس الظاهرة وبالتالي لا نستطيع أن ندركها جيداً إلاً بالدقة والتعمق في صفاتها وآثارها شأن كل ما هو بعيد عن الحس فمثلا درك حقيقة الملائكة أو الجن من الأمور المعقدة المتعذرة أو المستصعبة على الكثير منا .. مع أنها حقائق موجودة يدرك البعض منا ممن قد وصل إلى بعض المقامات المعنوية الرفيعة آثارها مثلا. وهكذا فإنّ الأعمال التي ترتبط بعالم المعنويّات والملكات النفسانيّة كالعبادة والتقوى والورع والقناعة ونحو ذلك قد لا نتوصّل نحن إلى درك حقائقها إلا أنّنا قد نتوصّل إليها من خلال آثارها ومظاهرها، فربّما نتعرّف على بعض جوانب التعبّد والعبادة من خلال آثارها ومظاهرها من الإنقطاع إلى الله والخشوع واطمئنان القلب ونحو ذلك {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. وكذلك نتعرّف على بعض حقيقة الورع من خلال آثاره وهكذا القناعة، ومن الواضح أنّ المعنويّات كالمادّيّات تتفاضل فيما بينها فبعض الأعمال أفضل من بعض قال تعالى: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145]. ولكن ما هي مقاييس الأفضليّة فيها؟ في الأمور المعنويّة لا يمكن أن نحدّد أو نميّز بأنفسنا أو بحواسنا أنّ هذا العمل أفضل من العمل الفلانيّ ما لم نرجع إلى أهل الغيب أنفسهم لأنّ المعنويّات من شؤون الغيب فيجب أن نعرف ما هو ملاك الأفضليّة في نظر الغيب - فمثلاً إذا كان هناك نفران في المسجد يصلّيان لا يمكننا معرفة أيّهما أفضل صلاة أو أيّهما صلاته مقبولة أو أنّ الصلاة أفضل من الصيام أو الصدقة أفضل من بر الوالدين، وهكذا فنحن لا نعرف ملاكات التفاضل عند الله سبحانه ولكن في نفس الوقت لم يبقنا الله سبحانه في أمرنا نعمل على غير بصيرة... كلا . . . وإنّما وضّح لنا بعض ملاكاته ومقاييس التفاضل عنده من خلال القرآن أو السنّة الشريفة من هنا يجب علينا دائماً أن نرجع إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المطهّرين (عليهم السلام) لمعرفة مقاييس الأفضليّة بين الأعمال وأيّ الأعمال أفضل من بعض مثلاً: مقياس التفاضل بين البشر.. ما هو؟ في النظر القاصر والرؤية السطحيّة التي جاءت بها الأنظمة المادّيّة للإنسان قالوا: القوم أو اللغة أو العنصر وغيرها من المقاييس التي ترتبط بظاهر الإنسان وجسمه ولكن عند الله هذه الميزة ليست صحيحة بل مرفوضة وإنّما ميزان أفضليّة الإنسان على غيره بمعنوياته.. بقلبه وروحه حيث يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وفي الحديث الذي ابتدأنا به بحثنا إشارة إلى بعض ملاكات الأفضليّة في الأعمال.
ملاك العبادة:
كثير من الناس يتصوّر أنّ أعبد الناس من يأتي بالنوافل والمستحبات والصدقات والزيارات بحسب ظاهرها أو بكثرة العبادة يكون ملاك الأفضلية، وهذا التفضيل ليس مقياساً صحيحاً دائماً لوجود ظواهر عديدة غير طبيعية تصدر من بعض العباد أحياناً بعيدة عن روح التدين والطاعة ولعلّ من هنا ذكر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في حديثه مقياساً للعبادة إذ قال "مَن أتى الله بما افترض الله عليه فهو من أعبد الناس" أي أنّ العابد والمتقرّب إلى الله تعالى بالصلاة والصوم والحج وما شابه ينبغي أن ينسجم ويتوافق باطنه مع ظاهره أي أنّ المؤمن من آمنت جوارحه وجوائحه. وإنّ العبادات في الغالب طريق لتحقيق هذا الهدف (إيمان الجوارح والجوانح) فالأعبد بين الناس ليس كثير العبادة بلا إيمان الجوارح والجوانح لأنّ جوارحه وجوانحه لم تؤمن بل الأعبد هو الذي تطيع جوانحه وجوارحه أوامر ربّه ويكون على الوجه الذي يريده الله سبحانه منه ولذا فإنّ العبادة خضوع وتذلّل للخالق تعالى وإيمان الجوارح والجوانح، ولها مستلزمات عديدة بالإضافة إلى الخضوع منها شكر الله والتوكّل عليه ودعاؤه وحسن المعاشرة مع الناس وما شابه من الآداب التي تظهر على الجوارح نتيجة الخضوع والتذلّل وظهور آثاره على الجوارح، عندها يمكن التمييز بين الأعبد من الناس.. أمّا لو جعلنا كثرة الصلوات هي المقياس فسوف لن يتميّز الصالح من الطالح وقد ينتشر الظلم بين الناس بصفة أخرى محسنة له ويتيه على الناس الأمر..
العبادة والعمل:
يُنقل في أحوال أحد الملوك أنّه تعهد بقراءة زيارة عاشوراء أربعين يوماً، وألّا يتكلم في أثناء القراءة. ففي يوم من تلك الأيام الأربعين ألقى شرطة الملك القبض على أحد أعداء الملك، وفي آخر يوم لقراءة الزيارة جاؤوا به إلى الملك وكان الملك حينها يقرأ الزيارة، فتحيّر الملك في أمره، فإذا هو تكلّم أبطل قراءة أربعين يوماً، فأشار بيده إلى رقبته بأن اذبحوه، فأخذت الشرطة الرجل وذبحته والملك يقرأ الزيارة وفي ذلك يقول الشاعر:
ابتلينا بزعيم ذكر الله وسبّح *** فهو كالجزّار فينا يذكر الله ويذبح
ولا شكّ أنّ قراءة الزيارة كانت طاعة لله تعالى وعبادة ولكن الملاك ليس قراءتها وإنّما ظهور آثار الزيارة على عمل الملك والتذلّل لله تعالى بواسطة الحكم بين الناس بالعدل والقسط لأنّها من صفات الله تعالى ولكن صحيح أن صاحبنا كان يقوم بعمل مستحب جداً عند الشارع المقدس إلا أنّ آثار هذا العمل لم تنعكس على جوارحه وجوانحه حتّى إنّه وهو يؤدّي العمل المستحب ارتكب فعلاً يعتبر من أشد المحرمات وهو قتل الإنسان البريء، وهذا ما تدعو إليه سائر العبادات.
الشكر على قدر النعمة:
من آثار العبادة هو شكر الله تعالى في ظهور نعمة الله تعالى على اللسان ثناء واعترافاً وعلى قلبه شهوداً ومحبة وعلى جوارحه انقياداً وطاعة، وهذه نادرة طريفة يذكرها التأريخ لنا:
إنّ السلطان (سنجر السلجوقيّ) مرّ في طريق وهو في موكب سلطنته وكان في الطريق درويش من أهل الفقر فسلم على السلطان فلم يردّ عليه التحيّة بلسانه بل حرّك رأسه بدل الجواب. فقال الدرويش أيّها الملك إنّ الابتداء بالتحيّة مستحب وجوابها واجب، وأنا قد أدّيت المستحب فلِمَ لا تؤدّي الواجب. فأمسك السلطان بعنان مركبه وأخذ يعتذر من الدرويش بأنّه كان مشغولا بالشكر فغفل عن ردّ التحيّة. فقال الدرويش للسلطان لمن كنت تشكر. فقال: لله الذي هو المنعم على الإطلاق وما نعمة إلا وهي منه، ول اعطاء إلا من قبله. فقال الدرويش: بأيّ نوع كنت تشكره، فقال: بكلمة (الحمد لله رب العالمين) فإنّ فيها شكر سائر النعم، فقال الدرويش: أيّها السلطان ما أجهلك بطريق الشكر الواجب عليك، إنّ ما وجب عليك من هذا الأمر هو مقدار ما أفاض عليك المنعم وأردف عليك عطاياه غير المتناهية من اقتدار أيّامك وسعة زمانك، فليس الواجب عليك قول الحمد لله فإنّ الشكر من السلطان إنّما يقع موقع القبول ويستزاد به النعمة إذا وقع منه على كلّ نعمة عنده بما يناسبها. فالتمس السلطان منه أن يعلّمه ذلك، فقال له: شكر السلطان هو العدل والإحسان مع عامّة العباد، وشكر سعة ملكه عدم الطمع في أملاك رعيته، وشكر ارتفاع عرشه وإقباله الإلتفات إلى المنخفضين في تراب الفاقة والمذلّة، وشكر نعمة التأمّر أداء حقّ المأمورين، وشكر الخزّان العامرة التصدّق على أهل الإستحقاق والإدرار عليهم بالمقرّرات، وشكر نعمة القوة والقدرة النظر إلى العجزة والضعفاء بنظر الرأفة والرحمة ، وشكر نعمة الصحة شفاء المعلولين بعلّة الظلم بقانون العدالة، وشكر نعمة كثرة الجند والعسكر منعهم عن إيذاء المسلمين والتعرّض لأمتعتهم ، وشكر نعمة القصور العالية والأبنية المشيّدة منع الخدم والحشم عن النزول في منازل الرعيّة وإعفائهم من المزاحمة فيها، وخلاصة شكر السلطان أن ينظر إلى المحقّ بعين الرضا ويقدّم راحة الرعيّة على راحة نفسه، ومن خلال ذلك نعرف أن الأفضليّة بين هذا السلطان وذاك ليس بكثرة العبادة أو بكثرة الشكر لفظا بقول (الحمد لله ربّ العالمين) وحدها وإنّما الأفضليّة في أداء حقّ الشكر لله تعالى بظهور آثار ذلك على تصرفات العابد أو الشاكر.
العبادة بين التوكّل والمشورة:
ومن آثار العبادة، التوكّل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه تعالى وهو مقياس آخر للأفضلية إذ إن من يعبد الله تعالى ويتوكل عليه أعبد ممن يتوكل على المخلوق ويرجو من عبادته لله أن ينال فضل ذلك من المخلوق نفسه لا من الله وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123]. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. قد يكون إشارة إلى ذلك. أمّا مَن يتوكّل على غير الله تعالى فلا ينال إلا الشقاء والتعب من العبادة وهنا نقطة مهمّة وهي أنّ المتوكّل على الله تعالى في أموره لا يعني أن يجلس في بيته أو في السوق ويقول أنا متوكّل على الله تعالى وكفى وإنّما يجب عليه تهيئة مقدّمات المتوكّل من إبداء همة في العمل، ونشاط وسعي من أجل اكتساب النتائج. والآية الكريمة: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] تدلّ على أنّ المشاورة والتصميم على العمل يسبق التوكل ثم يعزم على الطريق الذي استشار فيه، فهو يصمّم بعد أن يستشير ثم يبدأ بالعمل متوكّلاً على الله تعالى. وكان الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يستشير أصحابه ومن الشواهد على ذلك ما جاء في بعض المصادر أنّه (صلى الله عليه وآله) جمع أصحابه بعد يوم الأحزاب يستشيرهم فيما يصنع باليهود الذين خانوه ونكثوا عهده معهم؟ وقد أخرجهم من معاقلهم فلمّا مثلوا بين يديه قال: أين السعود؟ فجاءه سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن أبي وقاص واستشارهم في الناكثين (2).
الاخلاص في النية:
كما أنّ للإخلاص دوراً مهمّاً في مقاييس الأفضليّة فالتقرّب بالعبادة لله تعالى بإخلاص يختلف عن صورة التقرّب برياء أو تصنّع لمخلوق وما شابه. وإن كان الإخلاص مرتبطاً بالنيّة والنيّة موقعها القلب فلا يمكن لنا التمييز هنا ولكن يوم القيامة سيكون الفصل إذ تُبلى فيه السرائر: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] ويقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): «أوّل مَن يُسأَل يوم القيامة ثلاثة: رجل آتاه الله العلم فيقول الله له: ما صنعت فيما علمت؟ فيقول: يا ربّ كنت أقوم به آناء الليل وأطراف النهار. فيقول الله تعالى: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، بل أردت أن يُقال فلان عالم، ألا فقد قيل ذلك. ورجل آتاه الله مالاً، فيقول الله تعالى له: لقد أنعمت عليك فماذا صنعت؟ فيقول: يا ربّ كنت أتصدّق به آناء الليل وأطراف النهار. فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت بل أردت أن يُقال فلان جواد، ألا فقد قيل ذلك. والثالث رجل جاهد في سبيل الله فقتل، فيقول الله له: لقد جاهدت ليقال فلان شجاع، ألا فقد قيل ذلك. ثم قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أولئك أوّل خلق تسعّر بهم جهنّم يوم القيامة» (3).
فالنيّة الخالصة والصادقة مع الله سبحانه هي الأصل في قبول الأعمال عند الله تعالى والأعمال الصالحة والمبرّات والإحسان وطلب العلم والجهاد بلا نيّة خالصة هذه كلّها أعمال صحيحة وتعبّر عن نفس طيّبة إلا أنّها ليست
الأفضل وإنّما الأفضليّة في خلوص النيّة لوجه الله تعالى قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
الورع نظام العبادة:
فالعبادة المعنويّة لا يمكن بيان الأفضليّة فيها بالحسّ وإنّما بآثارها وأهدافها فكذلك الورع كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ومَن ورع عن محارم الله فهو من أورع الناس» فمن هو أورع الناس؟ هل هو الذي يجتنب عن طعام السوق أو الجبن الأجنبيّ أو اللحوم المستوردة فقط؟ الورع له مظاهر عديدة منها ورع في البيع وورع في الشراء وورع في الرهن والإجارة وورع في المأكل والمشرب وورع في الكلام وورع في التعامل مع الزوجة والأولاد وورع في اللباس والمنزل وورع في الحركة والسكون. وبالجملة حفظ الحواس من لامسة وباصرة وسامعة وذائقة عن كلّ انحراف وزيغ وإثم وعصيان، فمَن ورع عن ذلك كلّه كان الأورع بين النّاس وفي الحديث القدسي: «ابن آدم اجتنب ما حرّمت عليك تكن من أورع النّاس» (4).
وليس مَن تجنّب أو استحرم نوعاً من الأكل ولم يستحرم أو يتورّع عن محارم الله تعالى الأخرى هو الأورع إذ للورع صور ومظاهر يوضّحها لنا الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «أغلق أبواب جوارحك عما يرجع ضرره إلى قلبك، ويذهب بوجاهتك عند الله، وتعقب الحسرة والندامة يوم القيامة، والحياء عما اجترحت من السيئات، والمتورع يحتاج إلى ثلاثة أصول: الصفح عن عثرات الخلق أجمع، وترك خوضه فيهم، واستواء المدح والذم. وأصل الورع دوام المحاسبة، وصدق المقاولة، وصفاء المعاملة، والخروج من كل شبهة، ورفض كل ريبة، ومفارقة جميع ما لا يعنيه وترك فتح أبواب لا يدري كيف يغلقها، ولا يجالس مَن يشكل عليه الواضح، ولا يصاحب مستخفّي الدين، ولا يعارض من العلم ما لا يحتمل قلبه، ولا يتفهّمه من قائل، ويقطع من يقطعه عن الله» (5) وعن زيد بن علي عن أبيه (عليهم السلام) قال: «الورع العبادة فإذا انقطع الورع ذهبت الديانة كما أنّه إذا انقطع السلك اتبعه النظام» (6).
الورع أساس التشيّع:
من الصفات التي يتميّز بها محبّو أهل البيت (عليهم السلام) عن غيرهم هو الورع عن محارم الله تعالى والمحبّ والموالي ليس بالكلام وإنّما هو تصديق وثبات على النهج القويم الذي سار عليه الأئمة الطاهرون (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ولذلك دعت الروايات الشريفة الواردة عنهم (عليهم السلام) إلى التورّع وأن يكون الشيعة زيناً لهم لا شيناً عليهم ومن لم يكن ورعاً فهو ليس من الشيعة الكملين ومن لم يكن بأفعاله أورع الناس فهو ليس من شيعة أهل البيت (عليهم السلام). وفي الحديث الشريف عن علي بن أبي زياد عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عيسى بن عبد الله القمّي فرحّب به وقرّب مجلسه ثم قال: يا عيسى بن عبد الله ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه» (7).
وعن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليك بتقوى الله، والورع والاجتهاد وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً» (8).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّا لا نعدّ الرجل مؤمناً حتّى يكون
لجميع أمرنا متّبعاً ومريداً ألا وإنّ من اتّباع أمرنا وإرادته الورع، فتزيّنوا به يرحمكم الله وكيدوا أعداءنا به ينعشكم الله» (9).
وعلى هذا فإنّ التشيّع الكامل مقارن للورع كما أنّ العبادة الكاملة تقترن بالورع عن محارم الله تعالى. وفي رواية أنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أفضل الأعمال في شهر رمضان، فأجابه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): «الورع عن محارم الله عزّ وجلّ» (10).
وفي وصيّة للإمام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه قال: «أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد واعلم أنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه» (11).
الورع عند نهر بلخ:
عن هارون بن رئاب، قال: كان لي أخ جاروديّ (12)، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: ما فعل أخوك الجارودي؟ قلت: صالح، هو مرضيّ عند القاضي وعند الجيران في الحالات كلّها غير أنّه لا يقرّ بولايتكم، فقال: ما يمنعه من ذلك؟ قلت يزعم أنّه يتورّع، قال: فأين كان ورعه ليلة نهر بلخ فقلت لأخي حين قدمت عليه: ثكلتك أمك دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسألني عنك، فأخبرته أنّك مرضيّ عند الجيران وعند القاضي في الحالات كلّها غير أنّه لا يقرّ بولايتكم فقال: ما يمنعه من ذلك؟ قلت: يزعم أنّه يتورّع، فقال: أين كان ورعه ليلة نهر بلخ؟ قال: أخبرك أبو عبد الله بهذا؟ قلت: نعم، قال: أشهد أنّه حجّة ربّ العالمين، قلت: أخبرني عن قصّتك؟ قال: نعم، أقبلت من وراء نهر البلخ، فصحبني رجل معه وصيفة فارهة الجمال فلمّا كنّا على النهر قال لي: إمّا أن تقتبس لنا ناراً فأحفظ عليك وإمّا أن أقتبس ناراً فتحفظ عليّ، فقلت: اذهب. واقتبس وأحفظ عليك، فلمّا ذهب قمت إلى الوصيفة وكان منّي إليها ما كان، والله ما أفشت ولا أفشيت لأحد ولم يعلم بذلك إلا الله. فخرجت من السنة الثانية وهو معي فأدخلته على أبي عبد الله (عليه السلام) فذكرت الحديث فما خرج من عنده حتّى قال بإمامته (13).
القناعة حقيقة الغنى:
وللغنى أيضاً مقياس معنويّ لا نحسّه بالحواس الظاهرة وليس الغنى بالمال والثروة كما عبّر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بقوله: «ومَن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس» فمقياس الغنى أو الأفضليّة هو القناعة لأنّ الغنى يتبع من داخل النفس لا من الأشياء الخارجيّة.. وإنّما صار القانع من أغنى الناس؛ لأنّ حقيقة الغنى هي: غنى النفس، والقانع راضي ومكتف بما رزقه الله تعالى لا يحتاج ولا يسأل سوى الله تعالى. وأهمية القناعة تظهر عندما يتحرر الإنسان من عبودية المادة، واسترقاق الحرص والطمع وعنائهما المرهق. فالتمسك بالمادة ذل بعكس القناعة التي تزرع في الإنسان العزة والكرامة والإباء والعفة والترفع عن صغائر الأمور واستدرار عطف اللئام، وبالعزة والكرامة والعفة يكون الإنسان غنياً ولا يحتاج الآخرين أمّا الثروة فلا تعطي للإنسان الأفضليّة على الآخرين سوى بالمال وليس بالمحاسن المعنويّة، والمال قابل للزيادة والنقيصة بل والزوال لذلك جاء في الحديث الشريف: «لا كنزَ أغنى من القناعة» (14) إذ إنّ الكنز لو كان ماديّاً لفني ونفد.
ولكن هذا الكنز الذي لا يفنى هو الكنز المعنويّ أي القناعة في كلّ
شيء وثمنه تحصيل المقامات الباطنيّة الرفيعة التي لا نهاية لها بعكس المادّة التي مهما بلغت من كثرة فهي إلى زوال: يقول أبو فراس الحمداني في القناعة:
إنّ الغنيّ هو الغنيّ بنفسه *** ولو أنّه عار المناكب حافِ
ما كلّ ما فوق البسيطة كافياً *** فإذا قنعت فكلّ شيء كافِ
فاقد القناعة جائع:
وأمّا لو أردنا بالغنى غنى المال والثروة وجعلنا الثروة مقياساً للأفضليّة، فإنّ ذلك يلزم أن يكون الفقير هو الغنيّ لأنّ الغني المادي (غير القنوع) كلّما حصل على ثروة لا يشبع والذي لا يشبع هو المصداق الحقيقيّ للفقير فلا يزال يطلب المزيد لأنّ الفقر قد تمكّن من قلبه وأخذه الحرص وإن كانت ثروته هائلة وتنوء بالعصبة أولي القوة. والإسلام يذمّ الحريص أيضاً وفي الحديث الشريف: «منهومان لا يشبعان: منهوم علم ومنهوم مال» (15) وفي رواية: شكى رجل إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه يطلب فيصيب ولا يقنع وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علّمني شيئاً أنتفع به فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك، فكلّ ما فيها لا يغنيك» (16) وقيل: لمّا مات جالينوس وُجد في جيبه رقعة مكتوب فيها: ما أكلته مقتصداً فلجسمك، وما تصدّقت به فلروحك وما خلّفته فلغيرك، والمحسن حيّ وإن نُقل إلى دار البلى، والمسيء ميّت وإن بقي في دار الدنيا، والقناعة تستر الخلّة، والتدبير يكثر القليل، وليس لابن آدم أنفع من التوكّل على الله سبحانه (17).
الغني الخاسر:
ولعلّ هناك مَن لم يقتنع بما أشرنا إليه وظلّ متمسّكاً بكثرة المال والثروة واعتبرها هي مقياس الأفضليّة دون القناعة ونحن لا نريد هنا أن يكون الناس فقراء كلّا، وإنّما نحثّ على طلب المعاش وتحصيل الأموال لغرض جعلها واسطة للفوز بالمعاد وأيضا نريد من الأموال والثروة الزيادة تحصيناً لمجتمعنا بالاكتفاء الذاتي والتخلص من الحاجة إلى الآخرين لكيلا يستغلونا بها فالمال عندنا واسطة للمعاد والاستقلال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عن المستعمرين وعلى أي حال.
فإنّ الذي يرى الأفضليةّ للثروة لا للقناعة فلينظر إلى قارون وأمواله إذ كان رجلاً من بني إسرائيل آتاه الله بسطة في الرزق وأدر عليه أخلاف الثراء حتّى إنّ مفاتيح خزائنه كانت تنوء بالعصبة أولي القوة، فكان مرموقاً من قومه بعين الغبطة، وكلّ مَن رآه في زينته وأبّهته يتمنىّ أن يرزق مثل ما رزقه من الحظ في الدنيا ويستعظمون ذلك أيّما استعظام! أمّا أولو البصائر من قوم قارون فكانوا يعظونه ويبذلون له النصح ويحذّرونه عاقبة ما هو عليه من الخيلاء والزهو ويشيرون عليه بالابتعاد عن سوء مجاورة نعمة الله بالإفساد في الأرض ويحضّونه على أن يبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا، بأن يظهر عليه أثر نعمة الله بالإحسان إلى الفقراء من عباد الله ويترك طرق الإفساد في الأرض، ولكنّه أعطاهم أذناً صمّاء ولم يصغِ إلى نصائحهم، فكانت عاقبة طغيانه وانصرافه عن شكر الله على نعمته أن أزال الله تعالى عنه النعمة وأذاقه وبال أمره فخسف به وبداره الأرض ولم يجد له ناصراً أو معيناً كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص: 76 - 81].
هذه عاقبة مَن لا يقنع بما آتاه الله تعالى ولا يشكر نعمته ولا يبتغِ منها الدار الآخرة ولا يحسن إلى الناس فهل قارون بماله كان من أفضل الناس؟ كلّا وقد أخزاه الله تعالى وخسف به الأرض.
الخليل بن أحمد الفراهيدي:
جاء في سفينة البحار: قال النضر بن شميل إنّ الخليل بن أحمد الفراهيدي يقاسي الضير بين أخصاص البصرة وأصحابه يقتسمون الرغائب بعلمه في النواحي. وذكروا أنّ سليمان بن عليّ العباسي وجّه إليه مِن الأهواز لتأديب ولده فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزاً يابساً وقال: كلّ فما عندي غيره وما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان فقال الرسول: فما أبلغه؟ فقال:
أبلغ سليمان أنّي عنه في سعة *** وفي غنى غير أنّي لستُ ذا مالِ
والفقر في النفس لا في المال فاعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المالِ
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه ***ولا يزيدك فيه حول محتالِ
وقد ذكر الشيخ عباس القمي (ره) في سفينة البحار أنّ الخليل في قناعته التي حكيت عنه كان مقتدياً بأبي ذر الغفاري (رض) (18).
قناعة أبي ذر الغفاري (رض):
أمّا عن قناعة أبي ذر الغفاري فقد نُقل أنّه أرسل عثمان بن عفان مع عبد له كيساً من الدراهم إلى أبي ذر وقال له: إن قبل هذا فأنت حر، فأتى الغلام بالكيس إلى أبي ذر، وألحّ عليه في قبوله، فلم يقبل، فقال له: اقبله فإنّ فيه
عتقي، فقال: نعم ولكن فيه رقّي (19).
وكتب المنصور العباسيّ إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فأجابه: ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك بها، ولا في نقمة فنعزيك بها. فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): "مَن يطلب الدنيا لا ينصحك، ومَن يطلب الآخرة لا يصحبك" (20).
وبذلك يكون الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد حدّد لنا مقياس الأفضليّة في بعض الأمور المعنويّة التي لم نحسّها بجوارحنا ولا يمكن لنا أحياناً تمييزها إلا بالرجوع إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المطهّرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
وقد توضّح لنا من خلال الحديث النبوي بأنّ أعبد الناس مَن أتى بما افترض الله تعالى عليه من أعمال وظهرت آثار عبادته على تصرّفاته ومعاشرته للنّاس، وأنّ أورع الناس مَن تورّع عن محارم الله تعالى، وأنّ أغنى الناس مَن قنع بما رزقه الله وأنّ الغنى ليس بالمال وحده وإنّما الغنى غنى النفس حتّى لو كان الإنسان فقيراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخصال: ج 1، ص 125.
(2) شرح رسالة الحقوق: ج 2، ص 342.
(3) المصدر نفسه: ج 1، ص 64.
(4) الكافي: ج2، ص77، باب الورع، حديث 7.
(5) البحار: ج 67، ص 308، باب 57، حديث 35.
(6) سفينة البحار: ج 2، ص 643، مادة "ورع".
(7) الكافي: ج2، ص78، باب الورع، حديث 10.
(8) البحار: ج67، ص 299، باب 57، حديث 9.
(9) البحار: ج67، ص 302، باب 57، حديث 12.
(10) البحار: ج 93، ص 358، باب 46، حديث 25.
(11) الكافي: ج 2، ص 76، باب الورع، حديث 1.
(12) الجاروديّة: أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر الهمدانيّ الأعمى، وقد لعنه الصادق (عليه السلام) وقال فيه: إنّه أعمى القلب وأعمى البصر.
(13) البحار: ج 47، ص 156، باب 27، حديث 220، ومنتهى الآمال ج 2، ص226، نقلاً عن الخرائج: ج2، ص 617.
(14) نهج البلاغة: حكم 371.
(15) البحار: ج 1، ص 168، باب 1، حديث 15، ط ـ بيروت.
(16) الوافي: ج3، ص 79، نقلاً عن الكافي.
(17) كشكول البهائي: ص 371، طبعة إيران.
(18) سفينة البحار: ج 1، ص 426، مادة "خلل".
(19) المصدر نفسه: ص 483.
(20) أخلاق أهل البيت (عليهم السلام): ص 51، نقلاً عن كشكول البهائي.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|