أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-03-2015
20787
التاريخ: 25-09-2015
2608
التاريخ: 12-9-2020
20087
التاريخ: 25-03-2015
2020
|
وهو
أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون أشياء كلها يسد مسده، لولا نكتة في ذلك الشيء
المقصود ترجح اختصاصه بالذكر دون ما يسد مسده، ولولا تلك النكتة التي انفرد بها لكان
القصد إليه دون غيره خطأ ظاهراً عند أهل النقد.
ومما
جاء من ذلك في الكتاب العزيز قوله سبحانه: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) فإنه سبحانه وتعالى خص الشعري بالذكر دون غيرها من النجوم،
وهو رب كل شيء، لأن العرب كان قد ظهر فيهم رجل يعرف بابن أبي كبشة عبد الشعرى،
ودعا خلقاً إلى عبادتها، فأنزل الله سبحانه: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) التي ادعيت فيها الربوبية دون سائر النجوم. وكقوله تعالى: (وَإِنْ
مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فإنه سبحانه إنما خص (تَفْقَهُونَ) دون (تعلمون) لما في
الفقه من الزيادة على العلم، والمراد الذي يقتضيه معنى هذا الكلام والتفقه في
معرفة كنه التسبيح من الحيوان البهيم والنبات والجماد الذي تسبيحه بمجرد وجوده
الدال على قدرة موجده ومخترعه.
ومن
غريب التنكيت قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) فإنه يقال: لم اقتصر على ذكر الماء دون بقية العناصر التي
يكون الله سبحانه المولدات الثلاث منها؟، فيقال: النكتة التي رجحت الاقتصار على
الماء دون بقية العناصر قوله (كُلِّ دَابَّةٍ)
بلفظ الاستغراق لكل ما دب، وليس في العناصر الأربعة ما يعم جميع المخلوقات إلا
الماء، ليدخل الحيوان البحري فيها.
من
أمثلة هذا الباب الشعرية قول الخنساء [وافر]:
يذكرني
طلوع الشمس صخراً ... وأذكره لكل غروب شمس
فخصت
هذين الوقتين وإن كانت تذكره في كل وقت، لما في هذين الوقتين من النكتة المتضمنة
تأبين الميت، والمبالغة في وصفه بالشجاعة والكرم، لأن طلوع الشمس وقت الغارات على
العدى، ووقت غروبها وقت وقود النيران للقرى.
ومن
أمثلة الباب أيضاً قول المتنبي [كامل]:
لو مر
يركض في سطور كتابه ... أحصى بحافر مهره ميماتها
فإنه
إنما خص الميمات دون غيرها من الحروف، لكونها تشبه الحوافر من جهة استدارتها، فإن
قيل: إن كان أراد تشبيه الحوافر فالعدول إلى العينات أولى، لأنها بالحوافر أشبه،
ولا سيما عنده، حيث شبه الحافر بالعين، في قوله لسيف الدولة [منسرح]:
أول
حرف من اسمه كتبت ... سنابك الخيل
في الجلاميد
قلت:
يترجح ذكر الميمات دون العينات لوجهين: أحدهما أن الميمات في الكلام أكثر من
العينات، لأنها تقع أصلاً وزائدة، والعينات لا تقع إلا أصلية، والثاني أنها أصغر
شكلاً، واختصاص ما هو أصغر وأكثر في باب الإحصاء أمدح للموصوف بالإحصاء من ذكر ما
هو أقل وأكبر وإنما مدحه بالإحصاء في حالة الركض، لأن الإحصاء يدل على ثبات الجأش
وحضور الحس وعدم الدهش والطيش في وقت الركض.
ومن
دقيق ما وقع في البيت من ملاءمة الألفاظ بعضها لبعض الدالة على الائتلاف قوله:
مهره ولم يقل طرفه لكونه الطرف يقع على المهر، وعلى القارح فيتخلص من الاشتراك
الموجب عدم الملاءمة لأن صغر حافر المهر ملائم لصغر شكل الميم، فحصل في البيت
إدماج الائتلاف في المبالغة وتعليق المدح بالنبات بالوصف، وهذا من ألطف ما وقع في
هذا الباب.
ومن
بديع أمثلة هذا الباب قول عنترة، وهو مما يسأل عنه [كامل]:
ما
راعني إلا حمولة أهلها ... وسط الديار تسفُّ حب
الخمخم
فيها
اثنتان وأربعون حلوبة ... سوداً كخافية الغراب
الأسحم
فإن
لفظة الحمولة تدل على الرحيل، وكذلك كونها وسط الديار وعلوفتها هذا الحب المخصوص
يدل على بعد الرحلة، فإنه حب يقوي أعصاب الإبل، وهذا العدد من الحلوبات السود
الصقيلة الحسان يدل على كثرة المال وانتخابه، وكذلك لا يكون إلا للملوك، فهو يدل
على أن المعشوقة من بنات الملوك، وفي ذلك فخر لمن يميل إليها، والله أعلم.