المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6242 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

العثور على التفلون
22-5-2020
علاقة الجغرافيا بالخدمات
6-2-2021
معنى كملة نمّ‌
11-1-2016
ماهي الجغرافية وماهي جغرافية الصناعة
29-10-2018
عصر صراع الأفكار
17-04-2015
meronymy (n.)
2023-10-11


وثاقة مشايخ ابن أبي عمير وصفوان وابن أبي نصر.  
  
1440   03:21 مساءً   التاريخ: 2023-03-01
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج1، ص 45 ـ 53.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الرجال / التوثيقات العامة /

وثاقة مشايخ ابن أبي عمير وصفوان وابن أبي نصر  (1)

ذكر الشيخ الطوسي (قدس سره) في العدّة (2) في معرض حديثه عن الترجيح بين الخبرين المتعارضين ما لفظه: (وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً، نظر في حال المرسل فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم).

وهذا الكلام يتضمن أمرين:

الأول: أنّ ابن أبي عمير وصاحبيه قد عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.

الثاني: أنّ الطائفة ساوت ــ لذلك ــ بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم، أي تعاملوا معها معاملة الأخبار المعتبرة.

وقد أخذ بالأمر الأول جمع من المحقّقين، وجعلوا ما ذكره الشيخ (قدس سره) دليلاً على وثاقة مشايخ محمد بن ابي عمير وصاحبيه، واهتمّ البعض بإحصائهم وإعداد قائمة بأسمائهم من خلال أسانيد الروايات وطرق الكتب والمصنفات في الفهارس والإجازات.

كما أخذ بالأمر الثاني جمع من الأعلام، وقالوا إنّ الأمر الأول يصلح وجهاً للبناء على الأمر الثاني كما نسبه الشيخ (قدس سره) إلى الطائفة.

ولكن بنى السيد الأستاذ (قدس سره) (3) ــ وغيره أيضاً ــ على بطلان كلا الأمرين، وادّعى أنّ الأمر الأول اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده بثبوت الأمر الثاني وهو تسوية الأصحاب بين مراسيل الجماعة ومسانيد غيرهم.

ثم ناقش (قدس سره) في التسوية المدعاة بأنها لو كانت صحيحة وأمراً معروفاً متسالماً بين الأصحاب لذكرت في كلام أحد القدماء وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر، فمن المطمأن به أنّ منشأ ادعائها هو دعوى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء، فزعم الشيخ أنّ منشأ الإجماع هو أن هؤلاء لا يروون إلا عن ثقة ولكنه أمر باطل كما ذكر في محله.

وممّا يكشف عن كون دعوى التسوية المذكورة اجتهاديّة هو أنّ الشيخ بنفسه قدح في التهذيبين في بعض مراسيل ابن أبي عمير بالإرسال، وقال إنّ ما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة.

وناقش (قدس سره) أيضاً في دعوى كون الثلاثة ممّن لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة بأنّ معرفة ذلك في غير ما إذا صرّح الراوي بنفسه أنّه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة أمر غير ميسور، ومن الظاهر أنّه لم ينسب إلى أحد من هؤلاء إخباره بذلك.

على أنّه لو تمّت الدعوى المذكورة فإنّما تتمّ في المسانيد دون المراسيل، فإنّ ابن أبي عمير بنفسه قد غاب عنه أسماء من روى عنهم بعد ضياع كتبه فاضطر إلى أن يروي مرسلاً فكيف يمكن لغيره أن يطلع عليهم ويعرف وثاقتهم؟! فهذه الدعوى ساقطة جزماً.

وناقش (قدس سره) وغيره في الدعوى المذكورة بوجه آخر أيضاً، وهو أنّه قد ثبت خلافها في موارد كثيرة، حيث أورد الشيخ نفسه وغيره من أصحاب المجاميع الروائيّة عشرات الروايات التي روى فيها محمد بن ابي عمير أو أحد صاحبيه عن أشخاص طُعن فيهم وضُعفوا، فكيف يصحّ أنّ يقال إنّهم لا يروون إلا عن ثقة؟!!

أقول: يمكن التعقيب على ما أفاده (رضوان الله عليه) بذكر أمور:

الأمر الأول: أنّ الشيخ (قدس سره) لم ينفرد بما أفاده في العدّة من أنّ ابن أبي عمير هو ممّن سوّت الطائفة بين مراسيله ومسانيد غيره، لكونه ممن عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، بل النجاشي (4) أيضاً قد أشار إلى المعنى المذكور حين نصّ على أن الأصحاب كانوا يسكنون إلى مراسيل ابن أبي عمير.

فإنّ من الواضح أنّه ليس لسكون الأصحاب إلى مراسيله وجه إلا كونه ممن عُرف أنّه لا يروي إلا عن ثقة، وإلا فأيّ ميزة لمراسيله على مراسيل غيره، ليقال: إنّ الأصحاب كانوا يسكنون إليها؟!

وأمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّه لو كانت التسوية المذكورة ثابتة لذكرت في كلام أحد من القدماء وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر، فمخدوش بأنّه لا توجد بأيدينا من كتب المتقدّمين على الشيخ (قدس سره) ما يكون محلاً لذكر مثل هذا الأمر، حتّى يُستدل بعدم الوجود فيه على عدم ثبوت هذه التسوية.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من الاطمئنان بأنّ منشأ ما ذكره الشيخ هو دعوى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة منهم ابن أبي عمير فهو إنّما ينفع مثله ممن يحصل له الاطمئنان بالمعنى المذكور، وهو غير حاصل لنا لعدم توفر شاهد وافٍ بذلك.

وأمّا استشهاده (قدس سره) على كون ما ذكره الشيخ (قدس سره) مبنياً على الحدس والاجتهاد بـأنّه بنفسه قد ناقش في بعض مراسيل ابن أبي عمير في التهذيبين (5) من جهة الإرسال، ولو كان أمراً مسلماً ثابتاً بين الأصحاب لما خالفه (قدس سره) بنفسه.

فيمكن الجواب عنه بأن الشيخ (قدس سره) قد شرع في تأليف التهذيب في حياة أستاذه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) المتوفى عام أربعمائة وثلاثة عشر، وله آنذاك أقل من ثمانٍ وعشرين سنة، وقد أكمله بعد وفاة الشيخ المفيد. ثم ألّف الاستبصار معتمداً فيه على ما ورد في التهذيب، إلا بعض الإضافات الطفيفة.

وأمّا كتاب العدة في أصول الفقه الذي اشتمل على ما تقدّم بشأن ابن أبي عمير وأضرابه فقد ألّفه ــ فيما يبدو ــ بعد وفاة أستاذه الآخر، وهو السيد المرتضى (قدس سره) المتوفّى عام أربعمائة وستة وثلاثين، كما يقتضيه الترحم عليه في مواضع شتى من هذا الكتاب.

وبقي الشيخ (قدس سره) على قيد الحياة إلى عام أربعمائة وستين، وعلى ذلك فلا يستغرب أنّه لم يكن حين تأليفه للتهذيبين مطّلعاً على ما حكاه من عمل الطائفة بمراسيل ابن أبي عمير وأضرابه، لا سيما وأنّه لم يبقَ مع أستاذه المفيد (قدس سره) إلا أقلّ من خمس سنين، وأمّا السيد المرتضى (قدس سره) فمن المعروف عنه أنّه لم يكن يعمل بأخبار الآحاد، ولذلك لم يكن الأمر المذكور موضع اهتمامه بطبيعة الحال.

هذا مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ الشيخ (قدس سره) قد عمل في التهذيبين على حلِّ ظاهرة التعارض بين الأخبار بأي وجه ممكن ـ للهدف الذي بينّه في مقدمة الكتابين ـ وقد ألجأه ذلك أحياناً إلى اتباع الأسلوب الاقناعيّ المتمثّل في حمل بعض الروايات على بعض المحامل البعيدة، أو المناقشة في حجيّتها ببعض الوجوه التي لا تنسجم مع مبانيه الأصوليّة والرجاليّة المذكورة في سائر كتبه، ولسرد الشواهد على هذا محل آخر.

وعلى ذلك فلا يمكن الاستشهاد بمناقشة الشيخ (قدس سره) في بعض مراسيل ابن أبي عمير على عدم ثبوت التسوية المذكورة عند الأصحاب وكون دعواها اجتهاداً خاطئاً منه طاب ثراه.

الأمر الثاني: أنّه قد أجيب عمّا تقدّم ــ من دعوى التنافي بين ما ذكره الشيخ من كون ابن أبي عمير وصاحبيه قد عرفوا بأنّهم لا يروون إلا عن ثقة وبين روايتهم عمن ضعفوا من طرق ٍ أخرى أحياناً ــ بأن الظاهر أن الشيخ يريد بما ذكره أنهم لا يروون إلا عمن هو ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته، وهذه الشهادة يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها، وإذا ثبت خلافها في موارد فأقصى ما يقتضيه ذلك هو ألّا يؤخذ بها فيها.

ولكن نوقش هذا الجواب بوجهين:

(الوجه الأول): ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) (6)، وتقريبه: أنّ الشيخ (قدس سره) لم يقتصر على القول بأنّ ابن أبي عمير وأضرابه قد عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة ليحمل الثقة في كلامه على من يكون ثقة باعتقاد هؤلاء، بل أضاف إليه أنّه لأجل ذلك سوّت الطائفة بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم، ومن الواضح أنّه لا يمكن الحكم بهذه التسوية إلّا إذا أريد بالثقة في كلامه من يكون ثقة في الواقع ونفس الأمر لا من يكون ثقة باعتقاد هؤلاء، فإنّه إذا ثبت في مورد روايتهم عن الضعفاء وإن كانوا ثقات عندهم لا يمكن الحكم بصحة مراسيله، إذ من المحتمل أن يكون الواسطة هو من ثبت ضعفه فكيف يمكن الأخذ بها؟!

والحاصل: أنّ المقصود بالثقة في قول الشيخ (قدس سره) أنّ ابن أبي عمير وأضرابه عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة هو من يكون ثقة في الواقع بقرينة التسوية المذكورة، وحيث ثبتت رواية هؤلاء عن غير الثقات في بعض الموارد يسقط أصل الدعوى المذكورة ويتبين كونها مبنية على الحدس والاجتهاد لا على التتبع والاستقراء.

أقول: يلاحظ على ما أفاده (طاب ثراه)..

أولاً: أنّه يمكن توجيه التسوية بين مراسيل ابن أبي عمير وأضرابه ومسانيد غيرهم بناءً على كون المراد بالثقة في كلام الشيخ (قدس سره) خصوص من يكون ثقة باعتقاد هؤلاء كما سيأتي في موضع آخر (7)، وعلى ذلك فالقول بأنّه لا يمكن الالتزام بالتسوية المذكورة إلا إذا أريد بالثقة في كلامه خصوص من يكون ثقة في الواقع ونفس الأمر ليس موجّهاً.

وثانياً: أنّه لو تمّ ما ذكر من أنّه لا تصحّ التسوية المذكورة إلا بناءً على كون المقصود بالثقة في الشهادة بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة هو الثقة في الواقع، غير أنّ ذلك لا يكشف عن عدم التزام المتقدّمين بالتسوية المذكورة بناءً على كون المقصود بالثقة هو الثقة في اعتقاد هؤلاء، فإنّه كم من أمر التزم به المتقدّمون في المباحث الأصوليّة وما يمت إليها بصلة، واتّفق المتأخّرون على عدم صحته وابتنائه على أسس غير سليمة، فما يمنع من أن يكون التزام المتقدمين بالتسوية بين المراسيل والمسانيد من هذا القبيل؟!

وبالجملة: إنّ بطلان التسوية المذكورة عندنا بناءً على كون المراد بالثقة هو الثقة باعتقاد هؤلاء لا يقتضي بطلانها عند المتقدّمين أيضاً، فلا سبيل إلى الاستشهاد بذلك على إرادة الثقة في الواقع ونفس الأمر من لفظ الثقة في كلام الشيخ (قدس سره).

وثالثاً: أنّه لو سُلِّم أنّ بطلان التسوية المذكورة ــ بناءً على كون المراد بالثقة في كلام الشيخ (طاب ثراه) هو الثقة باعتقاد هؤلاء ــ كان بمثابة من الجلاء والوضوح بحيث لا يحتمل معه التزام المتقدمين بها، إلا أن المفروض بطلان التسوية على المبنى الآخر أيضاً وهو كون المقصود بالثقة هو الثقة في الواقع، لفرض العثور على رواية هؤلاء عن غير الثقات في موارد كثيرة بحيث لا يمكن غفلة الطائفة عنها.

فإذاً دعوى التزام الطائفة بالتسوية المذكورة باطلة على كلّ تقدير، فتبقى شهادة الشيخ بأنّ هؤلاء قد عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، فلتحمل على معنى لا ينافي العثور على رواياتهم عن بعض من ضعفوا من جهة بعض الرجاليّين، وإذا كان هذا المعنى هو أن يكون المقصود كون المروي عنه ثقة عند هؤلاء وإن كان مضعّفاً عند غيرهم فليحمل على هذا المعنى ولا مبرّر لحمله على معنى آخر غير صحيح.

(الوجه الثاني): ما أشار إليه المحقّق التستري (قدس سره) (8)، وتفصيله: أنّ في عداد المضعّفين الذين روى عنهم ابن أبي عمير وأضرابه من هو مشهور بالضعف بدرجة لا يحتمل في رواياتهم عنه إلا أحد وجهين:

1 ــ تخلّف هؤلاء أحياناً عن العمل بموجب التزامهم بعدم الرواية عن غير الثقات.

2 ــ اختلال موازين التوثيق عندهم بحيث يعتقدون بوثاقة من ليس بثقة اعتماداً على وجوه ضعيفة.

وعلى كلا التقديرين فلا قيمة لالتزامهم بعدم الرواية عن غير الثقة ولا يمكن التعويل عليه كما لعلّه واضح.

أقول: لم تثبت رواية هؤلاء عمّن يكون ضعفه مسلّماً عند الأصحاب بحيث لا يحتمل في روايتهم عنه إلا أحد الوجهين المذكورين، وسيأتي توضيح هذا بالنسبة إلى خصوص ابن أبي عمير إن شاء الله تعالى، فليلاحظ.

الأمر الثالث: أنّ قول الشيخ (قدس سره) بأنّ ابن أبي عمير قد عرف بأنّه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة (9) يدلّ على أمرين:

أولاً: التزام ابن أبي عمير بعدم الرواية إلا عمّن ثبتت عنده وثاقته، فإنّ الشخص إذا لم يُلزم نفسه بعدم الرواية من غير الثقات لا يمكن عادة انحصار رواياته فيما تكون عن الثقات وبالتالي أن يُعرف بين الناس بأنّه لا يروي إلّا عن الثقة.

والتزام ابن أبي عمير بذلك يمكن أنّه قد عُرف (10) من جهة تصريحه به لبعض أصحابه وتلامذته وإن لم ينقل إلينا، ويمكن أنّه عُرف من ثنايا بعض كلماته، كاعتذاره من عدم الرواية عن جمع من الأصحاب بأنّه لا يعرف حالهم وأنّهم ثقات أو لا، ونحو ذلك من القرائن والشواهد التي يظهر بها كونه ملتزماً بعدم النقل من غير الثقة.

واستبعاد السيد الأستاذ (قدس سره) (11) أن يكون قد صدر من ابن أبي عمير ما يدل على الالتزام المذكور في غير محلّه، مع أنّه (قدس سره) يرى صدور مثله من النجاشي بالنظر إلى ما قاله (12) ــ في ترجمة بعض الرواة ــ من أنّه رآه ولكن لمّا كان الأصحاب يضعّفونه اجتنبه ولم يروِ عنه.

وثانياً: إقرار الطائفة التي عرفت ابن أبي عمير بأنّه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة بأمرين:

أولهما: جريه على وفق التزامه المذكور.

وثانيهما: جريه في التوثيق وفق الموازين العقلائيّة.

ولولا إقرار الطائفة بهذين الأمرين لم يصح أن يقال بحقه: إنّه عرف بأنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة.

فإنّ من يلتزم قولاً بعدم الرواية إلا عن الثقات ولكن يلاحظ أنّه عمليّاً غير ملتزم بذلك لا يثبت هذا الوصف في حقه من أنّه لا يروي إلا عن ثقة، وكذلك من يكون عنده خلل في موازين التوثيق كأن يوثق رواة مشهورين بالضعف والكذب لا يثبت بحقه الوصف المذكور.

وعلى ذلك يتضح أنّه إذا عثر على روايات لابن أبي عمير ــ مثلاً ــ عن أشخاص قد ضعّفوا من قِبل آخرين فإن كانت تلك الروايات محدودة ولم يكن ضعف أولئك الأشخاص واضحاً ومسلماً، بأن لم يكونوا من المشهورين بالضعف والكذب، لا يشكّل ذلك قرينة على عدم تمامية ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أنّ ابن أبي عمير لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة.

وأمّا إذا كانت رواياته عن المضعّفين كثيرة ومتداولة أو كان فيهم بعض من هو واضح الضعف بحيث تعدّ الرواية عنه كاشفة لا محالة عن عدم التزام الراوي بعدم الرواية إلا عن الثقات أو اختلال ميزان التوثيق عنده، فإنه يعدّ قرينة على عدم تمامية الدعوى المذكورة عن الشيخ (قدس سره).

وقد ادّعى بعضهم أنّ ابن أبي عمير روى روايات كثيرة عن عدد من المضعّفين وفيهم غير واحد من المشهورين بالضعف ممن لا سبيل إلى القول بوثاقتهم بوجه. ولذلك لا يمكن الاعتماد على ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن ابن أبي عمير كان ممن عرف بأنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، فهذه قرينة خارجية على عدم تمامية ما أفاده.

ولكن قد أعددت دراسة حول هذا الموضوع ــ سأوردها في خاتمة هذا البحث ــ تبيّن لي من خلالها عدم صحّة الدعوى المذكورة، أي أنّه لم تثبت رواية ابن أبي عمير عن أي شخص مسلّم الضعف عند الأصحاب، وإنّما ثبتت روايته عن عدد محدود ممن ضعّفوا من قبل بعضهم، ورواياته عن هؤلاء محدودة جداً، فلا يشكّل ذلك قرينة على خلاف قول الشيخ (قدس سره).

وعلى هذا فالصحيح هو ما بنى عليه كثير من المتأخّرين من وثاقة مشايخ ابن أبي عمير وصاحبيه إلا من يرد تضعيفه من طريق آخر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) بحوث في شرح مناسك الحج ج:7 ص:156، ودراسة غير منشورة من قبل حول مراسيل ابن أبي عمير.

(2) العدّة في أصول الفقه ج:1 ص:154.

(3) معجم رجال الحديث ج:1 ص:57 وما بعدها.

(4) رجال النجاشي ص:326

(5) تهذيب الأحكام ج:8 ص:257؛ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ج:4 ص:27.

(6) معجم رجال الحديث ج:1 ص:61.

(7) لاحظ ج:2 ص:19.

(8) قاموس الرجال ج:1 ص:71.

(9) تجدر الإشارة إلى أنّه لا غرابة في أن يعرف ابن أبي عمير وبعض رواتنا الآخرين بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، وقد عُرف بذلك غير واحد من رواة الجمهور على ما ذكره ابن حجر (لسان الميزان ج:1 ص:15) وغيره من علمائهم، فلاحظ.

(10) ويمكن أن يُقال: إنّه قد عُرف من خلال متابعة زملائه وتلامذته لمن روى عنهم وملاحظة أنّه ليس منهم غير الثقة، مما يكشف عن التزامه بعدم الرواية إلا عن الثقات، إذ لا يمكن أن يقع ذلك عادة من دونه كما هو واضح.

وعلى ذلك فوثاقة مشايخ ابن أبي عمير ثابتة لا بشهادته فقط بل بشهادة الطائفة أيضاً، ولعل هذا هو الأوفق بعبارة الشيخ (قدس سره)، فإنّ ظاهرها إقرار الطائفة بوثاقة مشايخه، لا إقرارهم جريه على وفق التزامه بعدم الرواية عن غير الثقة واتباعه للموازين العقلائية في التوثيق.

اللهم إلا أنّ يقال: إنّه إذا كانت طريقة الاستقصاء والتحقق من وثاقة المشايخ فرداً فرداً أمراً ممكناً في الروايات المسندة فكيف أمكن ذلك في المراسيل؟! إلا أن يبنى على كون مشايخه في المراسيل هم بعض مشايخه في المسانيد، فإنه بملاحظة السبب الذي ذكر لوقوع الإرسال في رواياته يستبعد ــ بملاحظة حساب الاحتمالات ــ أن يكون حتى البعض منهم من غيرهم، فتأمل. (المقرّر)

(11) معجم رجال الحديث ج:1 ص:58.

(12) رجال النجاشي ص:86، 396.

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)