المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



احتياجات الأيتام  
  
3453   10:35 صباحاً   التاريخ: 25/12/2022
المؤلف : د. علي القائمي
الكتاب أو المصدر : الأسرة ومتطلبات الطفل
الجزء والصفحة : ص583 ــ 596
القسم : الاسرة و المجتمع / المجتمع و قضاياه / آداب عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-12 1015
التاريخ: 19-1-2016 2196
التاريخ: 28-6-2022 2205
التاريخ: 15/12/2022 1052

اليتيم هو ذلك الفرد الذي فقد من يحميه ويتولاه في سن الطفولة وبقى وحيداً ، سواء أكان قد فقد أباه، أو والدته أو الاثنين معاً. ومسألة اليتم تواجه بعض الاطفال بشكل أو آخر، سواء بسبب الموت الطبيعي للوالدين، أو بسبب الاستشهاد أو أي سبب آخر.

ولا يتسم هذا الأمر بطابع جدي بالنسبة للطفل ولغاية السنة الثانية من عمره، خاصة وان الطفل في هذه المرحلة سرعان ما يتآلف مع المحيطين به حتى الذي فقد والده أو والدته ويعوض النقص الحاصل من جراء ذلك، وتكمن الصعوبة للطفل من السنة الثالثة من العمر فما فوق خاصة في السنوات ٣ من العمر ولغاية مرحلة الابتدائية، إذ تؤثر عليه تأثيرا حاداً وتتسبب في انهمار دموعه؛ إذ لا يتمكن الطفل البالغ ٣-4 سنة من العمر ان ينسى بسهولة موت والده أو والدته وخاصة والدته؛ لأن الأم أنيسته ومحط همّه وغمّه، ورفيقته، والطفل يستأنس بها، واعتاد على حمايتها ومحبتها له، وهو يتملق لها، ويحتمي بها في الشدائد، والأم هي التي تمسح دموعه، وتسلي عليه همومه.

ان صعوبة تحمل موت الأب أو الأم تصل الى الدرجة التي تسبب له احياناً حالة من الدوار، والبهت، الاغتمام، والاضطراب والدهشة حتى انها تصده عن الاكل والشرب والنوم والفرح والنشاط. وتزداد حدة هذه المشكلة عندما يملأ مكان الأب أو الأم فرد غريب، وثقيل وشديد، ففى تلك الحالة تتضاعف حدة المشكلة اضعافاً مضاعفة.

آثار الموت وعواقبه :

ان موت الأب أو الأم للطفل الذي يفهم معنى الموت وكان مستأنساً مع عزيزه المفقود ينطوي على آثار وعواقب متعددة مختلفة، سواء في الجاب الفردي أو الاجتماعي، وكذلك في بعد نمو الشخصية وأيضاً في بعد النمو والرشد النفسي والعاطفي، حيث اننا سنحيل البحث التفصيلي في هذا الموضوع الى مجلد آخر. ومن الممكن ان يبتلى الطفل على اثر وفاة والده أو والدته ببعض الآثار، ومنها قلة المحبة، والتمييز، الآمال الضائعة ، الخسران، الفراغ العاطفي، عدم الثقة بالنفس، الشعور بخواء الحياة و... الخ. وتظهر له بعض المشاكل منها مشكلة وقوعه لعبة بين التضاد النفسي ودغدغة مشاعره .

ان مشكلة اليتيم لا تقتصر فقط على مشكلة فقده لوالده أو والدته بل انه يعاني من مشاكل نفسية، وهموم كثيرة، والنكبة بفقدهم أيضاً. وعلى اثر الشعور بالضغط الناجم عن الحرمان يتعرض نموه العقلي والعاطفي احياناً الى الخطر ويعاني من اختلالات عصبية. واحياناً يتعرض لمشاكل معينة من حيث السلوك أو يتعرض الى الركود الذهني.

ويتعرض الايتام بعد وفاة آبائهم أو أمهاتهم الى مشاكل كثيرة ومن الممكن احياناً انهم لا يطيقون تحمل فقدانهم فتظهر على شخصيتهم القدرة والاستعداد على ارتكاب الجريمة، إذ لا يبصرون عواقب الأمور فيصبح ذلك سبباً في مضيهم دون اكتراث ويتسببون بالتالي بوقوع الكارثة لهم وللآخرين خاصة إذا استحوذ عليهم الشعور بعدم جدوى الحياة وخوائها أيضاً.

حالاتهم وسلوكياتهم :

ان ما يذكر بشأن حالات الايتام وسلوكياتهم ليس من المعلوم ان كان ينطبق على جميعهم أم لا، ولكن هناك بعض الامور التي يتوقع حصولها لهؤلاء الاطفال بشكل طبيعي خاصة اذا ظهرت لهم بعض الظروف الغير مساعدة.

حالت الهيجان تعتبر أمراً طبيعياً بالنسبة لهم ، وكذا الكوابيس المرعبة غالباً ما تزعجهم ويعد هذا الامر بحد ذاته سبباً لبروز الاختلافات العصبية لديهم. اذ ان نومهم غير منتظم، الفزع من النوم بسبب الاضطراب، ارتجاف العضلات، ارتجاف البدن المفاجئ، واحياناً يعانون من تلعثم اللسان.

ومن الممكن ان تترك وفاة الأب أو الأم أثراً سلبياً على نفسيتهم وسلوكهم وتؤدي الى اصابتهم بالاختلال في سلوكهم، وقد تؤدي احياناً الى بروز الفساد لديهم. كما انهم يمتلكون الارضية المناسبة لتنمية الجريمة لديهم، ولهذا السبب من الممكن ان يصبحوا مرتعاً جيداً لاستغلال المنحرفين والمجرمين.

ومن الممكن ان يعاني اليتيم نقصاً عاطفياً، ولهذا السبب يبدو عليه الانفعال حتى انه يغض الطرف احياناً عن أبسط متطلباته مستخدماً في هذا المجال اسلوب المبالغة. ومما يسبب له الألم فقدان التوازن العاطفي وكذلك الشعور بالحقارة واحياناً الشعور بالذنب أيضاً .

وعلى أثر الغصص والألم الذي يتعرض له الاطفال الاذكياء عادة من الممكن ان يُعرض اليتيم عن ممارسة اللعب والحركة والنشاط، ويستغرق في التفكير وينطوي على نفسه، وينزوي، حتى انه لا يأكل، ويضعف ويصبح نحيفاً ويؤلمه الجوع بشكل خفي وهذا بحد ذاته يصبح سبباً لنشوء الكثير من المشاكل الأخرى.

احتياجات الايتام :

ما هي احتياجات الأيتام ؟ والجواب هو : نفس احتياجات الافراد العاديين ولكن بدرجة أشد.

ولماذا أشد؟ لان الطفل وبسبب فقدانه لوالده أو والدته يرى نفسه فرداً خاسراً ولغرض ملأ ذلك الفراغ، يختلق الاعذار. وتزداد توقعاته.

ومن الممكن ان يكون والده حياً يُرزق ولم يكن يمتلك القدرة على شراء حذاء له أو لم يكن قادراً على توفير مأكله وملبسه. ولكن الآن إذ الاب غير موجود ليستظل بظله، فانه سيتألم اكثر إذا كان لا يملك حذاء أو مأكلاً وملبساً وسيتذكر أباه وينزعج. إذ انه يتصور ان اباه لو كان موجوداً لفعل له كذا وكذا. وفي نفس الوقت ليس بوسعنا ان ننكر هذه الحقيقة؛ وهي ان جزء من احتياجات الطفل اليتيم تتعرض للخطر بشكل جدي فعلاً. إذ من الممكن على سبيل المثال ان يتكفل الآخرون ملأ الفراغ الناجم عن فقدان الأم ويغمروا الطفل بمحبتهم، إلا ان تلك المحبة لن تحمل حلاوة محبة الأم النابعة من أعماقها اطلاقاً والتي تتسم بالواقعية والاصالة وبدون ان تنتظر مقابلاً لذلك، وكان الطفل يتلمس ذلك ويتذوق طعمها. وكان يتعرض للضرب من قبل أبيه أيضاً إلا انه في الحقيقة لم يكن ذلك الضرب يؤلمه. انه الآن يتلقى ضربات فقدانه لوالده فتنفذ آلامه الى اعماق نفسه وروحه، وهي المسألة التي يعبر عنها الطفل بألم اليتم، والاحساس بالتعاسة وفقدان الملاذ. ففي السابق كان أبوه يضربه فيلجأ الى حضن أمه، وأما الآن لا يحلو له أن يلوذ بأحضان غير والدته . ولو كانت له أخت كبرى أو خالة لكان يفضل ان يلوذ بهن.

المتطلبات الاساسية للأيتام:

ولا نجد ضيراً ان نشير هنا الى طائفة من المتطلبات الاساسية لهذه المجموعة من الاطفال لكي تتضح لمربيهم المسائل التي يجب عليهم الاهتمام بها اكثر في أمر تربيتهم.

١- الحاجة الى المحبة والحنان :

لقد فقد الطفل اليتيم والده أو والدته، أي أنه فقد منبع العطف الحقيقي والمحبة الصادقة، ويجب علينا تلبية حاجته هذه. بأن نعامل الطفل بكل لطف، ونداعبه، إذ ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان عندما يرى الايتام يجلسهم الى جانبه أو على فخذه، ويمسح على رؤوسهم ويقول ان الله تعالى يؤجر الفرد بعدد ما يمسح من الشعر بيده.

٢- الحاجة الى التعلق والتبعية:

ومعنى ذلك ان الطفل الفاقد لوالدته بحاجة الى من يناديها بكلمة أماه، وخاصة عندما يكون مريضاً ويحتاج الى مراقبة وعناية أكبر، أو اثناء النوم ويبدأ بالبحث عن والدته أو لغرض قضاء احدى حوائجه، إذ يجب ان يمتلك من يختاره أباً أو أماً له لكي يتأكد من توفير الحماية له من قبلهم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك اليتيم الذي وجده مهموماً ومغموماً لهذا السبب «لا تغتم فأني بمنزلة أبوك، وابنتي فاطمة اختك، وزوجتي أمّك)).

3ـ الحاجة الى المواساة :

الطفل بحاجة الى من يستمع لآلامه ويهتم بشكواه ومعاناته التي تواجهه في مختلف الاحيان. فلو أفصح عن احدى همومه ان يقروا له بذلك لو طلب منهم الاستماع الى مسألة ما يجب ان يستجيبوا له. ان اللجوء الى هذا الاسلوب والعمل بهذه المسؤولية تجاهه سيؤدي الى اضفاء حالة من الهدوء والسكينة عليه.

٤- الحاجة الى الضبط والسيطرة:

صحيح انه يتيم، ولكن يجب ان لا تصبح معاملتنا اياه بالعطف والحنان سبباً لأن يشعر بأنه قادرٌ على الاقدام أي عمل يريده هو وان احداً لا يراقبه او يمانعه في ذلك، اذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ادبوا الأيتام كتأديبكم لأبنائكم». وبعبارة أخرى فالأساس في ذلك راعوا الله فيهم واعتبروا انفسكم آبائهم ففي هذه سوف لن تُخدش عواطفهم ومشاعرهم.

5ـ الحاجة الى التأكيد:

ان الايتام وبسبب المعضلة الخاصة التي يعانون منها من المحتمل لهم ان يفقدوا العزة والثقة بأنفسهم. وضرورة التربية تستوجب بأن يصار الى تهيئة مناخ اعادة بناء شخصيتهم، لكي يستعيدوا الثقة بأنفسهم مرة أخرى، ويرون لأنفسهم أهمية ومكانة تليق بهم، حتى لا يكونوا عرضة للانحراف والخطر.

٦- الحاجة الى المداراة:

يجب مداراة اليتيم، كما يجب عدم جرح مشاعره اثناء تربيته كما هو حالنا عادة مع اطفالنا الآخرين. ويجب ان نأخذ في حسباننا قلبه الكسير ونعلم بأنه سريع البكاء. إذ أن بكاءه يهز العرش كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «اذا بكى اليتيم اهتز العرش» .

بكاء اليتيم :

من الممكن ان يكون اليتيم هادئ في ظاهره. ولكن لو تأملتم جيداً بشأنه لوجدتموه انه يفكر بصدد ان تسنح الفرصة لكي يخفف عن نفسه. فالأطفال الاذكياء نسبياً متحفظون وهادئون ولكنهم يشرعون بالبكاء مع بسط ذريعة تلوح لهم ويحرقون القلب الماً.

ان منظر بكائهم يدمي القلب احياناً. ونقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله في اجابته عن السؤال التالي: هل ان ملائكة الله يبكون ويضحكون؟

فقال صلى الله عليه وآله: نعم، انهم يبكون في ثلاثة مواطن ويضحكون في ثلاثة مواطن.. واحدى المواطن التي يبكي فيها الملائكة هو الموطن الذي يكون فيه يتيماً نائماً، ويرى أباه أو أمه في المنام وهو فرح معه أو معها، ولكن يستيقظ فجأة فلا يراه أو يراها الى جواره. فيتذرع بأبيه أو أمه ويبكي؛ بل انه ولكي لا يعلم الآخرين ببكائه تراه يبكي بصمت ويتحرق... وعندها تبكي الملائكة.

نريد ان نقول لا بد لنا ان نشفق على امثال هؤلاء الاطفال المنكوبين والمليئة عيونهم بالدموع، ولا ينبغي لنا ان نزيد من موجبات ألمه ومعاناته اكثر مما هو عليه، وهذه المسألة يوصي بها المعصومون عليهم السلام ويطالبوننا بمداراة اليتيم، وان لا نُجري دموعهم.

اهمية مسألة اليتيم :

جميع الاطفال اعزاء ولهم حقوق علينا واليتيم أعز ويجب مراعاة حرمته وحقوقه اكثر من غيره. والتوصيات الموجودة بشأن الايتام لم تحدث بشأن الاطفال العاديين. ولعل السبب في ذلك يعود الى ان الاطفال العاديين ليسوا بحاجة الى المزيد من التوصيات، إذ ان آبائهم وأمهاتهم الى جوارهم ويظلونهم بظلهم ويستجيبون لطلباتهم ويشعرون بآلامهم ويرون ان سلامة وسعادة ابنائهم هي جزء من سلامتهم وسعادتهم.

والقرآن الكريم يوصي بالإحسان الى الايتام، والانفاق عليهم (البقرة ١٧٧)، وان عدم اكرام اليتيم يستحق اللوم والتوبيخ (الفجر ١٧) وان طردهم يعد نوعاً من انواع تكذيب دين الله وآياته. كما ان الامام علي عليه السلام اوصى بهم في آخر وصية له وهو على فراش الموت وقال : «الله الله في الايتام لا تغبوا أفواههم ولا يضيع حقهم في حضرتكم».

ان تربيتهم مسألة ضرورية لأنهم يمثلون الثروة البشرية للبلد، ان وضع الخطط والبرامج بشأنهم ومراقبتهم ورعايتهم يمكن ان يؤدي الى ما فيه مصلحتهم وسعادتهم والمجتمع كذلك. كما يجب ان نبذل ما في وسعنا بشأن تربيتهم ورعايتهم لأن هذه الثروات والطاقات البشرية للبلد معرضة للخطر والاستغلال. اذ ان اعمدة الدخان المتصاعدة من سوء تربيتهم من الممكن ان تدخل في عيون الآخرين أيضاً. ان اعالتهم ورعايتهم، واحترام حقوقهم تحظى بعناية الله تعالى وتستنزل رحمته ولطفه.

الاخطار المحدقة بالأيتام:

ما اعظم الاخطار والانحرافات التي تهدد الايتام وان عدم اهتمام الوالدين ومراقبتهم لهم هو السبب في سقوطهم في المهالك الشديدة والخطرة. وبدورنا سنذكّر الآخرين بتلك الاخطار والعوامل التي تنجم عنها الاخطار لتكون تذكرة وتحذيراً لذوي اليتيم واسرته والمربين.

١- خطر المحبة :

تتسبب المحبة بإيجاد الاخطار للأيتام سواء من حيث الافراط أو التفريط بها وانهم معرضون لهذه المسألة، إذ ان قلة المحبة تتسبب في ان يمنح محبته لأفراد مجهولين ومن الممكن ان يجر نفسه الى مرحلة الفساد من خلال اظهار محبته وتملقه هذا.

كما ان الافراط في المحبة يتسبب هو الآخر في ان يتطبع الطفل بالميوعة والدلال ويصبح فرداً مبالغاً في توقعاته وكثير الطلبات، وهذين الأمرين يشكلان خسارة كبيرة له.

٢- خطر فقدان السند:

يفقد اليتيم بموت أبيه أو أمه نقطة استناده واتكائه وتعلقه ويبدو في ظاهر الحال بانه غير متعلق بأحد ويريد الاسلام ان يكون تابعا لفرد ما من خلال عيشه في بيته أو في بيوت المؤمنين. لأن عدم التبعية وفقدان المراقبة والاهتمام باليتيم يؤديان في النتيجة الى ان يصبح اليتيم كالثمرة المعلقة على الشجرة ليس لها صاحب وكل من يراها يلقمها حجراً ويصبح مرتعاً يستهدفه الآخرون ويستغلونه اسوء استغلال. لذا كونوا له بمنزلة الاب أو الام جدياً بحيث يتعلق الطفل بكم ويشعر برعايتكم له.

٣- خطر التحلل والانفلات:

احياناً يشعر اليتيم بأنه أصبح حراً ومنفلتاً بعد موت أبيه ولا يقبل بتبعيته لوالدته. أو بعد فقده لوالدته تلك الخيمة التي كانت تظلله برعايتها اياه خطوة بخطوة أو لم يعد يرها الآن معه فانه سيشعر بالنتيجة بأنه أصبح حراً ولا يوجد من يسيطر عليه ويراقبه. ان استحواذ هذا التصور على الاطفال بل وحتى اليافعين يعد امراً خطيراً. ان التفسخ وانعدام الضبط يبدأ من هذه النقطة ويؤدي به الى الفساد وارتكاب الجريمة.

٤- خطر عدم الاتزان:

لدينا من الايتام من لم يسأل أحد عن احوالهم لحد الآن شيئاً. ولم يضمد أحد قلوبهم المجروحة، حتى ان هناك من الايتام من لم يحظوا برعاية واهتمام اقرب الناس إليهم كالعم، والخال، والعمة والخالة ولأسباب متعددة. وبالنتيجة فان هؤلاء الافراد سيفتقدون في المستقبل للتوازن الروحي والنفسي. ويتحولون إلى افراد خياليين، ويتحدثون مع انفسهم، وينزوون، ويتسمون بحساسية مفرطة، ويتهربون من الاحتكاك بالآخرين...

٥- خطر العصيان والجريمة:

واخيراً لدينا من الأيتام الذين تحولوا الى افراد متمردين، غير مطيعين، عصاة، غير منضبطين، بعيدين عن مراعاة الحقوق الانسانية وحرمة الناس وذلك بسبب عدم تمتعهم بالتربية والرعاية السليمة. حتى ان بعض هؤلاء اتصفوا بالجريمة والعصيان وانظموا الى مجموعة المجرمين.

ولدينا نماذج كثيرة من هؤلاء الافراد ويؤيد ذلك عدد المجرمين في العالم. وكما يقول البعض من علماء النفس، فان أرضية الجريمة في الأيتام كالدمل المحمّلة بالقيح، ويجب مراقبتها والحؤول دون بروزها وطغيانها.

وملعوم لدينا طبعاً في ان السبب في تلبس بعض الايتام بالجريمة يعود الى وجود جرح عاطفي لديهم لم يلتئم بعد، ويعاني الطفل على اثر ذلك بالبطيء في النمو في مشاعره. ولو قمنا بمعالجة هذه المسألة فنكون قد أوجدنا حلاً لهذه الحالة.

وظيفة الأم عند فقدان الأب :

بعد موت الأب فان مسؤولية الأم تصبح ثقيلة واكثر صعوبة. وعليها ان تفي بكلا الدورين للطفل وفي آن واحد، إذ أن الايفاء بذلك يعتبر امراً في غاية الصعوبة ونوعاً من الفن، إذ انها من جانب تعد أماً ويجب عليها ان تفي بدور الأمومة المتضمن لدور الرقابة ورعاية الطفل بالجنان والعاطفة، ومن جهة أخرى يجب عليها ان تملأ الفراغ الناجم عن فقدان الأب وعليها ان تفي بدور الأب المتمثل باستخدام القوة والضبط ، وهذا العمل لا يمكن اعتباره عملاً بسيطاً. والخطر هنا يكمن في ان الأم احياناً وبسبب وفاة الأب تستحوذ عليها حالة انفعالية.

وبالنتيجة فان الاطفال يستغلون هذه الفرصة استغلالاً سيئاً ويتصفون بالتحرر المطلق وعدم الالتزام بالضوابط الاسرية ويصبحون افراداً يتسمون بالحسد، وعدم الرحمة أي القسوة ولا يرغبون في مواصلة دراستهم وتحصيلهم بسب انخراطهم مع الافراد السيئين والفاسدين ولا يكترثون بمستقبلهم ومصيرهم وحياتهم.

ولو كانت النية متجهة لإنشاء اسرة جديدة فمن مصلحة الأم والطفل ان يصار الى الاقدام على هذه العمل في سني الطفولة. لأن الطفل عندما يبلغ مرحلة بداية الشباب فيما بعد فان تحمل هذا الأمر يصبح أمراً عسيراً عليه ومن الممكن ان تتسبب الأم بخلق المتاعب له. والجدير ذكره ان الطفل يألف حالة فقدان الابوة سريعاً، وسرعان ما ينظم خلقه وطباعه مع الوضع الجديد ويتطابق مع الوضع القائم فعلاً. ومن واجب الأم طبعاً ان تتزوج الرجل الذي يكون مستعداً للقبول بوجود طفلها وان يكون له بمنزلة الأب الحنون حقاً.

وظيفة الأب عند فقدان الأم :

في حالة وفاة الأم، فان هذا الامر يمثل خسارة كبيرة جداً للطفل بل ان فقدان الأم اكثر ايلاماً واشد وطئاً عليه. وانه لمن العبث ان ندعي القول بان الرجل يجب ان لا يتزوج مرة أخرى حفاظاً على مكانة زوجته المتوفاة، وان يتحمل هو بنفسه مسألة رعاية الاطفال، إذ ان هذا العمل غير ممكن التحقيق وغير معقول أيضاً.

ان الاطفال الصغار بحاجة ماسة للأم، وأهم مسالة في هذا الأمر هو أن ينتخب الأم لهم أماً وزوجة لنفسه.

يجب التأكيد على ان تكون المرأة التي تحل مكان الأم من اللاتي سبق للأبناء وقد ألفوها مثل الخالة، أو احدى القريبات من العائلة. والاولوية هنا للأطفال ويجب على الرجل أن يفكر بمصلحة الاطفال قبل كل شيء وليس لمصلحته الشخصية. ويجب ان يختار المرأة التي تنقذ الاطفال من الغصص المرة، وان تكون لهم بمنزلة الأم التي تأخذهم بأحضانها الدافئة وتملأ عليهم حياتهم وتسليهم.

مسألة اليتم واليسر :

ان لفظة اليتم واليسر وبسبب سوابقها المرة التي أوجدتها في الاذهان تكفي لوحدها بان تدخل الرعب في نفوس الافراد. ان الضغوط الناجمة عن مشاعر الاهانة، وعدم الاعتناء، والتوبيخ، والعقاب، وحالات الايذاء تعد من العوامل التي تدفع الطفل نحو التعاسة، والانزواء والتهرب.

ولا يمكن لأي رجل أن يكون للطفل بمنزلة الأب وأية امرأة لا يمكنها ان تحل محل الام. ولكن لو اعتمدنا على الاصول الانسانية والاخلاق الاسلامية بهذا الشأن بوسعنا ان نتفاءل بإمكانية الحصول على رجال بدلاء عن الاب ونساء شبيهات بالأم. ان السلوكيات الظالمة التي يقوم بها أزواج الأمهات أو نساء الآباء والتي نسمع بها دائماً، وهذه التصرفات القاسية والجرائم المرعبة التي تصدر عنهم احياناً، لا تصدر عن البشر، بل من الوحوش المفترسة التي تبدو لنا في صورة انسان وتمارس حياتها تحت اسم زوج الام أو زوجة الاب.

نعم أن لدينا نساءً يتّسمن بمزيد من العطف والحنان ولكن عندما يصطدمن طفل آخر لا ينتسب لهن يصبحن بدرجة عالية من الخطورة والوقاحة وتنقلب احداهن الى غولٍ قاسٍ وشقي ويعذبن هذا الطفل البري الذي ليس له أي ذنب في وفاة والده أو والدته. فهل ان تلك النسوة لا يفكرن بالله والحساب والقيامة يا ترى؟ ألا يفكرن بأن أمامهن يوم آخر؟ أما يكفي الطفل ألم فقدانه لوالدته ويتمه حتى تضاعف من جرح مشاعره؟ لقد "ل تل الله صأى الله عليه واله وسلم : ارحموا عزيز قوم ذل وغنيا افتقر.

وظيفة الناس ازاء اليتيم :

لأفراد المجتمع واجبات تجاه الايتام لا بد لهم الايفاء بها، إذ انهم مسؤولون عن تأمين وتحمل تكاليف حياتهم، وعليهم ان يحتظنوهم في بيوتهم ويرعوهم ان كان ذلك ممكناً لهم، ويظهرون مواساتهم لهم في تحمل الآلام والمعاناة ولا يفارقوهم وان يقدموا لهم محبتهم الخاصة تجاههم في أقل تقدير.

فالنظام الاسلامي يقضي بان يقوم الناس بتربية الايتام في بيوتهم كتربيتهم لأبنائهم، وان يكبروا كما يكبر أولئك الاطفال، وان يتمتعوا بنفس المزايا التربوية التي يتمتع بها الآخرون. وقد أثبتت التجارب بأن الاطفال الذى يكبرون ضمن محيط الاسرة يمتلكون في المستقبل توازناً جيداً بالمقارنة مع غيرهم، وعدم الانسجام والانحراف لديهم أقل ما يمكن، ولا يعانون من الحرمان في العطف أو المحبة المفرطة بحيث يقودهم الى الانحراف.

وان لم نكن نمتلك القابلية على ايواء اطفال الناس في بيوتنا، فينبغي علينا ان نعودهم ونسأل عنهم على الاقل، ونمسح على رؤوسهم بأيدي عطفنا وحناننا، وان ندخل عليهم السرور والفرح بين الحين الآخر ونشجع اطفالنا على ملاعبتهم ومعاشرتهم... وخير ما نختتم به بحثنا هذا عبارة شريفة للإمام علي عليه السلام بشأن الايتام في آخر وصاياه ، إذ قال عليه السلام : ((الله الله في الايتام فلا تغبوا افواههم ولا يضيعوا بحضرتكم» نهج البلاغة.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.