اشتمال خطبة الزهراء على معارف تدلل على سمو مقامها وعظيم حجيتها ( عليها السلام ) |
1816
05:38 مساءً
التاريخ: 12/12/2022
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 12/12/2022
2049
التاريخ: 17-2-2019
5846
التاريخ: 12-12-2014
3118
التاريخ: 12-12-2014
3464
|
لا تزال خطبة السيدة فاطمة ( عليها السلام ) ترن في أسماع الدهر ، وتتجدد على مرّ العصور مؤكدة في الوقت نفسه جوانب شخصيتها الإلهية ومقامات معرفتها الربوبية مشيرة إلى عظيم ما اطّلعت عليه من مكنون علمه ومخزون معارفه ، والتي لا يُطلعها إلا على خاصة أوليائه وأهل صفوته وسدَنَةِ أسراره ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ولما كانت فاطمة ( عليها السلام ) أحد مصاديق أهل التطهير وأولي الذكر ، فلا غرابة أن تفتق في خطبتها من بعض خزائن معارفه تعالى .
فهي مع ذكرها البالغ لتمام الحمد على نعمائه ، وسوابغ الشكر على آلائه ، والثناء لربوبيته ، والتوحيد لصفاته ، فهي تسوق البيان للتوحيد بما ليس معهود في الفلسفات البشرية أنذاك من اليونانية أو الفارسية أو الهندية ، ومن ظرائف التوحيد ما لم يُعهد في العرفان المتداول آنذاك ، فانّ بيان معرفة التوحيد ينفي الصفات المشيرة للغيب المطلق ، وأن الصفات الإلهية تجليات أسمائية دون مقام غيب الغيوب ، إذ لم يُعهد قبل الاسلام ، ولم يُبده قبل القرآن الكريم ولم يكن في متناول أفهام المسلمين في الصدر الأول ، ثم شرعت في بيان سلسلة الصوادر عنه تعالى وكيفية الصدور واختلاف النشآت بما هو غير معهود في المعارف البشرية آنذاك الفلسفية والعرفانية مما قد تعرّضت اليه إشارات القرآن الخفية التي لم تنلها أفهام المسلمين حينذاك .
ثم بيّنت ضرورة الشرع والشريعة ، ثم بيّنت مقامات النبي ( صلى الله عليه وآله ) في النشآت السابقة والتعينات الخلفية للأشياء بحسب العوالم المتعاقبة وهذه من المعارف التي لم يُبح بها قبل ذلك .
ثم بيّنت فصول علوم القرآن وجوامع أبوابه فأخذت في بيان علل وحكم الأركان وأحكام الدين ، مما لم تنله الأذهان قبل ذلك ، ثم بيّنت بمجمل سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسننه وعِظم ما عاناه في الدعوة إلى الرسالة ، وما كابده أخاه ووزيره وابن عمّه ووصيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وانهما صلوات الله عليهما مشيّدا صرحَ الدين والدولة والنظام في الاسلام ، ثم أخذت في تحليل الفتنة التي مُني بها المسلمون بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) سياسياً واجتماعياً وما سيؤول اليه حالهم لاغتصابهم الخلافة ، كل ذلك بيان جزل والفاظ منمقة وتناسق أنيق تستجيب العبارات لها وتنصاع المعاني لمراداتها والحقائق التي أبرزتها ، وكل ذلك من المعارف مما لم يكن متداولاً بين المسلمين ، لعدم وروده فيما صدر من أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) للعامّة .
فمجمل ذلك برهان على أن ذلك صادر من علم لدني ، وينضح من تلك العين .
وبعبارة أخرى تسوق البيان لمقام النبوّة ومعدن الرسالة وفضلها الذي لا يحصى إذ أخرجهم الله به من ظلمات الجهل إلى نور الهداية ، وطهرهم من دنس الشرك بعد أن كانوا أذلاء ضعفاء يتخطفهم الناس من كل جانب ، وتهوي بهم عواصف الشرك من مكان سحيق ، وبعد أن عرّفتهم بعض مقام أبيها ( صلى الله عليه وآله ) عند الله تعالى وأظهرت فضله وبيّنت برهانه ، وأوضحت حجته ، وأعلمتهم معالم دينهم ، وأركان فرائضهم وبيان حكمة كل ركن أصولها وفروعها فحلّقت بهم إلى كل معرفة ربوبية ، وأخذت بهم عند كل سبيل ، فعرّفتهم تكليف كل قضية في دينهم ودنياهم ، فكأنما كانت تُفرِغُ عن لسان أبيها حكمة ومعرفة ، فصاحة وبياناً ، حتى كانت أول خطبة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تُلقي عليهم الحجة ، وتنذرهم بعاقبة أمرهم إذا ما هم أقاموا على غيّهم وغوايتهم وباطلهم يرون تراث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد تناهبته الأهواء وهم قابعون ، لا يدفعون يد لامس ، ولا يتناهون عن باطل ، ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ، وليس هذا إلا عن علم الهي لدنّي لا يناله إلا حجة ، ولا يحوزه إلا كل مقرّب مطهر .
اذن فاستطاعت فاطمة ( عليها السلام ) في خطبتها تؤكد على أمور :
أولاً : ان خطبتها كانت أول خطبة بعد خطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تسجلها محافل المسلمين في ذاكرتها لتولي لها اهتماماً بالغاً يؤكد اهتمام المسلمين بمقامها مما يؤكد حجيتها البالغة في مرتكزاتهم .
ثانياً : تُعد خطبة فاطمة ( عليها السلام ) احدى الملاحم التوحيدية التي تذكر فيها ثناء الله تعالى ووحدانيته وتشير إلى نبوّة محمد ( صلى الله عليه وآله ) وأثرها في حياة المسلمين ، وتستعرض أركان الدين وما يقابلها من حكمة التشريع ، وتثير تساؤلاتها بعد ذلك عن مشروعية البيعة المأخوذة تحت عنوان السقيفة ومدى صلاحية هذه البيعة المدّعاة مما تؤدي بكثير من مدعيات القوم وتعاجل مشاريعهم .
ثالثاً : حاولت السيدة فاطمة ( عليها السلام ) في خطبتها تعرية كل مشروع يُصاغ على النهج السياسي السقيفي مستقبلاً ، وحصّنت من خلال ذلك الصيغة الاسلامية المحمدية في نظام الحكم لئلا تختلط الأوراق وتتشابك الدعاوى وكانت تنطلق في دعوتها لهم من موقعيتها في نفوسهم ومقامها لديهم الذي قد بناه القرآن النازل في حقها وتأكيدات النبي بمقامها وفضلها ، والحجية في جميع ما تلقيه من حكم ومواعظ ونصائح وأحكام ومن ثم تحليل لكل القضايا التي واجهت المسلمين وستواجههم مستقبلاً ، مما يحفظ لخطبتها البليغة مكانة الحجية في مرتكزات المسلمين فضلاً عن حجيتها الثابتة بالدليل القرآني والسنّة النبوية .
رابعاً : الملاحم المستقبلية التي أنبئت المسلمين بها من تفشي الفتنة فيهم والظلم والفرقة ، حيث قالت : " أما لعمري لقد لفخت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً ، وزعافاً مبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف الباطلون غب ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً ، واطمأنّوا للفتنة جأشاً .
وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيداً "[1].
وقد وقع ما أخبرت به إلى حيث نرى ما يجري اليوم من ذلّ المسلمين على كثرتهم الكاثرة أمام فئة اليهود القليلة ، وهم لا يدفعون يد لامس ، فعاد جمعهم حصيد ، وفيئهم زهيد ، وكل ذلك ، فبئس ما أسسه الأولون من نظام حكم جرّ المسلمون إلى ما هم عليه اليوم .
[1] البحار 43 : 109 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|