أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-26
1055
التاريخ: 27-4-2020
2228
التاريخ: 24-8-2020
2067
التاريخ: 9-2-2019
1914
|
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يبيّن المدلول الحقيقي لعقيدة التوحيد، أنواعها وأهدافها.
2- يستدل على أنّ الطاعة والانقياد والتسليم لله هي من لوازم المعرفة التوحيدية.
3- يستدل على أنّ ولاية وحاكمية المعصوم في الأرض هي من اللوازم الأساسية للمعرفة التوحيدية.
هدف عقيدة التوحيد:
ترتبط صبغة الحياة الإنسانية وتفاصيل سلوك الإنسان بالجانب العقائدي الذي يحمله، وبالمفاهيم العقدية التي تفرض تأثيرها في حياة الإنسان - سواء على المستوى السلبي أم على المستوى الإيجابي - وعلى شخصيته وتفكيره وسلوكه وصولاً حتى إلى عبادته وسياسته، ثم منحى حكومته ونظامه. ومن أهم هذه الأصول والمبادئ العقائدية "التوحيد". التوحيد الإلهي الذي يعني في مدلوله الحقيقي وبعده العلمي، تمام الخضوع لله سبحانه وحده، ونفي الخضوع والطاعة والتبعية لغيره، وترجمة هذه العقيدة التوحيدية ممارسةً دقيقة في مختلف مناحي الحياة.
وإنّ عقيدة التوحيد تحدد لمهمتها هدفاً كريماً، هو إصلاح الإنسان وإصلاح المجتمع، وإصلاح الدولة التي أخذت على عاتقها إدارة المجتمع. فتخطط لتوجيه الإنسان والعلاقات الإنسانية والاجتماعية في أروع صيغة ينمو في أجوائها الإنسان بهدف الوصول إلى الكمال الإنساني اللائق به.
ولا شك في أنّ إيمان المؤمن بوحدانية الله سبحانه، يدفعه إلى التسامي نحو ما يرضي الله عزّ وجلّ، فيعاهد نفسه على ألا يتمرد على أوامر مولاه ونواهيه، فيسري جوهر التوحيد إلى كيانه اقتراباً من الكمال المنشود. فما أكثر ما أشارت
آيات الكتاب الكريم إلى وجوب الصلة بين إيمان المؤمن وعمله الصالح، ليتوافق فيه باطن الإيمان مع ظاهر العمل، ليكون باباً ومقدمة لإشراق نور التوحيد في القلب.
التوحيد النظري والعملي:
إنّ مفهوم التوحيد الإلهي يمرّ بمرحلتين اثنتين لا تكتمل الأولى منهما إلا بتمام الثانية، وهما:
1 ـ التوحيد النظري:
والذي يعني عقد العقل على التوحيد الإلهي، والإيمان بوحدانيته تعالى، وسائر صفاته الجلالية والجمالية. وهنا لا بدّ من بيان مفهوم التوحيد الإلهي على المستوى النظري، والإحاطة بمعناه حتى لا يقع الموحِّد في إشكاليات التوحيد في مفهومه الخاطئ، وذلك أن هناك مفهومين للمبدأ الواحد:
الأول: مفهوم محرّف.
الثاني: مفهوم سليم.
أما المفهوم المحرَّف للتوحيد، فهو الذي يعتبر الإله الواحد موجوداً منعزلاً عن الكون والمجتمع، انقضت مهمته في عالم الوجود بعد خلقه للكون والإنسان، وليس على الإنسان إلا أن يقدّره ويحترمه ويقدسه على إحسانه الأول وفيضه الأزلي في خلق الأشياء من العدم. فالإله على ضوء هذا المفهوم الخاطئ موجود منفصل تماماً عن واقع الحياة الإنسانية، ليس له بها أي دخل أو مساس، وما على المخلوق سوى أن يقدسه فحسب. وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض مراحل هذا المفهوم المحرَّف في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64].
وأما المفهوم السليم للمبدأ الواحد، فهو الذي يعتبر الإله الواحد مهيمناً على الوجود كلّه ومفيضاً سيبَه على مخلوقات العوالم العُلوية والسُفلية كلها في آن. كما يرى أن الوجود كله بمراتبه المتفاوتة قائمٌ بذاته تعالى ومن إشراقات وجوده الواجب. فهو الله سبحانه المهيمن بولايته الكلية المطلقة والشاملة العامة على عرش الوجود وعالم التكوين {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44]. وهو عزّ اسمه القائم بالقسط على نظام العدل والإنصاف في جميع مراحل التكوين ونزول نور الوجود إلى العالم الأرضي {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].
ويلاحظ في القرآن الكريم مستوى مميز من إظهار العناية بهذا المفهوم الصائب لقضية التوحيد وتوضيحها وإزاحة الشبهات وإزالة الغموض عنها، ومن ذلك قوله تعالى:
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16].
{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2].
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 17].
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
إلى غير ذلك من عشرات الآيات المباركة الواردة في دقائق مفهوم التوحيد النظري ودلالاته.
2 ـ التوحيد العملي:
يقصد به أن يكون الإنسان في عمله كله خاضعاً لله وحده. وهذا المستوى في الحقيقة ناتج طبيعي ومنطقي عن مستوى التوحيد النظري. بمعنى أن صدق التوحيد العملي واشراقاته السلوكية إنما تتجلى من خلال التوحيد النظري، وتجسيدات آثاره الخيرة في عقل المؤمن. ذلك لأن الاعتقاد بكون الأشياء كلها خاضعة لله وتابعة لأمره ومشيئته وتدبيره، يقتضي خضوع الإنسان لله في عمله وتصرفاته وتبعيته له تعالى في حياته.
ومعنى ذلك، أن التوحيد العملي في واقعه هو توحيد الطاعة لله سبحانه، وتتمثل حقيقة العمل بالتوحيد في التزام خط الطاعة الإلهية في جميع شؤون العبد، سواء كانت فردية أو جَماعية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.
ففي مجال التوحيد النظري لا بد للموحّد ألا يرى مؤثراً في الوجود على نحو الاستقلال غير الله تعالى، وأن يعتقد أن الأمر كله بيد الله، وأن إليه تصير الأمور، وأن له الخلق والأمر، وأن له من في السماوات والأرض، وما فيهما، وأن له المُلك وأنه يفعل ما يشاء، ولا يفعل ما يشاء غيره.
وإذا كانت شؤون الخلق والتكوين كلها بيد الله تعالى كما هو مقتضى التوحيد النظري، فلا بد أن يوجه العبد إرادته وفق الوجهة التي يريدها الله سبحانه، وأن
يحرّك اختياره على أساس انسجام أفعاله الإرادية والاختيارية مع إرادة الله وأمره ونهيه، وأن يجعل إرادة الله فوق إرادته، وأمره ونهيه فوق هواه ورغبته.
وثمة طوائف من الآيات المباركة في القرآن الكريم ترسم لنا طريقة التوحيد العملي التي يعبّر عنها القرآن الكريم بملة إبراهيم عليه السلام ويصف الموحدين العمليين بالمسلمين، ويجعل الإسلام مرادفاً لتوحيد الطاعة والخضوع التام لله سبحانه، ومن ذلك قوله تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } [الحج: 77، 78].
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الأنعام: 161 - 164].
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 66].
إن هذا المعنى لإسلام الوجه والطاعة الشاملة لله سبحانه هو الذي يحتّم على العبد أن يكون في وجهته وطريقته التي يسلكها في الحياة وفي كل ما تتوجه إليه إرادته، خاضعاً لله سبحانه مطيعاً لتكاليفه، ممتثلاً لإرادته، معرضاً عمن سواه.
وإن هذا المستوى من الإسلام لله وتوحيده العملي إنما يتحقق بالخضوع لحكمه الجاري على أيدي عباده الصالحين، بل لن يكون إسلام إلا بهذه التبعية للقادة الإلهيين من الأنبياء والأوصياء والصالحين.
لا استثناء في الإيمان التوحيدي:
وعندما تتحكم هذه النظرة التوحيدية بملك الله سبحانه وهيمنته على الكون كله، فهي تأبى أيَ استثناءٍ، فليس الإنسان ولا حياته الفردية والاجتماعية محل استثناء في هذه النظرة الشاملة، بل لا يمكن أن يكون الإنسان نشازاً في هذه المجموعة الكونية الخاضعة لله تبارك وتعالى.
وإذا كان مصدر القرار والحاكمية في الكون واحداً وهو الله سبحانه، وإذا كان الإنسان ضمن هذه المجموعة الكونية الخاضعة لولاية الله وسلطانه، فليست الولاية في حياة الإنسان إلا لله وحده.
ومن هنا يصبح مقتضى التوحيد العملي، توحيد الولاية والطاعة لله سبحانه وتعالى، ونتيجة ذلك أن قبول ولاية غير الله والتسليم والخضوع لغير الله سبحانه يمثّل خروجاً عن طريقة التوحيد.
إن قانون الوجود الإلهي يمنح الإنسان أسباب البقاء، التي صار الإنسان بموجبها تابعاً تكويناً للسلطة الإلهية {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62]. وانسجاماً مع قانون التكوين يدرك العقل الإنساني لزوم الإتباع والعمل بالتوجيه الإلهي، إذ العقل الذي يدرك ارتباطه وحاجته المستمرة للذات المطلقة الغنية المحيطة بطبيعة التكوين الإنساني وملابساته الطبيعية المختلفة، هذا العقل نفسه يدرك أن المصلحة الحقيقية هي في اتباع التخطيط الإلهي الذي ترسمه شرائع الرحمن لسد نقص الإنسان المحدود، الذي لا يقدر على تقديم الصورة الصالحة لنظام الحياة، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: 40].
كما يدرك أيضاً أن حق التخطيط والتوجيه بالأصالة بيد هذه القدرة دون سواها.
ومن هنا يتبلور المفهوم الإسلامي السائد، وهو أن حق التشريع والسلطة محصور بيد الله سبحانه وتعالى، ولا طاعة لغيره ولا اتباع لسواه. فالإسلام يوصل وجهته التشريعية بنظرته التكوينية، إذ السلطنة في عالم التكوين لله وحده والولاية في عالم التشريع لله فحسب.
التوحيد ونظام الولاية:
ولكن كيف يأخذ التوحيد العملي أو الطاعة والولاية المطلقة الإلهية، مجراه الطبيعي في حياة الإنسان؟ وكيف ينطبق الإسلام الحقيقي على حياة الإنسان وتُصاغ شؤون هذه الحياة ومجالاتها على ضوء هداه؟
ليس هناك إلا طريق واحد، وهو أن ينصِّب الله سبحانه وتعالى في عباده رمزاً يأمرهم بطاعته واتباعه، ويفرض عليهم ولايته لتكون طاعتهم له طاعةً لله، والخضوع لولايته خضوعاً لولاية الله وذلك هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام المعصوم عليه السلام أو الحاكم العادل النائب عن المعصوم في حال غيبته
إن مالكية الله سبحانه كأصل وجوده، فهي واقعية مسلّمة وغير قابلة للتغيير، قد وُضعت في فطرة كل إنسان وطينته، ووظيفة كل إنسان يطلب الحق ويسعى إليه هو أن يرفع موانع شهود هذه الحقيقة عن عين بصيرته، وأن ينظر في مكنون فطرته
وهذه المسألة تجري أيضاً في أصل التوحيد، وتحليل معنى الكلمة الطيبة، "لا إله إلا الله" فإنها تنحل إلى قضيتين مستقلتين، إحداهما: نفي الطاغوت، والثانية: إثبات الحق. إذن... فهناك طريقان أمام الإنسان، ليس لهما ثالث وهما:
الإيمان بالله تعالى وحده، أو الإيمان بالطاغوت. وكل ما سوى الله سبحانه أو من لا يتصل بالله تعالى فهو طاغوت، إلا أن تكون طاعته منبثقة من طاعة الله بأمر من الله، وكان الانقياد له انقياداً لله سبحانه، وذلك هو الذي ينصبه الله تعالى على الناس إماماً وقائداً ليسلك بهم طريق الطاعة الإلهية {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
وانطلاقاً من هذا الأساس التوحيدي المفصلي يتضح أن كل طاعة وانقياد من جانب العبد إذا لم ينتهِ إلى طاعة الله والانقياد إليه تكون من طاعة الطاغوت وولايته. كما أن كل مطاع لا تنتهي طاعته إلى طاعة الله، فإنه طاغوت. بمعنى أن إطاعة أي إنسان حتى الوالدين أو الصديق أو القادة والزعماء والرؤساء السياسيين والحزبيين إنما تجوز أو تجب بإذنٍ من الله تعالى، ووفق الضوابط والمحددات الشرعية لذلك، وإلا فإنه من عبادة الطاغوت. وقد وردت بذلك روايات كثيرة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام):
منها: ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجل: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، قال عليه السلام: شرك طاعة وليس شرك عبادة" (1).
ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام أيضاً أنه قال: "إيّاك والرئاسة فما طلبها أحد إلّا هلك فقلت قد هلكنا إذاً ليس أحد منا إلا وهو يحبّ أن يُذكَر ويُقصَد ويُؤخَذ عنه فقال ليس حيث تذهب إنما ذلك أن تَنْصِبَ رجلاً دون الحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ في كلّ ما قال وتدعو الناس إلى قوله" (2).
وعنه عليه السلام أيضا أنه قال: "إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون، فوالله ما خفقت النعال خلف الرجل إلا هلك وأهلك" (3).
وسبب ذلك: أن المسعور بحب الرئاسة عادة ما ينتهي إلى طاغية متجبر، لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته، وهو بالتالي مستعد لتحريف أحكام الشريعة وتجاوز حدودها.. لأن ضميره قد سقط وبعد هذا، فهل نعي أساس التوحيد وإشراقاته المترجمة في سلوك الإنسان، وارتباطه الحميم بأساس نظام الولاية في الحياة وإشكالية مأزق الخضوع للأولياء الكاذبين، والعمل ضمن الخطوط والتيارات التي لا تنتهي في مواصفاتها الموضوعية إلى خط الله سبحانه وتوحيده؟ وليس علينا ها هنا إلا أن نصغي بتدبر ووعي إلى قوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]. {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50]
المفاهيم الرئيسة:
1 ـ التوحيد الإلهي يعني تمام الخضوع لله سبحانه وحده، ونفي الخضوع والطاعة والتبعية لغيره.
2 ـ عقيدة التوحيد هدفها إصلاح الإنسان وإصلاح المجتمع، وتوجيه الإنسان والعلاقات الإنسانية والاجتماعية نحو الهدف الحقيقي للخلقة وهو الوصول إلى الكمال الإنساني اللائق به.
3ـ التوحيد النظري يعني عقد العقل على الإيمان بوحدانيته تعالى، وسائر صفاته الجلالية والجمالية.
4 ـ التوحيد العملي في واقعه هو توحيد الطاعة لله سبحانه. وتتمثل حقيقة العمل بالتوحيد في التزام خط الطاعة الإلهية في جميع شؤون العبد، سواء كانت فردية أو جَماعية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.
5 ـ إن مقتضى التوحيد العملي، توحيد الولاية والطاعة لله سبحانه وتعالى، ونتيجة ذلك أن قبول ولاية غير الله والتسليم والخضوع لغير الله سبحانه يمثّل خروجاً عن طريقة التوحيد.
6 ـ عندما تتحكم هذه النظرة التوحيدية بملك الله سبحانه وهيمنته على الكون كله، فهي تأبى أيَ استثناءٍ، فليس الإنسان ولا حياته الفردية والاجتماعية محل استثناء في هذه النظرة الشاملة.
7 ـ لكي يأخذ التوحيد العملي أو الطاعة والولاية المطلقة الإلهية، مجراه الطبيعي في حياة الإنسان ليس هناك إلا طريق واحد، وهو أن ينصِّب الله سبحانه وتعالى في عباده رمزاً يأمرهم بطاعته واتباعه، وهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام المعصوم عليه السلام أو الحاكم العادل النائب عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 397.
(2) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج27، ص 129.
(3) المصدر السابق، ج2، ص 397.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|