أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
1900
التاريخ: 29-09-2015
47417
التاريخ: 27-7-2017
11379
التاريخ: 25-03-2015
11830
|
لا يتعلق النقد بالتجربة الشعورية في العمل الأدبي الا حين تأخذ صورتها اللفظية، لأن الوصول إليها قبل ظهورها في هذه الصورة محال، ولأن الحكم عليها لا يتأتي الا باستعراض الصورة اللفظية التي وردت فيها، وبيان ما تنقله هذه الصورة الينا من حقائق ومشاعر. ومن هنا قيمة التعبير في العمل الأدبي.
إن الحقيقة
العلمية يمكن التعبير عنها في صور مختلفة دون ان تنقص دلالتها او تزيد لان وظيفة
التعبير في العلم هي مجرد تأدية الحقيقة الذهنية او المعنى المجرد. اما الحقيقة
الشعورية فكل تغيير في الألفاظ او نظامها، او في تنسيق العبارات وترتيبها، او في
طريقة تناول الموضوع والسير فيه .. يؤثر في صورتها التي ينقلها التعبير الى
الاخرين، ويؤثر تبعا لذلك في طبيعة الأثر الذي تتركه في مشاعرهم، وفي نوعه ودرجته
كذلك.
ذلك ان وظيفة
التعبير في الأدب لا تنتهي عند الدلالة المعنوية للألفاظ والعبارات، تضاف الى هذه
الدلالة مؤثرات اخرى يكمل بها الاداء الفني، وهي جزء اصيل من التعبير الأدبي. هذه
المؤثرات هي الايقاع الموسيقى للكلمات والعبارات، والصور والظلال التي يشعها اللفظ
وتشعها العبارات زائدة على المعنى الذهني، ثم طريقه تناول الموضوع والسير فيه، اي
الاسلوب الذي تعرض به التجارب، وتنسق على اساسه الكلمات والعبارات.
وكل هذه العناصر
التعبيرية تبدو وحدة في العمل الأدبي، ولا تكمل دلالة كل منها الا باجتماعها وتناسقها؛
ولكننا مضطرون هنا كذلك ان نتحدث عن كل منها كأنه وحدة منفصلة ذات قيمة تعبيرية
خاصة، وذلك تيسيراً لبيان قيمها الخاصة في مجال النقد الأدبي، على ان يكون مفهوما
ان كل هذه القيم تجمعها وحدة لا تتجزأ في العمل الأدبي، ثم تجمعها وحدة أكبر هي
وحدة الشعور والتعبير. ويحسن كذلك ان ننبه الى ان الصور والظلال والإيقاع ليست
قيما تعبيرية لفظية مجردة من العنصر الشعوري، لأن الخيال يتأثر بها والشعور
يتملاها، ولكننا نسميها قيما تعبيرية لسهولة التقسيم وملاك القول ان القيم كلها
وحدة في العمل الأدبي يصعب انفصالها.
ونبدأ بالألفاظ:
كيف تدل الألفاظ
.. أولا على معانيها الذهنية، وثانيا على الصور والظلال المصاحبة؟
لابد لنا من رحلة
سحيقة في مجال التاريخ الانساني، لنقف امام الانسان البدائي الذي لا يملك من اللغة
الا رصيدا محدودا، قد يكون مجرد كلمات مفردة يرمز باللفظ الواحد منها الى شيء او
حالة او حركة. ويحملها رصيدا كبيراً لا تحتمله الا عبارات كاملة!
ان مؤثرات حسية
معينة تقع عليه، فيستجيب لها استجابة معينة: هذه أفعى تلدغه فيجد للدغتها ألما
فظيعا هائلا. إنه يتلوى من الالم. ويصرخ صرخات مبهمة، وتتقلص عضلات وجهه، وتتغير
قسماته وملامحه؛ فيرمز لهذا كله بلفظة واحدة أو الفاظ مفردة متقطعة يصور بها هذه
التجربة الحسية التي هزت كيانه كله. وغيره يراه ولكنه لا يجد العبارات الكاملة
التي يصف بها ما شاهده من حركاته وما سمعه من اصواته. ولكنه ولا شك – وبعد التكرار-يدرك
ما يعانيه. يدركه من تلويه وصرخاته وقسماته، وقد يستطيع ان ينقل ما أدركه الى
الآخرين الذين لم يشاهدوا الواقعة، وذلك بإعادة تمثيل هذه الحركات والصرخات مع بعض
الألفاظ التي سمعها منه او برمز من عنده جديد.
وهذا هو يكاد
الظمأ يقتله، ثم يقع فجأة على الجدول الروى، فيعب منه حتى يروى، وعندئذ يحس
بالراحة بعد الجهد، فتنبسط اساريره، ويبتهج ويطمئن. فإذا عادت له التجربة من جديد
فقط تنبسط هذه الاسارير حتى قبل ان يشرب، لأنه يتذكر بمجرد رؤية الجدول تلك الراحة
التي أحسها بعد الري في المرة الأولى. وقد يريد ان يدل الاخرين على النبع، فيشير
إليه من بعيد، وقد يعبر عنه بلفظ مصحوب بحركاته وقسماته الدالة على طريق الارتواء،
وعلى الراحة التي تعقب هذا الارتواء، فيفهم عنه الآخرون ما يريد .. وهكذا من عشرات
التجارب ومئاتها وآلافها.
كما يا ترى من
العهود والعصور قد مر وانقضى، قبل ان يهتدى هذا المخلوق الى ان يصوغ من الرموز
القصيرة المبهمة عبارات كاملة تعبر عن مشاهد ومشاعر ومعاني؟ بل كم مر من العهود
والعصور حتى تم الاصطلاح بين القطيع على دلالة تلك الرموز المفردة اولا؟
لا يدري إلا الله
كم مر من هذه العهود والعصور. والمهم ان نحدس الآن شيئا عن طريقة الدلالة بهذه الألفاظ.
أغلب الظن ان شيئا ما في جرس الألفاظ الاولى، ذلك الجرس الناشئ من مخارج حروفها،
كان له صلة ما بالمشاهد او بالحالات التي أطلقت لتدل عليها. وقد لا نهتدي نحن
اليوم الى هذه الخاصية في كل لفظ في جميع لغات العالم، لان عوامل اخرى تدخلت في
الموضوع، ولان الدلالة لكل لفظ لم تظل كما كانت منذ اللحظة الأولى. فكثير جدا من
الالفاظ قد اتخذ على مدى العصور دلالات مختلفة، قد يصل اختلافها الى ان تطلق على
عكس ما كانت تطلق عليه. وقد تنتقل من الحسية الى المعنوية كمنا تنتقل عن طريق
المجاز والاستعارة الى دلالات اخرى معنوية متداخلة. ولكن هذا كله لا ينفي المبدأ
الأول، وهو ان جرس اللفظ كان له حسابه في الدلالة، وكان جزءا في الاصطلاح الذي أنشأ
المعنى اللغوي للفظة.
وشيء آخر كذلك اخذ
يضاف فيما بعد الى مدلول اللفظة اللغوي وجرسها، ذلك هو صورة المشهد او الحادث الذي
صاحب إطلاق اللفظ، هذه الصورة التي تستحيل الى ذكرى شعورية ترد على الخيال كلما
ذكر اللفظ، ورن جرسه في السمع.
وحينما كثرت
التجارب والمشاهد استغل الانسان ذاكرته وخياله ووعيه. فصار يكرر اللفظ الواحد كلما
تكرر المشهد او التجربة، وصار يصنف المشاهد والتجارب الى انواع، ويطلق على كل منها
لفظا معينا يدل على النوع كله. وبذلك يأخذ اللفظ معناه الذهني التجريدي.
ولكن ترى يستطيع
الذهن – حتى الى هذه اللحظة-ان يجرد هذا المعنى من ملابساته – اي من مفرداته-أو
(ما صدقاته) بلغة المنطق؟ حينما يذكر لفظة (جبل) تراه لا يقفز الى خياله صورة او أكثر
لبجل معين شاهده او وصف له فتخيله، ولا تستعيد ذاكرته صور المشاهد التي أدركها
هناك – اي نوع من الادراك-وصور الاحاسيس التي اختلجت بها نفسه، وصور الملابسات
الكثيرة التي أحاطت بهذه الأحاسيس؟
من منا يستطيع ان
يجرد اللفظ – اي لفظ-من هذه الملابسات والمشاعر التي صاحبته في نفسه الخاصة؟ وكذلك
هو لا يستطيع ان يجرده من كثير جدا من هذه الملابسات والمشاهر التي صاحبته على مدى
الاجيال الطويلة في نفوس الاخرين، وفي رواسب النفس البشرية على العموم.
كل ما هنالك ان
ذكرياته هو على اللفظ قد تكون واضحة قريبة في شعوره، اما ذكريات البشرية التي
استخدمت هذا اللفظ في مدى التاريخ الطويل فتكون متوارية مبهمة، وقد لا يحسها الفرد
اصلا. ولكن ليس معنى هذا انها ضاعت وانمحت، ما دام هذا اللفظ يستخدم ويعيش.
ومن هنا نرى
المسافة الكبيرة بين المدلول المجرد للفظ، والمدلول الشعوري الذي يشمل هذا المدلول
الذهني ويضيف إليه تلك الذكريات الغامضة والواضحة، وتلك الملابسات المتنوعة، وتلك
المشاعر والصور التي لا تحصى. كما يضيف إليه الإيقاع الموسيقي للفظ، وهو جزء من
دلالته كما أسلفنا، وقد كان هذا الجزء ملحوظا غالبا عند إطلاقه للمرة الأولى.
حينما يستخدم
العالم او الفيلسوف لفظا من هذه الألفاظ يحاول ان يجرده من كل هذه الملابسات
الشعورية ليحتفظ له بدلالته الذهنية التجريدية حتى يضمن وضوح الدلالة وثبوتها،
فالمعنى التجريدي ثابت لا يتغير على مدى الزمان ما دام الاصطلاح مقررا لم يتغير.
اما المعنى الشعوري فمتغير لأنه كل يوم يكتسب ملابسة شعورية جديدة تضاف الى رصيد
هذا اللفظ، ولا نهاية لهذه الملابسات طالما أنها تخالج مشاعر الأفراد والأجيال التي
تستخدم هذا اللفظ، وتضيف الى رصيده الشعوري ما أحسته من مشاعر، وما عانته من
تجارب.
ومن هنا كذلك
تختلف دلالة اللفظ الشعورية من فرد الى فرد، كما تختلف من جيل الى جيل. تختلف أولا
بحسب المشاهد والتجارب التي مرت بهذا الفرد مما ينطبق عليه دلالة هذا اللفظ، وتختلف
ثانيا بحسب استجابة كل فرد لما يمر به من هذه المشاهد والتجارب. مما يفسح المجال
لأنماط لا تحصى من الانفعالات والمشاعر كلما ذكر لفظ من الألفاظ، فاستدعى من
الذاكرة صور هذه التجارب والمشاهد.
وبديهي ان واضعي
اللغة الأوائل لم تكن خواطرهم تزدحم بكل هذه الصور لأن احاسيسهم وأذهانهم لم تكن
مرت بتجارب كالتي مرت بنا، فكانت اللفظة الواحدة تشع في أذهانهم صورة واحدة، او
عدة صور، مقيدة على كل حال بمدى تجاربهم في عالم الحس والخيال.
والآن ننظر .. كيف
يستخدم الاديب الالفاظ للدلالة على تجاربه الشعورية الكامنة.
قلنا: ان الانفعال
بالتجربة الشعورية يسبق التعبير عنها، وان كان بعضهم يقول: (اننا نفكر بالألفاظ)
اي ان الالفاظ هي المظهر المدرك لأفكارنا بالقياس الينا نحن أنفسنا، لا بالقياس
الى الاخرين وحدهم. اي انه لا وجود للفكرة في أذهاننا قبل ان نصوغها في ألفاظها.
وهذه مبالغة ولا شك. ولقد تكون منطبقة الى حد ما على الافكار. اي على المعاني
الذهنية، فهذه لا تتضح لنا ولا ندركها الا حين نصوغها في لفظ معين. اما الاحاسيس
والمشاعر فلها شأن اخر. ولا شك في أنها توجد في نفوسنا في وقت سابق للتعبير عنها.
نعم إنها توجد في حالة مبهمة يصعب إدراكها بالذهن من قبل التعبير عنها. ولكنها
توجد على كل حال. توجد انفعالا مبهما لا قوام له ولا ضابط، يحاول ان يتبلور ويخرج
في صورة مدركة محدودة. وقد نعبر عنه بحركة – على طريقة آبائنا الأوائل-ولكن الأديب
يميل في الغالب الى التعبير عنه بالألفاظ.
ففي بعض الحالات
يكون هذا الانفعال من التوهج والحرارة والاشراق بحيث يغمر احساس الاديب ويجعله في
شبه نشوة، او في نصف غيبوبة!
وأغلب ما تصيب هذه
الحالة الشعراء، وذلك في اللحظات المتفردة للإلهام. وعندئذ يتم التعبير اللفظي عن
هذه الحالة الشعورية بنصف وعي، اي ان اختيار الالفاظ وتنسيقها لا يتم بإرادة كاملة
الصحو، إنما تقفز الالفاظ والعبارات وتتناسق وتتناغم، وكأنها تصنع ذلك بدون
اختيار. وخرافة (شياطين الشعر) ربما تكون قد نشأت من وقوع هذه الحال!
وقد يتم الشاعر
عمله في هذه الحالات الفذة – ثم يراجعه، فيجب لنفسه كيف واتته القدرة على صوغ هذه
العبارات! وقد يقف أمام بعضها معجبا متعجبا كما لو كان يشهدها اول مرة. لأنه لم
ينتبه لها كل التنبه في أول مرة!
ولا ينفرد الشعر
المنظوم بهذه الحالة وحده، فقد توجد في القصة. بل في البحث حين يرتفع الى المستوى
الشعوري. وقد عانيت بنفسي حالات من هذا النوع كثيرة، وانا اكتب (التصوير الفني في
القران) وكذلك وأنا اكتب (في ظلال القرآن) في بعض الاحيان.
ولنقف لحظة لندرك
كيف تم العمل الأدبي في هذه الحالة.
ان الرصيد المذخور
من الألفاظ وصورها وظلالها وإيقاعاتها في الذاكرة، او في (ما وراء الوعي) قد انطلق
متناسقا متناغما مع الانفعال الشعوري بالتجربة الحاضرة، وقد تم في هذه الحالة
الفذة ان تشع الالفاظ اكبر شحنة من صورها وظلالها وإيقاعاتها، فتطابق الانفعال
الشعوري مطابقة تامة او مقاربة، اذ قلما تستطيع الألفاظ مهما حفلت بالظلال
والايقاع ان تستنفد الطاقة الشعورية.
وتناسق التعبير مع
الشعور، وتطابق الانفعالات مع شحنات الألفاظ، واستنفاد العبارة اللفظية للطاقة
الشعورية، وهو ما يوصف بانه عمل من صنع الإلهام.
ولكن هذه الحالات
نادرة او قليلة في حياة الاديب على وجه الإجمال، وهو في حالاته الغالبة – وبخاصة
في غير الشعر – يستمتع بقسط أكبر من الوعي والمعاناة والاختيار ليطابق بين القيم
الشعورية والقيم التعبيرية، وليستنفد الطاقة الشعورية بالتعبير.
ووظيفة الأديب
حينئذ ان يهيئ للألفاظ نظاما ونسقا وجوا يسمح لها بان تشع أكبر شحنتها من الصور
والظلال والايقاع. وان تتناسق ظلالها وايقاعاتها مع الجو الشعوري الذي تريد ان
ترسمه، والا يقف بها عند الدلالة المعنوية الذهنية، وألا يقيم اختياره للألفاظ على
هذا الاساس وحده، وان يكن لابد منه في التعبير، ليفهم الاخرون ما يريده. وان يرد
الى اللفظ تلك الحياة التي كانت له وهو يطلق اول مرة ليصور حالة حية، قبل ان يصير
له معنى ذهني مجرد. فوصول اللفظ الى الحالة التجريدية معناه انه مات وأصبح رمزا
فحسب، والأديب الموهوب هو الذي يرد عليه حياته، فيجعله يشع صورة وظلا ويرسم حالة
ومشهداً.
ومن الصعب وضع
قواعد تفصيلية اضيق من هذه وأدق لاستخدام الألفاظ، فالملابسات التي تحدد اختيار
لفظ دون لفظ في السياق ملابسات شتى يصعب تحديدها. وفي أولها: نوع التجربة
الشعورية، وطبيعة الانفعال بها في هذه النفس الخاصة، ونوع الانفعال ودرجته.
ولكن يمكن عرض بعض
الامثلة التي توضح ما نريد من الآثار الأدبية التي انتهى تقديرها وتقديرها.
والقران يسعفنا في هذا المجال بأكثر مما تسعفنا اعمال البشر. وقد عرضت لهذه
الظاهرة في كتاب (التصوير الفني في القران) فأكتفي هنا بنقل فقرات من هذا البحث
المطول هناك.
(قد يستقل لفظ
واحد – لا عبارة كاملة – برسم صورة شاخصة-لا بمجرد المساعدة على إكمال معالم صورة
– وهذه خطوة اخرى في تناسق التصوير أبعد من الخطوة الأولى، وأقرب الى قمة جديدة في
التناسق. خطوة يزيد من قيمتها ان لفظا منفردا هو الذي يرسم الصورة، تارة بجرسه
الذي يلقيه في الاذن، وتارة بظله الذي يلقيه في الخيال، وتارة بالجرس والظل
جميعاً.
(تسمع الأذن كلمة
(اثاقلتم) في قوله: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لم انفروا في سبيل الله
اثاقلتم الى الارض) فيتصور الخيال ذلك الجسم المثاقل يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط
من أيديهم في ثقل. إن في هذه الكلمة (طنا) على الاقل من الاثقال! ولو إنك قلت:
(تثاقلتم) لخف الجرس، ولضاع الأثر المنشود، وتواترت الصورة المطلوبة التي رسمها
هذا اللفظ واستقل برسمها.
(وتقرأ: (وإن منكم
لمن ليبطئن) فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها، وفي جرس (ليبطئن) خاصة، وان
اللسان ليكاد يتعثر وهو يتخبط فيها حتى يصل ببطء الى نهايتها.
(وتتلوا حكاية قول
نوح: (قال يا قاوم أرأيتم ان كنت على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده فعميت عليم
انلزمكموها وأنتم لها كارهون) (فتحسن ان كلمة (أنلزمكموها) تصور جو الإكراه بإدماج
كل هذه الضمائر في النطق وشد بعضها الى بعض، كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون،
ويشدون إليه وهم منه نافرون!
(وهكذا
يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية، وأوقع من الفصاحة اللفظية، اللتين
يحسبهما بعض الباحثين في القران أعظم مزايا القران.
47
(وتسمع كلمة
(يصطرخون) في الآية: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف
عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * وهم يصطرخون فيها ربنا اخرجنا نعمل صالحا).
(فيخيل اليك جرسها
الغليظ، غلظ الصراخ المختلط المتجاوب من كل مكان، المنبعث من حناجر مكتظة بالأصوات
الخشنة، كما تلقى اليك ظل الاهمال لهذا الإصطراخ الذي لا يجد من يهتم به أو يلبيه.
وتلمح من وراء ذلك كله صورة ذلك العذاب الغليظ الذي هم فيه يصطرخون.
(ومثلها كلمة
(عتل) في تمثيل الغليظ الجافي المتنطع (عتل بعد ذلك زنيم).
(فإذا سمعت (وما
هو بمزحزحه من العذاب ان يعمر) صورت لك كلمة بمزحزحه) – المقدمة في التعبير على
الفاعل لإبرازها – صورة الزحزحة المعروفة كاملة متحركة من وراء هذه اللفظة
المفردة، وكذلك قوله (فكبكبوا فيها هم والغاوون) فكلمة (كبكبوا) يحدث جرسها صوت
الحركة التي تتم بها.
(ومن الأوصاف التي
اشتقها القران ليوم القيامة: (الصاخة) و(الطامة) والصاخة لفظ تكاد تخرق صماخ الاذن
في ثقلها وعنف جرسها، وشقه للهواء شقا حتى يصل الى الاذن صاخا ملحا. والطامة لفظة
ذات دوى وطنين، تخيل إليك انها تطم وتعم. كالطوفان يغمر كل شيء.
(ضع هذه الألفاظ
بجوار ذلك اللفظ المشرق الرشيق (تنفس) في قوله (والصبح إذا تنفس) تجد الإعجاز في
اختيار الالفاظ لمواضعها ونهوض هذه الالفاظ برسم الصور على اختلافها. ومثلها
التعبير عن النوم بالنعاس وعن التنويم بغشية النعاس (اذ يغشيكم النعاس أمنة منه)
تجد جو النعاس الرقيق اللطيف، وكأنه غشاء شفيف يغشى الحواس في لطف ولين (أمنة منه)
فالجو كله أمن ودعة وهدوء (1).
(ونوع آخر من
تصوير الألفاظ بجرسها يبدو في سورة الناس: (قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله
الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس)
اقرأها متوالية تجد صوتك يحدث (وسوسة) كاملة تناسب جو السورة. جو وسوسة (الوسواس
الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس).
(ونوع من هذا –
ولكن فيه عنه اختلافا – ذلك قوله: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا)
فالمطلوب هنا هو تفظيع ما قالوا من ان الله اتخذ ولدا، وتكبير هذه الفرية بكل
طريقة. فقال (كبرت) وأضمر الفاعل، ثم جعل هذه الكلمة تمييزا ليكون في الاضمار والتنكير
معنى الاستنكار والتكبير (كبرت كلمة) ثم جعلها تخرج من أفواههم خروجا كأنها رمية
من غير رام، (تخرج من أفواههم) وتنسيقا لجو التكبير كله جاءت كلمة (أفواههم). وإنك
لتحتاج في نطقها ان تفتح فاك بالواو الممدودة وان تخرج هاءين متواليين من الحق في
عسر ومشقة، قبل ان تطبق (فاهك) على الميم الآخرة!
(وهناك نوع من
الالفاظ يرسم صورة الموضوع. ولكن لا بجرسه الذي يلقيه في الاذن بل بظله الذي يلقيه
في الخيال. وللألفاظ كما للعبارات ظلال خاصة يلحظها الحس البصير حينما يوجه إليها
انتباهه، وحينما يستدعي في خياله صورة مدلولها الحسية.
(ومثال ذلك: (واتل
عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) فالظل الذي تلقيه كلمة (انسلخ) يرسم
صورة عنيفة للتملص من هذه الآيات، لان الانسلاخ حركة حسية قوية.
(ومثله (فأصبح في
المدينة خائفا يترقب) فلفظ (يترقب) يرسم هيئة الحذر المتلفت (ولا نغفل هنا أنه
خائف يترقب (في المدينة) موضع الأمن والاطمئنان عادة. وان كان هذا خاصا بالتعبير كله.
ولكن العبارة هنا تبرز قيمة اللفظ المصور للفزع في مواطن الأمان!).
(وقد يشترك الجرس
والظل في لفظ واحد مثل (يوم يدعون الى نار جهنم دعا) فلفظ الدع يصور مدلوله بجرسه
وظله جميعا. ومما يلاحظ اهنا أن (الدع) هو الدفع في الظهور بعنف، وهذا الدفع في
كثير من الأحيان يجعل المدفوع يخرج صوتا غير إرادي، صوت عين مشددة ساكنة هكذا (اع)
وهو في جرسه أقرب ما يكون الى جرس (الدع)!
(ومثله (خذوه فاعتلوه الى سواء الجميم) فالعتل
جرس في الاذن وظل في الخيال، يؤديان المدلول للحس والوجدان.
(ونستطيع ان نضيف
الى هذا الباب ألفاظا مما ذكرنا هناك في الألفاظ الدالة بجرسها مثل (النعاس)
و(التنفس) و(الطامة) فلها كذلك ظلال بجانب ما لها من جرس، وللتفرقة في الواقع
عسيرة، لأن الفوارق دقيقة لطيفة.
(إنما تلتقي جميعا
عند تصوير الألفاظ للمدلولات، لا من قبيل الدلالة المعنوية فحسب. ولكن من قبيل الطريقة
التصويرية التخييلية. وهو ما يعنينا خاصة في هذا المقام).
والحديث عن (العبارة)
في العمل الأدبي متصل بالحديث عن (اللفظ المعبر) فالعبارة مجموعة ألفاظ منسقة على
نحو معين لأداء معنى ذهني او معنى شعوري. والألفاظ لا تستطيع ان تعطي دلالتها
كاملة إلا في هذا النسق.
وتستمد العبارة
دلالتها – في العمل الأدبي-من مفردات الدلالات اللغوية للألفاظ. ومن الدلالة
المعنوية الناشئة عن اجتماع الألفاظ وترتيبها في نسق معين، ثم من الإيقاع الموسيقي
الناشئ من مجموعة إيقاعات الألفاظ متناغماً بعضا مع بعض، ثم من الصور والظلال التي
تشعها الألفاظ متناسقة في العبارة.
هذا الحشد من
الدلالات المتنوعة يؤلف دلالة واحدة متحدة في العمل الأدبي وكل المزايا التي
ذكرناها هناك للفظ المفرد، إنما ذكرت في الغالب هناك على وجه التمثيل للإيضاح، اما
هنا فهي تذكر على وجه التحقيق، لأن لها وجودا حقيقيا بالقياس الى العمل الأدبي.
فالتعبير عن تجربة
شعورية معينة لا يبدو في صورة لفظا، وانما في صورة عبارة؛ وأحيانا تستقبل العبارة
الواحدة بتصوير تجربة شعورية، وأحيانا – وهو الأغلب – لا تكفي عبارة واحدة
للتعبير، فتتبعها عبارات اخرى بالقدر الذي يستنفد الشحنة الشعورية ويعادلها، ولكن
العبارة الواحدة على كل حال تستقبل بجزء – وإن لم يكن مفصولا – في هذه المهمة. فخصائص
اللفظ كلها تنطبق هنا على العبارة، ويزيد عليها التنسيق الذي يسمح لكل لفظ بأن يشع
شحنته من الصور ومن الإيقاع، والذي يؤلف ايقاعا متناسقا بين الألفاظ، وظلالا
متناسقة كذلك من ظلال الالفاظ.
وإذا كان التعبير
هو الذي يكشف لنا عن طبيعة الشعور، فإن تجويده لا يكون عينا ولا نافلة. وقد غالبت
(المدرسة العقلية) في الأدب الحديث عندنا في نزعتها التكفيرية، وفي إغفال القيم
التعبيرية، لأنها فصلت بينها وبين القيم الشعورية. وقد كان لها عذرها في هذه
المغالاة، لأنها كانت تعاني رد فعل للاتجاه التعبيري البحت الذي سبقها على يدي
المنفلوطي في النثر وشوقي في الشعر، وعلى أيد السائقين لهما مما يهبطون عن هذا
المستوى كثيرا، ولكن هذه المغالاة عوقت الاكتمال الفني، الذي يجمع بين القيم
الشعرية والقيم التعبيرية ويجعلها وحدة متكافئة الاجزاء.
وإذا كانت ميزة
التعبير العلمي والتعبير الفلسفي هي دقة الدلالة الذهنية للعبارة، فميزة التعبير
الأدبي هي الظلال التي يخلعها وراء المعاني، والايقاع الذي يتسق مع هذه الظلال،
ويتفق في الوقت ذاته مع لون التجربة الشعورية التي يعبر عنها، ومع جوها العام.
وحين نحكم على
قيمة العمل الأدبي من خلال العبارة، لا يجوز ان نكتفي بدلالتها المعنوية، فهي عنصر
واحد من عناصر دلالتها، فلا بد ان نضم إليها عنصري الايقاع والظلال، فهي في
مجموعها تدل على القيمة الكاملة لهذا العمل.
وكثيرا ما تكون
الدلالة المعنوية هي أصغر عنصر في العمل الأدبي. فاذا نظرنا إليها وحدها لم نجد
إلا عملا ضئيلا قيمته ضئيلة. وكذلك صنع ابن قتيبة في كتابه (الشعر والشعراء) في
نقد هذه الأبيات:
ولما قضينا من منى
كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح
وشدت على حدب
المطايا رحالنا ولم ينظر الغادي
الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث
بينا وسالت بأعناق المطي الأباطح
فقد نثرها من عنده
في هذه العبارات: (ولما قطعنا ايام منى، واستلمنا الاركان، وعالينا إبلنا الانضاء،
ومضى الناس لا ينظر الغادي الرائح. ابتدأنا في الحديث، وسارت المطي في الابطح).
وحكم عليها بانها
ضرب من الشعر (حسن لفظه وعلا، فإذا أنت فتشته لم تجد هناك طائلا).
وكذلك صنع بعده
ابو هلال العسكري في كتاب (الصناعتين) فقال: (وإنما هي: ولما قضينا الحج، ومسحنا
الأركان، وشدت رحالنا على مهازيل الإبل ولم ينظر بعضنا بعضا... جعلنا نتحدث وتسير
بنا الإبل في بطون الأودية) وقال عنها: (وليس تحت هذه الألفاظ كبير معنى).
وطريقة ابن قتيبة
وأبي هلال العسكري بعده في نثر الابيات، ثم الحكم على قيمة العمل الأدبي فيها
طريقة غير مأمونة، لأنها تخرج من الحساب ذلك التناسق التعبيري الخاص، وذلك الإيقاع
الناشئ من التناسق، وتلك الصور التي يشعها التعبير، ولا تبقى سوى المعنى الذهني
العام. وهو عنصر واحد من عناصر كثيرة تؤلف الدلالة الكاملة للتعبير الأدبي.
ونضرب على ذلك
مثالا اخر بيت البحتري في مطلع الربيع.
أتاك الربيع الطلق
يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد ان
يتكلما
فهذا البيت بنسقه
ونظمه وألفاظه هذه هو الذي يعبر عما خالج نفس البحتري من الاحساس بالربيع، وهو يحس
الجمال الحي المتفتح، ويخيل إليه ان هذا الربيع يختال ضاحكا من الحسن، ويهم
بالكلام لفرط ما في أعطافه من الحيوية والتفتح والابتسام. فاذا نثرناه هكذا:
(جاء الربيع الطلق
يختال من الحسن ويضحك حتى ليكاد ان يتكلم) فان هذا النسق لا يفي بتصوير الحالة
الشعورية التي مرت بالشاعر، لأنه يفقد التعبير جزءا من ايقاعه الموسيقي الذي
اختاره، والذي يشترك في تصوير الحالة التي يخيلها الشاعر للربيع، وتصوير الحالة
التي كانت الشاعر عليها وهو يتلقى صورة الربيع في حسه وتصوره. فاذا نحن أمعنا في
البعد عن النسق اللفظي والتعبيري للشاعر، فنثرنا بيته على النحو التالي:
(ان الدنيا لتبدو
في الربيع جميلة كأنها كائن حي يختال ويضحك ويتكلم) فإننا نكون قد قضينا القضاء
الاخير على روح الشاعر، وعلى عمله الأدبي، لأننا قضينا على الصورة المتخيلة للربيع
في حسه، وعلى الايقاع الموسيقي ايضا.
فالألفاظ التي
يختارها الأدب، والنسق الذي يرتبها فيه، عنصران أصيلان في تعبيره، وفي قيمة عمله
الأدبي، لانهما هما وحدهما اللذان ينقلان الينا كامل شعوره.
وهنا قد يسأل سائل
– والترجمة – أليست تفقد النص نهائيا جميع ألفاظه وعباراته، ومع ذلك نتخذها وسيلة
لنملي الآداب ونتذوقها؟
والجواب (ان نعم)
ولكنها وسيلة اضطرارية. ونحن نقبلها حين لا تكون هناك وسيلة اخرى لتذوق الآداب
سواها. والجميع يعترفون ان قسطا كبيرا من الصور والظلال والانسام الخفيفة في جو
العمل الأدبي تضيع بالنقل. والذي يمكن نقله كلاما هو المعنى العام، وطريقة تناول
الموضوع والسير فيه، وقسط من الصور والظلال والايقاع، اذا استطاع المترجم ان يختار
في لغة الفاظا وعبارات مشعة منغمة تكافئ الفاظ المؤلف وعباراته في لغته الأصلية –
وبعد ذلك كله لابد ان يفقد جزء من قيمة العمل الفنية لا حيلة لنا فيه.
وكلمة ارتفع العمل
الأدبي من الناحية الفنية عزت ترجمته، وفقد كثيرا من قيمته بالنقل. والذين كانوا يقولون:
ان مقياس قيمة الأدب ان يستطاع نقله الى اية لغة اخرى دون ان يفقد شيئا من قيمته،
كانوا يغالون ليثبتوا حجتهم في ملابسة معينة (2).
وإني لأنظر مثلا
في القران .. أعلى قمة في التعبير الأدبي في اللغة العربية – بغض النظر عن القداسة
الدينية – حين تنقل بعض آياته الفنية الى لغة اخرى، وحين تتخلف عن الترجمة وصوره
وظلاله وايقاعه. إنه يفقد جماله الفني وان بقيت قيمته المعنوية. ويستحيل عندئذ
تقدير قيمته من هذه الوجهة. اما نقل صوره وظلاله وايقاعه فهو عمل اراه اعسر من
العسر لدقة هذه الخصائص وتسامى آفاقها. ويحسن ان اعرض هنا بعض النماذج لبيان وظيفة
الصور والظلال والإيقاع في العبارة، ومقدار اشتراكها في الدلالة الأدبية، وفي تصور
الجو العام، وهي نماذج من القران ايضا نقلا عن كتاب (التصوير الفني في القران).
1- (والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى *
وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى * الم يجدك يتيما فآوى * ووجدك
ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى * فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر *
وأما بنعمة ربك فحدث).
(لقد
أطلق التعبير جوا من الحنان اللطيف والرحمة الوديعة والرضى الشامل والشجي الشفيف:
(ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى)، ثم (ألم
يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى). ذلك الحنان، وتلك الرحمة،
وذلك الرضى، وهذا الشجى تتسرب كلها من خلال النظم اللطيف العبارة، الرقيق اللفظ،
ومن هذه الموسيقى السارية في التعبير، الموسيقى الرتيبة الحركات، والرئيدة
الخطوات، الرقيقة الأصداء، ولهذا الرضى الشامل، ولهذا الشجى الشفيف، جعل الاطار من
الضحى الرائق ومن الليل الساجي، اصفى آنين من آونة الليل والنهار، وأشف آنين تسرى
فيهما التأملات، وساقهما في اللفظ المناسب، فالليل هو (الليل اذا سجى) لا الليل
على إطلاقه بوحشته وظلامه، الليل الساجي الذي يرق ويصفو وتغشاه سحابة رقيقة من
الشجى الشفيف، كجو اليتم والعيلة، ثم ينكشف ويجلى، ويعقبه الضحى الرائق مع (ما
ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى. ولسوف يعطيك ربك فترضى) فتلتئم ألوان
الصورة مع ألوان الإطار، ويتم التناسق والانسجام.
2- (والآن استمع الى موسيقى أخرى وانظر الى إطار آخر، لصورة
تقابل هذه الصورة.
(وَالْعَادِيَاتِ
ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ
بِهِ نَقْعًا (4)
فَوَسَطْنَ بِهِ
جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ
لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا
بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ
رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ).
(ان في الموسيقى
هنا خشونة ودمدمة وفرقعة. وهي تناسب الجو الصاخب المعفر الذي تنشئه القبور
المبعثرة والصدور المحصل ما فيها بقوة. وجو الجحود وشدة الاثرة.. فلما أراد لهذا
كله اطارا مناسبا، اختاره من الجو الصاخب المعفر كذلك، تثيره الخيل، الضابحة
بأصواتها، القادحة بحوافرها، المغيرة مع الصباح، المثيرة للغبار، فكان الإطار من
الصورة، والصورة من الإطار، لدقة التنسيق وجمال الاختيار.
3- (هذا وذاك إطاران لكل منهما لون خاص، أو لونان متقاربان،
لأن للصورة بداخله لونا واحدا او لونين متقاربين. ولكن قد يكون للإطار أكثر من لون
محدد، لأن الصورة التي بداخله كذلك، كما في سورة الليل.
(وَاللَّيْلِ
إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى
(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ
بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى
(10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى
(12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا
تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى
(16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ
رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى).
(فهنا صورة فيها
الأسود والابيض. فيها من أعطى واتقى، وفيها من بخل واستغنى، وفيها من ييسر لليسرى
من ييسر للعسرى، وفيها الاشقى الذي يصلى النار الكبرى، والاتقى الذي سوف يرضى).
(وفي الإطار كذلك
الأسود والابيض. فيه الليل إذا يغشى – في هذه المرة-لا (الليل إذا سجى). ويليه
النهار إذا تجلى، المقابل تماما لليل إذا يغشى. وهنا الذكر والانثى المتقابلان في
النوع والخلقة.. فذلك إطار مناسب للصورة التي يضمها.
(اما الموسيقى
المصاحبة فهي اخشن واعلى من الموسيقى (والضحى والليل إذا
سجى) ولكنها ليست
عنيفة ولا قاسية، لان الجو للسرد والبيان أكثر مما هو للهول والتحذير.
(وهذه النماذج
تكفي لتصوير قيمة التناسق بين اللفظ والنسق والايقاع في رسم الجو واكتمال
التعبير).
والكلمة الاخيرة
عن القيم التعبيرية بعد الكلام عن قيمة اللفظ وقيمة العبارة وما يشعانه من ظلال
وايقاع هي عن (طريقة تناول الموضوع والسير فيه) وهي أقرب الخصائص التعبيرية الى
الخصائص الشعورية – مكا أسلفنا – وهي التي تحدد اكثر من اية خاصة تعبيرية اخرى،
وطابع الأديب الأسلوبي. ولأنها ناشئة عن خاصة عقلية وشعورية، فهي أقرب الى ان تكون
سمة شخصية يصعب وضع قواعد عامة لها الا في حدود واسعة شاملة. ثم هي تختلف بعد ذلك
باختلاف كل فن من فنون الأدب. لأن لكل فن منها طريقة تناسبه في البدء والسير
والانتهاء (وسيأتي تفصيل هذا الإجمال في فصل آخر عن فنون العمل الأدبي).
فنكتفي هنا ببيان
عام عن طريقة التناول في الأدب على وجه العموم (2).
(من طبيعة الحس ان
يتلقى المؤثرات فرادى، وينفعل لكل مؤثر يتلقاه انفعالا مباشرا، فلا ينظر حتى يتقصى
المؤثرات ذات الموضوع الواحد، ثم يصدر عليها حكما عاما. فهذا من عمل الذهن الذي
يجمع التجارب الحسية، ويكون منها قضية ذهنية او قانونا علميا، ثم يتخذ من مجموع
القضايا والقوانين التي يصل إليها في موضوع واحد او عدة موضوعات مذهبا او نظرية،
حسب نوع القضايا والقوانين التي يصل إليها).
(والأدب موكل بالمؤثرات
الفردية، والانفعالات التي تثيرها، والعلم والفلسفة موكلان بالقوانين العامة
والمعاني الكلية. وان كان العلم يسلك طريق الملاحظة الفردية ولكن لا ليقف عندها
كما يصنع الأدب، بل ليصل منها الى القانون العام في النهاية.
(2) بتصرف عن كتاب (كتب وشخصيات) للمؤلف.
فالتجربة في العلم
وسيلة الى غاية أكبر منها، اما التجربة في الأدب فهي نفسها مادته الاصيلة. وحين
يعني العلم بوصف مراحل التجربة ليصل منها الى القانون، يعني الأدب بوصف هذه
المراحل لان الوصف ذاته هو العمل الأدبي الاصيل. وحينما يصل العلم من تجاربه
المتناثرة الى القانون تفقد هذه التجارب قيمتها، الا من الناحية التاريخية، ويصبح
القانون هو المظهر البارز اللامع. اما التجارب في الأدب فتبقى ابداً محتفظة
بدرجتها وحرارتها، تنفعل لها النفس كلما استعيدت او استعيد وصفها لأنها مادة حية
مؤثرة على الدوام. ومهمة الأدب الأساسية ان يعرض التجارب الانسانية – وهي غير
التجارب العلمية طبعا – وان يصف جزئياتها ويسجل الانفعالات التي صاحبتها في نفس من
عاناها، ويصور ما احاط بهذا التصوير من انفعال، والحرارة التي صاحبت الانفعال،
وكلما كان دقيقا في سرد التفصيلات التي مرت بها التجربة من خلال النفس – على قدر
ما تسمح به طبيعة كل فن من فنونه – كان ذلك أدعى الى اكتمال العمل الأدبي واضمن
لاستجاشة النفوس، واستثارة المشاعر، وحرارة الاستجابة.
ومنشأ هذا كله ان
صاحب العمل الأدبي – في هذه الحالة-لم يستأثر بتجاربه الشعورية، ولم ينعزل
بانفعالاته الوجدانية، بل جعل الناظر في عمله يتابعه فيها خطوة خطوة، وينفعل معه
بها أولاً بأول، ويتحرك خياله ويتأثر حسه، وتشترك مشاعره، فاذا هو في النهاية صاحب
هذه التجربة او شريك لصاحبها على الاقل.
فأما إذا القى
بالحقيقة الاخيرة التي انتهى إليها من تجربته، او بالمعنى الكلي الذي حصله من وراء
انفعالاته، فان الناظر في عمله يفقد هذه المتع التي أسلفنا، ويتلقى المعنى المجرد
باردا، او يتلقى الحركة الاخيرة وحدها – وهي بالغة ما بلغت من الحرارة – سريعة
المرور، لا تتلبث لتثير الحس والخيال بالمشاركة الطويلة المفصلة.
فطريقة تناول
الموضوع والسير فيه، هي التي تحدد طابع العمل الأدبي الى حد كبير، وتعطيه بعضا من
قيمته الأدبية – وأقول بعضا – لأن طبيعة التجارب الشعورية، ومدى عمقها وأصالتها،
ومقدار نفاذها وشمولها، ودرجة اتصالها بالحياة الكبيرة .. كل أولئك ذو أثر في
تقويمها وتقديرها كما أسلفنا. وان تكن هذه الخصائص الشعورية تتأثر في ظهورها
تأثراً محسوسا بطريقة التناول وبالتعبير ذاته كما قدمنا.
وهذا ينطبق على
الشعر بوجه خاص – كما ينطبق على القصة والأقصوصة والخاطرة – فالتفصيلات، وتصوير
الانفعالات الجزئية، ورسم الطريق التي مرت بها الاحاسيس النفسية، والتصورات
والخيالات التي صاحبتها اولاً بأول .. هي السمة التي تضمن الاستمتاع الكلي بالأثر
الأدبي فيها – دون إغفال للقيم الاخرى – وكلما كان الشعر أقرب الى طريقة القصة في
سرد الانفعالات والاحاسيس المتتابعة في اثناء التجربة، وتصوير جزئيات الشعورات
والتصورات المصاحبة لها في حدود ما يناسبه – وهو غير ما يناسب القصة التي تتسع
لأطول مما تتسع له القصيدة – كان أسرع الى إثارة الوجدانات المماثلة في شعور
الآخرين (وانجح في أداء مهمته، وأقرب الى طبيعة الأدب منه الى طبيعة العلم او
طبيعة الفلسفة!
ولست أعني ان يكون
الشعر قصة – فذلك شيء آخر – ولكني أريد بالضبط ان يسلك طريقها – في حدوده – في
العناية بجزئيات الاحاسيس، وبصور الانفعالات، وبرسم الجو النفسي والطبيعي المصاحب،
وبتعبير آخر ان يكون هو قصة الاحاسيس والانفعالات في التجربة الشعورية التي يعبر
عنها).
وأحسبنا قد وصلنا
الى الموضع الذي يغني فيه المثال عن المقال.
هذه مقطوعة للشاعر
الأيرلندي (وليام هنري دافيز) يصف تجربة شعورية في رحلة على مركب تجارة، وهو شاعر
عاش حياته شريدا على الأبواب(3).
" يوم كنت في
بلتيمور، جاءني إنسان من الناس فقال:
تعال. عندي ألف
وثمانمائة نعجة وسنبحر مع المد يوم الثلاثاء.
لك أيها الفتى
خمسون شلنا – ان ابحرت معنا – وسنحمل هذه الغنم الى جلاسجو من بلتيمور.
طويت يدي على
النقد، وأبحرت مع النقاد "وسرعان ما مرقت بنا السفينة من الميناء.
وسرعان ما أوغلت
بنا في البحر الاجاج البعيد الأغوار.
(وانقضت الليلة
الأولى وتلك الخلائق هادئات الطوايا.
"ثم تعالى الثغاء في الليلة التالية من
خوف. فما كانت في الهواء الذي تتلقاه أنوفها نفحة من قبل المروج الفيح.
"وباتت – يا لها
من مسكينات – تستروح الهواء.
"وباتت تصيح
صياحها الهاتف بالمروج الخضر، المهيب بالمرعى البعيد.
(وتلك ليلة لم أنمها
.. فأقسم لا خمسون شلنا، ولا خمسون ألفا بعد هذه الليلة بمغريتي ان اصحب الغنم في
البحار).
فهذه تجربة شعورية
ساذجة، لا تهويل فيها ولا فخامة، وقد اخترناها لهذا السباب، صحبنا فيها الشاعر منذ
اللحظة الأولى. الشلنات الخمسون، تغريه بالرحلة، والليلة الأولى تمر عادية، لا
تثير فينا انتباها ولا فيه. وإذا الثانية، حين يتعالى ثغاء الاغنام، وينفذ الى
روحه الانسانية الحساسة. حين يتعمق (نفوس) هذه الأغنام – وبالها من مسكينات – التي
(تصيح صياحها الهاتف بالمروج الخضر، والمهيب بالمرعى البعيد) وهنا ينقلنا معه نقلا
الى صميم التجربة الشعورية الساذجة العميقة، لنحس معه بهذه الأغنام المسكينة غريبة
في غير موطنها الذي تحن له، غريبة عن المراعي البعيدة، والمروج الخضر، في ذلك
الخضم النائي، تنقلها يد الانسان للتجارة او للذبح، دون ان يحس ما يعتلج في
(نفوسها) من شعور الاغتراب المرير، ومن شعور اللهفة على الوطن المهجور.
وفي نفسا للحظة
نسمع صراخ الشاعر (فأقسم لا خمسون شلنا ولا خمسون ألفا بعد هذه الليلة بمغريتي ان
اصحب الغنم في البحار) فنشاركه صراخه كأننا كنا معه في لجة البحر مع نعاجه
المغتربات!
نحن هنا نتابع
الشاعر خطوة خطوة وشعورا شعورا لأنه أشركنا معه في خطاه، فعشناها معه كما عاشها في
الحياة.
وهذا هو النهج الفني
الأصيل، الذي يجعل تجارب الأخرين تجاربنا الخاصة. وهو في الشعر والقصة والاقصوصة
والخاطرة بخاصة، أفضل طرائق العرض. في اعتقادي. وأكثرها اشعاعا وايحاء.
ولسو، الحظ ان
نرى الأدب العربي يسلك غير هذا الطريق مسوقا الى هذا بطبيعة ظروفه التاريخية. فهو
أبدا ميال الى البلورة والتركيز. لا يسلك طريق المشاهد والجزئيات في عرض التجارب
الشعورية الا نادرا. همه الاكبر أن يصوخ خلاصة التجربة الشعورية في حكمة او قاعدة،
لا في مشاهدة ولا حالة. مع انه في الفلتات القليلة التي سلك فيها الطريقة الأولى
قد جاء بأبدع واروع مقطوعاته في القديم والحديث.
وكان الرجاء أن
يعدل المجددون في الأدب الحديث قليلا عن تلك الطريقة في العرض ليتيحوا للأدب
العربي طريقة المشاركة الوجدانية بين القائل والقارئ عن طريق المشاركة في استعراض
جزئيات التجربة الشعورية وخطواتها، ولكن العناية بالفكرة غلبتهم على العناية بالطريقة،
كما غلبتهم طريقة الأداء العربية التقليدية، فظلت هي المسيطرة على نتاج الجيل.
وفى الامثلة التي
نقلناها عن طاغور وتوماس هاردي من قبل، والأمثلة التي سقناها في هذا الفصل ما ينير
الطريق للتجديد المرغوب فيه في طريقة تناول الموضوع والعرض والأداء. وهي ذات. أثر
قوي في التأثير والايحاء.
وأضيف الى تلك
الأمثلة نموذجا للشاعرة (نازك الملائكة) من ديوانها الأخير: (قرارة الموجة) وهي
تعد رائدة كوكبة من الشعراء في العراق وفى لبنان يمتلون فجرا جديدا للشعر العربي،
قد لا نقر كل اتجاهاته، ولكننا نرى فيه طليعة مبشرة، نرتقب استقرارها على قواعد
مطمئنة واثقة. وهذه المقطوعة تفي مجا ندعو اليه في طريقة الاداء، كما أنها تعبير
صادق عن طبيعة الأنوثة. وهي بعنوان (خائفة):
ارجع فالليل تثير مخاوفه قلقي
وأنا وحدي والنجم
بعيد في الأفق
يخدعني أمل في فجر
لم ينبثق
وصبابة دمعت باردة
لم تحترق
***
ومددت يدي فرجعت
بحفنة ظلماء
وسألت الليل فبؤت
ببضعة أصداء
أصداء مغرقة في
صورة إغماء
جاءت تزحف من
أغوار الماضي النائي
***
دربي حاولت سدى أن
أرفع أستاره
تصخب في عتمته
أشباح ثرثارة
أنكرت الدرب كأن
لم أعرف أحجاره
يوماً بالأمس ولم
أستكشف أسراره
***
ارجع أوّاه ألا
تسمع صوتي الموهون
لن أبقى وحدي في
هذا الدرب المجنون
هذا الأفق
المستغلق حيث النجم عيون
حيث الأشجار هياكل
أفكار وظنون
***
تتردد فيه أصوات تنذر
حبي
أصوات غادرة تنبح
ملء الرحب
صدقني وارجع أخشى
أن تجرح قلبي
صدقني إني أسمعها
تملأ دربي
***
في المعبر سعلاة
ترمق طيفي بفتور
ووراء المفترق
المتشعب بعض قبور
خد بيدي ولنترك
هذا الأفق المهجور
لا تتركني روحاً
صارخة في الديجور
فهذه تجربة شعورية
لم تعشها الشاعرة وحدها، انما عرضتها لنا حالة ورمزا رمزا فعشناها معها .. وهي
مقطوعة تشير الى الطير الموحى في الأداء.
_______________
(1)
ومن هذا الوادي
التعبير عن الجنة بأنها (روح وريحان) وما في لفظهما من إيقاع عذب وظلال رضية.
(2)
المازني والعقاد
في كتاب (الديوان).
(3)
من مجموعة (عرائس
وشياطين) للعقاد هي والقطعة التالية.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|