أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-5-2017
2215
التاريخ: 26-3-2018
1911
التاريخ: 9-4-2022
1328
التاريخ: 23-4-2018
1716
|
التطور التاريخي للجغرافية الاجتماعية
ارتبط التطور التاريخي للجغرافية الاجتماعية بتطور الجغرافية نفسها، التي تميزت بعلاقتها مع البيئة بكل مفرداتها. والبيئة الاجتماعية تعبر عن الوسط الذي ينشأ فيه الفرد، ويحدد شخصيته وسلوكياته واتجاهاته والقيم التي يؤمن بها. وللاهتمام بالبيئة الاجتماعية تاريخ موغل في القدم، فمنذ أن وطأت قدم الإنسان أرض البسيطة بدأت اهتماماته بالبيئة المحيطة به على اختلاف اتجاهاتها وأبعادها، لأن هناك تلازماً بين البعد الجغرافي وغريزة الاكتشاف وحب الفضول لدى الإنسان. ومنذ بدء الخليقة والحس الجغرافي ملازم للإنسان، ففي العصور الحجرية اهتم الإنسان بتدوين رسوماته على جدران الكهوف، فضلاً عن تحديد مناطق الصيد والخطر المحدق به من كل جانب. وخطا الحس الجغرافي خطوات واسعة بعد اختراع العجلة واكتشاف الزراعة وتطور البشرية، ومع تقدم المراحل الزمنية وتطور الحضارة الإنسانية ازداد اهتمام الإنسان ببيئته، وتوسعت اهتماماته واكتشافاته وأفكاره ومعارفه، وأصبحت الرحلات التجارية والعلمية والدينية من أهم وسائل جمع المعلومات عن البلدان والأماكن الأخرى. ولاشك أن وصف البلدان من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية كانت المهمة الرئيسة للجغرافيين العرب آنذاك.
وفي كتابات الجغرافيين الإغريق برزت الاهتمامات بأحوال البلاد الاجتماعية التي وصفوها وكتبوا عنها. ومنها ما جاء في كتاب الجو والماء والأقاليم الذي وضعه هيبوقراط (420ق. م)؛ حيث أشار إلى الاختلافات الجسمانية والجغرافية بين سكان الأقاليم الجبلية الذين يتميزون بالشجاعة وبين سكان السهول الجافة الذين يتصفون بالنحافة وفيهم طبيعة السيادة والإمارة، أما أرسطو فقد أوضح أن هناك نوعاً من الارتباط بين المناخ وبين طبائع الشعوب.
ولم يكن التخصص الجغرافي واضحاً عند العرب، لذلك جاءت الكتب التي تناولت الكتابات المكانية الوصفية والاجتماعية على أيدي المؤرخين الذين دفعوا عجلة الجغرافية الوصفية من خلال وصف المدن والأنهار والعلاقات الاجتماعية والسلوك البشري وكل ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبلدان التي مروا بها. لذا ظهر التداخل واضحاً في الجانب التاريخي والجغرافي لدى العرب. ويظهر البعد الاجتماعي واضحاً في كتابات الجغرافيين العرب مما يعد المحاولات الأولى لنشوء الجغرافية الاجتماعية بمعناها العام والشمولي. ولم تكن هذه الازدواجية جديدة فهي موجودة عند هيرودوت (406-384 ق.م) الذي لقب بأبي التاريخ. وتنطبق الحال بالنسبة لهيكاتيوس (أبو الجغرافيا) أحد كتاب القرن السادس ق.م.(1) كما سادت الازدواجية في الكتابات الجغرافية العربية القديمة التي جمعت بين التاريخ والجغرافية، وقلما نجد مؤلفاً أو كاتباً جغرافياً لا يكتب التاريخ وبالعكس، أمثال: اليعقوبي 284ه وابن خرداذبة 300هـ والهمذاني 334هـ والمسعودي 346هـ، والرازي 362هـ (2).
ويصف ابن حوقل أهم رحالي القرن الرابع الهجري في كتابه (صورة الأرض) بأن علم الجغرافية علم ينفرد به الملوك والساسة وأهل المروءات والسادة من جميع الطبقات، وفي ذلك دلالة على أهمية علم الجغرافية الذي يعد وجهاً مهماً من الجوانب الاجتماعية.
لقد أصبح الاهتمام بالرقعة المفتوحة جزءاً مهماً من العمل الإداري للدولة الإسلامية، وصار وصف الأقاليم والعناية بها جزءاً من أخبار الفتوح والمغازي والتنظيم، ومن ثم جاء دور الاهتمام بالمنطقة من حيث ثروتها ومقدراتها على دفع الضرائب. لذا نجد أن أول استقلال لما يصح أن يسمى (الجغرافية الاجتماعية والإدارية والسياسية عن الفتوح والمغازي وأخبارها) جاء ضمن كتاب (المسالك والممالك) الذي وضعه ابن خرداذبه في اواسط القرن الثالث للهجرة (القرن التاسع للميلاد)، وفي كتاب (الخراج وصنعة الكتابة) لقدامة بن جعفر. فالأول يمكن اعتباره تقريراً عن جباية المملكة العباسية، أما الثاني فكان وصفاً للطرق والمسافات وتقديراً لجباية الدولة.
وباستقرار الدولة وكثرة تنقل الحجاج والتجار وأهل العلم والرحالين، واهتمام الكثرة من هؤلاء بتدوين ما يرون ويشهدون ويسمعون، أخذت العناية بالجغرافية تتبلور حول دراسة الأقاليم والمناطق دراسة وافية، مع كثير من التحرر من القيود السابقة، وصارت المعرفة الجغرافية نفسها هي الأصل.
ويمكن القول بأن هذه المرحلة (أي القرن الرابع الهجري / العاشر للميلاد) تمثل دور النضج في الجغرافية العربية. وقد استمر هذا فيما بعد لمدة لا يستهان بها من الزمن.
ونلحظ أربعة اتجاهات أو تطورات في التأليف الجغرافي العربي:
الأول: العناية الشديدة بأقطار العالم الإسلامي. وهذا ما يبدو من كتابات البلخي والاصطخري وابن حوقل والمقدسي.
والثاني: نوع من التخصص الجغرافي، فالهمذاني وضع (صفة جزيرة العرب)، والبيروني كتب عن الهند، وابن فضلان وصف بلغار الفولغا.
والاتجاه الثالث: هو وضع المعاجم الجغرافية. وهذا شي بدأ في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر للميلاد). فالبكري وصف معجمه بقوله: (هذا ما استعجم)، ذكرت فيه جملة ما ورد من الحديث والأخبار، والتواريخ والأشعار، عن المنازل والديار، والقرى والأمصار، والجبال والآثار، والمياه والآبار، والدارات منسوبة، ومحدده ومبوبة، على حروف المعجم مقيدة. أما ياقوت الحموي فكان كتابه (معجم البلدان) خزانة أدب وعلم وإخبار وتاريخ وجغرافية.
وأما الاتجاه الرابع، فقد ظهر في الموسوعات الكبيرة التي بلغت ذروتها في (القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر للميلاد). ومن أمثلتها (نهاية الأرب) للنويري، و(صبح الأعشى) للقلقشندي، و(مسالك الأبصار) لابن فضل الله العمري وغيرها. هذه الكتب اعتنت بما يصح أن يسمى الجغرافية الاجتماعية السياسية الاقتصادية، أي شؤون العمران عامة. والذي يقرأ بعض فصول هذه الموسوعات يلحظ إلى أي حد اهتم المؤلفون بجمع المعلومات ومتابعة التطور في الأقطار المختلفة على ترتيب زمني دقيق.
والكتابة الجغرافية في هذه المرحلة الزمنية الطويلة تبدو لها ميزات واضحة فمن ذلك اعتمادها على المشاهدة الشخصية والحس. ومن ذلك عنايتها بالمسالك والطرق والمسافات ومن ذلك ندرة الإحصاءات عند الجغرافيين إن لم نقل انعدامها(3).
تأسيساً على ما تقدم، يتضح أن بدايات ظهور الجغرافية الاجتماعية تعود إلى بدايات ظهور علم الجغرافية، إذ يرجع تطور المنظور الاجتماعي في الجغرافيا إلى تطور الجغرافيا ذاتها، وهو ما يتضح من خلال كتابات الجغرافيين العرب أو المدارس الجغرافية الغربية والشرقية التي حاولت الربط بين الإنسان وتصرفاته وسلوكياته وبيئته الطبيعية والبشرية.
إلا أنه على الرغم من الكتابات الكثيرة، فالجغرافية الاجتماعية لم تتبلور كفرع مستقل يشار له بين فروع الجغرافية إلا بعد تطور المدن وتعقد الحياة الاجتماعية على اختلاف أنظمتها وأصعدتها، لذلك فإن أول من أطلق تعبير الجغرافيا الاجتماعية في العصر الحديث هو فريدريك راتزل (Friedrich Ratzel)، وهو جغرافي ألماني من أنصار المدرسة الحتمية، حاول أن يربط العلوم الطبيعية والإنسان من خلال علم المجتمعات البشرية، وكانت له آراء متعددة في مجال السياسية، إذ عد مراحل تطور الدولة أشبه بالكائن البشري(4).
وقد كان للمواضيع الجذابة التي تناولتها الجغرافية الاجتماعية أثر بارز في تطور هذا التخصص. ولعل أولى بدايات تلك المواضيع تلك المتعلقة بأحياء المهاجرين والأحياء المنعزلة التي يطلق عليها الجيتو Ghettos، ومنها أحياء السود أو أحياء الصينيين في المدن الأمريكية، ودراسة خصائصهم الاجتماعية والاقتصادية. وهذه المواضيع كانت تدرس من قبل جغرافيي السكان والسياسة والاقتصاد. وبعد ذلك تبلور فرع الجغرافية الاجتماعية وأصبح له تخصص واضح وكيان مستقل، وأصبح للجغرافيين الاجتماعيين مجموعة ضمن رابطة الجغرافيين الأمريكيين وأعضاء في الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يسري الجوهري، الفكر الجغرافي والكشوف الجغرافية، الاسكندرية، 1976.
(2) شاكر خصباك، في الجغرافية العربية، ط1، مطبعة دار السلام، بغداد 1975، ص268.
(3) نقولا زيادة، الجغرافية والرحلات عند العرب، الاهلية للنشر والتوزيع، بيروت، سنة 1982، ص17- 18.
(4) ج. ر. كرون، أعلام الجغرافية الحديثة، ط1، ترجمة د. شاكر خصباك، دار المعارف، بغداد، 1964، ص72.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|