المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05
امين صادق واخر خائن منحط
2024-11-05
اماني اليهود بدخول الجنة
2024-11-05

تلقين العدوّ
11-10-2014
الالتفات بكل البدن عن القبلة‌
27-9-2016
Directed Graphs-Acyclic digraphs
24-7-2016
المُهلهَل
27-09-2015
Common names for alkene
12-7-2019
Stressed vowels PALM
2024-02-22


تنصيب علي ( عليه السلام ) للإمامة  
  
1207   08:55 صباحاً   التاريخ: 9-08-2015
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم
الجزء والصفحة : ص128-140
القسم : العقائد الاسلامية / الامامة / امامة الامام علي عليه السلام /

 لا شك في أن الدين الإسلامي دين عالمي ، وشريعة خاتمة ، وقد كانت قيادة الأمة الإسلامية من شؤون النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ما دام على قيد الحياة ، وطبع الحال يقتضي أن يوكل مقام القيادة بعده إلى أفضل أفراد الأمة وأكملهم .

إن في هذه المسألة ، وهي أن منصب القيادة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) هل هو منصب تنصيصي تعييني أو أنه منصب انتخابي ؟ اتجاهين : فالشيعة ترى أن مقام القيادة منصب تنصيصي ، ولا بد أن ينص على خليفة النبي من السماء ، بينما يرى أهل السنة أن هذا المنصب انتخابي جمهوري ، أي أن على الأمة أن تقوم بعد النبي باختيار فرد من أفرادها لإدارة البلاد .

إن لكل من الاتجاهين المذكورين دلائل ، ذكرها أصحابهما في الكتب العقائدية ، إلا أن ما يمكن طرحه هنا هو تقييم ودراسة المسألة في ضوء دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة ، فإن هذه الدراسة كفيلة بإثبات صحة أحد الاتجاهين .

إن تقييم الأوضاع السياسية داخل المنطقة الإسلامية وخارجها في عصر الرسالة يقضي بأن خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا بد أن يعين من جانب الله تعالى ، ولا يصح أن يوكل هذا إلى الأمة ، فإن المجتمع الإسلامي كان مهددا على الدوام بالخطر الثلاثي ( الروم - الفرس - المنافقون ) بشن الهجوم الكاسح ، وإلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين . كما أن مصالح الأمة كانت توجب أن تتوحد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر الخارجي ، وذلك بتعيين قائد سياسي من بعده ، وبذلك يسد الطريق على نفوذ العدو في جسم الأمة الإسلامية والسيطرة عليها، وعلى مصيرها .

وإليك بيان وتوضيح هذا المطلب : لقد كانت الإمبراطورية الرومانية أحد أضلاع الخطر المثلث الذي يحيط بالكيان الإسلامي ، ويهدده من الخارج والداخل ، وكانت هذه القوة الرهيبة تتمركز في شمال الجزيرة العربية ، وكانت تشغل بال النبي القائد على الدوام ، حتى إن التفكير في أمر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتى لحظة الوفاة ، والالتحاق بالرفيق الأعلى .

وكانت أول مواجهة عسكرية بين المسلمين والجيش المسيحي الرومي وقعت في السنة الثامنة من الهجرة في أرض فلسطين ، وقد أدت هذه المواجهة إلى استشهاد القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم : " جعفر الطيار " و " زيد بن حارثة " و " عبد الله بن رواحة " ، ولقد تسبب انسحاب الجيش الإسلامي بعد استشهاد القادة المذكورين إلى تزايد جرأة الجيش القيصري المسيحي ، فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرض عاصمة الإسلام للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش .

من هنا خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في السنة التاسعة للهجرة على رأس جيش كبير جدا إلى حدود الشام ليقود بنفسه أية مواجهة عسكرية ، وقد استطاع الجيش في هذا الرحلة الصعبة المضنية أن يستعيد هيبته الغابرة ، ويجدد حياته السياسية .

غير أن هذا الانتصار المحدود لم يقنع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأعد قبيل مرضه جيشا كبيرا من المسلمين ، وأمر عليهم " أسامة بن زيد " ، وكلفهم بالتوجه إلى حدود الشام ، والحضور في تلك الجبهة .

أما الضلع الثاني من المثلث الخطير الذي كان يهدد الكيان الإسلامي ، فكان الإمبراطورية الإيرانية ( الفارسية ) وقد بلغ من غضب هذه الإمبراطورية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعاداتها لدعوته ، أن أقدم إمبراطور إيران " خسرو برويز " على تمزيق رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتوجيه الإهانة إلى سفيره بإخراجه من بلاطه ، والكتابة إلى واليه وعامله على اليمن بأن يوجه إلى المدينة من يقبض على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أو يقتله إن امتنع .

و" خسرو" هذا وإن قتل في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا أن استقلال اليمن - التي رزحت تحت استعمار الإمبراطورية الإيرانية ردحا طويلا من الزمان - لم يغب عن نظر ملوك إيران آنذاك ، وكان غرور أولئك الملوك وتجبرهم وكبرياؤهم لا يسمح بتحمل منافسة القوة الجديدة ( القوة الإسلامية ) لهم .

والخطر الثالث كان هو خطر حزب النفاق الذي كان  يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس على تقويض دعائم الكيان الإسلامي من الداخل إلى درجة أنهم قصدوا اغتيال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في طريق العودة من تبوك إلى المدينة . فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه : إن الحركة الإسلامية سينتهي أمرها بموت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورحيله ، وبذلك يستريح الجميع (1) .

ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة إلى الأمة الإسلامية من الداخل ، وذلك عندما أتى عليا ( عليه السلام ) وعرض عليه أن يبايعه ضد من عينه رجال السقيفة ، ليستطيع بذلك تشطير الأمة الإسلامية الواحدة إلى شطرين متحاربين متقاتلين ، فيتمكن من التصيد في الماء العكر .

ولكن الإمام عليا ( عليه السلام ) أدرك بذكائه البالغ نيات أبي سفيان الخبيثة ، فرفض مطلبه وقال له كاشفا عن دوافعه ونياته الشريرة : " والله ما أردت بهذا إلا الفتنة ، وإنك - والله - طالما بغيت للإسلام شرا . لا حاجة لنا في نصيحتك " ( 2 ) .

ولقد بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدة بحيث تعرض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي : سورة آل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنفال ، والتوبة ، والعنكبوت ، والأحزاب ، ومحمد (صلى الله عليه وآله ) ، والفتح ، والمجادلة ، والحديد ، والمنافقون ، والحشر .

فهل مع وجود مثل هؤلاء الأعداء الخطرين والأقوياء الذين كانوا يتربصون بالإسلام الدوائر ، ويتحينون الفرص للقضاء عليه ، يصح أن يترك رسول الله أمته الحديثة العهد بالإسلام ، الجديدة التأسيس من دون أن يعين لهم قائدا دينيا سياسيا ؟ ! !

إن المحاسبات الاجتماعية تقول : إنه كان من الواجب أن يمنع رسول الإسلام بتعيين قائد للأمة، . . . من ظهور أي اختلاف وانشقاق فيها من بعده ، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الإسلامية بإيجاد حصن قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الأمة .

إن تحصين الأمة ، وصيانتها من الحوادث المشؤومة ، والحيلولة دون مطالبة كل فريق "الزعامة " لنفسه دون غيره ، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة ، لم يكن ليتحقق ، إلا بتعيين قائد للأمة ، وعدم ترك الأمور للأقدار .

إن هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحة نظرية " التنصيص على القائد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ) " ولعل لهذه الجهة ولجهات أخرى طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الأيام الأولى من ميلاد الرسالة الإسلامية ، وظل يواصل طرحها والتذكير بها طوال حياته حتى الساعات الأخيرة منها ، حيث عين خليفته ونص عليه بالنص القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته ، وفي نهايتها أيضا .

وإليك بيان كلا هذين المقامين :

1 - النبوة والإمامة توأمان : بغض النظر عن الأدلة العقلية والفلسفية التي تثبت صحة الرأي الأول بصورة قطعية ، هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحة الموقف والرأي الذي ذهب إليه علماء الشيعة وتصدقه ، فقد نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مرارا وتكرارا ، وأخرج موضوع الإمامة من مجال الانتخاب الشعبي والرأي العام .

فهو لم يعين ( ولم ينص على ) خليفته ووصيه من بعده في أخريات حياته فحسب ، بل بادر إلى التعريف بخليفته ووصيه منذ بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد سوى بضعة عشر من الأشخاص ، وذلك يوم أمر من جانب الله العلي القدير أن ينذر عشيرته الأقربين من العذاب الإلهي الأليم ، وأن يدعوهم إلى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع برسالته للجميع ، ويبدأ دعوته العامة للناس كافة .

فجمع أربعين رجلا من زعماء بني هاشم وبني المطلب ، ثم وقف فيهم خطيبا فقال : " أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ " فأحجم القوم ، وقام علي ( عليه السلام ) وأعلن مؤازرته وتأييده له ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) برقبته ، والتفت إلى الحاضرين ، وقال : " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم " ( 3 ) .

قد عرف هذا الحديث عند المفسرين والمحدثين : ب‍ " حديث يوم الدار " و " حديث بدء الدعوة". على أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يكتف بالنص على خليفته في بدء رسالته ، بل صرح في مناسبات شتى في السفر والحضر ، بخلافة علي ( عليه السلام ) من بعده ، ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الأهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير .

2 - قصة الغدير : لما انتهت مراسم الحج ، وتعلم المسلمون مناسك الحج من رسول الله ، قرر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الرحيل عن مكة ، والعودة إلى المدينة ، فأصدر أمرا بذلك ، ولما بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة " رابغ " ( 4 ) التي تبعد عن " الجحفة " ( 5 ) بثلاثة أميال ، نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمنطقة تدعى " غدير خم " ، وخاطبه بالآية التالية : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة: 67].

إن لسان الآية وظاهرها يكشف عن أن الله تعالى ألقى على عاتق النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسؤولية القيام بمهمة خطيرة ، وأي أمر أكثر خطورة من أن ينصب عليا ( عليه السلام ) لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد ؟ ! من هنا أصدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمره بالتوقف ، فتوقف طلائع ذلك الموكب العظيم ، والتحق بهم من تأخر .

لقد كان الوقت وقت الظهيرة ، وكان المناخ حارا إلى درجة كبيرة جدا ، وكان الشخص يضع قسما من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه ، وصنع للنبي ( صلى الله عليه وآله) مظلة ، وكانت عبارة عن عباءة ألقيت على أغصان شجرة ( سمرة ) ، وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله ) بالحاضرين الظهر جماعة وفيما كان الناس قد أحاطوا به صعد ( صلى الله عليه وآله ) على منبر أعد من أحداج الإبل وأقتابها ، وخطب في الناس رافعا صوته ، وهو يقول : " الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ، ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا هو ، وأن محمدا عبده ورسوله .

أما بعد ، أيها الناس إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت ، فجزاك الله خيرا .

قال ( صلى الله عليه وآله ) : " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ " قالوا : بلى نشهد بذلك . قال ( صلى الله عليه وآله ) : " اللهم اشهد " .

ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : " وإني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا " . فنادى مناد : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، وما الثقلان ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : " كتاب الله سبب طرف بيد الله ، وطرف بأيديكم ، فتمسكوا به ، والآخر عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا " .

وهنا أخذ بيد علي ( عليه السلام ) ورفعها ، حتى رؤي بياض آباطهما ، وعرفه الناس أجمعون ثم قال : " أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم .

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : " إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ( 6 ) . اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأحب من أحبه ، وابغض من بغضه ، وأدر الحق معه حيث دار " ( 7 ) .

فلما نزل من المنبر ، استجازه حسان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في أن يفرغ ما نزل به الوحي في قالب الشعر ، فأجازه الرسول ، فقام وأنشد :

يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأكرم بالنبي مناديا

يقول فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم تر منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق ومواليا

هناك دعا : اللهم ! وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا

مصادر الواقعة : هذه هي واقعة الغدير استعرضناها لك على وجه الإجمال ، وهي بحق واقعة لا يسوغ لأحد إنكارها بأدنى مراتب التشكيك والقدح ، فقد تناولها بالذكر أئمة المؤرخين أمثال : البلاذري ، وابن قتيبة ، والطبري ، والخطيب البغدادي ، وابن عبد البر ، وابن عساكر ، وياقوت الحموي ، وابن الأثير ، وابن أبي الحديد ، وابن خلكان ، واليافعي ، وابن كثير ، وابن خلدون ، والذهبي ، وابن حجر العسقلاني ، وابن الصباغ المالكي ، والمقريزي ، وجلال الدين السيوطي ، ونور الدين الحلبي إلى غير ذلك من المؤرخين الذين جادت بهم القرون والأجيال .

كما ذكره أيضا أئمة الحديث أمثال : الإمام الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وابن ماجة ، والترمذي، والنسائي ، وأبو يعلى الموصلي ، والبغوي ، والطحاوي ، والحاكم النيسابوري ، وابن المغازلي، والخطيب الخوارزمي ، والكنجي ، ومحب الدين الطبري ، والحمويني ، والهيثمي ، والجزري ، والقسطلاني ، والمتقي الهندي ، وتاج الدين المناوي ، وأبو عبد الله الزرقاني ، وابن حمزة الدمشقي إلى غير ذلك من أعلام المحدثين الذين يقصر المقال عن عدهم وحصرهم.

كما تعرض له كبار المفسرين ، فقد ذكره : الطبري ، والثعلبي ، والواحدي - في أسباب النزول، والقرطبي ، وأبو السعود ، والفخر الرازي ، وابن كثير الشامي ، والنيسابوري ، وجلال الدين السيوطي ، والآلوسي ، والبغدادي .

وذكره من المتكلمين طائفة جمة في خاتمة مباحث الإمامة وإن ناقشوا نقضا وإبراما في دلالته كالقاضي أبي بكر الباقلاني في تمهيده ، والقاضي عبد الرحمن الإيجي في مواقفه ، والسيد الشريف الجرجاني في شرحه ، وشمس الدين الأصفهاني في مطالع الأنوار ، والتفتازاني في شرح المقاصد ، والقوشجي في شرح التجريد إلى غير ذلك من المتكلمين الذين تعرضوا لحديث الغدير وبحثوا حول دلالته ووجه الحجة فيه .

واقعة الغدير ورمز الخلود :

أراد المولى عز وجل أن يبقى حديث الغدير غضا طريا على مر الأجيال لم يكدر صفاء حقيقته الناصعة تطاول الأحقاب ، وكر الأزمان ، وانصرام الأعوام ، ويرجع ذلك إلى أمور ثلاثة :

1 - إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد هتف به في مزدحم غفير يربو على عشرات الآلاف عند منصرفه من الحج الأكبر ، فنهض بالدعوة والإعلان ، وحوله جموع من وجوه الصحابة وأعيان الأمة ، وأمر بتبليغ الشاهد الغائب ليكونوا كافة على علم وخبر بما تم إبلاغه .

2 - إن الله سبحانه قد أنزل في تلك المناسبة آيات تلفت نظر القارئ إلى الواقعة عندما يتلوها وإليك الآيات :

أ - { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة: 67].

وقد ذكر نزولها في واقعة الغدير طائفة من المفسرين يربو عددهم على الثلاثين ، وقد ذكر العلامة البحاثة المحقق الأميني في كتاب " الغدير " نصوص عبارات هؤلاء ، فمن أراد الاطلاع عليها ، فليرجع إليه .

ب - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وقد نقل نزول الآية جماعة منهم يزيدون على ستة عشر .

ج - {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ } [المعارج: 1 - 3].

وقد ذكر أيضا نزول هذه الآية جماعة من المفسرين ينوف على الثلاثين ، أضف إلى ذلك أن الشيعة عن بكرة أبيهم متفقون على نزول هذه الآيات الثلاث في شأن هذه الواقعة ( 8 ) .

3 - إن الحديث منذ صدوره من منبع الوحي ، تسابقت الشعراء والأدباء على نظمه ، وإنشاده في أبيات وقصائد امتدت رقعتها منذ عصر انبثاق ذلك النص في تلك المناسبة إلى عصرنا هذا، وبمختلف اللغات والثقافات ، وقد تمكن البحاثة المتضلع العلامة الأميني من استقصاء وجمع كل ما نظم باللغة العربية حول تلك الحادثة ، والمؤمل والمنتظر من كافة المحققين على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم استنهاض هممهم لجمع ما نظم وأنشد في أدبهم الخاص .

وحصيلة الكلام : قلما نجد حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامة ، وفي التاريخ الإسلامي والأمة الإسلامية خاصة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير ، وقلما استقطبت اهتمام الفئات المختلفة من المحدثين والمفسرين والكلاميين والفلاسفة والأدباء والكتاب والخطباء وأرباب السير والمؤرخين كما استقطبت هذه الحادثة ، وقلما اعتنوا بشئ مثلما اعتنوا بها . هذا ويستفاد من مراجعة التاريخ أن يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام كان معروفا بين المسلمين بيوم عيد الغدير ، وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة إلى درجة أن ابن خلكان يقول حول " المستعلي ابن المستنصر " : " فبويع في يوم غدير خم ، وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 487 ه‍ـ " ( 9 ) .

وقال في ترجمة المستنصر بالله ، العباسي : " وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، قلت : وهذه هي ليلة عيد الغدير ، أعني ليلة الثامن عشر من شهر ذي الحجة ، وهو غدير خم " ( 10 ) .

وقد عده أبو ريحان البيروني في كتابه " الآثار الباقية مما استعمله أهل الإسلام من الأعياد " (11) .

وليس ابن خلكان ، وأبو ريحان البيروني ، هما الوحيدين اللذين صرحا بكون هذا اليوم هو عيد من الأعياد ، بل هذا الثعالبي قد اعتبر هو الآخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين (12 ) .

إن عهد هذا العيد الإسلامي ، وجذوره ترجع إلى نفس يوم " الغدير " ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر المهاجرين والأنصار ، بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على علي ( عليه السلام ) وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى . يقول زيد بن أرقم : كان أول من صافح النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعليا : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وباقي المهاجرين والأنصار ، وباقي الناس ( 13 ) .

فالحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

شذرات من فضائله يطيب لي أن أشير إلى بعض خصائصه قياما ببعض الوظيفة تجاه ما له من الحقوق على الإسلام والمسلمين عامة ، فنقول : إن له خصائص لم يشاركه فيها أحد :

1 - ولادته في جوف الكعبة .

2 - احتضان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) له منذ صغره .

3 - سبقه الجميع في الإسلام .

4 - مؤاخاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) له من دون باقي الصحابة .

5 - حمله من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على كتفه لطرح الأصنام الموضوعة في الكعبة.

6 - استمرار ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من صلبه .

7 - بصاق النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عينيه يوم خيبر ، ودعاؤه له بأن لا يصيبه حر ولا قر .

8 - إن حبه إيمان وبغضه نفاق .

9 - إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) باهل النصارى به وبزوجته وأولاده دون سائر الأصحاب.

10 - تبليغه سورة براءة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

11 - إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خصه يوم الغدير بالولاية .

12 - إنه القائل : " سلوني قبل أن تفقدوني " .

13 - إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خصه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه .

14 - إن الناس جميعا من أرباب الأديان ، وغيرهم ينظرون إليه كأعظم رجل عرفه التاريخ(14).

_______________

( 1 ) أشارت إلى ذلك الآية الكريمة 30 من سورة الطور : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } .

( 2 ) الكامل في التاريخ 2 : 222 ، العقد الفريد 2 : 249 .

( 3 ) تاريخ الطبري 2 : 216 ، الكامل في التاريخ 2 : 62 و 63 ...

( 4 ) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكة والمدينة .

( 5 ) من مواقيت الإحرام وتنشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين .

( 6 ) لقد كرر النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذه العبارة ثلاث مرات دفعا لأي التباس أو اشتباه.

( 7 ) راجع للوقوف على مصادر هذا الحديث المتواتر موسوعة الغدير للعلامة الأميني (رحمه الله ) .

( 8 ) راجع في شأن نزول هذه الآيات كتاب الغدير 1 : 214 و 217 .

( 9 ) وفيات الأعيان 1 : 60 .

( 10 ) المصدر نفسه .

( 11 ) ترجمة الآثار الباقية : 395 ، الغدير 1 : 267 .

( 12 ) ثمار القلوب : 511 .

( 13 ) راجع مصدره في الغدير 1 : 270 .

(14) قد استخرج هذه الخصائص الكاتب القدير محمد جواد مغنية - رحمه الله - في كتابه : الشيعة والتشيع : 234 . 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.