أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-5-2016
4179
التاريخ: 16-12-2014
3646
التاريخ: 17-5-2017
4067
التاريخ: 16-12-2014
3535
|
عليّ ( عليه السّلام ) يتقدّم لخطبة الزهراء ( عليها السّلام ) :
كان الإمام عليّ ( عليه السّلام ) يفكّر في خطبة الزهراء ، ولكنّه بقي ( عليه السّلام ) بين الحالة التي يعيشها هو والمجتمع الإسلامي من فقر وفاقة وضيق في المعيشة ، يصرفه عن التفكير في الزواج ويشغله عن نفسه وهواجسها في بناء الأسرة ، وبين واقعه الشخصي وقد تجاوز الواحد والعشرين من العمر[1] ، وآن له أن يتزوّج من فاطمة التي لاكفؤ له سواها ، وهي نسيج لا يتكرّر .
ذات يوم وما أن أكمل الإمام ( عليه السّلام ) عمله حتى حلّ عن ناضحه وأقبل يقوده إلى منزله فشدّه فيه ، وتوجّه نحو منزل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وكان في بيت السيدة امّ سلمة ، وبينما كان الإمام في الطريق هبط ملك من السماء بأمر إلهي هو أن يزوّج النور من النور ، أي فاطمة من عليّ[2].
فدقّ عليّ ( عليه السّلام ) الباب ، فقالت أمّ سلمة : من بالباب ؟ فقال لها رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « قومي يا امّ سلمة فافتحي له الباب ومريه بالدخول ، فهذا رجل يحبّه اللّه ورسوله ويحبّهما » فقالت امّ سلمة : فداك أبي وأمي ، من هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره ؟ فقال : « مه يا امّ سلمة ، فهذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق ، هذا أخي وابن عمّي وأحبّ الخلق إليّ » قالت امّ سلمة : فقمت مبادرة أكاد أعثر بمرطي ، ففتحت الباب فإذا أنا بعليّ بن أبي طالب ( عليه السّلام ) فدخل على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فقال : « السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته » فقال له النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) :
« وعليك السلام يا أبا الحسن ، اجلس » فجلس عليّ ( عليه السّلام ) بين يدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وجعل ينظر إلى الأرض كأنّه قصد لحاجة وهو يستحي أن يبيّنها ، فهو مطرق إلى الأرض حياء من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فكأنّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) علم ما في نفس عليّ ( عليه السّلام ) فقال له : « يا أبا الحسن ، إنّي أرى أنّك أتيت لحاجة ، فقل حاجتك وابد ما في نفسك ، فكلّ حاجة لك عندي مقضية » قال عليّ ( عليه السّلام ) : « فداك أبي وأمي إنّك أخذتني عن عمّك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي ، فغذّيتني بغذائك ، وأدّبتني بأدبك ، فكنت إليّ أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البرّ والشفقة ، وإنّ اللّه تعالى هداني بك وعلى يديك ، وإنّك واللّه ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة يا رسول اللّه فقد أحببت مع ما شدّ اللّه من عضدي بك أن يكون لي بيت وأن تكون لي زوجة أسكن إليها ، وقد أتيتك خاطبا راغبا ، أخطب إليك ابنتك فاطمة ، فهل أنت مزوّجي يا رسول اللّه ؟ » فتهلّل وجه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فرحا وسرورا ، وأتى فاطمة فقال : « إنّ عليّا قد ذكرك وهو من قد عرفت » فسكتت ( عليها السّلام ) ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « اللّه أكبر ، سكوتها رضاها » فخرج فزوّجها[3].
قالت امّ سلمة : فرأيت وجه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يتهلّل فرحا وسرورا ، ثم تبسّم في وجه عليّ ( عليه السّلام ) فقال : « يا عليّ فهل معك شيء أزوّجك به ؟ » فقال عليّ ( عليه السّلام ) : « فداك أبي وامّي ، واللّه ما يخفى عليك من أمري شيء ، أملك سيفي ودرعي وناضحي ، وما أملك شيئا غير هذا » فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا عليّ أمّا سيفك فلا غنى بك عنه ، تجاهد في سبيل اللّه ، وتقاتل به أعداء اللّه ، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك ، وتحمل عليه رحلك في سفرك ، ولكني قد زوّجتك بالدرع ورضيت بها منك » .
« يا أبا الحسن ، أأبشّرك ؟ ! » قال عليّ ( عليه السّلام ) قلت : « نعم فداك أبي وامّي بشّرني ، فإنّك لم تزل ميمون النقيبة ، مبارك الطائر ، رشيد الأمر ، صلّى اللّه عليك » .
فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « أبشّرك يا عليّ فإنّ اللّه - عز وجل - قد زوّجكها في السماء من قبل أن أزوّجكها في الأرض ، ولقد هبط عليّ في موضعي من قبل أن تأتيني ملك من السماء فقال : يا محمّد ! إنّ اللّه - عز وجل - اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه فبعثك برسالته ، ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخا ووزيرا وصاحبا وختنا فزوّجه ابنتك فاطمة ( عليها السّلام ) ، وقد احتفلت بذلك ملائكة السماء ، يا محمّد ! إن اللّه - عز وجل - أمرني أن آمرك أن تزوّج عليّا في الأرض فاطمة ، وتبشّرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين خيّرين فاضلين في الدنيا والآخرة ، يا عليّ ! فو اللّه ما عرج الملك من عندي حتى دققت الباب »[4].
أمر زواجها من السماء :
قال ابن أبي الحديد : وإنّ إنكاحه عليّا إيّاها ما كان إلّا بعد أن أنكحه اللّه تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة[5].
وعن جابر بن عبد اللّه قال : لمّا زوّج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فاطمة من عليّ ( عليه السّلام ) كان اللّه مزوّجه من فوق عرشه[6].
وعن أبي جعفر ( عليه السّلام ) قال : « قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : إنّما أنا بشر مثلكم ، أتزّوج فيكم وأزوّجكم إلّا فاطمة ، فإنّ تزويجها نزل من السماء »[7].
خطبة العقد :
قال أنس : بينما أنا قاعد عند النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) إذ غشيه الوحي ، فلمّا سري عنه قال : « يا أنس ! تدري ما جاءني به جبرئيل من صاحب العرش ؟ » قلت : اللّه ورسوله أعلم ، بأبي وامّي ما جاء به جبرئيل ؟ قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « إنّ اللّه تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة عليا ، انطلق فادع لي المهاجرين والأنصار » قال : فدعوتهم ، فلمّا أخذوا مقاعدهم قال النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) : « الحمد للّه المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المرغوب اليه فيما عنده ، المرهوب عذابه ، النافذ أمره في أرضه وسمائه ، الذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّه محمّد ، ثم إنّ اللّه تعالى جعل المصاهرة نسبا وصهرا ، فأمر اللّه يجري إلى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ، فلكلّ قدر أجل ، ولكلّ أجل كتاب يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ، ثم إنّ اللّه أمرني أن أزوّج فاطمة بعليّ ، فأشهدكم أنّي قد زوّجته على أربعمائة مثقال من فضة إن رضي بذلك عليّ » .
وكان عليّ غائبا قد بعثه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في حاجته ، ثم إنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أمر بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا ، ثم قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « انتهبوا » ، فبينا نحن ننتهب إذ أقبل علي ( عليه السّلام ) ، فتبسّم اليه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ثم قال : « يا عليّ ! إنّ اللّه أمرني أن أزوّجك فاطمة ، فقد زوّجتكها على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت » فقال عليّ ( عليه السّلام ) : « قد رضيت يا رسول اللّه » ثم إنّ عليّا مال فخرّ ساجدا شكرا للّه تعالى وقال : « الحمد للّه الذي حبّبني إلى خير البرية محمد رسول اللّه » ، فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « بارك اللّه عليكما ، وبارك فيكما وأسعدكما ، وأخرج منكما الكثير الطيب » .
قال أنس : فو اللّه لقد أخرج منهما الكثير الطيب[8].
مهرها وجهازها :
وجاء عليّ بالمهر بعد أن باع درعه لعثمان ، وكان أربعمائة درهم سود هجرية ، فقبض الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الدراهم وأعطاها لبعض أصحابه ونسائه ليشتروا متاعا للبيت الجديد ، فكان الجهاز :
« 1 - قميصا بسبعه دراهم . 2 - خمارا بأربعة دراهم . 3 - قطيفة سوداء خيبرية . 4 - سريرا مزمّلا بشريط . 5 - فراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف ، وحشو الآخر من جزّ الغنم ( صوف ) . 6 - أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر . 7 - سترا من صوف . 8 - حصيرا هجري . 9 - رحاء اليد .
10 - سقاء من أدم . 11 - مخضبا من نحاس . 12 - قعبا للّبن . 13 - شنّا للماء .
14 - مطهرة مزفّتة . 15 - جرّة خضراء . 16 - كيزان خزف . 17 - نطعا من أدم .
18 - عباء قطراني . 19 - قربة ماء » .
قالوا : وحملناه جميعا حتى وضعناه بين يدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فلمّا نظر إليه بكى وجرت دموعه ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهمّ بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف »[9].
جهّز علي ( عليه السّلام ) داره ، وفرش ( عليه السّلام ) بيته بالرمل الليّن ونصب خشبة من حائط إلى الحائط لتعليق الثياب عليها وبسط على الأرض إهاب كبش ومخدّة ليف .
وعن أبي يزيد المديني قال : لمّا أهديت فاطمة إلى عليّ ( عليه السّلام ) لم تجد عنده إلّا رملا مبسوطا ووسادة وجرّة وكوزا[10].
مقدّمات الزفاف ووليمة العرس :
قال عليّ ( عليه السّلام ) : « ومكثت بعد ذلك شهرا لا أعاود رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في أمر فاطمة بشيء ، استحياء من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) غير أنّي كنت إذا خلوت برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول لي : « يا عليّ ما أحسن زوجتك وأجملها ! أبشر يا عليّ فقد زوّجتك سيّدة نساء العالمين » فقال عليّ ( عليه السّلام ) : « فلمّا كان بعد شهر دخل عليّ أخي عقيل فقال : يا أخي ما فرحت بشيء كفرحي بتزوجك فاطمة بنت محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، يا أخي فما بالك لا تسأل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يدخلها عليك ؟ فتقرّ عينا باجتماع شملكما » .
قال عليّ ( عليه السّلام ) : « واللّه يا أخي إنّي لاحبّ ذلك وما يمنعني من مسألته إلّا الحياء منه » فقال : أقسمت عليك إلّا قمت معي ، فقمنا نريد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فلقيتنا
في طريقنا بركة « امّ أيمن » - مولاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) - فذكرنا ذلك لها ، فقالت : لا تفعل ودعنا نحن نكلّمه ، فإنّ كلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع بقلوب الرجال .
ثم انثنت راجعة فدخلت إلى امّ سلمة فأعلمتها بذلك وأعلمت نساء النبي فاجتمعن عند رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فأحدقن به وقلن - والكلام لا يزال لامّ سلمة ( امّ المؤمنين ) - فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول اللّه قد اجتمعنا لأمر لو أنّ خديجة في الأحياء لقرّت بذلك عينها ، قالت امّ سلمة : فلمّا ذكرنا خديجة بكى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ثم قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « خديجة وأين مثل خديجة ؟ صدّقتني حين كذّبني الناس ووازرتني على دين اللّه وأعانتني عليه بما لها » .
قالت امّ سلمة : فقلنا : فديناك بآبائنا وامّهاتنا ، يا رسول اللّه إنّك لم تذكر من خديجة أمرا إلّا وقد كانت كذلك ، غير أنّها قد مضت إلى ربّها ، فهنأها اللّه بذلك ، وجمع بيننا وبينها في درجات جنّته ورضوانه ورحمته ، يا رسول اللّه هذا أخوك في الدين وابن عمك في النسب عليّ بن أبي طالب ، يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمة وتجمع بها شمله ، فقال : « يا امّ سلمة ، فما بال عليّ لا يسألني ذلك ؟ » .
فقلت : يمنعه الحياء منك يا رسول اللّه ، قالت امّ أيمن : فقال لي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « انطلقي إلى عليّ فآتيني به » ، فخرجت من عند رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فإذا عليّ ينتظرني ليسألني عن جواب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، فلمّا رآني قال : « ما وراءك يا امّ أيمن ؟ » .
قلت : أجب رسول اللّه ، قال عليّ ( عليه السّلام ) : « فدخلت وقمن أزواجه فدخلن البيت وجلست بين يديه مطرقا نحو الأرض حياء منه » ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « أتحبّ أن تدخل عليك زوجتك ؟ » ، فقلت وأنا مطرق : « نعم ، فداك أبي وامّي » .
فقال : « نعم وكرامة ، يا عليّ ، أدخلها عليك في ليلتنا هذه أو في ليلة غد إن شاء اللّه » ، فالتفت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إلى النساء وقال : « من هاهنا » ؟ فقالت امّ سلمة :
أنا امّ سلمة وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة ، فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « هيّئوا لابنتي وابن عمّي في حجري بيتا » فقالت امّ سلمة : في أيّ حجرة يا رسول اللّه ؟
فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « في حجرتك » ، وأمر نساءه أن يزيّنّ فاطمة ويصلحن من شأنها .
قالت امّ سلمة : فسألت فاطمة : هل عندك طيب ادّخرتيه لنفسك ؟
قالت ( عليها السّلام ) : « نعم » فأتت بقارورة فسكبت منها في راحتي فشممت منها رائحة ما شممت مثله قطّ ، فقلت : ما هذا ؟ قالت ( عليها السّلام ) : « كان دحية الكلبي يدخل على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فيقول لي ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا فاطمة هات الوسادة فاطرحيها لعمّك ، فأطرح له الوسادة فيجلس عليها ، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه [ فسأل عليّ ( عليه السّلام ) رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عن ذلك فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل ] » .
قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا علي ، لا بدّ للعرس من وليمة » .
فقال سعد : عندي كبش ، وجمع رهط من الأنصار أصواعا من ذرة ، وأخذ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) من الدراهم التي سلّمها إلى أم سلمة عشرة دراهم فدفعها إليّ وقال : « اشتر سمنا وتمرا وإقطا » ، فاشتريت وأقبلت به إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، تحسر عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم ، وجعل يشدخ[11] التمر والسمن ويخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيسا[12] ، ثم قال : « يا علي ادع من أحببت » .
فخرجت إلى المسجد وهو مشحن بالصحابة ، فاستحييت أن اشخص قوما وأدع قوما ، ثم صعدت على ربوة هناك وناديت : أجيبوا إلى وليمة فاطمة ، فأقبل الناس أرسالا[13] فاستحييت من كثرة الناس وقلّة الطعام ، فعلم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ما تداخلني ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا عليّ إنّي سأدعو اللّه بالبركة ، فجلّل السفرة بمنديل ، وقال : أدخل عليّ عشرة بعد عشرة ففعلت ، وجعلوا يأكلون ويخرجون لا ينقص الطعام » وكان النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) يصبّ الطعام بيده ، والعبّاس وحمزة وعليّ وعقيل يستقبلون الناس ، قال عليّ : « فأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي ، ودعوا لي بالبركة وصدروا وهم أكثر من أربعة ألاف رجل » .
ثم دعا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه ، ثم أخذ صحيفة وجعل فيها طعاما ، وقال : « هذه لفاطمة وبعلها »[14].
مراسم ليلة الزفاف :
فلمّا انصرفت الشمس للغروب قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا امّ سلمة هلمّي فاطمة » ، فانطلقت فأتت بها تسحب أذيالها وقد تصببت عرقا حياء من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فعثرت ، فقال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « أقالك اللّه العثرة في الدنيا والآخرة » ، فلمّا وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها عليّ ( عليه السّلام ) .
وأمر النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة ، وأن يفرحن ويرجزن ويكبّرن ويحمدن ، ولا يقلن ما لا يرضي اللّه ، قال جابر : فأركبها على ناقته أو على بغلته الشهباء ، وأخذ سلمان زمامها ، وحولها سبعون ألف حوراء ، والنبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وحمزة وعقيل وجعفر وبنو هاشم يمشون خلفها مشهرين سيوفهم ، ونساء النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) قدّامها يرجزن .
وكانت النّسوة يرجّعن أول بيت من كلّ رجز ثم يكبّرن ، ودخلن الدار ، ثم أنفذ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إلى عليّ ودعاه ، ثم دعا فاطمة فأخذ بيدها ووضعها في يد عليّ ، وقال : « بارك اللّه في ابنة رسول اللّه ، يا علي نعم الزوج فاطمة ، ويا فاطمة نعم البعل عليّ » .
ثم قال : « يا عليّ هذه فاطمة وديعة اللّه ووديعة رسوله عندك ، فاحفظ اللّه واحفظني في وديعتي »[15].
ثم دعا وقال : « اللهمّ اجمع شملهما ، وألّف بين قلبيهما ، واجعلهما وذرّيتهما من ورثة جنّة النعيم ، وارزقهما ذرّية طاهرة طيبة مباركة ، واجعل في ذرّيتهما البركة ، واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما رضيت » ثم قال : « انطلقا إلى منزلكما ولا تحدثا أمرا حتى آتيكما » .
قال عليّ ( عليه السّلام ) : « فأخذت بيد فاطمة وانطلقت بها حتى جلست في جانب الصفة وجلست في جانبها وهي مطرقة إلى الأرض حياء منّي وأنا مطرق إلى الأرض حياء منها » .
فما كان إلّا أن دخل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وبيده مصباح ، فوضعه في ناحية المنزل ، وقال لي : « يا عليّ خذ في ذلك القعب ماء من تلك الشكوة ، ففعلت ثم أتيته به فتفل فيه تفلات ، ثم ناولني القعب وقال : اشرب منه ، فشربت ثم رددته إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فناوله فاطمة وقال : اشربي حبيبتي فشربت منه ثلاث جرعات ثم ردّته إليه ، فأخذ ما بقي من الماء فنضحه على صدري وصدرها وقال : إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ، ثم رفع يديه وقال : يا ربّ إنّك لم تبعث نبيّا إلّا وقد جعلت له عترة ، اللهمّ فاجعل عترتي الهادية من عليّ وفاطمة ، ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب وقال : طهّركما اللّه وطهّر نسلكما ، أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم ، أستودعكما اللّه وأستخلفه عليكما » وأغلق الباب وأمر النساء فخرجن .
فلمّا أراد الخروج رأى امرأة فقال : من أنت ؟ ، قالت : أسماء ، فقال :
« ألم آمرك أن تخرجي ؟ » قالت أسماء : بلى يا رسول اللّه - فداك أبي وأمي - وما قصدت خلافك ، ولكنّي أعطيت خديجة عهدا ، حينما حضرت خديجة الوفاة بكت ، فقلت : أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين ؟ وأنت زوجة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) ومبشّرة على لسانه بالجنة ؟
فقالت : ما لهذا بكيت ، ولكن المرأة ليلة زفافها لا بدّ لها من امرأة تفضي إليها بسرّها ، وتستعين بها على حوائجها ، وفاطمة حديثة عهد بصبا ، وأخاف أن لا يكون لها من يتولّى أمرها حينئذ .
فقلت : يا سيدتي لك عليّ عهد اللّه إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر ، فبكى رسول اللّه وقال : « باللّه لهذا وقفت ؟ » . فقلت : نعم واللّه ، فدعا لي [16].
زيارة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) للزهراء في صبيحة عرسها :
دخل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) على فاطمة ( عليها السّلام ) في صبيحة عرسها بقدح فيه لبن فقال : « اشربي فداك أبوك » ، ثم قال لعلي ( عليه السّلام ) : « اشرب فداك ابن عمّك »[17].
ثم سأل عليّا : « كيف وجدت أهلك ؟ قال ( عليه السّلام ) : نعم العون على طاعة اللّه » .
وسأل فاطمة فقالت : « خير بعل »[18].
قال عليّ ( عليه السّلام ) : « ومكث رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بعد ذلك ثلاثا لا يدخل علينا ، فلمّا كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا ( صلّى اللّه عليه واله ) ليدخل علينا . . . » فلمّا دخل عليهما أمر عليّا بالخروج ، وخلا بابنته فاطمة ( عليها السّلام ) وقال : « كيف أنت يا بنيّة ؟ وكيف رأيت زوجك ؟ » .
قالت : « يا أبه خير زوج ، إلّا أنّه دخل عليّ نساء من قريش وقلن لي زوّجك رسول اللّه من فقير لا مال له » ، فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) لها : « يا بنية ما أبوك ولا بعلك بفقير ، ولقد عرضت عليّ خزائن الأرض ، فاخترت ما عند ربّي ، واللّه يا بنية ما ألوتك نصحا أنّ زوّجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما » .
« يا بنية إنّ اللّه - عز وجل - اطلع إلى الأرض فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك ، يا بنية نعم الزوج زوجك ، لا تعصي له أمرا » .
ثم صاح رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بعليّ : « يا عليّ » ، فقال : « لبيك يا رسول اللّه » ، قال : ادخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها ، فإنّ فاطمة بضعة منّي ، يؤلمني ما يؤلمها ويسرّني ما يسرّها ، أستودعكما اللّه وأستخلفه عليكم »[19] .
وفي رواية : لمّا زوّج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ابنته فاطمة ( عليها السّلام ) قال لها :
« زوّجتك سيّدا في الدنيا والآخرة ، وإنّه أول أصحابي إسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما »[20].
تأريخ الزواج :
الروايات التي وردت عن أهل البيت ( عليهم السّلام ) تنصّ كلّها على وقوع الزواج بعد عودة المسلمين من معركة بدر منتصرين .
فعن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) قال : « تزوّج علي فاطمة ( عليها السّلام ) في شهر رمضان وبنى بها في ذي الحجة من العام نفسه بعد معركة بدر »[21].
وروي أيضا أنّ أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) دخل بفاطمة ( عليها السّلام ) بعد رجوعه من معركة بدر لأيام خلت من شوال السنة الثانية من الهجرة النبويّة المباركة [22].
وروي في أوّل يوم من ذي الحجة ( السنة الثانية من الهجرة ) زوّج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فاطمة عليّا ( عليه السّلام )[23].
مميّزات زواج الزهراء ( عليها السّلام ) بعليّ ( عليه السّلام )
لقد امتاز زواج السيّدة فاطمة سلام اللّه عليها بما يلي :
1 - إنّه زواج من السماء وبأمر من اللّه تعالى قبل أن يكون نسبا أرضيا ، ومجرد ارتباط عاطفي ، ويكفينا في ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب إذ قال : نزل جبرئيل فقال : « يا محمّد إنّ اللّه يأمرك أن تزوّج فاطمة ابنتك من عليّ »[24].
2 - إنّ اللّه تعالى قد جعل الذرّيّة النبويّة الطاهرة محصورة بهذا الزواج المبارك ، ومن طريق هذين الزوجين ، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب :
سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « كلّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي ، وكلّ بني أنثى فعصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أبوهم وأنا عصبتهم »[25].
3 - إنّ الزهراء ( عليها السّلام ) وحيدة محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) التي لم يكن لها أخت في النسب الأبوي ، أمّا زينب ورقية وامّ كلثوم - وإن اشتهرن بكونهنّ بنات محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) - فهنّ بنات هالة أخت خديجة ، وقد كنّ في بيت خديجة حينما اقترنت بالنبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ولم يؤيّد التحقيق التأريخي بنوّتهنّ لمحمّد ( صلّى اللّه عليه واله )[26].
[1] ذخائر العقبى : 36 .
[2] راجع معاني الأخبار : 103 ، والخصال : 640 ، وأمالي الصدوق : 474 ، وبحار الأنوار : 43 / 111 .
[3] راجع بحار الأنوار : 43 / 93 ، وذخائر العقبى : 39 .
[4] بحار الأنوار : 43 / 127 .
[5] شرح نهج البلاغة : 9 / 193 ، وبنص آخر في ذخائر العقبى : 40 - 41 .
[6] بحار الأنوار : 43 / 142 .
[7] بحار الأنوار : 43 / 145 .
[8] كفاية الطالب : الباب 78 ص 298 ، والمناقب : 3 / 351 فصل تزويجها ( عليها السّلام ) ، وكشف الغمة : 1 / 348 - 349 ، وذخائر العقبى : 41 .
[9] المناقب ابن شهرآشوب : 3 / 353 ، وكشف الغمة : 1 / 359 .
الشريط : ورق مفتول يشترط به السرير . الخيش : نسيج خشن من الكتان . والإذخر ، حشيش طيب الريح . والمخضب : وعاء لغسل الثياب أو خضبها . والقعب : القدح العظيم الغليظ . والشن : القربة الصغيرة والزفت . نوع من القير تطلى به الآنية كي لا يترشح منها الماء .
[10] فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 477 نقلا عن المناقب لأحمد بن حنبل .
[11] الشدخ : كسر الشيء الرطب أو الأجوف .
الأقط : الجبن المتخذ من اللبن الحامض ، راجع كشف الغمة : 1 / 361 .
[12] الحيس : تمر بدق ويعجن بالسمن عجنا شديدا حتى يندر النوى منه .
[13] أرسال : جمع ( رسل ) وهو القطيع من كل شيء ، الجماعة .
[14] بحار الأنوار : 43 / 106 ، 114 ، 132 ، 137 .
[15] شجرة طوبى : 254 .
[16] ورد في الروايات أنّ أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة ، وأسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر ابن أبي طالب ( عليه السّلام ) ولم تعد هي ولا زوجها إلّا يوم فتح خيبر ، ولم تشهد زفاف فاطمة والتي حضرت الوفاة لعلّها ( سلمى بنت عميس ) أختها زوجة حمزة بن عبد المطلب ، وكانت أسماء أشهر من أختها فرووا عنها أو أنّ راويا واحدا سها وتبعه الآخرون . ( كشف الغمة : 1 / 368 ) .
[17] ( 1 ) كشف الغمة : 1 / 368 .
[18] ( 2 ) بحار الأنوار : 43 / 117 .
[19] بحار الأنوار : 43 / 132 .
[20] بحار الأنوار : 43 / 133 ، وكنز العمال : 11 / ح 32926 مثله ، ومسند الإمام أحمد : 5 / 26 مثله ، مختصر تاريخ دمشق : 17 / 337 .
[21] كشف الغمة : 1 / 364 ، بحار الأنوار : 43 / 134 .
[22] أمالي الطوسي : 43 مجلس 2 حديث 47 .
[23] مصباح المتهجد للطوسي : 613 ( ط . حجرية ) .
[24] ذخائر العقبى : 41 ، وراجع شرح نهج البلاغة : 9 / 193 .
[25] كنز العمال : ج 13 / 37586 ، وقريب منه ما في شرح نهج البلاغة : 12 / 106 .
[26] الإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ : ص 27 ، الشيخ محمد حسن آل ياسين ، وراجع الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي المتوفى 352 : الصفحة 80 - 82 طبعة دار الكتب العلمية - قم .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|