أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-27
514
التاريخ: 16-3-2020
2179
التاريخ: 12-3-2021
2011
التاريخ: 1-4-2020
2123
|
مما لا شك فيه أن العلاقة بین الأخلاق والمعرفة وطيدة عند الفلاسفة عامة، وعند صدر المتألهين على وجه الخصوص، ولما كانت معرفة النفس علة لمعرفة الرب، وتهذيب الأخلاق سبباً لترقي الإنسان إلى خالقه، جاءت العلاقة حميمة بين الأخلاق والمعرفة، فمثلا صدر المتألهين جعل أساس المعرفة النفس وقواها الظاهرة والباطنة، وقد بين بشكل مفصل علاقة النفس وقواها بالأخلاق .
وللمعرفة (الإدراك) عنده، أربع مراتـب : الحس، والـخـبـال ، والـوهـم، والـعـقـل، وفي هذا الصدد يقول: (أنواع الإدراك أربعة : إحساس، وتخيل وتوهم، وتعقل).
ويربط صدر المتألهين حصول الكمال الإنساني باكتساب المعرفة النظرية والعملية، فيقول:
(إن حصول الكمال الإنساني، وفضيلته، وميزته، على غيره، إنما ينوط بالعلم والعمل بمقتضاه لا غير)، ثم يجعل السلوك العملي والمجاهدات الروحية سبباً للحصول على الكمال العملي، إذ يقول الكمال العملي لا يتيسر لأحد إلا بطريق الرياضات والمجاهدات الشرعية، والحكمية، وبشرائط مخصوصة)(1).
إن الله تعالى غاية المعرفة عند صدر الدين، كما أنه غاية الوجود، وإن غيره يعد غاية وهمية ، إذ يقول : (إن المبدأ الأول هو الذي ابتدأ الأمر، وإليه ينساق الوجود، وانكشف أنه هو الغاية القصوى .
والله عز وجل أنبأنا عن غاية وجود العالم قال (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف)، فدلنا على أنه الغاية القصوى لوجود العالم معروفاً، كما أنه الفاعل والعلة الغائية له موجوداً) ، وأن واجب الوجود، عنده، متصف بجميع الكمالات من وجود، وفضيلة، فضلا عن كونه عز وجل مصدراً لكل الكمالات، وأصل جميع الخيرات، وقد أشار إلى هذا المعنى، فقال :
.... فالواجب يجب أن يكون، من فرط التحصيل وكمال الوجود، النشآت الوجودية، والأدبيات الكمالية، فلا مكافئ له في الوجود والفضيلة، بل ذاته بذاته، يجب أن يكون مستنداً، ومنبع كل الخيرات)(2).
والواقع أن أثر تهذيب الأخلاق، وتزكية النفس ، عامل مهم في معرفة الإنسان ربه، وترقيه إليه، وهذا المعنى بعد الغاية الأساسية، والهدف الأسمى عند صدر المتألهين، في كيفية ارتقاء الإنسان سلم الأخلاق العرفانية للوصول إلى معرفة الحق تعالى، من خلال كبح جماح النفس، والسيطرة على قواها الشهرية، والغضبية، والوهمية، بمقتضى القوة العقلية، ذلك أن اقتراف الذنوب بسبب إحداث ظلمة في مرآة النفس إذ يقول ملا صدرا في هذا المعنى : جامعاً لجميع الكمالات، .... كدورة المعاصي وخبثها الذي تراكم على وجه القلب من كثرة الشبهات، واقتراف الخطيئات، فإنها تمنع صفاء العقل وجلاؤه ظهور الحق فيه، وشهود الحقيقة له، بقدر ظلمته، وتراكمه، وهذا بإزاء كدورة المرأة، وخبثها، وزينها، وطبعها، كما أشار إليه بقوله تعالى: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] (3)، وقوله: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 87] (4).
روي عن النبي (صلى الله عليه واله): من قارف ذنباً، فارقه عقله، لم يعد إليه أبداً)، أي حصل في نفسه كدورة لا يزول أثرها أبدأه)، فالمعرفة البشرية عند صدر المتألهين، منوطة بقدر ما يهذب الإنسان سلوكه، ويطهر نفسه من خبائث الأعمال ، وقبائح الأفعال، ليحصل على المعرفة الربانية بالبرهان، والذوق الكشفي، وفي هذا الصدد يقول :
(إن المتخيلات المحسوسة، إذا حصلت في قوة خيالنا، يحصل منها، من جهة المشاركات والمباينات، المعاني الكلية، ولكنها في أوائل الأمر مبهمة الوجود، ضعيفة الكون، كالصور المرئية الواقعة في موقع مظلم، إذا كمل استعداد النفس، وتأكد صلاحيتها بواسطة التصفية، والطهارة عن الكدورات، وتكرر الإدراكات، والحركات الفكرية أشرق نور العقل الفعال عليها، وعلى مدركاتها الوهمية، وصورها الخيالية ، فيجعل النفس عقلاً بالفعل، ويجعل مدركاتها ومتخيلاتها معقولات بالفعل).
وفي الحقيقة، إن العلم متساو مع الكمال المطلق، فالعشق للكمال متجسد في العشق للعلم، وهكذا الجهل توأم للنقصان، وبما أن الكمال مورد تعلق الفطرة، والنقص نفور منها، كذلك العلم والجهل، فالنفس البشرية تميل بطبعها إلى العلم، بمفهومه العام، وهو اكتساب.... فإن لقبول الحكمة، ونور المعرفة شروطاً وأسباباً (كانشراح الصدر، وسلامة الفطرة، وحسن الخلق، وجودة الرأي، وحدة الذهن، وسرعة الفهم، مع ذوق كشفي) ويجب مع ذلك كله أن يكون في القلب المعنوي نور دائماً كالقنديل، وهو المرشد إلى ومن كان له فهم وإدراك، ولم يكن له حدس كشفي، ولا في قلبه نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، فلا تتم له الحكمة)(5)، كما جعل معرفته معيار الحق، شرطاً أساسياً يجب توافره في الرجل الحكيم، فلا يلتفت إلى الأشخاص، بل إلى الحق الذي يتبعه الأشخاص، فمعرفة الحق لا تكون بما يقوله ويفعله الرجال، بل معرفة الحق تتجسد بمقدار ما يطبقه الناس مع معايير ومقاييس يقينية حقة، وإلى ذلك أشار ملا صدر الدين، فقال: (... والرجل الحكيم لا يلتفت إلى المشهور، ولا يبالي، إذا أصاب الحق من مخالفة الجمهور، ولا يتوجه في باب إلى من قال: بل إلى ما قبل، كما نقل عن مولانا إمام الموحدين، أمير المؤمنين ، أنه قال: (لا يعرف الحق بالرجال، ولكن أعرف الحق تعرف أهله) (6) .
المعارف فطرياً تنفر من الجهل، وهذا يعني أن العلم من لوازم الفطرة، والفطرة إن لم تكن محجوبة، لم تدخل في حجاب الطبيعة - التعلق الدنيا - فستتوجه إلى المعرفة المطلقة)، وقد وضع صدر الدين شروطاً خاصة للنفس البشرية لتكون مستعدة لقبول العلم والمعرفة، إذ يقول :أما في ما يختص بطبيعة العلاقة بين المعرفة واللذة والألم فحصولهما يتحقق بالإدراك، وقد أشار صدر الدين إلى ذلك، فقال : .... وأما البرهان على أن اللذة و الإدراك بوجود الكمال، وكذا الألم عين الإدراك بما يضاد الكمال، ففي غاية الوضوح والإثارة، ووجود كل شيء هو خير له، وكمال ذلك الوجود.
كمال الخير له، وزوال ذلك الوجود منه شر له، ووبال وزوال كماله أيضاً شر دون ذلك الشر، سواء أدرك وجوده إن كمل وجوده وإن لم يدرك، أو أدرك عدمه كماله أو لم يدرك، كما في الجمادات وغيرها، فإن الوجود أو کمال شيء، وإدراك ذلك الوجود أو الكمال شيء آخر )(7) .
مما تقدم، استشف أن الأخلاق عند صدر المتألهين مرتبطة أشد الارتباط بالمعرفة، والمعرفة عنده عرفانية كما هو الواضح من نصوصه(8) .
وطابع العرفان هذا، يكاد يكون المسحة الشاملة لكل الحقول الفلسفية التي كتب فيها، فربط بين الفلسفة والعرفان، إذ العلاقة بين الاثنين وثيقة، وأود أن أشير إلى وظيفة كل منهما اتجاه الآخر(9).
واستكمالاً للفائدة، فأما العون الذي تقدمه الفلسفة للعرفان، فيتلخص بما يلي :
1 - إن العرفان الحقيقي لا يحصل إلا عن طريق عبادة الله تعالى وطاعة أوامره، ولا يمكن أن تتم عبادة الله عز وجل من دون معرفته، ومعرفته تحتاج إلى الأصول الفلسفية .
2 - إذا تشخيص صحة المكاشفات العرفانية يتم عرضها على موازين العقل والشرع، وينتهي ذلك بواسطة واحدة أو أكثر إلى الأصول الفلسفية.
3 ـ لما كان الشهود العرفاني إدراكاً باطنياً وشخصياً محضاً، فإن تفسيره الذهني ونقله إلى الآخرين، يتم بواسطة الألفاظ والمصطلحات ، وبالالتفات إلى أن كثيراً من الحقائق العرفانية، أرفع من مستوى الفهم العادي، فلا بد من استخدام مفاهيم دقيقة، واصطلاحات مناسبة، حتى لا تؤدي إلى سوء تفاهم، وتعليم معكوس، ومن الواضح أن تعيين المفاهيم الدقيقة يحتاج إلى ذهن متمرس قد تعود على معالجة المسائل الدقيقة
4 - إن القيام بمحاولة الكشف العرفاني تقتضي توفر مادة معرفية متكاملة الأبعاد، كافية قدر الإمكان حول الوجود والخالق، وهذا الأمر لا يتكفل به العرفان بدقة، إذ هو من اختصاص الفلسفة .
وأما ما يقدمه العرفان للفلسفة، فيمكن إيجازه بما يلي :
ا- المعروف أن الفلسفة تقف عند حدود الاستدلالات والبراهين المقلة، ولا علاقة لها بما وراء ذلك من الممارسات الروحية.
ولذا، فإن العرفان يمثل التطبيق العملي لكل ما يصل إليه العقل، فيفتح إمكاناً للعقل في طرق أبواب أخرى، يغتني بها ويسهم بذلك العرفان في توسعة نطاق الفلسفة، ونحوها.
ب- إن ما تثبته الفلسفة عن طريق البرهان والاستدلال العقلي، يمكن للمشاهدات العرفانية أن تكون مؤيداً عينياً وسنداً لصحتها، وفي الواقع، فإن ما يفهمه الفيلسوف بعقله، يدركه العارف بالشهود القلبي .
______________________
(1) الشيرازي ـ كـر أصنام الجاهلية - من16.
(2) الشيرازي، صدر الدين - الأسفار - ج2 - ص 284 - 285.
(3) الشيرازي، صدر الدين - كسر أصنام الجاهلية - ص۱۷ - ۱۸. وللمزيد يراجع : الشيرازي، صدر الدين - الأسفار - ج1 - ص۰۹۳
(4) الشيرازي، صدر الدين - الأسفار - ج۹ - ص143 .
(5) ينظر : الخميني، روح الله الموسوي - جنود العقل والجهل - ترجمة : العلامة أحمد الفهري - إيران -۲۰۰۳م - من 160 - 161
(6) الشيرازي، صدر الدين - الأسفار - ج6 - ص - ۷.
(7) الشيرازي، صدر الدين - المصدر نفسه ، ج1 ، منة .
(8) الشيرازي، صدر الدين - الأسفار - ج 4 ـ ص۱۲۰ - ۱۲۱.
(9) ينظر: الشيرازي، صدر الدين - التفسير - ج1 - ص۹۳ .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|