أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-11-2019
2614
التاريخ: 19-1-2016
2672
التاريخ: 21-3-2022
2244
التاريخ: 2023-03-15
1228
|
إن الإسلام - بحكم وسطيته واعتداله ـ ينطلق في تشريعاته وأحكامه من مصالح نوعية، تراعي خصائص الإنسان ومتطلباته الفطرية المختلفة، وتعمل على تأمينها. ومن هذه الخصائص الفطرية، أنه ـ أي الإنسان ولا سيما الشاب - لا يتسنى له أن يبقى جاداً في كل حالاته، بل يحتاج إلى شيء من المرح واللهو البريء. ومن هذا المنطلق فقد راعي التشريع الإسلامي هذه الحاجة، ووازن بين متطلبات الإنسان المتنوعة، فوازن بين الدنيا والآخرة، وقد روي عن الإمام الحسن (عليه السلام) أنه قال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدأ واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" (1)، ووازن بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ..} [الأعراف: 32]، فالمرح يمثل استجابة وتلبية لمتطلبات الجسد، والبرنامج العبادي الذي أقره الإسلام يمثل تلبية لمتطلبات الروح.
إن ساعة اللهو البريء التي ينشغل بها الإنسان ولا سيما الشاب، لا تلبي حاجته الطبيعية لذلك فحسب، بل إنها تساعده على تجديد نشاطه وحيويته، ليتسنى له معاودة أعماله العبادية أو الاجتماعية أو التجارية أو غيرها بكل إقبال وفاعلية، وحيوية، وفي الواقع فإن من خصائص النفس البشرية أنها تستمر على وتيرة واحدة، فهي تمل وتحتاج إلى التغيير، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف:
"إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة"(2). فهذا النص يدعو إلى التخفف من النوافل في حال إدبار القلوب.
ومن هنا، فلا يمكن للإسلام وهو الشريعة السمحة السهلة أن يمنع الفرح، كما لا يمكنه أن يمنع الحزن؛ لأن الفرح ـ كما الحزن ـ هو حالة إنسانية فطرية يحتاج إليها الإنسان.
وفيما يلي نشير إلى بعض المحطات المهمة التي تتجلى فيها واقعية التشريع الإسلامي، ومراعاته لطبيعة الإنسان واحتياجاته المتنوعة:
1 ـ ارتياد المتنزهات
يميل الإنسان إلى التنزه والترفيه عن نفسه وعن عياله وأطفاله، وهو ميل طبيعي مشروع، وقد كان الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) يتنزهون ويطلبون النزهة، ففي الحديث عن بعض أصحاب الإمام الرضا (عليهم السلام) قال: "قال لنا الرضا (عليهم السلام): اي الإدام أجزأ؟ فقال بعضنا: اللحم، وقال بعضنا: الزيت، وقال بعضنا: السمن، فقال هو: لا، بل الملح، لقد خرجنا إلى نزهة لنا، ونسي الغلمان الملح، فما انتفعنا بشيء حتى انصرفنا"(3).
ومن هنا، فلا غضاضة ولا حرج على الإنسان أن يطلب التنزه والفسحة والتمتع بالأنهار والأشجار، ففي الحديث عن أبي الحس (عليهم السلام): "ثلاثة يجلون البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن"(4).
ونلاحظ، أن هذا الحديث اشتمل على ثلاثة عناصر أساسية يساعد النظر إليها على الارتياح النفسي. واللافت، أن هذه العناصر نفسها هي التي تمثل العناصر الأساسية التي تملأ الجنة عرضها وطولها، وكأن الله تعالى أراد لنا أن نعيش جنة في الدنيا وجنة في الآخرة، والعناصر الثلاثة هي:
أ ـ الخضرة، وواضح أن عنوان الجنة يختصر اللون الأخضر، حتى أن لون لباس أهل الجنة هو الأخضر، قال تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} [الإنسان: 21]
ب ـ المياه، وحديث القرآن الكريم عن أنهار الجنة لا يكاد يخفى، قال تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار..} [التوبة: 72]، إلى غير ذلك من الآيات المباركة.
ج ـ الوجه الحسن، وهذا العنصر ـ أيضاً ـ متوفر في الجنة من خلال الحور العين، قال تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 22-23]
2 ـ المرح واللهو البريء
المحطة الثانية التي تتبدى فيها واقعية التشريع الإسلامي، هي إقراره بحاجة الإنسان إلى اللهو البريء، سواء بالنسبة للصغير أو الكبير. أما الصغير فهو أكثر حاجة للهو واللعب؛ لأن مرحلة الطفولة تحتاج إلى مثل هذا المرح، ومن هنا ورد الحث على ضرورة تأمين هذه الحاجة له، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من كان عنده صبي فليتصاب له"(5). وهكذا الشاب والكبير، فإنه يحتاج أحياناً إلى الترفيه عن نفسه، وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يمازح أصحابه، وفي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "ما من مؤمن إلا وفيه دعابة، قلت: وما الدعابة؟ قال: المزاح"(6). فالمؤمن ليس مطلوباً، منه أن يكون شخصية متشائمة يظهر عليها العبوس، أو تتملكها الجدية المطلقة، ولبس الثياب السوداء القاتمة.
وفي الحديث قال: "سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون؟ فقال: لا بأس ما لم يكن، فظننت أنه على الفحش، ثم قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله): كان يأتيه الأعرابي فيهدي له الهدية، ثم يقول مكانه: أعطنا ثمن هديتنا، فيضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان إذا اغتم يقول: ما فعل الأعرابي ليته آتانا"(7).
3 - العيد والفرح
المحطة الثالثة التي تعبر عن واقعية التشريع الإسلامي، ومراعاته لمتطلبات الإنسان، هي إقراره بمشروعية الأعياد وممارسة اللهو والمرح والتزين فيها. ونلاحظ أن بعض الآيات تتحدث عن العيد باعتباره يوم الزينة {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه: 59]، كما تحث نصوص أخرى على تقديم الهدايا والمأكولات اللذيذة، فقد روي أنه أهدي إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الفالوذج (وهو نوع من الحلوى) في يوم النوروز، فقال: (نورزونا كل يوم)، وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال: (مهرجونا كل يوم)(8).
4ـ الرياضة ممارسة وتشجيعاً
وفي هذا السياق، فإن الإسلام يشجع على الرياضة البدنية ولا سيما للشباب، لأنها حاجة للجسم وللنفس معاً، وتنص بعض الروايات على كون ذلك من حقوق الولد على والده، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما روي عنه: "علموا أولادكم السباحة والرماية"(9)، هذا ناهيك عن أن الرياضة البدنية تمثل نوعاً من إعداد المجتمع القوي، فتندرج في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].
الضوابط والتحفظات
إن هذه المحطات تشير إلى المبدأ العام، والمتمثل بالاعتراف بحاجة الإنسان إلى المرح واللهو والتنزه؛ لكن التشريع الإسلامي لديه تحفظ على بعض الممارسات التي يأخذ بها البعض دون ضوابط أو قيود، فالفرح مشروع، شريطة أن لا يؤدي إلى البطر والطيش، وقد ورد في صفات المؤمن "لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح"(10)، أي لا يصير الفرح سبباً لخرقه وسفهه، ولا يصير المرح سبباً لطيشه وخفته، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]، وذلك في خطاب موسى (عليه السلام) لقارون، فإن المراد بالفرح في الآية الشريفة هو البطر الذي وقع فيه قارون الطاغية المتجبر.
5 ـ مباريات كأس العالم وما يرافقها
ويجدر بنا أن نطل على مناسبة كأس العالم، وهي المناسبة التي تجذب اهتمام مئات الملايين وربما المليارات من بني الإنسان، ولا ريب أن اهتمام الشاب المسلم بمتابعة ما يجري من مباريات رياضية وتشجيعه لفريق هنا أو فريق هناك هو أمر مشروع ولا غبار عليه، وهو يدخل ضمن مساحة المباحات الشرعية والتي قد تلبي حاجة الإنسان إلى المرح واللهو البريء.. ولكن الملاحظ أنه قد يرافق هذه المناسبة «كأس العالم» أو غيرها من المباريات الرياضية بعض السلبيات التي لا بد أن نلفت النظر إليها في محاولة لمحاصرتها:
أولاً: التحدي بين الجماعات أو الأفراد، والذي قد يصل إلى حد الخصومة وخروج الإنسان عن طوره وتلفظه بكلمات السب والفحش، وهو أمر محرم شرعاً. وإننا نلاحظ أن الله تعالى قد حرم الخمر مبرراً ذلك ببعض الوجوه، ومنها: أن ذلك يثير الضغائن والعداوات بين الناس، قال تعالى في وجه تحريمها: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]، وهذا ما يقع فيه الكثير من الشباب أو غيرهم من متابعي تلك المباريات، فتنشب بينهم الخصومات وتحصل القطيعة، وأحياناً تطالعنا وسائل الإعلام عن حالات طلاق بين الزوجين، سببها انحياز كل منهما إلى فريق غير فريق الآخر، كما أن بعضهم ونتيجة انهماكه في متابعة المباريات، تفوته الصلاة أو يؤخرها عن أوقاتها، فتكون تلك المباريات صادة عن ذكر الله تعالى.
وأما وقوع الكثيرين من مشجعي الفرق الرياضية في محذور الشتائم، والتطاول على مقدسات الآخرين وكراماتهم، فهو أمر ملحوظ وشائع، حتى صارت بعض الدول تضطر إلى إعداد فرق أمنية أو عسكرية خاصة لحماية أمن الملاعب من الشغب، الأمر الذي يخرج هذه الهوايات عن عفويتها وشرعيتها؛ لأن اللهو واللعب إذا تحول إلى صراعات أو حفلات شتائم، فإنه سيغدو أمراً محرماً، وفي الحديث: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: "إن الله يحب المداعب في الجماعة بلا رفث"(11). والرفث هو قول الفحش، ونحوه.
ثانياً: والسلبية الثانية التي ترافق هذه المباريات تتمثل بإزعاج الناس، وإيذائهم وإقلاق راحتهم من خلال إطلاق المفرقعات أو أبواق السيارات، ويصل الأمر بالبعض إلى حد إطلاق الرصاص الحي.. إلى غير ذلك من أشكال الضوضاء والتلوث السمعي، وقد أفتى بعض الفقهاء بحرمة إزعاج الآخرين، حتى بأصوات قراءة القرآن أو المجالس الحسينية واللطميات(12)، فما بالك بأبواق السيارات أو المفرقعات أو نحوها من الأصوات المزعجة لراحتهم.
ثالثاً: والسلبية الثالثة هي وقوع الكثير من الشباب وغيرهم في فخ المراهنات المالية، حيث يحصل رهان على الفريق الرابح. والخاسر من المتراهنين يدفع مبلغاً معيناً للرابح، وهذا نوع من القمار أو الميسر المحرم شرعاً بنص القرآن الكريم.
رابعاً: السلبية الرابعة هي تبديد المال وتبذيره، من خلال ما يدفع ثمناً للرايات أو الصور أو اليافطات التي ترفع فوق السطوح أو توضع على السيارات، وكذا ما يدفع ثمناً للمفرقعات أو الثياب الخاصة بذلك والتي تغزو الأسواق، إلى غير ذلك من الأشياء التي تجتاح مجتمعاتنا، ولو أن هذه الأموال التي تهدر على هذه الأشياء يتم التبرع بها للأيتام والفقراء لكانت تُحيي العديد من العائلات المعدومة، ولو تم التبرّع بها لبعض الشعوب المضطهدة والمسحوقة لخفّف شيئاً من معاناتها وآلامها.
خامساً: السلبية الخامسة هي التعدي على الأملاك العامة، وحرق الإطارات في الطرقات أو قطعها، بسبب نزول الناس إليها بسياراتهم ودراجاتهم النارية، ما يعيق حركة المارة.
هذه بعض المحاذير والسلبيات التي ترافق هذه الظاهرة، ويبقى الدرس البليغ الذي تكشف عنه هذه المباريات، هو هذا الضعف الكبير في إحساس الكثيرين منا بمسؤولياتهم الوطنية أو الإسلامية، حيث ينشغلون بهذه المباريات ويهتمون بها أكثر من اهتمامهم بمسؤولياتهم وواجباتهم تجاه أسرهم وأهاليهم، فضلاً عن قضايا أمتهم، ويبقى السؤال برسم الجميع: هل نتفاعل مع قضايانا العامة والخاصة كما نتفاعل مع مباريات كرة القدم؟!
____________________
(1) الكافي ج1 ص32.
(2) الكافي ج3 ص454 وهو مروي عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) عليك، انظر: نهج البلاغة ج4 ص75.
(3) المحاسن للبرقي ج2 ص59.
(4) المحاسن للبرقي ج2 ص 622.
(5) من لا يحضره الفقيه ج3 ص483.
(6) الكافي ج2 ص663.
(7) الكافي ج 2 ص 663.
(8) تاريخ بغداد ج 13 ص327.
(9) الكافي ج 6 ص 47.
(10) الكافي ج2 ص229.
(11) المحاسن للبرقي ج1 ص293.
(12) انظر للتوسع حول ذلك ما ذكرناه في كتاب (الإسلام والبيئة – خطوات نحو فقه بيئي) ص370-371.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|