أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-9-2020
16462
التاريخ: 24-11-2021
2226
التاريخ: 1-8-2020
1774
التاريخ: 2024-08-12
442
|
ان الثبات والاستقامة مرتبطة بمدى صلاحية المبادئ الفكرية، والعملية وشموليته لجميع جوانب حياة الإنسان، والإيمان به، والوعي الكلي له، والعمل وفق مقرراته الموضوعية والحركة نحو تحقيق اهدافه على المدى البعيد ... فقد يكون المبدأ المتبنى صالحاً، ولكن المدعي لحمله غير مؤمن به ايماناً راسخاً، او يفهمه فهم تقليدياً، ويعتنقه اعتناقاً وراثياً وحينئذ سيكون عمله شكلياً او متزلزلاً؛ لأنه لم يفهمه فهماً سليماً، وإذا كانت المقدمة خطأ فستكون النتيجة عكسية مخالفة لمسار ومتبنيات ذلك المبدأ ...
وقد يكون المبدأ غير صالح اي مخالف لفطرة الإنسان، والعامل له متفان في الدعوة إليه، والحركة لتحقيق اهدافه ... كلا الشكلين من التبني المذكور لا يمكن ان يؤدي إلى الاستقامة والثبات في خط المبدأ المتبنى؛ لافتقاره إلى الشروط المؤدية إلى الثبات والاستقامة.
إذن مقومات الاستقامة هي: صلاحية المبدأ، وفهمه فهماً صحيحاً بل وعيه وعياً عميقاً، والتفاني من اجله، وتجسيده في الواقع العملي فكراً وعاطفة وسلوكاً.
أما صلاحية المبدأ فهو الشرط الاساس في استقامة الإنسان عليه. وهنا يجدر بنا ان عرض بشكل اجمالي لشروط المبدأ الصالح الذي يمكن للإنسان الثبات عليه رغم كل الظروف والصعاب، ويمكن إجمال هذه الشروط بالنقاط التالية:
1- ان يكون قابلاً للإثبات العقلي، والاستدلال المنطقي، وبعبارة اخرى ان لا يكون مخالفاً للعقل السليم، والمنطق الصحيح، ونقول : العقل السليم؛ لأن هناك ما يشبه العقل وليس بعقل فقط ورد عن الصادق (عليه السلام) انه سئل : (ما العقل؟ قال: ما عبد به الرحمن، واكتسب به الجنان قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟
فقال (عليه السلام) تلك النكراء (1) تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل)(2).
فالعقل السليم هو (قوة إدراك الخير والشر والتمييز بينهما، واختيار الخيرات والمنافع، واجتناب الشرور والمضار).
إن المبدأ الصالح لا يختلف عن مدركات العقل السليم ابداً؛ لأن العقل دليل الإنسان إلى الله تعالى، يقول ابو عبد الله الصادق (عليه السلام): (ما بعث الله انبياءه ورسله إلى عبادة إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة احسنهم معرفة واعلمهم بأمر الله احسنهم عقلاً، واكملهم عقلاً ارفعهم درجة في الدنيا والآخرة)(3).
وبدون التعقل لحقائق الامور والاشياء لا تحصل الاستقامة ابداً فقد ورد في حديث صادق اهل البيت (عليهم السلام) قوله: (ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها، ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون احد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً، وسره لعلانيته موافقاً، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه)(4).
إذن كل مبدأ مخالف للعقل لا يمكن ان يؤدي بحامله إلى الثبات والاستقامة.
2- ان يعطي تفسيراً واضحاً، وكاملاً للحياة والوجود، يجيب فيه عن المسائل الاساسية الكلية المرتبطة بالوجود الكلي للإنسان ، والكون، والحياة عموماً، مبدأ ومعاداً.
ولا يكتفي بالتفسيرات الجزئية الناقصة على ان يكون هذا التفسير ثابتاً، وقابلاً للاعتماد والادامة إلى آخر مطاف حياة الإنسان.
3- ان تكون له هدفية بناءه، وسليمة، وواقعية تخلق في الإنسان شوقاً للحركة في تحقيق تلك الاهداف.
4- ان يكون له قدرة على إيجاد القدسية في نفوس معتنقيه.
5- ان يكون قادراً على خلق الشعور بالمسؤولية في اعماق حامليه.
6- ان لا يكون متعارضاً مع الغرائز والدوافع الطبيعية في الإنسان، كما هو في الرهبانية المسيحية، المتعارضة تعارضاً كلياً مع الغريزة الجنسية في الإنسان هذا مع العلم ان كبت هذه الغريزة امر يكاد يكون مستحيلاً، لأنه مخالف للطبيعة الإنسانية، ونتيجة ردة الفعل على ذلك نجد ان الحضارة الغربية المعاصرة قد اطلقت الزمام لهذه الغريزة بدون ضابط او قيد، بل اكثر من هذا ظهر ما يسمى عندهم (بالشماعية الجنسية) واشنع من ذلك كله انهم أباحوا (الشذوذ الجنسي) بل اعتبروه امراً شرعياً وقانونياً.
أما المبدأ الواقعي للحياة فقط وضع في نظامه الاجتماعي ضوابط لهذه الغريزة حفظ بها الإنسانية من السقوط في مستنقع الرذيلة، والضياع، والتمرد واشبع حاجة الإنسان منها بشكل مشروع حفظ به كرامة الإنسان وبذلك حفظ به استمرار الجنس البشري طاهراً من الدعارة، والانحراف الخلفي.
ومثال آخر على مخالفة المبادئ الوضعية لغريزة الإنسان ما وقعت فيه الماركسية في محاولة القضاء على الملكية الفردية، وصهرها في ملكية المجتمع وعلى عكسها ما وقعت فيه الرأسمالية الغربية. ودلالة المخالفة هي:
ان اقوى الغرائز عند الإنسان هي غريزة حب الذات كما اثبتت ذلك البحوث النفسية بمختلف مدارسها المعروفة ... لهذا اخفقت الماركسية بعد اكثر من سبعين سنة من المقاومة برفضها للملكية الخاصة، وتبني الملكية العامة كقاعدة وأساس في البناء الاقتصادي للمجتمع والدولة حتى تمرد عليها اشد معتنقيها حماسة إليها؛ لأنها تعارضت مع الغرائز الاصلية في الإنسان، وفي الجانب الآخر نجد ان الرأسمالية قد جعلت الملكية الخاصة قطب الرحى في نظامها الاقتصادي بدون ضوابط وحدود.
واطلقت العنان لها في حرية الكسب والاستقلال، وشملت هذه الحرية الجوانب الاخلاقية والفكرية والسياسية، والاجتماعية من دون حدود؛ ولهذا جرت البشرية إلى ويلات ودمار واستعباد للشعوب، وتسلط عليها وقهر لها، حتى اصبح العالم اليوم على جرف هار.
أما الإسلام فقد اقر الملكية الخاصة ضمن شروط معينة، نظم فيها حياة الفرد والمجتمع، وفق مبادئ محدودة، في الوقت الذي جعل للفرد ملكية خاصة يمتلكها بجهده، ولكن ضمن حدود محددة.
ومن خلال ربط العقيدة بالنظام والاصول بالفروع، خلق في نفوس معتنقيه دوافعاً رسالية جعلت الملكية الخاصة مسخرة للصالح الاجتماعي العام.
7- ان يحتوي المبدأ على نظام كامل وشامل لجميع جوانب الحياة مترابطاً مع خطة العقائدي، مستنداً إليه، ومنطلقاً منه.
هذه مجمل الشروط التي يجب توفرها في المبدأ الصالح للتبني والعمل وفق مبادئه بثبات واستقامة.
_________________
(1) النكراء: هي الدهاء والفطنة.
(2) ثقة الإسلام الكليني، الاصول من الكافي : 1/11.
(3) المصدر نفسه : 16.
(4) المصدر نفسه : 18.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|