أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2022
1752
التاريخ: 2024-09-03
355
التاريخ: 4-1-2017
3297
التاريخ: 22-5-2022
1580
|
قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]
وقال الامام علي (عليه السلام): (إنما الحلم كظم الغيظ وملك النفس) (1).
وقال (عليه السلام) أيضاً: (من غاظك بقبح السفه عليك فَغِظهُ بحسن الحلم عنه) (2).
وقال (عليه السلام): (إن لم تكن حليماً فتحلم، فإنه قل من تشبه بقوم إلا أوشك ان يكون منهم) (3).
وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والاحسان الى من أساء اليك، وإعطاء من حرمك) (4).
وقال (صلى الله عليه وآله) ايضاً: (تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقدار) (5).
وقال الامام علي (عليه السلام): (شر الناس من لا يعفو عن الزلة، ولا يستر العورة) (6).
وقال (عليه السلام) أيضاً: (قلة العفو أقبح العيوب، والتسرع الى الانتقام أعظم الذنوب) (7).
روى عبد الله بن العباس فقال: خرج أعرابي من بني سليم يتبدى في البرية، فإذا هو بضب قد نفر من بين يديه، فسعى وراءه حتى اصطاده، ثم جعله في كمه وأقبل يزدلف (*) نحو النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما أن وقف بإزائه ناداه: يا محمد! يا محمد!. وكان من أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قيل له: يا محمد! قال: يا محمد!، وإذا قيل له: يا أحمد! قال: يا أحمد!، وإذا قيل له: يا أبا القاسم! قال: يا أبا القاسم!، وإذا قيل له: يا رسول الله! قال لبيك وسعديك، وتهلل وجهه.
فلما ناداه الأعرابي: يا محمد! يا محمد!، قال له النبي: يا محمد! يا محمد!، قال له: أنت الساحر الكذاب الذي ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة هو أكذب منك، أنت الذي تزعم أن لك في هذه الخضراء إلهاً بعث بك الى الأسود والأبيض؟!!. والّلات والعزى! لولا أني أخاف أن قومي يسمونني العجول، لضربتك بسيفي هذا ضربة اقتلك بها، فأسود بك الأولين والآخرين.
فوثب اليه عمر بن الخطاب ليبطش به، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إجلس يا أبا حفص! فقد كاد الحليم أن يكون نبياً. ثم التفت النبي (صلى الله عليه وآله) الى الأعرابي، فقال له: يا أخا بني سليم، هكذا تفعل العرب؟! يتهجمون علينا في مجالسنا، يجبهوننا بالكلام الغليظ؟ يا أعرابي، والذي بعثني بالحق نبياً، إن من ضر بي في دار الدنيا هو غداً في النار يتلظى، يا أعرابي، والذي بعثني بالحق نبياً، أن أهل السماء السابعة يسمونني أحمد الصادق، يا أعرابي، أسلم تسلم من النار، يكون لك ما لنا وعليك ما علينا، وتكون أخانا في الإسلام (8).
ما هو الحلم؟ وما هو العفو؟ وما علاقتهما بمعاملة الناس؟
الحلم: كظم الغيظ وملك النفس. والغيظ هو الغضب، وكظمه: حبسه والامساك عليه في النفس. وبحبس الغضب والامساك عليه، تملك النفس وتضبط. ويعرف الحلم بالصفح، والصبر والأناة والسكون مع القدرة والقوة، والعقل. والحلم هو ضد الغضب والطيش. وقد يقابل به الجهل والسفه. والعفو هو الصفح، وترك الانتقام والعقوبة، وهو نتيجة للحلم.
ومن أفضل الزين التي ينبغي للمرء أن يتزين بها في حياته وفي تعامله مع الناس: الحلم، ذلك لأن الحلم من أخير الأخلاق (**) وبـه تنتظـم أمور الإنسان ومعاملاته، ويستر الخلل في أخلاقه، وتحجب الآفات ومساوئ الأخلاق عنه وبه يكمل العقل، ويحب الانسان ويعاشر ويعز ويرفع، وينصر.
يقول الامام علي (عليه السلام): (وجدت الحلم والاحتمال أنصر لي من شجعان الرجال) (9).
وفي هذا الشأن، حكي، (أن قوماً جعلوا لبعض السفهاء جعالة على أن يواجه سقراط بالشتم، ففعل السفيه ما بينوه له، فحلم عنه سقراط، ولم يجبه، فاستحيا السفيه، فقال له سقراط: لا عليك إن كان لك في سبنا منفعة أخرى فلا تدعها به) (10).
إن الحلم خلق عظيم ينبغي للمرء أن يتوسل به في معاملة الناس، بل إن معاملة الناس لا غنى لها عن استعمال الحلم، اذ به تنتظم وتسير في جو هادئ مفعم بنور العقل، وبدونه تتحول المعاملة الى بارود مشتعل. وبالحلم يسعد ويهنأ الانسان، وتتسهل معاملاته مع الآخرين، وبدونه يتعب ويشقى، ويعيش التوتر في العلاقات والمعاملات: سواء في منزله مع أهله وولده وأقاربه، أو مع أصدقائه أو مع زملائه في العمل، أو مع عموم الناس. ومن هنا فإن حسن التعامل والعلاقة الانسانية يقوم ـ بدرجة كبيرة ـ على التوسل بالحلم مع الناس.
والحلم خلق تحلى به الانبياء والائمة ـ عليهم السلام ـ والحكماء الذين على المرء ان يقتدي بهم ويتأسى في حياته وفي معاملته الناس، جاء في المناقب: توهم رجل من الحاج ان هِمیانَه (***) سُرق فرأى (الإمام) الصادق (عليه السلام) مصلياً فلم يعرفه، فتعلق به، وقال: أنت أخذت همياني، وكان فيه ألف دينار. فحمله الى منزله ووزن له ألف دينار، وعاد الى منزله فوجد هميانه، فرد المال الى الصادق معتذراً فلم يقبل، وقال: شيء خرج من يدي لا يعود إلي) (11).
ويعتمد الحلم ـ في جزء كبير منه ـ على الصبر والاحتمال والصمت. فالمرء في تعامله مع الناس قد يحدث له مـا يثيـر أعصابه ويغضبه، ولكنه بالصبر على ذلك وتحمله وصمته يمكنه المحافظة على هدوء أعصابه ورواقها، وبذلك يحسن معاملة الطرف الآخر. بل ينبغي للمرء إذا أغيظ أو أغضب من شخص آخر عالماً كان أو جاهلا ـ أن يقابل ذلك بحسن الحلم، لا بالغيظ والغضب، ففي حسن الحلم إحسان المعاملة، وفي الغيظ إساءتها.
وفي هذا الصدد ينقل أنه شتم رجل الأحنف بن قيس، وجعل يتتبعه حتى بلغ حيه، فقال الأحنف: يا هذا، إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف، لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما تكره) (12).
يقول الشاعر في هذه المعاني:
إذا كان دوني من بليت بجهله أبيت لنفسي أن تقارع بالجهل
وإن كان مثلي ثم جاء بزلةٍ هويت لصفحي أن يُضاف الى العدل
وإن كنتُ أدنى منه قدراً ومنصباً عرفتُ له حق التقدم والفضل.
والمرء في تعامله مع الناس ينبغي له أن يضع في حسبانه أنه لا يتعامل مع معصومين عن الخطأ، وإنما يتعامل مع أناس يصدر منهم الزلل، ومع أنفس حافلة بالأهواء والكبرياء والغضب، ولا أحفظ لمعاملة الناس من استعمال الحلم معهم، واحتمال أخطائهم. بل ينبغي للمرء ان يضع في اعتباره أنه قد يُظلم، ويبغى عليه، ويهان، ولكن حسن المعاملة يقتضي الحلم ومقابلة الإساءة بالإحسان، وعلى أقل التقادير تلافي مقابلة الاساءة بالإساءة، ولا يتأتى له ذلك الا بالتوسل بالحلم وضبط النفس، والابتعاد عن العصبية والفوران العصبي.
وقدرة المرء على أن يكون حليماً مالكاً لنفسه ضابطا لها، لا تقاس في الأحوال الطبيعية حينما يكون بعيداً عن معاملة الناس، وإنما تقاس حينما يعاملهم، ويصدر منهم ما يثير غضبه: هل يحلم ويملك نفسه، أو يستسلم لسورة الغضب؟
يقول لقمان الحكيم: (لا يعرف الحليم الا عند الغضب) (13).
وقد يسأل السائل: كيف يمكن لفاقد الحلم ان يصبح حليماً في معاملة الناس؟
لا شيء سوى التحلم، اي تصنع الحلم وتكلفه، والتعود عليه. وبمرور الوقت ينقلب ذلك التصنع والتكلف الى حلم طبيعي. وبديهة أن من يفتقر الى الحلم في معاملة الناس ويتصنع ذلك معهم، سيجد ـ في البداية ـ صعوبة في ذلك، لأنه يفعل خلاف طبعه وعادته، إلا أن احتمال هذه الصعوبة والصبر عليها، سيثمر الحلم في النهاية(****).
وللتوسل بالحلم في معاملة الناس ثمرات كثيرة منها:
1 ـ السيادة والشرف والمجد والوقار.
2 ـ السّلم.
3 ـ النصر والظفر والتفضل.
4 ـ إقبال الناس وحبهم.
5 ـ كثرة الانصار والأعوان.
6 ـ فعل الخير.
7 ـ الأمن من غضب الله.
٨ - إطفاء نار الغضب.
إن الغضب ـ أو القوة الغضبية ـ من القوى الموجودة في الانسان، وهي التي تمكنه من الرفض، والشجب والاستنكار، والدفاع عن النفس، والمال، والعرض، والمبدأ. إلا أنه يلزم للإنسان ان يملكها ويضبطها ويوجهها، ويجعلها تحت إمامة العقل. لأنها إذا طغت على عقله، جعلته كالنار الملتهبة، وأوردته في المشاكل والمتاعب، والمهالك، فضلا على أن الغضب غير الطبيعي، ينهك الجسم، ويهدمه، ويضعف الجهاز العصبي، ويؤثر على القلب والشرايين، والأوردة والشعيرات الدموية، إذ يزيد من ضغط الدم فيها، وإذا غضب الإنسان، توترت، واستنفرت كل خلية من خلايا جسمه (14).
وليس من العجيب أن يرى إنسان في حالة غضب، والدم يتدفق في وجهه مكسباً له حمرة محسوسة، وارتجافاً في اعضاء الجسم (15).
وكما أن الحلم مدخل الى الخير، فإن الغضب في التعامل مع الخالق ـ جل وعلا ـ ومع النفس، ومع الناس، مدخل الى الشر. ومن هنا فإن كثيراً من الأخطاء التي تنجم في تعامل الناس فيما بينهم تعود الى سيطرة الغضب، وبالسيطرة على الغضب، وتقديم الحلم تحسن معاملة الناس، وتصان النفس.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (الغضب مفتاح كل شر) (16).
وقال رجل: يا رسول الله، أوصني. قال: لا تغضب. قال: ففكرت حين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله (17).
والإنسان في هذه الحياة، وفي تعامله مع الناس يقوم بأدبه ويُوزن. وحيث ان الحلم هو الزينة التي ينشرها المرء على آدابه واخلاقه ليستر عوراته ومعايبه. وكم من إنسان يبدو على ما يرام في الحالة الطبيعية، ولكنه في حالة غضب تتبين حقيقته، وتظهر سلبياته!
ومن هنا فإن الحلم، والابتعاد عن الغضب المذموم، هو السمة التي ينبغي أن ترافق المرء في منزله: في تعامله مع والديه، ومع زوجته، وأولاده، واقاربه، وفي التعامل مع اصدقائه والناس. وإنه لمن خلاف العقل والعدل والأخلاق ان يكون المرء حليماً مع الناس، ولكنه في بيته يبدو كالنار المضطرمة.
ومن القصص التي تنقل عن سيطرة الغضب، والانقياد له، أن رجلا اشترى سيارة من نوع فاخر، وكان يرعاها ويحافظ عليها أحسن المحافظة. وذات يوم، وبينما كانت السيارة موقفة في المرآب بجنب حديقة المنزل، وأولاده يلعبون بالقرب من السيارة، تناول أحدهم حجراً ناتئاً وأخذ يضغط عليه ويحركه على صبغها من مقدمتها الى مؤخرتها وبالعكس، وفي الاثناء تنبه لذلك أبوه، فجاء مسرعاً والغضب يشب في وجهه، وأمسك به بعنف، وأوجعه ضرباً مبرحاً على يده التي فعل بها ما فعل، حتى احمرت واسودت من شدة الضرب.
ثم ان يد الطفل ساءت أكثر، فنقله أبوه الى المستشفى، وظل مدة فيه. الا أن يده كانت تنتقل من سيء الى أسوا، حتى قرر الاطباء ان تبتر يد الطفل، فبترت، وأصيب والده بحالة ندم شديدة، ولكن لا ينفع الندم، إن صباغ السيارة يمكن أن يعاد الى حالته الاولى، ويعوض، ولكن هل ليد الطفل التي بترت أن تعاد ؟! وهكذا هي نتيجة الغضب والفورة العصبية.
وكثيرة هي التصرفات ـ في معاملة الناس ـ التي تعقبها حسرة وندامة، ويكون الغضب هو السبب من ورائها. فكم من إنسان استسلم للغضب في تعامله مع الناس، فأعقبه ذلك ندامة وحسرة! وإذ ان الامر كذلك فإن الحلم هو الخلق الذي ينبغي للمرء أن يتوسل به في معاملتهم.
إن الغضب نوع من أنواع الجنون، فكما أن المجنون فاقد لعقله، غير مسيطر على أعصابه وانفعالاته، كذلك الانسان الغضِب، فهو في حالة الغضب يفقد عقله، ولا يسيطر على أعصابه.
وللغضب الطائش آثار سيئة كثيرة على الانسان منها:
1 - إبداء العيوب.
2 - إثارة الأحقاد الكامنة.
3 ـ الطيش.
4 ـ تعجيل الحتف.
5 ـ الابتعاد عن الخير، والدنو من الشر.
6 ـ الحسرة والندم.
۷ ـ غياب العقل.
٨ ـ الضعة.
9 ـ النصب الجسمي والعصبي والنفسي.
۱۰ - نفور الناس وابتعادهم.
فالناس لا تميل ولا تنجذب الى المرء الغضب الطائش، وإنما تميل وتنجذب الى الحليم الهادئ الذي تفوح منه رائحة الحلم، وضبط النفس. وهذا هو السر في أن الانسان الحليم هو المحبوب بين الناس، بخلاف الغضب. أفلا يخلق بالمرء أن يتوسّل بالحلم في معاملتهم؟
وكما ينبغي للمرء أن يحلم في معاملته الناس، ويكظم غيظه ويبتعد عن الغضب، ينبغي له أيضاً أن يتوسل بالعفو والصفح عنهم إن ارتكبوا خطأ بحقه أو بحق من يرتبط به، وأن يجتنب الانتقام منهم.
إن من الناس من إذا أسيء إليه، قابل الاساءة بالإحسان، وعفا وصفح عن المسيء. ومنهم من إذا أسيء اليه، قابل الاساءة بالإساءة، وربما رد الصاع صاعين، فهو لا يهدأ ولا يهنأ الا بالانتقام ممن اساء اليه، وهذا خلاف الأخلاق الكريمة في التعامل الناس، إذ العفو والتنازل والتسامح من الأخلاقيات التي لا غنى للمرء عنها في معاملته الناس.
يقول الامام الصادق (عليه السلام): (ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة: تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك) (18).
وأخطاء الناس تتفاوت من حيث الخطورة والآثار المترتبة عليها. وكثير من أخطائهم ـ وخصوصاً الاخطاء الصغيرة ـ تستحق العفو والصفح، بل إن الإسلام يأمر بالتجاوز عن ذنوب الناس ما لم تكن حدوداً. فهلا يعفو عن عثراتهم؟.
يقول الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله): (تجاوز عن الذنب ما لم يكن حدا) (19).
وعن الامام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى باليهودية التي سممت الشاة للنبي (صلى الله عليه وآله)، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحتُ الناس منه. قال: فعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها.
ورب قائل يقول: إن المظلوم يحق له أن ينتصر، بأخذ حقه ممن ظلمه، وهذا صحيح، ولكن كثيراً من المظالم ـ وخصوصاً تلك التي ترتبط بعامة الناس ـ يمكن للمرء أن يعفو عنها، ويتجاوزها، ما لم يكن في العفو مضرة، أو إحداث كسر أو خلل في الدين، أو توهين لقوته، مع العلم بأن من الناس من يكون العفو عنهم مدعاة لفسادهم، أو تماديهم في أعمالهم المشينة، وهؤلاء هم اللؤماء، قرناء الطغيان.
يقول الامام علي بن الحسين (عليه السلام): حق من ساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو يضر انتصرت، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41](20).
ويقول الامام علي (عليه السلام): (جاز بالحسنة، وتجاوز عن السيئة ما لم يكن ثلما في الدين أو وهناً في سلطان الاسلام) (21).
ويقول (عليه السلام) أيضاً: العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم (22).
وأحسن العفو هو الصفح الجميل الذي قال الله تبارك وتعالى ـ عنه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85]، وهو العفو من غير عقوبة، ولا تعنيف، ولا عتاب ولا تقريع. إن من الناس من قد يعفو عن المخطئ أو المسيء، ولا ينتقم منه، لكنه يعنفه ويعاتبه ويقرعه، وهنا يكون التعنيف والعتاب والتقريع نوعاً من العقاب.
يقول الامام الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]: (العفو من غير عتاب) (23).
ويقول الامام الصادق (عليه السلام) في الآية نفسها: عفواً من غير عقوبة، ولا تعنيف، ولا عيب(24).
ويقول (عليه السلام) أيضاً: الصفح الجميل أن لا تعاقب على الذنب (25).
وقدرة المرء على العفو لا تتجلى حينما يفتقر الى القوة والقدرة، وانما حين يكون قادراً ويعفو، لأن العفو مع عدم القدرة قد يكون أمراً مفروضاً، مع العلم بأن الأولى بالمرء أن يعفو عن الناس في الحالتين: حين لا يكون قادراً، وحين يكون قادراً.
يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة) (26).
ويقول الامام علي (عليه السلام): ألأم اللوم البغي عند القدرة) (27).
ومن القصص التي ينقلها التاريخ في هذا المضمار: أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان ـ بعد إحدى المعارك ـ جالساً على سفح جبل، فجاء اليه أحد المشركين، وأخذ سيفه، وشهره عليه، وقال: من يخلصك مني ـ الآن ـ يا محمد؟
وفي الأثناء تحرك حجرٌ كان المشرك واقفاً عليه، فسقط على الارض، ووقع السيف من يده، فانتهز الرسول الفرصة، وأخذ السيف، وقال له: ومن يخلصك ـ الآن ـ مني؟ فقال: عفوك يا رسول الله! فما كان من الرسول الا أن عفا عنه وهو (صلى الله عليه وآله) قادر على قتله، وإرساله الى الجحيم(28).
والعفو ليس خُلقاً للتجاوز عن أخطاء الناس وعثراتهم فحسب، بل هو وسيلة لاستصلاح ما فسد من أصحاب العقول، فقد يعمد المرء الى الانتقام أو الضرب لرد الاساءة، الا أن هذا الأسلوب ليس هو الأمثل من نوعه، وقد لا يجعل الطرف المسيء يقلع عن خطئه، وفي العفو عنه أسلوب حسن لاستصلاحه.
شكى الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل، من خدمه، فقال له: يا رسول الله، إنهم يتفاوتون في
سوء الادب، فقال: (اعف عنهم)، ففعل (29).
ومن وصايا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب لابنه الحسن ـ عليهما السلام -: إذا استحق أحد منك ذنباً، فإن العفو مع العدل أشد من الضرب لمن كان له عقل (30).
وعن دور العفو في الاصلاح ينقل أنه (أذنب بعض كتاب المأمون (العباسي) ذنباً، وتقدم اليه ليحتج لنفسه، فقال: يا هذا، قف مكانك، فإنما هو عذر أو يمين وهبتهما لك، وقد تكرر منك ذلك، فلا تزال تسيء ونحسن، وتذنب ونغفر، حتى يكون العفو هو الذي يصلحك) (31).
والآن فلكي يحسن المرء تعامله مع الناس، جدير به أن يتوسل بالحلم والعفو والصفح معهم، وأن يجتنب الغضب والعنف والانتقام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغرر والدرر.
(2) المصدر السابق.
(3) نهج البلاغة، الحكم.
(4) بحار الأنوار، ج71، ص 339.
(5) تنبیه الخواطر، ص360.
(6) الغرر والدرر.
(7) المصدر السابق.
(*) يزدلف: يتقدم، يقترب.
(8) بحار الأنوار، ج43، ص70.
(**) (حسن الخلق بالمعنى الأخص هو أن تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن:
من نتائج الحلم)، جامع السعادات، ج1، ص342. ويبدو أن حسن الخلق أكثر ما يطلق في الأحاديث الشريفة على المعنى المتقدم، كما أن سوء الخلق أكثر ما يطلق فيها على التضجر، وانقباض الوجه، وسوء الكلام.
(9) الغرر والدرر.
(10) محمد حسن النائيني: قصص الحلم والغضب، ص52.
(***) الهِميان: كيس تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط، أو هو شداد السراويل او التكة، (فارسية).
(11) المصدر السابق، ص28.
(12) المصدر السابق، ص16.
(13) بحار الأنوار، ج74، ص178.
(****) يجد الذين يعانون من الغضب لأسباب وراثية صعوبة أكثر من غيرهم في كظم الغضب، وحبس النفس عنه، الا أن التحلم كفيل بأن يخفف حالة الغضب فيهم، أو يزيلها.
(14) المؤلف: كيف تتصرف بحكمة، ص160.
(15) المصدر السابق، نفس الصفحة.
(16) بحار الانوار، ج73، ص266.
(17) ترغیب... ج۳، ص445.
(18) بحار الانوار، ج71، ص400.
(19) تنبیه الخواطر، ص360.
(20) بحار الأنوار، ج74، ص9.
(21) الغرر والدرر.
(22) بحار الانوار، ج77، ص419.
(23) المصدر السابق، ج71، ص421.
(24) المصدر السابق، ج78، ص357.
(25) المصدر السابق، ص253.
(26) المصدر السابق، ج71، ص421.
(27) الغرر والدرر.
(28) المؤلف: كيف تبني شخصيتك، ص107.
(29) مستدرك وسائل الشيعة، ج۲، ص87.
(30) بحار الأنوار، ج77، ص316.
(31) محمد حسن النائيني: قصص الحلم والغضب، ص49.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|