أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2016
14621
التاريخ: 22-5-2017
5603
التاريخ: 2023-05-10
1555
التاريخ: 23-4-2019
2388
|
تغيرت تسمية الدارين بعد تطور العالم الإسلامي، حيث كانت الإمبراطورية العثمانية تعتبر كل من يدين بالديانة الإسلامية من رعاياها، بصرف النظر عن موطنهم الأصلي ذلك بان العالم الإسلامي يعتبر وحدة دينية واجتماعية وسياسية متجانسة، وفي عام 1839م أعلنت الحكومة العثمانية المساواة بين المسلمين وغيرهم من حيث التمتع بالحقوق. وقد ابتعدت الإمبراطورية العثمانية عن فكرة المسار الديني في تحديد رعاياها واقتربت قليلا من نظام الجنسية، وفي عام (1856)م تقرر بموجبه أن يكون جميع رعايا العثمانيين متساوين في الحقوق والواجبات، وهنا وضعت لأول مرة فكرة سيادة الدولة على الإفراد بصرف النظر عن معتقدهم الديني، وتم الفصل بين الدين و والدولة وبذلك تغير النظام الذي كان معمولا به بتقسيم العالم على دارين دار إسلام ودار حرب، فأصبحت الشعوب على شكل دولة، لكل دولة جنسيتها ويتمتع مواطنوها بالجنسية التي يحملوها، وبذلك تغير مفهوم اختلاف الدارين الى مفهوم اختلاف الجنسية (1) .
واختلف الفقهاء المسلمون في توريث غير المسلمين بعضهم من بعض عند اختلاف الدارين، وذلك على رأيين هما:
الرأي الأول: إن اختلاف الدار لا أثر له في منع التوارث بين غير المسلمين، فالذمي يرث الحربي والعكس، والحربي يرث المستأمن في دار الإسلام، والعكس، والذمي يرث المستأمن في دار الإسلام، والعكس، لكن بشرط اتحاد الدين بين الوارث والمورث ونقل المغني اتفاق جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة (2) وهو قول الأمامية (3) ، واستدلوا على رأيهم بالأدلة الآتية:
1- القرآن الكريم: قوله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) (4) ، إن الآية الكريمة دلت على أن الكافر ولي الكافر في أي مكان وجد، وفي أي زمان، والإرث مبني على المناصرة والموالاة، مادامت موجودة بينهم فإن أحدهم يرث من الآخر مهما اختلفت ديارهم (5).
2- السنة النبوية: حديث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): (لا يتوارث أهل ملتين شتى ) (6) وجه الدلالة أن الحديث يدل بمفهومه على أن أهل الملة الواحدة يتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت بينهم الدار، قال ابن القيم في وجه الدلالة منه: "ومفهومه يقتضي توارث أهل الملة الواحدة وإن اختلفت ديارهم (7)
3- المعقول: إن ضبط الشرع للتوارث بالملة، وهي الإسلام أو الكفر، دليل على أن المعتبر هو اتحاد الدين فقط دون غيره، لأن مقتضي التوريث قائم وموجود، وهو القرابة، فيجب العمل بها مالم يقم دليل خلاف ذلك (8) .
4- القياس: قاسوا عدم تأثير اختلاف الدار بين غير المسلمين في الميراث على عدم تأثيره بين غير المسلمين. فقالوا: إن المسلم يرث المسلم في أي مكان، ولا أثر لاختلاف الدار في ذلك، فكذلك الكافر يرث قريبه الكافر في أي مكان، ولا أثر لاختلاف الدار في ذلك (9) .
الراي الثاني: إن اختلاف الدار له أثر في منع التوارث بين غير المسلمين، والمؤثر هو الاختلاف الحقيقي والحكمي، كالذمي إذا مات في دار الإسلام وله أقرباء في دار الحرب لا يرث أحدهما من الآخر، وكذلك الحربي إذا مات في دار الحرب وله قرابة من أهل الذمة في دار الإسلام فإنهم لا يتوارثون فيما بينهم، لأن الأمر من أهل دار الإسلام حقيقة، ومن أهل دار الحرب حكما، والحربي من أهل دار الحرب حقيقة ومن أهل دار الإسلام حكما إذا كان مستأمنا، فاختلاف الدارين بينهما حقيقة وحكما، لا يرث أحدهما من الآخر وان اتحدا في الملة، كذلك الاختلاف الحكمي فقط، كالذمي والمستأمن في دار الإسلام فلا يرث أحدهما من الآخر، لتباين الدارين بينهما، فالذمي من أهل دار الإسلام والمستأمن من أهل دار الحرب. وهو قول فقهاء الحنفية (10) ، وفي رواية عن الحنابلة (11) ، واستدلوا على رأيهم بالأدلة الآتية:
1-المعقول: قالوا: إن الميراث مبناه على الولاية والمناصرة، وباختلاف الدار تنقطع الولاية والمناصرة بين المتوارثين، فينقطع بانقطاعها التوارث (12)
2- القياس : قاسوا انقطاع التوارث بين غير المسلمين عند اختلاف الدار على انقطاع عصمة النكاح بين الزوجين عند تباين الدارين بينهما. قالوا: فكما أن الفرقة تقع بين الزوجين إذا اختلفت الدار بينهما لانقطاع الولاية، فكذلك يمنع التوارث بين الكفار عند تباين الدارين، لانقطاع الولاية بينهما (13).
مع احترامي وتقديري لأصحاب الرأي الثاني إلا إني اتفق مع أصحاب الرأي الأول بان اختلاف الدار لا أثر له في منع الميراث وذلك للأسباب الآتية:
1- صحة دليلهم من الحديث الشريف (لا يتوارث أهل ملتين شتى ) (14)، إذ المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقيد بنص، وبذلك فهو لم يخصص ان كانا مختلفين في الدار او من نفس الدار، فيرث بعضهم بعضا حتى لو اختلفت ديارهم.
2- صحة قياسهم في توريث الكفار بعضهم من بعض بما هو عليه المسلمون، فيرث المسلمون بعضهم بعضا حتى لو اختلفت ديارهم فكذلك الكفار (15).
3- أما بالنسبة لقياس الراي الثاني بانقطاع عصمة النكاح باختلاف الدارين، فيرد عليهم ان اتحاد الدار او اختلافه لا اثر له في وقوع الفرقة بين الزوجين، فالحربي المستأمن في دار الإسلام لم يفرق بينه وبين زوجته في دار الحرب، ليس لأنهما من دار واحدة (دار الكفر)، بل لان الدين بينهما لم يختلف، وهما من ملة الكفر، فالقياس خاص باختلاف الدين لا اختلاف الدار ولا يجوز القياس بذلك (16) .
أما موقف التشريعات من مانع اختلاف الدارين و الذي يطلق عليه في القانون (اختلاف الجنسية)، فلم يتطرق المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية الى موانع الميراث وأحالها إلى إحكام الشريعة الإسلامية في حالة عدم ورود نص في التشريعات القانونية على وفق المادة الأولى فقرة (2) من قانون الأحوال الشخصية، إلا أن المشرع العراقي قد أورد نصا في المادة (22) فقرة (أ) من القانون المدني العراقي هو ان واختلاف الجنسية غير مانع من الإرث في الأموال المنقولة والعقارات، غير أن العراقي لا يرثه من الأجانب الا من كان قانون دولته يورث العراقي منه)، ونلاحظ أن المشرع العراقي و أغلب التشريعات القانونية قد دمجت بين الرأيين، وذلك مع وضع قيد بعدم توريث الأجنبي إلا في حالة المعاملة بالمثل، فالقانون المدني العراقي لم يعتبر اختلاف الجنسية مانعا من الميراث بالنسبة للمورث العراقي في المنقولات والعقارات ولكنه قيده بالمعاملة بالمثل عندما يكون المورث عراقية والوارث أجنبية.
ولكن السؤال يثار هنا، هل المشرع العراقي فرق في القانون المدني إذا ما كان المتوارثون مسلمين أو غير مسلمين؟
إن النص الذي أورده المشرع العراقي عام ومطلق، والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يقيد بنص، ولم يميز بين ما إذا كان المتوارثون مسلمين أو غير مسلمين، فشرط التوارث بين المسلمين وبين غير المسلمين هو المعاملة بالمثل (17) .
ولم يختلف المشرع المصري عن المشرع العراقي فقد نص في المادة (6) من قانون الميراث المصري (لا توارث بين مسلم وغير مسلم ويتوارث غير المسلمين بعضهم من بعض واختلاف الدارين لا يمنع من الإرث بين المسلمين ولا يمنع بين غير المسلمين إلا إذا كانت شريعة الدار الأجنبية تمنع من توريث الأجنبي منها)، فقد اخذ قانون الميراث المصري بما اتفق عليه الفقهاء المسلمون بتوريث المسلمين بعضهم من بعض دون اعتبار اختلاف الدارين مانعة من الميراث، ويتبين ذلك من المذكرة الاضاحية المصرية حيث جاء فيها اختلاف الدارين غير مانع من الميراث بين المسلمين بالاتفاق، وأختلف الفقهاء المسلمون باعتباره مانع من الموائع بين غير المسلمين على رأيين رأي يجيز التوارث بين غير المسلمين وراي لا يجيز ذلك ولكنه اشترط لذلك أن تجيز شريعة البلد الذي يتبعه الأجنبي توريث الأجنبي عنها) (18)، يتبين أن المشرع المصري قد أخذ بالأصل المنع من الميراث والاستثناء التوريث شرط المعاملة بالمثل ولا فرق بين إن كانا المتوارثين مسلمين أو غير مسلمين.
وأما القانون السوري فقد نص على أنه ليس للأجنبي حق الإرث إلا إذا كانت قوانين بلاده تمنح ذلك للسوريين في نص في المادة (246) في الفقرة (ج (لا يمنح الأجنبي حق الإرث إلا إذا كانت قوانين بلاده تمنح مثل ذلك للسوريين)، ومعنى ذلك أن أي دولة أجنبية ولو كانت إسلامية، لا تمنح للسورين حق الإرث يمنع رعاياها من حق الإرث في سوريا، فالعبرة إذا بالمعاملة بالمثل لا للدار التي ينتمي اليها الوارث، ولا يوجد نص في القانون المغربي فيما يخص مانع اختلاف الدارين(19)
__________
1- ياسين السيد طاهر الياسري، الجنسية ومركز الأجانب، ط1، المطبعة العربية، بيروت، 2012، ص78.
2- عبد الله بن احمد ابن قدامة المقدسي، ابو محمد المغني، ط1 دار الفكر بيروت 1405، ج6، ص297
3-الحسين بن يوسف ابن علي المطهر الحلي ، تذكره الفقهاء ، مكتبة الرضوية لا حياء الاثار الجعفرية قم بلا سنة النشر ، ج 3 ، ص 107
4- سورة الأنفال/الآية: (73).
5- محمد عرفه الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، جو تحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت، بلا سنة طبع ، ج2، ص186: محمد بن الخطيب الشربيني، مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج دار الفكر بيروت بلا سنة نشر ، ج3، ص25: محمد محي الدين عبد الحميد، أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية، ط1، دار الطلائع للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006 ، ص52، القاضي عباس السعدي رمادي عزيز علي، المبسوط في احباب المسالة الارثية، ط2، المكتبة القانونية، بغداد، 2006، ص32
6- سبق تخريجه في (78)
7- ابن القيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، ج2، ص 443.
8- محمد عرفه الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، جو تحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت، بلا سنة طبع ، ج2، ص187؛ إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو إسحاق، المبدع في شرح المقنع المكتب الاسلامي بيروت 1400 ، ج6، ص23؛ احمد الحصري، التركات والوصايا في الفقه الإسلامي، ط2، مكتبة الأقصى، الأردن ، ص 163.
9-ابن القيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، مصدر سابق، ج 2، ص 443,
10- عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، الاختبار تعليل المختار، ط2 دار الكتب العلمية بيروت 2005 ، ج5، ص123
11- ابن قدامة المقدسي، المغني، مصدر سابق، ج9، ص198.
12- - شمس الدين السرخسي، المبسوط ، دار المعرفة بيروت بلا سنة طبع ، ج26، ج 30، ص33؛ محمد عبد الله سلمان الجبوري، الجواهر البيرة، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد ،2005، ص490.
13- عامر عواد هادي الغريري، اراء عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه في الفرائض، أطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية العلوم الإسلامية جامعة بغداد، 2008 ، ص102
14- سبق تخرجه في ص (78).
15- عبد الرحمن بن محمد ابن قدامة المقدسي، الشرح الكبير لابن قدامة، ج7، بدون ذكر مكان وسنة الطبع ، ص1669
16-عبد العزيز بن مبارك الأحمدي، ج2، ط1، مكتبة الملك فهد، السعودية، ص295 .
17- منصور يحي عبد الله، تنازع القوانين في مسائل الميراث والوصية، رسالة ماجستير مقدمه إلى كلية القانون جامعة الموصل 2002، ص 65
18- د. كمال حمدي، المواريث والهية والوصية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1987، ص28: الشيخ محمد عبد الرحيم الكشكي الميراث المقارن، ط3، جامعة بغداد، 1999 ، ص 73.
19- يوسف نجم جبران، الوصية الواجبة في الإسلام، منشورات بحر المتوسط، بيروت، بلا سنة نشر، ص135
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|