أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016
2307
التاريخ: 19-4-2016
4688
التاريخ: 27-6-2016
2562
التاريخ: 2023-12-16
1150
|
قال تعالى: {يَا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وقال سبحانه: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26] (1).
وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (من كـان في قلبه حبـة من خردل من عصبيـة بعثه الله يوم القيامة مع أعـراب الجاهلية) (2).
في العلاقة الانسانية بالناس والتعامل معهم لا محل للتعصب، إذ الأفضلية والأكرميـة عنـد الله بتقـواه وخشيتـه ـ جـل وعـلا ـ والتـزام مناهجه، وحيث أن المقياس الإلهي لتفاضل الناس هو التقوى، والعمل الصالح، فإن مقاييس الناس في التعامل فيما بينهم - كبشر ـ يجب ان تكون منطلقة من ذلك المقياس الالهي الذي يؤكد قضية اشتراك الناس كلهم في أب واحد وأم واحدة، أي بعبارة أخرى: اشتراكهم في الآدمية والبشرية.
ومع ان المفهوم الديني القرآني للتعامل مع بني البشر واضح وجلي، فقد أوغل البشر في العصبيات خلافاً للمنطق القرآني، إن على صعيد الاعتقاد أو على صعيد القوة والثروة، أو على صعيد التعامل مع مختلف الشعوب والأمم والقبائل، ومن الأمثلة على التعصب العقيدي: التعصب للكفر، والتعصب للوثنية، والتعصب في معاندة الحق، ومثال التعصب للقوة والثروة: التعصب لقوة الذات والسلطة التي تمتلكها، والتعصب للمال وللنفر، وكل هذه الأشكال والصور من العصبيات، مذمومة، وغير جائزة.
أما على صعيد معاملة بني البشر فقد تفنن أعداء البشر في ابتكار واصطناع صنوف كثيرة من التعصبات والعصبيات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها:
ـ التعصب القومي، كالتعصب للقومية العربية أو الفارسية.
ـ التعصب العنصري، كالتعصب للون الأبيض.
ـ التعصب الجنسي، كالتعصب للجنس الآري، أو تعصب الرجل لجنس الرجل (الذكورة)، والمرأة لجنس المرأة (الأنوثة).
ـ التعصب العرقي.
ـ التعصب القبلي.
ـ التعصب العشائري والعائلي.
ـ التعصب الإقليمي والوطني.
ـ التعصب الطبقي، كتعصب التاجر لطبقة التجار.
ـ التعصب الوظيفي، كتعصب الطبيب لوظيفة الطب.
ـ التعصب الحزبي والجماعي.
ـ التعصب للذات.
بل إن الانسان إذا تمادى في العصبية والتعصب، يمكن أن يتعصب لكل شيء كالتعصب لمدينته، أو قريته، أو جيرانه، أو عائلته، أو لغته، وهذا ليس من الاخلاق الفاضلة في شيء، وإنما هو من اخلاق الشيطان، فإبليس هو إمام المتعصبين، إذ هو الذي تعصب لخلقته، وافتخر بها على آدم، تعزز بأنه خلق من نار، واستوهن آدم إذ خلق من طين، وبذلك كان إبليس واضع أساس العصبية، وواجب المرء نبذه واجتنابه.
إن التعصب يقود المرء الى معاملة الناس وفق الفكرة أو الجهة التي يتعصب لها، فالتعصب للقومية العربية - مثلاً – قد تجعله ينظر الى العرب نظرة إعظام وإجلال، ويعاملهم معاملة حسنة، بينما لا ينظر الى غير العرب (القوميات الأخرى) نظرة مماثلة، وقد يسيء معاملتهم باعتبارهم غير عرب، والمتعصب للقومية الفارسية تجده ينظر الى أبناء قوميته نظرة اعزاز وتقدير، ويحسن معاملتهم، وقد يمجد كل ما يتصل بقوميته، بينما قد تجده يستهين بالقوميات الأخرى، وقس على ذلك بالنسبة لسائر ضروب التعصب، وهي كلها تشترك في الميل المتحيز الى فكرة التعصب أو جهته.
وهنا مفارقة لا بد من الاشارة اليها بين التعصب والحب، فالحب للقومية والقبيلة والعشيرة والعائلة والجماعة والوطن هو حالة الولاء التي يكنها الفرد ويبديها ازاء هذه الإنتماءات، أما التعصب فهو الإفراط في الحب، ورؤية شر الجهة المنتمي اليها خيراً، فالحب محمود، والتعصب مذموم.
وفي هذا الصدد (سئل علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ عن العصبية، فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية ان يعين قومه على الظلم) (3).
إن معاملة الانسان أخاه الانسان يجب ان تكون بمنأى عن جميع أنواع وصور العصبية والتعصب، وإن كان لا بد للمرء من العصبية، فليكن تعصبه للخير والحق والصلاح والفضيلة.
يقول الامام علي (عليه السلام) في خطبة القاصعة:
(ولقد نظرتُ فما وجدت أحداً من العالمين يتعصب لشيء من الاشياء الا من علة تحتمل تمويه (*) الجهلاء، أو حجة تليط (**) بعقول السفهاء غيركم، فأنكم تتعصبون لأمر ما يعرف له سبب ولا علة، أما ابليس فتعصب على آدم لأصله، وطعن عليه في خلقته، فقال: أنا ناري، وأنت طيني، وأما الأغنياء من مترفة الأمم فتعصبوا لآثار مواقع النعم، فقالوا: نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين.
فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور، التي تفاضلت فيها المجداء والنجداء من بيوتات العرب، ويعاسيب القبائل، وبالأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، والآثار المحمودة، فتعصبوا لخلال الحمد: من الحفظ للجوار، والوفاء بالذمام، والطاعة للبر، والمعصية للكبر، والأخذ بالفضل، والكف عن البغي، والإعظام للقتل، والانصاف للخلق، والكظم للغيظ، واجتناب الفساد في الأرض) (4).
ويقول (عليه السلام) أيضاً: (إن كنتم لا محالة متعصبين فتعصبوا لنصرة الحق وإغاثة الملهوف)(5).
وعليه فلكي يحسن المرء معاملة الناس واجبه أن يجتنب كل ضروب وصور التعصب المذموم، وأن يتعصب للحق والخير والصلاح والفضيلة إن كان لا بد من العصبية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفتح / 26، حمية الجاهلية: عصبية الجاهلية.
(2) أصول الكافي، ج2، ص308.
(3) المصدر السابق، ص308.
(*) تمويه: تنكير.
(**) تليط: تلتصق، والمقصود تكون محببة.
(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج13، ص166، خطبة ١٩٢.
(5) الغرر والدرر.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المَجمَع العلميّ يطلق سلسلة محافل قرآنية لطلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف
|
|
|