أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-7-2016
1638
التاريخ: 4/10/2022
1714
التاريخ: 2024-05-25
565
التاريخ: 18-7-2021
2209
|
فضيلة عالية ، وله منزلة كريمة سامية ، ومن الأخلاق الفاضلة أثرنا بالتخلق بها ، وهو يورث المجاهدة بالأعمال والمواظبة على الطاعات ، وهو من دعائم الإيمان وركائز الأعمال ، لا يليق إلا بمن كان مؤمناً مجاهداً ، وقد اعتبره علماء الأخلاق والسلوك من جملة مقامات السالكين وأحوال الطالبين.
بل هو من ملازمات الحياة التي لا ينفك عنها الإنسان ، وبدونه لا يمكن الفوز بنعم الحياة ، ولا الظفر بالعيش الهنيء .
فهو والرغبة والأمل من الأمور الدخيلة في نظام هذا العالم ، فإن بالآمال يتقبل الإنسان المشكلات ويقتحم الصعاب، وبالرغبات تقوم الأسواق وتتحقق أنواع التجارات ، وبالأماني تقضى الحاجات وتقبل الطلبات ، وبالرجاء يعمل الإنسان ويكافح في سبيل العيش والبقاء . ولنعم ما قيل :
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل
وبالجملة : أن للرجاء أثراً كبيراً في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية، وله الأهمية الكبرى في الجانب التربوي والديني له، مضافاً إلى كونه من أركان الإيمان إذا كان متعلقاً بالله تعالى ، فإنه يكثف عن عبودية صاحبه له عز وجل ، وقوة معرفته به وخوفه منه، لأنه يرجع إلى حسن الظن بالله تعالى الذي هو مجمع جملة من الأخلاق الفاضلة ، ولذا ورد الأمر به في كثير من الروايات.
فالرجاء يضاعف العزيمة ، ويجعل صاحبه مثابراً على العمل بالصبر والثبات ، وهو عامل من عوامل النصر والغلبة ، قال تعالى : {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء : 104].
ولقد ورد ذكر الرجاء في مواضع متعددة من القرآن الكريم ، واعتبره من الأخلاق الفاضلة التي ينبغي للمؤمن أن يتحلى بها ، بل اعتبره من أجزاء الإيمان ، قال تعالى : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [الكهف : 110] ، وقد أدرجه الأنبياء والمرسلون - في جملة ما يدعون إليه ، قال تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [العنكبوت : 36] ، وقد نوه الجليل عز وجل بعظيم فضله ، حيث وعد المؤمنين الصالحين تحقيق رجائهم ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ } [فاطر : 29] ، ويعرف كمال اهميته أن الحرمان منه يعد عند الله تعالى استكباراً ، قال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان : 21] ، وقد أوعد من لا يرجو لقاء الله بعظيم العذاب ، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ *أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7، 8].
كما أهمله عز وجل ، قال تعالى : {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يونس : 11] ، ولذلك كان اليأس - الذي هو ضد الرجاء - من المعاصي الكبيرة التي توجب البعد عن الله سبحانه ، والانحراف عن الصراط ، قال تعالى : {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر : 55، 56] ، وقد ورد في السنة الشريفة أخبار كثيرة تبين فضله ، يأتي ذكر بعضها في ضمن هذا البحث.
ولا تختزل هذه الفضيلة بالإسلام ، بل يعتبر الرجاء ثاني الفضائل الثلاث عند المسيحيين ، وهي الأمانة ، والرجاء ، والمحبة، وهو عندهم فضيلة عظمى ينتظر بها أنواع النعم في الدنيا ، والعادة في الآخرة.
ثم إن الرجاء ، والتمني ، والأمل وأن كانت مفاهيم مختلفة إلا أنها في أصل الحقيقة واحدة ، والفرق بينها اعتباري فقط ، فإن الأمل يطلق على رغبة ما هو مرضي ومحمود ، والتمني يطلق في المجهول المطلق وما لم يعلم بحصول المتوقع ، بل حتى مع استحالته أيضاً ، بخلاف الرجاء فإنه يطلق في الأعلم مما هو مرضي ومحمود ، كما أنه لا يطلق إلا على انتظار المتوقع إذا حصل أكثر أسبابه ، ولأجل ذلك كان الرجاء ممدوحاً والتمني مكروهاً.
ففي الحديث : " الأماني بضائع النوكى " أي الحمقى.
فالرجاء : هو تعلق النفس بما هو المحبوب عند تحقق أكثر أسبابه ، ولذا يرتاح القلب من انتظاره ، لأن الإنسان يشتاق إلى حصول نتيجة عمله وثمرة جهده.
قال الشاعر :
أماني إن تحمل تكن غاية المنى وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا
وقد اعتبر علماء الاخلاق الرجاء من العوامل الداعية إلى العمل ، ويجعل صاحبه صبوراً يتحمل في سبيل تحقيق غرضه أنواع المشاق ، ذا عزيمة قوية ، والوجه في ذلك معلوم ، لأن العلم بالمراد تصوراً وتصديقا من مقدمات الإرادة ، وبدونه لا يتحقق لها موضوع ، كما ثبت في علم النفس ، ولذا كان طلب المجهول المطلق محالا ، وإذا حللنا ذلك بالدقة العقلية ، نرى أنه ينحل إلى العلم بالمراد إجمالا ، والتصديق بفائدته كذلك ، والرجاء بترتبها عليه والخوف عما يوجب البعد عنه ، فيرغب إلى ارتفاعه ويرجو زواله ، فيكون الرجاء والخوف مأخوذين إجمالا في تحقيق الإرادة ، بلا فرق في ذلك بين الأمور التشريعية وغيرها.
فيكون للرجاء والخوف دخل في أصل الأعمال ، وهما متلازمتان ويتقابلان في الوجود والعدم ، فإن الخوف عن عدمه يلزمه الرجاء وجوداً ، واعتبرهما علماء الأخلاق جناحين يطير بهما المؤمنون إلى كل مقام محمود ، ومطيتين يقطع بهما العامل كل طريق مخوف حتى يصل إلى المطلوب .
فهما جزءا إرادته ، يكشفان عن شدة تعلق صاحبهما بمتعلقاتهما ومحبته لهما ، فكل حب مصحوب بالخوف والرجاء ، وعلى قدر تمكنه من قلب المحب يشتد خوفه ورجاؤه ، فإن التطلع إلى رؤية المحبوب ورجاء ملاقاته يصحبهما توقع حدوث المكروه ، ولا أقل من احتمال صرفه عن رؤية المحبوب ، فيظن الإنسان دائماً بين الخوف والرجاء ، وهو يعيش بينهما آمناً مطمئن النفس إذا كانا متعلقين بالله تعالى ، قال عز وجل : {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء : 57] ، وفي الحديث : " ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن - أي عند النزع - إلا أعطاه الله ما رجا ، وآمنه مما يخاف ".
ومما ذكرنا يظهر أن حقيقة الرجاء تتقوم بأمور :
الأول : أنه جزء من الإرادة في الإنسان ، التي بموجبها صارت أفعاله ذات قيمة أخلاقية.
الثاني : أنه يتعلق بما هو متوقع الحصول بعدما مهد جميع أسبابه الاختيارية ، ولم يبق إلا الأسباب الخارجة عن الاختيار ، فيرجو تمهيدها ورفع الموانع عن تحقيق المرجو ، ولأجل ذلك لا ينفك الرجاء عن العمل ، وهذا مما أكد عليه القرآن الكريم في مواضع متعددة ، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة : 218] ، أي إن الرجاء لا يليق إلا بهؤلاء فلا يستحقه غيرهم.
وقال تعالى : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف : 110].
ولقد ذم الإسلام من يرجو الغفران بدون العمل والإيمان ، قال تعالى : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف: 169].
وقال نببنا الأعظم (صلى الله عليه واله) : " الأحمق من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الجنة ".
وفي الكافي : عن الصادق (عليه السلام) قيل له : إن قوماً من مواليك يلمّون بالمعاصي ، ويقولون : نرجوا ، فقال (عليه السلام) : " كذبوا ليس لنا بموال أولئك قوم ترجحت بهم الأماني ، من رجا شيئاً عمل له ، ومن خاف شيئاً هرب منه ".
وعنه - أيضاً : " لا يكون مؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو " .
فالرجاء لا بد وأن يكون مقروناً بالعمل ومع فقده يكون غروراً ، مثل من يلقي البذر في الأرض السبخة ، وقد عزم على عدم تعهد الزرع بالسقي ، وتنقية الأرض ، وهو يرجو جني الثمار من بذره ، وهذا لا يكون إلا غروراً.
بخلاف من ألقى البذر في أرض طيبة ، وقد بنى على التعهد والتنقية وسوق الماء ، وتحقيق كل ما هو داخل تحت اختياره في سبيل الحصول على الثمار من زرعه ، ثم يرجو الله تعالى أن يدفع عن زرعه الحوادث والصوارف ، فيكون رجاؤه محموداً ، وكذا من يرجو الله تعالى والدخول في رضوانه ورحمته ، لا بد له من الإيمان به ، ومتابعة أنبيائه ، وتطهير القلب من الأخلاق الرذيلة والتحلي بالأخلاق الفاضلة ، ثم التعهد بإتيان الطاعات وترك المعاصي والسيئات ، فيرجو حسن الخاتمة والثبات على الإيمان والمغفرة ، ومثل هذا الرجاء يكون محموداً في نفسه ، وباعثا على القيام بما يقتضيه الإيمان، ويوجب العزيمة في المؤمن ويجعله مثابراً على العمل.
الثالث : أن المرجو منه لا بد أن يكون أهلا لما يرجى منه وقادرا على الإجابة ، وهو منحصر به عز وجل ، لأن غيره في معرض الزوال ، ولأن عروض الحوادث وأسبابها الخفية غير معلومة لأحد إلا الله تعالى.
نعم ، حيث إن الدنيا دار الأسباب ، ولا تجري الأمور فيها إلا بأسبابها ، لا بد من تهيئة الأسباب الظاهرية والجد والاجتهاد فيها ، ويرجى من الله رفع الموانع التي هي غير معلومة لنا ، فانحصر الرجاء المطلق بالحي القيوم ، لأن غيره يفنى ولا يدوم.
ثم إن للرجاء مراتباً ودرجات ، أعلاها ما إذا كان متعلقاً بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وهذا هو الرجاء المحمود الذي مدحه القرآن الكريم ، واعتبره أساس العمل الصالح والإيمان الصحيح ، وموجبا للغفران والارتقاء إلى الدرجات العليا ، بل ذكرنا أن الرجاء الحقيقي لا يكون إلا هذا ، ويكون العمل مع هذا الرجاء أعلى من العمل مع الخوف ، فإن مثل هذا الرجاء ينبئ عن عبودية صاحبه له عز وجل ، وقوة معرفته به ، وخوفه منه ، ويكشف عن محبة صاحبه لله تعالى ، وعلى قدر قوة المعرفة وشدة الحب والإخلاص تكون درجات الرجاء ، وعلى ذلك يحمل ما ورد في القرآن الكريم من الاختلاف في ذكر المرجو ، قال تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب : 21].
وقال تعالى : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف : 110] ، وقال تعالى : {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة : 218] ، وقال تعالى : {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} [العنكبوت : 36] ، وقال تعالى : {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر : 29].
ثم إذ الرجاء - كسائر الفضائل - لا بد أن يخرج عما هو المطلوب وإلا كان مذموماً ، وهو الحد الوسط بين اليأس والقنوط وبين الرجاء بلا عمل.
وللرجاء فوائد وحكم ظاهرة في الدنيا والآخرة ، نذكر المهم منها :
منها : تمامية الإيمان والخلوص والإخلاص فيه ، والحب لله تعالى.
ومنها : ظهور العبودية المحضة لله تعالى على القلب والجوارح ، وإحساس الافتقار إليه عز وجل.
ومنها : جعل صاحبه مثابرا على الجد والاجتهاد.
ومنها : حصول الاطمئنان والعادة ، فإن الرجاء بالمبدئ القيوم الحي ، يؤثر في النفس ويبعد عنها القلق والاضطراب ، لأنه يرى نفسه متعلقة بالمبدئ القيوم الذي لا حد لقدرته وفضله ، ولذا نرى أن المؤمنين الراجين أسعد الناس بالاً ، وأبعدهم عن القلق والاضطراب.
ومنها : حصول المراقبة التي هي أفضل مقامات الأولياء.
ومنها : أنه ارتباط معنوي وذكر حالي لله جلت عظمته ، في جميع الأحوال.
ومنها : أنه يرغب صاحبه على العمل ، ويحرضه على الجهد والاجتهاد ، ويبعده عن التكاسل والتهاون.
ومنها : أن العمل معه أقرب إلى القبول ، لأن الله يحب من عباده أن يرجوه ويسألوه من فضله ، كما في الحديث.
ومنها : محبوبية الراجين لله تعالى عند الناس ، وتوجه القلوب إليهم ، كما كان كذلك سيرة الأنبياء والأولياء ، قال تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب : 21].
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|