بحث دلالي - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ.. |
2254
11:05 صباحاً
التاريخ: 21-6-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-07
421
التاريخ: 7-10-2016
2210
التاريخ: 18-12-2020
2337
التاريخ: 2024-06-06
628
|
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } [آل عمران: 102 - 104] .
تدل الآيات الشريفة على أمور :
الأول : قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران : 102] ، على مراعاة التقوى والمبالغة فيها في جميع الأحوال ، بحيث لا تشوبها غفلة فلا يتركها أحد قدر المستطاع ، ولذا قسم أهل العرفان التقوى على مراتب ثلاث : تقوى العوام ، وهي الاجتناب عن ما لا يرضاه الله تعالى ، وتقوى الخواص وهي الاجتناب عن كل مرجوح حتى المكروهات ، وتقوى أخص الخواص ، وهي الاجتناب عما سوى الله تعالى في الكونين.
الثاني : يدل قوله تعالى : {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 102] ، على لزوم الإسلام في جميع الأزمان ، وعدم الانصراف عنه في وقت من الأوقات ، والتمسك به حتى يقع الموت وهو على الإسلام ، بحيث لا تصرفه الشبهات ولا تعوقه المشكلات عن العمل بأحكام الإسلام ، فلا يرده بعد إيمانه كافرا ، فإن الحشر إنما يكون على ما يقع عليه الموت ، وقد ورد عن نبينا الأعظم (صلى الله عليه واله) : " كما تعيشون تموتون وكما تموتون تحشرون "، فإذا مات على دين الإسلام والالتزام به اعتقاداً وعملا ، حشر على هذه الحالة وفاز بالسعادة والرضوان من حين موته ، ومن ذلك يظهر الوجه في التأكيد والحصر الواردين في الآية الشريفة.
كما أنه يمكن أن يستفاد من هذه الآية أيضاً أن المعصية قد توجب الصرف عن الإيمان حين الموت ، فيتحقق الخسران لا محالة ، فلا بد من ترك المعصية مطلقاً حتى لا يكون للشيطان فيه مطمع ، وعلى هذا يكون ترتب هذه الآية على قوله تعالى : {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] من قبيل ترتب المقتضى (بالفتح) على المقتضي (بالكسر) ، واللازم على الملزوم.
الثالث : يستفاد من قوله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] أن الاعتصام بحبل الله تعالى إنما هو أمر من الأمور الاجتماعية التي تؤثر في المجتمع ولا يمكن أن ينال الأثر المطلوب منه إلا بعمل جميع أفراد المجتمع به وعدم التفرق عنه بوجه من الوجوه ، وعلى هذا لا بد أن يكون هذا الحبل ذا أثر اجتماعي قويم وله التأثير الكبير في المجتمع، ويكون مقبولا لديهم، وهم مأمورون بالتمسك به عملا، وهو بمنزلة الروح للأمة، ولولاه لما كان للأفراد أثر أصلا، بل كانوا كالجم بلا روح.
والروح الاجتماعية في الإسلام إنما هي الاعتصام بحبل الله تعالى عملا ، وهذه الروح هي النعمة الحقيقية على المجتمع.
ومثل هذا الحبل في الإسلام هو القرآن الكريم ومن أنزل عليه ومن شرح القرآن حق الشرح.
ومن ذلك يعرف السر في تعقيب هذه الآية بقوله تعالى : {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران : 103].
فإنه تعالى يبين بعض وجوه التفرق والإعراض عن الاعتصام بحبل الله في عصر ما قبل الإسلام ثم ما وصل إليه الأمر بعد التمسك بحبل الله في عصر ما قبل الإسلام ، ثم ما وصل إليه الأمر بعد التمسك بحبل الله والالتفاف حول الرسول الكريم والاجتماع على الإخوة ، كما عرفت في التفسير .
فيكون الاعتصام بحبل الله حق الاعتصام علة تامة منحصرة لحفظ الاجتماع عن الخلاف والاختلاف حدوثاً وبقاء ، كما أن الانفصام عنه علة تامة منحصرة للنفاق والتفرق والخلاف والسقوط في هاوية الهلاك ، والعيان في كل ذلك يغني عن البيان والبرهان.
الرابع : يستفاد من التأكيد في إتيان لفظ " جميعا " ، والنهي عن التفرق في قوله تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران : 103] ، أن جعل الداعي إلى الاجتماع والمانع عن الخلاف والاختلاف أمر حقيقي خارجي وقاعي وواحد ، لا أن يكون اعتقاديا ، بأن يدعي كل أحد أنه معتصم بحبل الله تعالى ولا يلزم الخلاف الباطل بضرورة العقل ، فيصح أن يقال إنه كل ما حصل الخلاف والاختلاف ، لم يتحقق الاعتصام الحقيقي بحبل الله ، فيرجع محصل معنى الآية : أن اجعلوا أنفسكم من مظاهر الاعتصام بالله. ولعل من أحد أسرار هذا التأكيد على الاجتماع والنهي عن الاختلاف هو ما كان يعلمه الله تعالى من مستقبل هذه الأمة من وقوع الاختلاف فيها ، وأنها تختلف كما اختلف غيرهم من اليهود والنصارى.
وهذا هو دأب القرآن الكريم، أنه إذا بالغ في التحذير عن شيء إنما يريد التنبيه على ترتب ونوعه ، وهو من ملاحم القرآن الكريم.
الخامس : يدل قوله تعالى : {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران : 103] على وجوب النظر في الأدلة والآيات والتفكر الصحيح المنتج ، فإن في ذلك الهداية للإنسان.
السادس : يستفاد من قوله تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران : 104] ، اهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد أمر عز وجل الأمة إلتي تحتل هذه المسؤولية أولا ، لأن المقام يحتاج إلى التعاون والتعاضد ، فلا يمكن ترك المتصدي وحده كما مر في التفسير ، ثم أمر طائفة خاصة منها إلى التصدي لهما ، لأنه يشترط فيهما العلم والقدرة ، ومن المعلوم عدم تحقق جميع الشروط في كل فرد ، ثم ثبوت الجزاء الجزيل على ذلك وتشديد النكير على تركه.
وأخيرا ، أن هذا التكليف من أسباب التكميل والتهذيب والصلاح والإصلاح وترويض النفس وتزيينها بالفضائل والكمالات وسعادة الفرد والمجتمع وتحسين نظام الاجتماع والمدنية ، ولذا كان التكليف جارياً على أحسن نهج وما هو الأوفق بالحكمة، فهو من أعظم صفات الله تعالى ، أوكلها إلى أنبيائه ورسله.
ويدل على ذلك جملة من الأحاديث ، فقد ورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في حديث : " إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتؤمن من المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم ، وتعمر الأرض ، وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ".
السابع : يستفاد من قوله تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } [آل عمران : 104] مراتب هذه الدعوة ، فإنها تبتتي على كونها باعثة على الانقياد ، وداعية إلى زجر ورادعة عن المنكر من القول والفعل ومأثر الأمور المحصلة لهذا الغرض ، وإن كان في بعض المراتب يتوقف على إذن ولي الأمر ، فإن عموم الدعوة يشمل جمع هذه المراتب القولية والعملية وغيرهما.
الثامن : يستفاد من قوله تعالى : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران : 106] ، أن الدار الآخرة وما فيها من النعيم والجحيم بمنزلة المرآة للدار الدنيا (أو كالصورة) ، فكل ما هناك لا يعلم إلا بما هاهنا.
كما تدل الاية الشريفة على سنخية الثواب والعقاب مع العمل ، ويصح أن يراد باليوم في قوله تعالى : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران : 106] ، طبيعة اليوم المنطبقة على يوم الآخرة وايام الدنيا ، فإن المفلحين مبيضة وجوههم في هذا العالم قبل يوم الآخرة ، والظالمين عكس ذلك ، ويكون البياض كناية عن الراحة النفسية واستقرار الضمير واعتماد الناس عليه.
التاسع : يدل قوله تعالى : {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران : 108] ، أن ترك التكاليف الإلهية يوجب اختلال النظام وسوء الحال في كل عام ، فيكون كل ظلم يرد على الإنسان إنما يرد من ناحيته.
وأما التكاليف ، فقد وضعها الله تعالى على عباده لعادتهم وتحسين نظامهم وصلاحهم وإصلاحهم وحسن معيشتهم ورفع الظلم من بين أفراد الناس.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|