أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-07-2015
9849
التاريخ: 23-04-2015
8285
التاريخ: 29-09-2015
9984
التاريخ: 24-09-2014
8063
|
قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة : 34] .
من المؤاخذات على الخليفة الثّالث مسألة إبعاد أبي ذر (رضي الله عنه) المصحوب بالقسوة والخشونة الى الرّبذه ، تلك المنطقة التي كان يبغضها أبوذر والتي كانت غير صالحة من حيث الماء والهواء ، حتى إنتهى الأمر الى موت هذا الصحابي الجليل والمجاهد المضحي في سبيل الإِسلام ، وهو الذي قال فيه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ» (1).
ونعرف أنّ الإِختلاف بين أبي ذر وعثمان لم يكن لأنّ أباذر كان يتمنى المال أو المقام ، بل على العكس فقد كان أبوذر زاهداً عابداً ورعاً من جميع الوجوه ، بل منشأ الخلاف وأساسه ، هو أن عثمان فرّق مال بيت مال المسلمين على ذوي قرباه وأصحابه وأنفقه بلاحساب.
وكان أبوذر (رضي الله عنه) متشدداً في الأُمور المالية ، ولا سيّما ما كان منها متعلقاً ببيت مال المسلمين ، وكان يرغب في أن يسير جميع المسلمين على سنة النّبي في هذا المجال ، والتصرف بالمال ، لكننا نعرف أنّ الأُمور أخذت طابعاً آخر في عصر الخليفة الثّالث عثمان.
وعلى كل حال ، فإنّ أباذر (رضي الله عنه) لما واجه الخليفة الثّالث بشدّة ، وعنّفه في إِنفاق المال ، أرسله عثمان الى الشام بادىء الأمر ، فواجه أبوذر معاوية هناك بصورة أشدّ نقداً وأكثر صراحة ، حتى أنّ ابن عباس قال : لقد برم معاوية من كلام أبي ذر وكتب الى عثمان : إِنّه إِن كانت لك حاجة في الشام فخذ أباذر ، فإنّه إِن بقي فيها فسوف يصرف أهلها عنك.
فكتب عثمان كتاباً وأحضر أباذر الى المدينة ، وكما يقول بعض المؤرّخين : كتب عثمان الى معاوية ، أن ابعث أباذر في جماعة من شرطتك ولا ترفّه عليه ، وليجدّوا به السير ليل نهار ، ولا يدعوه يستريح لحظة ، حتى أن أباذر لما وصل المدينة مرض هناك ولما لم يكن وجوده في المدينة هيّناً على عثمان وأتباعه ، فقد نفوه الى «الرّبذة» حتى مات (رحمه الله) فيها (2).
وهناك من يحاول الدفاع عن الخليفة الثّالث ويتّهم أباذر أحياناً بأنّه اشتراكي ، إِذ كان يرى أنّ جميع الأموال عائدة الى الله ، وكان ينكر الملكية الفردية!!
وهذا الإِتهام في منتهى الغرابة ، فمع أنّ القرآن يحترم الملكية الفردية بصراحة ـ وفق شروط معينة ـ وكان أبوذر (رضي الله عنه) من المقرّبين الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتربّى في حضن الإِسلام والقرآن ، وما أظلت الخضراء أصدق منه ، فكيف يتهم أبو ذر بمثل هذا الإِتهام ؟!
إِنّ قاطني الصحراء البعيدين يعرفون هذا الحكم الإِسلامي ، وكانوا قد سمعوا الآيات التي تتعلق بالتجارة والإِرث ، فكيف يمكن أن يُصدق بأن أقرب تلامذة رسول الله كان جاهلا بهذا الحكم ؟
أليس ذلك لأنّ المتعصبين الألداء من أجل تبرئة الخليفة الثّالث والأعجب من ذلك تبرئة معاوية وحكومته ـ إتهموا أباذرّ بمثل هذا الإِتهام ، وما يزال بعض من عمي العيون صمّ الآذان يقلدون أسلافهم ؟!
أجَل إِن أباذر (رضي الله عنه) ـ بوحي واستلهام من آيات القرآن وخاصّة آية الكنز ـ كان يعتقد ويصرّح بعقيدته أن بيت المال لا ينبغي أن يتحول الى ملكية فردية بيد الأشخاص ، ويجب ألاّ يُحرم المستضعفون والمحتاجون منه ، وينبغي أن ينفق في سبيل تقوية الإِسلام ومصالح المسلمين ، فلا يجوز تبذير الأموال ، وأن بيت المال ليس ملكاً لمعاوية وأضرابه كي يشيد بهذه الأموال القصور على شاكلة قصور الأكاسرة والقياصرة!
ثمّ إِنّ أباذر كان يعتقد يومئذ أنّه بإمكان الأغنياء أن يقنعوا بما دون الإسراف ، ليواسوا إخوانهم الفقراء ، وينفقوا أموالهم في سبيل الله.
فإِذا كان أبوذر (رحمه الله) ذا وزر فوزره ما ذكرناه إلاّ أن المؤرّخين المتملقين ، أو الذين يؤرخون للارتزاق ويبيعون دينهم بدنياهم ، غيرّوا صورة هذا الصحابي المجاهد الناصع فجعلوه اشتراكياً!!
وما يؤخذ على أبي ذر من وزر أيضاً هو حبّه الشديد للإِمام علي (عليه السلام) ، فقد كان هذا كافياً لأن يقوم بنو أمية بأساليبهم وأراجيفهم الخبيثة الجهنمية بإسقاط حيثية أبي ذر ، إلاّ أن نقاءه وطهارته ومعرفته بالأحكام الإِسلامية كانت ناصعة الى درجة أنّهم افتضحوا ولم يفلحوا في مرامهم.
ومن جُملة الأكاذيب العجيبة التي ألصقوها بأبي ذر لتبرئة الخليفة الثّالث ، ما ذكره ابن سعد في «الطبقات» : إِنّ جماعة من أهل الكوفة جاؤوا أباذر عندما نفاه عثمان الى الرّبذه فقالوا : إن هذا الرجل (أي عثمان) فعل ما فعل بك ، فهل مستعد أن ترفع راية تقاتل بها عثمان ، ونحن نقاتله تحت رايتك ؟ فقال أبوذر : كلاّ ، لو أرسلني عثمان من المشرق الى المغرب لكنت مطيعاً لأمره. (3)
ولم يلتفت هؤلاء الوضّاعون الى أنّه لو كان مطيعاً لأمره ، لما كان عثمان يضيق ذرعاً به فيكون عليه ـ في المدينة ـ عبئاً ثقيلا لا يستطيع حمله أبداً.
والأعجب من ذلك ما ذكره صاحب المنار ـ ذيل الآية محل البحث ـ مشيراً الى قصّة أبي ذر وما جرى بينه وبين عثمان ، فيقول : إِن قصّة أبي ذر تدل على أن عصر الصحابة ـ ولا سيما عصر عثمان ـ كان إِظهار العقيدة فيه مألوفاً ، وكان العلماء محترمين ، والخلفاء ذوي ولاء ، حتى أن معاوية لم يجرؤ أن يقول شيئاً لأبي ذر ، بل كتب كتاباً الى من هو فوقه مرتبة ـ أي عثمان ـ وطلب منه أن يرى فيه رأيه!!
والحق أنّ التعصّب قد يصنع الاعاجيب ، فهل كان ـ التبعيد والنفي الى الأرض اليابسة الحارة المحرقة «الرّبذة» أرض الموت والنّار تعبير عن احترام حرية الفكر ومحبّة العلماء !!
هل أنّ تسليم هذا الصحابي الجليل «بيد الموت» يعدّ دليلا على حرية العقيدة!!
وإِذا كان معاوية لم يستطيع أن يجرؤ على قتل أبي ذر أو التآمر عليه ـ خوفاً من إِنكار عامّة الناس ـ فهل يعدّ ذلك احتراماً لأبي ذر من قبل معاوية ؟!
ومن عجائب هذه القصّة ـ أيضاً ـ أن المدافعين عن الخليفة الثّالث يقولون : إِن تبعيد أبي ذر كان بحكم قانون
[تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة ؟] لأنّه وإِن كان لوجود أبي ذر في المدينة مصلحة كبيرة ، وكان الناس يستفيدون من علمه ، إِلاّ أنّ عثمان كان يرى أن بقاءه في المدينة يجر المفسدة ـ لطريقة تفكيره ـ ويحدث انعطافاً شديداً لا يمكن تحمله ، فلأجل ذلك أغضى عثمان عن المصلحة في وجوده وأخرجه الى الرّبذة دفعاً للمفسدة ولما كان كل من أبي ذر وعثمان مجتهداً ، فلا يمكن توجيه النقد أو الإِشكال أو أي شيء آخر إِليه. (4)
ونحن بدورنا نتساءل : آية مفسدة كانت تترتب على وجود أبي ذر في المدينة ؟!
ترى هل في إِعادة الناس الى سنة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مفسدة ؟!
ولم لا يشكل أبو ذر (رضي الله عنه) على الخليفة الأوّل ولا الثّاني اللذين لم يفعلا ما فعله عثمان في أموال المسلمين «وبيت المال» ؟!
وهل في إعادة الناس الى المناهج المالية التي كانت في صدر الإِسلام مفسدة ؟!
وهل في نفي أبي ذر وقطع لسان الحق مصلحة ؟!
ألم تؤد أعمال عثمان واستمراره بإتفاق بيت المال الى أن أصبح ضحية لكل ذلك ؟!
ألم يكن ذلك مفسدة وتركه مصلحة ؟!
ولكن ما عسى أن نفعل ، فإِذا دخل التعصب من باب فرّ المنطق من باب آخر!!
وعلى كل حال ، فإنّ سيرة هذا الصحابي الجليل لا تخفى على أي محقق منصف ، ولا مجال لتبرئة الخليفة الثّالث ممّا نال من أبي ذر من الأذى أبداً ، والمنطق الحق يدين أعمال عثمان.
____________________
1- بحار الانوار ، ج30 ، ص372 .
2- اصول الكافي ، ج8 ، ص206 .
3- تفسير المنار ، ج 10 ، ص 406 ؛ الغدير ، ج8 ، ص 325 .
4- راجع المنار ، ج 10 ، ص 407.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|