أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-12
326
التاريخ: 5-4-2020
1949
التاريخ: 2024-08-11
327
التاريخ: 7-10-2016
1985
|
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]
تحريض للدعاء بأسلوب بليغ ، يشعر بالعطف والحنان والمحبة ، وترغيب الإنسان بالوصول إلى الفيض المطلق وغاية الكمال ، وهي الرشاد ، وفي الآية الشريفة تلميح لبعض شروط الدعاء ، التي إذا توفرت تجعل الدعاء مستجاباً ، وفي تعقيب شهر رمضان بهذا الخطاب فيه من الحث على الدعاء في هذا الشهر ، وأن له اختصاصا به والقبول فيه ، مما يخفف ثقل التكليف بالصوم فيه ، وهذا مما دلت عليه السنة المقدسة ، ففي بعض الأخبار : " من فاته الدعاء في شهر رمضان ، فلينتظر يوم عرفة ، ومن فاته الدعاء فيه ، فلينتظر شهر رمضان المقبل ".
قال تعالى : {وإذا سألك عبادي عني}.
السؤال : طلب معرفة شيء واستدعاؤها ، أو طلب مال. وفي الأزل يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه تارة ، وبحرف الجر اخرى ، تقول : سألته كذا ، وسألته عن كذا ، قال تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال : 1] ، وقال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة : 189] ، وقال تعالى : {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج : 1].
واذا كان لطلب المال يتعدى إليه بنفسه أيضا ، وبـ ( من).
اخرى ، قال تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب : 53].
والمعروف ان الطلب إذا كان من العالي إلى السافل ، فهو امر ، وإذا كان بالعكس فهو سؤال ، وإذا كان من المساوي فهو استفهام ، وقد ذكرنا في الأصول أنه لا كلية في ذلك.
ويختلف الدعاء عن السؤال في أن الأخير بمنزلة الغاية للأزل.
والعبد ، والعبودية ، والعبادة : بمعنى التذلل والخضوع ، وتقدم في سورة الحمد ما يتعلق به.
وللعبد في القرآن دلالات :
الأولى : في مقابل الحر ، وهو الذي يباع ويشتري كسائر الأمتعة ، وله أحكام خاصة في الإسلام ، مذكورة في الكتب الفقهية ، قال تعالى :
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى} [البقرة : 178].
الثانية : المخلصون من عباده تعالى ، الذين لهم مع الله جل جلاله حالات ، وله عز وجل معهم عنايات ، ولهم في القرآن قصص وحكايات ، وهم الذين استثناهم الشيطان عن غوايته ، فقال تعالى حكاية عنه : {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83] ، لأنهم اتخذوا لله تعالى بذاته الأقدس معبوداً لأنفسهم ، بتمام عن العبودية الحقيقية ، فاتخذهم الله تعالى عباداً لنفسه ، ومدحهم بابلغ المدائح ، ولعن أرقها قوله تعالى : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } [الفرقان : 63].
الرابعة : عبد لله تعالى ، ولكنه يطيع الشيطان ويتبعه ، قال تعالى حكاية عنه : {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا} [النساء : 118] ، سواء ، كان مسبوقاً بالكفر ثم آمن كذلك ، أم لم يكن ، والجمع عبيده عز وجل، لكثرة رأفته وعنايته بخلقه ، ويدن على ذلك قوله تعالى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر : 49] ، وقوله تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء: 52] ، مع أنهم كانوا من سحرة فرعون ، فإن المنساق من هذه الآيات أن مجرد الإيمان بالله جلت عظمته في مقابل الكفر به ، يكفي في شمولها له ، وهو مقتضى الرحمانية والرحيمية المطلقة له عز وجل.
وفي الكلام من العناية واللطف ما لا يخفى .
قال تعالى : {فإني قريب}.
والقريب من أسماء الله الحسنى — وجمع أسمائه المقدسة حسنى ، وإنما الوصيف إضافي ، لا أن يكون حقيقياً - وهو إما أن يلحظ بالنسبة إلى الذات المقدمة ، قال تعالى : {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود : 61] ، وقال تعالى : { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } [سبأ: 50] ، ويبين هذا المعنى قوله تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد : 4] ، وقد فصل ذلك في الفلسفة تفصيلا دقيقا ، ، لعلنا نشير إليه في ضمن المباحث الآتية.
أو يلحظ بالنسبة إلى رحمته الواسعة ، قال تعالى : {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف : 56].
ويطلق القرب بالنسبة إلى المكان ، كقوله تعالى : { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } [التوبة: 28] ، وهو كثير في القران .
وأخرى : بالنسبة إلى الزمان ، قال تعالى : {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [الأنبياء: 1].
وثالثة : بالنسبة إلى الفعل ، كالتصرف وغيره ، قال تعالى : {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ } [الإسراء: 34] ،وقال عز وجل : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] ، وقال تعالى : {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام: 151]
ورابعة : بالنسبة إلى النسب ، كقوله تعالى : { أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} [النور: 22] وقال تعالى : {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء : 36].
كما يطلق ويراد به القرب المعنوي من طرف الخلق ، قال تعالى :
{وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172] ، وقال تعالى : {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران: 45] ، وقال تعالى : {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين : 28].
والقرب المعنوي : إما من الله تعالى بالنسبة إلى خلقه ، ويصح أن يعبر عنه باللطف ، والعناية ، والرعاية ، والقدرة ، ونحو ذلك.
وإما من المخلوق بالنسبة إليه عز وجل ، وهو حالة انقطاع إلى الله تبارك وتعالى ، بحيث لا يعلم حقيقتها إلا المتقرب إليه جلت عظمته والعبد المتقرب منه ، ولا يحيط بها إلا الله عز وجل ، ولكن ما ذكرناه مراتب كثيرة .
والمراد بقربه تعالى - في المقام القرب باللطف والرحمة والإجابة ، الذي لا حد له ولا نهاية ، لا أن يكون قرباً زمانياً أو مكانياً ، فإنه تعالى يجل عنهما ، وهو محيط بهما بالإحاطة القيومية الحقيقية .
وربط يكون القرب فيه من قبيل قرب العلة الحقيقية من المعلول المحتاج إليها ، حدوثاً وبقاء ، وقد ورد في بعض الدعوات المأثورة عن الأئمة الطاهرين (عليه السلام) : " يا جاري اللصيق ، يا ركني الوثيق " ، كما ورد في بعض مخاطبات الله تعالى مع موسى بن عمران : " يا موسى أنا بذك اللازم ".
وكيف كان ، وفيه الكناية اللطيفة ، فإن فيه تمثيلا لحاله في سهولة إجابة دعائه ، وسرعة إنجاح حاجة من سأله ، بحال من قرب مكانه.
قال تعالى : { أجيب دعوة الداع}.
مادة (ج و ب) تأتي بمعنى القطع ، ولها استعمالات كثيرة في القرآن بهيئات مختلفة ، والجواب يطلق غالباً في مقابل السؤال.
والسؤال إن كان لطلب المقال ، فجوابه المقال ، وان كان لطلب المنال ، فيكون جوابه المنال.
ومن الأول قوله تعالى : {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف : 31].
ومن الثاني قوله تعالى : {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس : 89] ، أي أعطيت سؤلكما .
والاستجابة : التحري والتهيؤ للجواب ، يعبر بهما عن الإجابة ، لعدم الانفكاك بينهما غالبا ، لاسيما بالنسبة إلى الغني المطلق والرحيم بعباده في جميع العوالم.
فهذه المفاهيم الثلاثة : أي : الدعاء ، والإجابة ، والاستجابة ، من المفاهيم الإضافية بالنسبة إليه عز وجل ، قال تعالى : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر : 60] ، وقال تعالى : {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ} [آل عمران : 172] ، وقال تعالى : {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} [الرعد : 18].
فالآية الشريفة في المقام تشتمل على علل الحكم ، أي : أن الداعين لكونهم عباد الله ، فإن الله قريب منهم ، وقربه إليهم موجب لإجابة دعواتهم ، وذلك أن عباده ملك له بالملكية الحقيقية ، وهذه هي المقتضية لكونه قريباً منهم على الإطلاق ، وإلا فإن ما سواه تعالى فقير بحد ذاته ، وانما يملك بالملكية الاعتبارية بتمليك الملك الحقيقي للأشياء له ، وهو الله سبحانه وتعالى، فلو لم يشأ الملكية لم يملك أحد، كما يظهر من قوله
تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر : 15]. ثم ذكر سبحانه أن استجابة الدعاء منوطة بأمرين :
أحدهما : أن يكون الداعي داعياً بحسب الحقيقة ، كما يدل عليه قوله تعالى : {إذا دعان}، فلا بد للداعي الذي يدعو لحاجته أن يكون عالماً بحقيقة الدعاء ، صادقاً عليه التوجه إلى الله جل شأنه ، ومتوجهاً إليه صادراً عن معرفة بحكمته وسعة رحمته ، دون ما يدور في اللسان مع الغفلة عنه تعالى ، وترشد إلى ذلك الآيات التي تدل على استجابة السؤال إذا كان عن فطرة ، مثل قوله تعالى : { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن : 29] ، وذلك لأن الاستحقاق كان بحسب الذات ، فالسؤال كان عن الفطرة ، ومن ذلك يظهر السر في إطلاق السؤال دون الدعاء على السؤال الصادر عن الفطرة ، وإن لم يكن للسان فيه عمل ، وهذا بخلاف الدعاء.
والأمر الثاني ما ذكره تعالى بعد ذلك :
قال تعالى : {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} [البقرة : 186].
أي أنهم إذا أرادوا الإجابة والاستجابة ، وإذا كان الله تعالى قريبا منهم ، لا يحول بينه وبين دعائهم شيء ، فلا بد لهم من الاستجابة فيما دعاهم إليه ، والعمل بما أمرهم من الإيمان والعبادات ، التي فيها صلاحهم وسعادتهم ورشدهم ، ولا بد لهم من الإيمان بما يتصف به من الصفات الحسنى ، ولا بد لهم من المعرفة بأنه قريب يجيب دعوة الداع.
قال تعالى : { لعلهم يرشدون}.
الرشاد : ضد الغي. أي أن الأعمال والدعاء إذا صدرت عن روح الإيمان ، يكون صاحبها راشداً مهتدياً ، وقد تقدم الوجه في إتيان كلمة (لعل) في أمثال المقام.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|