أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-6-2022
1616
التاريخ: 28-3-2020
1595
التاريخ: 17-1-2022
1561
التاريخ: 14/11/2022
1655
|
قال تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة : 179] .
آية القصاص نزلت في قوم كان الانتقام متبعاً بينهم بأقبح الصور ، فقد كانوا يقتلون لواحد جماعة ، وربما قتل الحر بالعبد ، أو الرجل بالمرأة ، والرئيس بالمرؤوس ، بل ربما وقعت حروب وغارات بسبب قتل حيوان من قوم ذوي منعة وشرف ، وكان المناط كله على قوة القبائل وضعفها ، والمتبع هو القتل والانتقام ، والاقتصاص من دون أن يكون في البين قانون يحدده ، أو قواعد تهذب تلك العادات ، كما هي عادة الأقوام البدائية والشعوب الهمجية.
نزلت آية القصاص ولم يكن أحد يعرف الصلح و الوئام بدل القتل والانتقام ، وكان ذلك تشديداً منهم على أنفسهم ؛ كما يستفاد من ذيل الآية الشريفة ، قال تعالى : { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة : 178].
ومن المعلوم أنه لا ينكر أحد أن حب الانتقام طبيعة من طبائع الحيوان فضلا عن الإنسان ، وأن دفع التعدي غريزة من غرائزه ، وأنه على ذلك مجبول ومفطور .
كما أنه ليس ثمة ممن ينكر أن العفو والرحمة غريزة أخرى من غرائز الإنسان، بها يحنو على بني نوعه ، ويدفع عن أهله البلاء ، ويكافح في سبيلهم للعيش والرفاه.
وبحسب تلك الأسس والغرائز نزلة آية القصاص ؛ وقررت تشريع حق الاقتصاص لولي الدم ، وأهدرت دم الجاني لولي المجني عليه فقط ؛ ومهدت له السبيل وأمكنته كل التمكين من القصاص بشروط خاصة ، لإشباع غريزة الانتقام في الإنسان ، فكان ذلك أول خطوة في تهذيب هذه الغريزة.
لكنه تعالى لم يغفل عن الغريزة الأخرى الكامنة فيه ؛ فحبب إليه العفو بمختلف الأساليب.
فتارة : رغب إليه العفو بأخذ الدية ، وأداء إليه بإحسان.
وأخرى : بالثواب فى الآخرة ، ورضاء الله تعالى ؛ والعفو والمحبة للمحسنين ، قال تعالى : {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [الشورى : 40] .
وقال تعالى : {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران : 134] .
ولقد راعى الإسلام في هذا التشريع جميع من يهمه هذا التكليف ، القاتل ، والمقتول ، ووليه، والمجتمع، والصالح العام ، فحكم بالمعادلة بين القاتل والمقتول ، فقال عز وجل : { الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالأنثى}، فحفظ بذلك التهجم على الدماء ، ووقف الإسراف في القتل.
واهتم عز وجل بالجانب التربوي ، فحبب إلى الإنسان الرحمة والعطف ، ورغب الناس على نبذ مسلك الانتقام والوعد لمن راعى هذا الجانب بعظيم الأجر والإحسان.
ولذلك كان هذا التشريع موفقاً كل التوفيق في رفع الخصام ، وحلول الصلح والوئام ، الذي هو السبب في حفظ الأمن والنظام ، هذا بالنسبة إلى الإسلام.
أما بالنسبة إلى سائر التشريعات الإلهية ، فإنها تختلف بين إثبات تشريع القصاص والإلغاء ؛ ففي التشريع اليهودي اعتبر الحكم في الجنايات هو القصاص ، ولم يسن للعفو والدية أحكاماً إلا في حالات معينة، راجع ما ورد في التوراة في الفصل الحادي والعشرين، والثاني والعشرين من سفر الخروج ، والخامس والثلاثين من سفر العدد ، كما حكى عنها القرآن الكريم ، فقال تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } [المائدة : 45].
وأما التشريع في الدين المسيحي ، فلا يرى في مورد الجنايات إلا العفو والدية ، وليس للقتل والقصاص فيه سبيل إلا في موارد خاصة.
وأما سائر التشريعات - سواء كانت وضعية أو غيرها - فهي تختلف في هذا الحكم ، ولا يمكن جعلها تحت ضابطة كلية ، وإن كانت لا تخلو عن القصاص في الجملة .
ومنا ذكرنا يعرف أن الإسلام اختار الطريق الامثل، وسلك ملكا وسطاً بين الإلغاء والإثبات ، فحكم بالقصاص ولكن ألغى تعيينه، فأجاز العفو والدية ، ولاحظ جميع جوانب هذا الحكم وأحكمه أشد الإحكام ، وسد باب الجدال والخصام ، وأبطل شبهات المعترضين.
ومع ذلك ، فقد اعترض على تشريع القصاص في الإسلام خصومه ، فادعوا أنه خلاف إنسانية الإنسان ، وأنت بعد الإحاطة بما ذكرناه تعلم أن ما ذكروه في المقام واضح الفساد.
وقد استدل على إلغاء هذا الحكم بأمور هي :
الأول : أن تقرير حق الاقتصاص إقرار للعادات السيئة التي كانت سائدة في الشعوب الجاهلية ، والأقوام البدائية.
وهذا باطل ..
أما أولا : فلأن نظر الإسلام في هذا الحكم هو تربية الإنسان تربية صالحة ، يرفض معها كل ظلم وانتقام ، ولم يكن ينظر إلى تقرير عادة ، أو إبطالها.
وثانياً : ذكرنا أن حب الانتقام غريزة من غرائز الإنسان ، والإسلام إئما أراد تهذيبها وكبح جماحها ، خلاف ما كانت بين الأقوام وقت نزول القرآن.
وثالثا : فائدة تشريع القصاص إنما ترجع إلى الجماعة والصالح العام ، شأنه شأن غالب التكاليف الإلهية.
الثاني : أن القوانين الوضعية التي وضمتها الملل الراقية لا ترى جواز عقوبة الإعدام مطلقاً ، وترفض إجراءها بين البشر ، معتمدين في ذلك على أن القتل مما ينفر عنه الطبع ، ويستهجنه وجدان كل إنسان.
وأن القتل على القتل يكون فقداً على فقد.
وأن القتل بالقصاص فيه من القسوة والانتقام زيادة على نفس القتل الواقع من الجاني ، ولا بد من إزالة هذه الصفة من بين الناس بالتربية العامة ، وعقاب القاتل بما هو أدون ، كالسجن والأعمال الشاقة.
الثالث : أن المجرم إنما يكون مجرماً وأقدم على الجريمة لأجل عذر له ، إما للجهل ، أو عدم التربية الصالحة ، أو لمرض عقلي ، فيجب في هذه الحالة علاجه إما بالتربية الصالحة ، أو معالجة مرضه.
وأن إبقاء الفرد الجاني أولى من إفنائه ، لأن في إبقائه منفعة للمجتمع، ولا ملزم لأن نقبل عقوبة القصاص إلى الأبد، فيعاقب الجاني بما يعادل القتل ، وفي نفس الوقت نستفيد منه ، فيكون توفيقاً بين حق المجتمع وحق أولياء الدم ، وغير ذلك من الوجوه.
ولأجل ذلك عدلت القوانين الوضعية عن القصاص والقتل إلى عقوبات أخرى لردع الجناة ، أشدها عقوبة الحبس ؛ سواء كان محدوداً بونت أو غير محدود به ، مع الأشغال الشاقة مثلا.
ولكن كل ذلك باطل ..
أما أولا : فلأن في تشريع القصاص تهذيباً للطبيعة الإنسانية في حب الوجود وملاحظة الجاب التربوي في هذا التكليف ، بل جميع تكاليف الإسلام وقوانينه إنما وضعت لأجل ذلك، ولذلك حث على العفو ، ولم يكن الإسلام ليمنع من فرع هذه العقوبة بعد التربية الصالحة، وإعداد الأفراد في صالح المجتمع، ونبذ التخاصم والانتقام ، والأمم الراقية إنما ذهبت إلى ذلك بعد جهد جهيد في تربية الأفراد وتنفير القتل بينهم ، وهذا شيء حسن لم ينكره أحد ، وهو مما يريده الإسلام ، كما تشير إليه نفس الآية الشريفة.
وثانيا : فلأن الإسلام إنما لاحظ في هذا التشريع الصالح العام ومصالح النوع ، كما هو شأن كل قانون ، سواء كان إلهياً أو وضعياً ، ويعتبر أن الاعتداء على فرد كالاعتداء على الأمة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|