أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-09
699
التاريخ: 5-11-2014
4839
التاريخ: 5-11-2014
1746
التاريخ: 19-09-2014
2363
|
تقدم في الدرس الماضي أن القرآن الكريم متقدم من ناحية البيان والأسلوب عن فحوى الأساليب الثلاثة المتقدمة، وقلنا: إن الاستدلال على ذلك يتم من جهتين: الأولى شهادة ملوك البيان العرب، والثانية: دلالة نفس آيات القرآن وجمله و كلماته، وقد بينا الجهة الأولى وشرحناها في الدرس السابق، ونحاول الآن بان وتقريب الجهة الثانية.
تقريب الجهة الثانية
يمكن إثبات فصاحة وبلاغة القرآن من نفس الكتاب الكريم و آياته، وذلك من زوايا عدة منها:
أ) اختيار الكلمات والألفاظ
الكلمات والألفاظ المستخدمة في القرآن الكريم منسجمة مع بعضها البعض في الصوت والنغم والفصاحة، بحيث يعطي القرآن دروس وعبرة بعبارة واحدة لا تحتوي على أكثر من ثلاث أو أربع كلمات، فمثلا حاولت العرب أن تسمي قانون يقف أمام عمليات القتل فقالت: (القتل أنفي للقتل ) بمعنى أن قتل القاتل أفضل مانع للقتل لكن القرآن صاغ ذلك بعبارة معجزة في ألفاظها سهلة في أسلوبها {القصاص حياةٌ} في قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].
فلو تلمسنا الفروق بين هذه العبارة: (القتل أنفى للقتل) وبين عبارة: (القصاص حياة ) لوجدنا ذلك من عدة جهات كما ذكرها الشيخ الطوسي _رحمه الله )(1)
أ) إظهار العدل لذكر الآية القصاص.
ب) إظهار الحياة الشيء الجميل المرغوب والدافع لتطبيق المادة.
ج) الآية فيها ترغيب و ترهيب، في نفس الوقت فيها القصاص وفيها الحياة، أما العبارة أقتصرت على القتل.
۲- إن الآية أقل حروف وأكثر إيجازا من العبارة المذكورة، فالحروف في قوله (القصاص حياة) عشرة أما الحروف في العبارة: «القتل أنفي للقتل) أربعة عشر حرفا.
٣. العبارة المذكورة فيها تكرار للقتل، وهذا غير حسن في الكلام البليغ إذ أمكن تعويضه بعبارة ليس فيها تكرار من قبيل: (القصاص حياة).
4- التأليف في الآية أفضل من التأليف في العبارة المذكورة، فنحن ندرك ذلك بالوجدان، فالآية (في القصاص حياة) خرجت من الماء إلى اللام وذلك أعدل، کما يقول علماء اللغة من الخروج من اللام إلى الهمزة كما في عبارة (القتل أنفي للقتل) وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام.
وهناك فروق أخرى ذكرت بين العبارتين منها :
- إن القتل لا ينفي القتل، أما إذا كان القتل بعنوان القصاص فهو النافي للقتل حقيقة . - الآية فيها جنبه إيجابية (في القصاص حياة) أما في العبارة فيها جنبة نفي (القتل أنفي للقتل، ويقال: إن في القانون العبارة الإيجابية أولى وأفضل من العبارة السلبية
- في الآية يوجد فيها محسنات معنوية، نحن نعلم أن في علم البديع نوعين من المحسنات:
محات لفظية، وهي:
1- الجناس: تشابه اللفظ في النطق ويختلف في المعنی، مثال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55]
۲- الاقتباس: أن تقتبس شيء من القرآن، أو الشعر لتضمنه الكلام، كما قال عبدالمؤمن الإصفهاني (2): »لا تغرنك من الظلمة كثرة الجيوش والأنصار: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].
3- السجع: يستخدم في النشر بحيث تتوافق الكلمتين في الحرفين الأخيرين وأحسنه عندما توافق الفقرات مثال: الحر إذا وعد وفي وإذا أعان كفي وإذا ملك عفي.
اما المحسنات المعنوية، فهي:
1- التورية: وهي ذكر لفظ له معنيان قریب ظاهر غير مقصود وبعيد خفي مقصود ومراد. قال سراج الدين الوراق(3):
أصون أديم وجهي عن أناس لقاء الموت عندهم الأديب
ورب الشعر عندهم بغيض ولو وافی به لهم حبيب
فكلمة حبيب لها معنى وهو متبادر إلى الذهن وهذا معنی ظاهر خصوصا وأن الشاعر استخدم مفردة (بغيض) ولكن لها معنى آخر هو يريد (حبيب بن أوس) وهو الشاعر أبو تمام. وهو يقصد هذا المعنى.
2- المقابلة: أن تأتي بمعنيين أو أكثر ثم تأتي بما يقابلها على الترتيب. مثل: قال عليه السلام للأنصار:
(إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عن الطمع)(4)
3- الطباق: وهو الجمع بين الشيء وضده في الكلام، وهنا في الآية جمع بين (القصاص والحياة) وهما ضدان؛ لأن القصاص هو من القتل وفي الظاهر أنه ضد الحياة، وفي نفس الوقت هو موجد للحياة.
فهذه العبارة القرآنية الواحدة تمثل بحق معجزة إلهية في صياغتها وأسلوبها وتركيبها ومعناها. والشواهد كثيرة في القرآن
ب) اتساق الكلام ودقة التعبير
وهو ما يظهر من مجموعة من الآيات:
فمن دقيق تعبيره أنه حينما يذكر السرقة يورد السارق مقدما على السارقة، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، أما في الزنا فيذكر الزائية مقدمة على الزاني، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]. والحكمة واضحة، فالمرأة في الزنا هي البادئة وهي التي تدعو الرجل بزينتها وتبرجها، أما في الترفة فهي أقل جرأة من الرجل.
ومن تناسب فواصل الآيات قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) } [القصص: 71 - 73] ختمت الآية الأولى بقوله: {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} لأنه المناسب لذكر الليل السرمد وهي الظلمة المطبقة لا موضع فيها لحس البصر، سوی حسن السمع يسمع حسيسها، وأما الآية الثانية فكان الكلام فيها عن النهار السرمد، فناسبه الإبصار.
الخلاصة
1- يمكن إثبات بلاغة القرآن وسمو أسلوبه بنفس القرآن من جهتين:
الأولى: اختيار الكلمات والألفاظ.
الثانية: اتساق الكلام ودقة التعبير .
2- هناك فرق شاسع بين استخدام العرب للجمل والكلمات وبين استخدام القرآن لها، فالعرب تعبر: القتل أنفي للقتل، ولكن القرآن يعبر: إن القصاص حياة.
3- إن الجملة التي استخدمها القرآن يجعل القصاص حياة أفضل مما استخدمها العرب عندما قالوا: القتل انفي للقتل، لوجوه:
الأول: إنها أكثر فائدة، والثاني: إنها مخصرة وأكثر دلالة، والثالث: خلوها من
التكرار و... .
4- إن الجملة التي استخدمها القرآن فيها من المحسنات اللفظية الجناس والاقتباس والسجع، والمحسنات المعنوية كالتورية والمقابلة والطباق.
5- هناك آيات عديدة دلت على اتساق الكلام و دقة التعبير منها: قوله تعالی: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وكذا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وغيرها.
____________
1- التبيان ، الطوسي:2، 105.
2- وهو أديب مشهور صوفي له كتاب عارض فيه(أطباق الذهب)الزمخشري.
3- شاعر بصري برع في التورية ولد سنة 615 م ومات695هـ.
4- اعجاز القرآن 81.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|