أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-9-2020
2342
التاريخ: 14-8-2020
2149
التاريخ: 13-9-2020
2047
التاريخ: 7-8-2020
5266
|
غادر سلمان الدير حاملاً بيده اللوح، ووقف حائراً لا يدري كيف يصنع ولا أين يذهب، إنه يريد أرض تهامة، ولكن.. هو غلام ديراني، وحياة الديرانيين تشبه إلى حد ما حياة أهل السجون لولا الفارق النفسي بينهما من حيث توطين النفس على الإقامة فيها اختياراً، والشعور بالانفساح الروحي عند الخلوة لمناجاة الله سبحانه، وإلا فكل شيء في الأديرة يخضع لقيود معينة، الملبس فيها خاص وبشكل معين، والمأكل فيها خاص ينحو نحو النباتية، والزهد في الدنيا شرط، فلا مال ولا عقار، ولا شيء من مغريات الحياة، بل على الداخل فيها أن يخرج من الدنيا وما فيها ـ هكذا كانت حياة الأديرة ـ وهكذا كان سلمان عندما كان ديرانياً.
والآن، خرج من الدير، فمن الطبيعي أن يخرج منه كما دخل صفر اليدين، ويمكننا تصور حالته النفسية في ذلك الظرف العصيب، فهو يريد أن يأكل ويريد أن يسافر، ويريد أن يتعامل مع هذه الحياة كما يتعامل بقية الناس ، ولكن دون جدوى ، ففي الدير كانت له جراية تجرى عليه كما تجرى لصاحبه الراحل ، أما الآن فقد إنتهى كل شيء فها هو قد خرج وهو لا يملك درهماً ولا ديناراً ، فماذا يفعل الآن؟
في زخم هذه الحيرة التي لفت سلمان كانت خيوط الأمل الأخضر تشرق في نفسه فتضيء له جنباتها .. إنه الأمل بلقاء النبي الموعود، فلقد نبت حب محمد (صلى الله عليه وآله) في قلبه كما ينبت العطر في أكمام الورود، وتذكر في هذه الحال ما قاله له أستاذه الراحل من أنه «سيخرج نبي في أرض تهامة » وتساءل بينه وبين نفسه : من يدري ، فلعله قد خرج؟!
وأحس سلمان بموجةٍ من الفرح تغمره، فاندفع منطلعاً نحو الطريق وإذا به يرى ركباً يقصدون أرض الحجاز. وأحس أنهم من ذوي الثراء والمكانة لما رأى من ترفهم وحسن مظهرهم، وما معهم من الشياه والأغنام والأثاث والرياش، وهنا بادرهم بالتحية ، فردوا عليه بمثلها ، ثم سايرهم قليلاً وفكر في أن يعرض عليهم ما في نفسه من الرغبة في مرافقتهم ؛ ولكن منعه من ذلك قصَرُ ذات اليد ، فما معنى أن يكون معهم ولا يشاطرهم في نفقة الطريق؟ فعاد إلى نفسه ولم يتكلم بكلمة، إنه لم يرض أن يكون عالةً على غيره، يأخذ ولا يعطي ، فهذا شأن الساقطين في الحياة ، وبينما هو في غمرة تفكيره إذ لاحت له خاطرة ذكية أحس من خلالها بقرب الفرج ، حيث بدا له أن يعرض عليهم نفسه للخدمة في قبال أن يقوموا بنفقاته ، ورأى أن هذا أمر لا ضير فيه ولا مهانة ، بل هو شيء حسن ، فلم يتردد في ذلك وخاطبهم قائلاً :
«يا قوم، اكفوني الطعام والشراب، أكفكم الخدمة!»
وكان طلباً محبباً لهم، فالعرب أمة عرفت بالبذل والكرم والسخاء، بل أحب شيء للعربي ضيافة الوافد وإكرامه، فكيف بجماعة كل شيء لديهم وافر، أتراهم يمتنعون عن قبول مثل هذا العرض بدون مقابل؟ بالطبع لا. غير أنهم أدركو في سلمان أنه رجل عفيف لا يحتمل المن، ولا هو من المتسكعين، فلم يماطلوا معه بالسؤال والجواب لكي لا يحرجوه فأجابوه بقولهم : نعم.
سار سلمان معهم يخدمهم في رحلتهم تلك ويهيء لهم ما يحتاجون إليه، فلما صار وقت الطعام «عمدوا إلى شاة، فقتلوها بالضرب، ثم أخذوا لحمها وجعلوا بعضه كباباً وبعضه شواءً» وجلسوا يأكلون، أما هو فلم يعجبه هذا الأمر، فجلس ناحيةً ولم يأكل، ولفت انتباههم ذلك، فقالوا له : كل. لكنه أصر على موقفه الرافض ـ ولعل طريقة قتلهم للشاة لم تعجبه لأنها منافية لما جاء في الشرايع السماوية من شروط الذبيحة ـ وبقي ممتنعاً عن الأكل، وفكر في جوابٍ يرضي به فضولهم ويدفع عنه لائمتهم. فقال لهم :
«إني غلام ديراني، والديرانيون لا يأكلون اللحم! »
ووجد خلاف ما كان يتوقع، فالذي ظهر أن القوم يكرهون الأديرة والديرانيين والنصراى أجمعين، وأنهم وثنيون أو يهود ، فرأوا وجوده بينهم مدعاةً لتعكير صفو عيشهم شأن ذوي العقول المتحجرة من المتعصبين ، فنهضوا إليه يؤدبونه.
يقول سلمان: « فضربوني ، وكادوا يقتلوني! »
فقال أحدهم ـ وكأنه يختبر حقيقة أمره ـ : أمسكوا عنه حتى يأتيكم الشراب ، فانه لا يشرب. »
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|