أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
1191
التاريخ: 5-9-2016
1316
التاريخ: 18-8-2016
1237
التاريخ: 5-9-2016
1654
|
ممّا قيل باعتباره بالخصوص الشهرة، واستدلّ له بوجهين:
الأول: أنّ الدليل الدال على حجيّة خبر الثقة يستفاد منه حجيّة الشهرة بطريق أولى، فإنّ حجيّة الخبر يكون من باب إفادته الظنّ، ولا شك أنّ الظن الحاصل من الشهرة أقوى من الحاصل عن الخبر.
وتقرير ذلك على نحوين:
الأوّل: أن يكون على نحو فحوى الخطاب.
والثاني: أن يكون على نحو القياس الاولوي القطعي وتنقيح المناط، والفرق أنّه على الأوّل يكون من باب دلالة اللفظ، وعلى الثاني يكون من باب إسراء الحكم إلى ما وجد فيه مناطه القطعي، وهذا الوجه بكلا نحويه باطل.
أمّا الأوّل فواضح؛ فإنّ المعتبر في الفحوى أن يكون المعنى منفهما عند العرف من اللفظ عند إطلاقه، بل يكون سوق الكلام لأجل إفادته وكان هو المقصود الأصلي كما في قوله تعالى: «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» فإنّه يفهم منه عرفا حرمة الضرب، بل ربّما لا يكون المدلول المطابقي ملحوظا أصلا، كما يقال: لو نظرت إلى ظلّ فلان نظر سوء لأفعلنّ بك كذا، فإنّ المقصود في الحقيقة ليس النهي عن النظر إلى ظلّه، بل إيراد أنواع التوهين عليه، ومن المعلوم أنّه لا يتفوّه أحد مثل ذلك في الشهرة بالنسبة إلى أدلّة حجيّة خبر الثقة، وأنّى لأحد أن يدّعي أنّ العرف يفهم من قولنا: خبر الثقة حجّة، أنّ الشهرة أيضا حجّة.
وأمّا الثاني فتماميّته مبتنية على كون المناط لحجيّة خبر الثقة إفادته الظن الفعلي أو النوعي، وليس كذلك، بل مناط الحجيّة غلبة المطابقة مع الواقع بحيث كان موارد التخلّف في غاية الندرة، كما لو كان المتخلّف بين المائة واحدا.
فإن قلت: إنّ العقلاء- كالشرع- يرون خبر الثقة حجة، ويرون الشهرة أيضا حجّة، والفرق بين هذين الظنّين وسائر الظنون الغير الحجّة عندهم ليس لا محالة إلّا من جهة رؤية غلبة المطابقة في هذين دون ذلك، ولا يخفى أنّ هذا المناط عندهم في الشهرة أقوى من خبر الثقة.
قلت: لو نزّلنا الأدلّة الواردة في حجيّة خبر الثقة على تقرير طريقة العرف، تمّ ذلك على فرض تسليم ما ذكرت من حجيّة الشهرة عند العقلاء وأتمّية المناط عندهم فيها، وأمّا لو كانت الأدلّة المذكورة بصدد التأسيس فلا يخفى أنّ إحراز أغلبيّة المطابقة إنّما يكون بنظر العرف، ولا ملازمة بينها وبين الأغلبيّة بنظر الشرع، والملاك إنّما هو الثاني.
فإن قلت: إذا احرز الأغلبيّة بنظر العرف فلا محالة يحرز بنظر الشارع؛ لأنّ هذا معنى الظنّ وإدراك الواقع بطريق الراجح، وإلّا يلزم التناقض وأنّه رجّح في نظرهم ذلك، وما رجّح.
قلت: نعم، ولكن غايته الظن بذلك دون القطع، فيصير تنقيحا ظنّيا للمناط لا قطعيّا، ولا دليل على حجيّة هذا الظن، وذلك لأنّ الإنسان إذا جمع مائة فرد من ظنون الحاصلة في مائة مورد فهو لا يقطع بأنّ المخالف ممّا بين المائة واحد، بل يحتمل موهوما كون الجميع مخالفا، نعم يظنّ ذلك، وهو ما ذكرنا من التنقيح الظنّي، ثمّ من الممكن أن يكون المناط في نظر الشارع لم يكن مطلق الغلبة، بل الغلبة بالحدّ الخاص، ومن الممكن عدم بلوغ الغلبة المظنونة لنا في الشهرة ذلك الحدّ، وبذلك يخرج عن كونه تنقيحا ظنّيا أيضا.
فتحصّل أنّ ملاك الحجيّة في خبر الثقة هو الطريقيّة، ولكنّ الطريقيّة هناك ليس بمعنى الظنّ الفعلي أو النوعي، بل المقصود بها هو أنّ الشارع رأى هذا الطريق أغلب مطابقة من غيره فلهذا أوجب العمل به دون غيره، ولم يحرز هذا المعنى في الشهرة؛ إذ لا طريق لنا إلى إثبات كون الأغلب من أفرادها مطابقا، بل يحتمل موهوما أن تكون جميع أفرادها أو غالبها مخالفا، وعلى تقدير كون غالب أفرادها مطابقا فمن أين نعلم كون الغلبة فيها على حدّ الغلبة في الخبر، فلعلّ الغلبة في الخبر يكون في نظر الشارع بحدّ ليس بين المائة خبر إلّا مخالف واحد، وهذا الحدّ له خصوصيّة في نظر الشارع في الحجيّة.
وبالجملة، من أين لنا سبيل إلى إحراز الغلبة في الشهرة على حذو الغلبة التي رآها الشارع في الخبر بلا تفاوت أصلا؟ وبدون ذلك لا يمكن دعوى القطع بتنقيح المناط، بل يمكن أن يقال: إنّ مناط الحجيّة ليس هو الأقربيّة إلى الواقع وقلّة التخلّف، وذلك لأنّ ظواهر الألفاظ عند العقلاء حجّة في تشخيص مراد المتكلّم، ولو كان الظنّ الفعلي على خلافه من طريق غير معتبر فلا يعتنون بهذا الظن، حتى لو فرض وجود هذا الظن في غالب موارد الظواهر، مع أنّه لا يمكن الحكم في تلك الموارد بأنّ المتخلّف في هذا المظنونات المخالفة للظواهر أكثر من المتخلّف في تلك الموهومات الموافقة لها، فلا بدّ أن يقال: إنّ الأقربيّة المذكورة ليست تمام المناط، بل لخصوصيّة المورد أيضا دخل تعبّدا عقلانيا.
ألا ترى أنّ الوثوق الحاصل من المخبر بعد الفراغ من إخباره متّبع عندهم، وأمّا الوثوق الحاصل بأصل صدور الخبر من الخبر لا من قول مخبر بالصدور غير متّبع، مع أنّهما في ملاك الأقربيّة بنظرهم بمرتبة واحدة.
والوجه الثاني: دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة الواردتين في الخبرين المتعارضين على ذلك.
ففي الاولى: «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر» وجه الاستدلال أنّ المورد وإن كان خصوص الشهرة في الرواية، ولكنّ العبرة بعموم اللفظ دون خصوص المورد، فيستفاد من تعليق الحكم بالشهرة كون الشهرة في حدّ نفسها حجّة وإن تحقّقت في الفتوى.
ومنه يعلم وجه الاستدلال بالثانية؛ فإنّ فيها: «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنّما الامور ثلاثة، أمر بيّن رشده فيتّبع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى اللّه ورسوله، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك الخ».
فإنّ التعليل بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه بعد معلوميّة أنّ المراد به المشهور بقرينة قوله: «و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور» أوضح دلالة على المدّعى من الخبر السابق.
وهذا الوجه أيضا باطل؛ فإنّ فيه.
أوّلا: أنّ خصوصيّة المورد في أمثال ذلك لها مدخليّة عرفا، أ لا ترى أنّه لو سئل عن أحد عن أحبّ الرمّانين إليه فأجاب بما هو أكبر لا يلزم كون كلّ أكبر أحبّ إليه ولو كان يقطينا؟، وكذا لو سئل عنه عن أحبّ المسجدين إليه فأجاب بما كان أكثر جمعيّة، فلا يلزم أحبيّة كلّ مكان كان أكثر جمعيّة ولو كان سوقا أو خانا.
فكذا مورد السؤال في الروايتين الخبران المتعارضان، فاجيب بوجوب الأخذ بما اشتهر، فلا ربط له بما اشتهر من الفتوى بينهم.(1)
وثانيا: سلّمنا أنّ لفظ الجواب عام والحكم قد علّق بمطلق الشهرة، ولكن نقول: إنّ الشهرة الاصطلاحيّة التي هي عبارة عن الكثرة في مقابل القلّة اصطلاح جديد يطلق في مقابل الإجماع، وإلّا فمعنى هذه اللفظة لغة هو الوضوح والظهور، يقال: فلان شهر سيفه وسيف شاهر، يعني برز، فالمراد بالمشهور في الروايتين هو الواضح الذي يعرفه كلّ أحد، وهذا داخل في بيّن الرشد، ومن هنا قال: «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» واستشهد بحديث التثليث، وهذا المعنى متى يتحقّق لا ريب في حجيّته، ولكنّه أجنبيّ عن الشهرة.
وثالثا: لو سلّمنا كون الشهرة أعمّ من الفتوائيّة وكون المراد هي الاصطلاحيّة بملاحظة قوله: هما معا مشهوران، والجواب بالرجوع إلى أعدلهما، فإنّه مع مقطوعيّة صدور كلّ منهما وعدم الشكّ لا معنى للأخذ بالأعدل كما هو واضح، ولكن غاية ما يثبت بالروايتين مرجحيّة الشهرة، ولا منافاة بين كون الشيء مرجّحا وعدم كونه مرجعا بالاستقلال، ولهذا على مبنى شيخنا المرتضى في الخبرين المتعارضين- حيث تعدّى عن المرجّحات المنصوصة إلى كلّ ظنّ حصل من أيّ سبب، فعند وجود ظنّ على طبق أحد المتعارضين ذهب إلى الأخذ بالطرف المطابق له- يكون الظنّ المطلق مرجّحا، مع عدم قوله قدّس سرّه بحجيّته ومرجعيّته.
وبالجملة، فلا ملازمة بين المعنيين، والثابت من الروايتين هو المرجحيّة، فيبقى مرجعيّة الشهرة بلا دليل، فيكون داخلة تحت الأصل أعني حرمة العمل بالظنّ.
فإن قلت: قوله في المقبولة: «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» بعد فرض كون المراد هو المشهور كما ذكرنا، ووضوح أنّ المراد بكونه «لا ريب فيه» أيضا لا يمكن كونه كذلك بقول مطلق، فلا بدّ من إرادة أنّه لا ريب فيه بالإضافة إلى مقابله الذي ليس بمشهور، ووجه إطلاق «لا ريب فيه» عليه بقول مطلق أنّه ممّا لا ريب فيه عند العقلاء ولا يصير كذلك إلّا مع كون المشهور متّبعا وحجّة عقلائيّة، فحينئذ يحصل من التعليل أمران: تشخيص صغرى الحجّة العقلائيّة، وتقرير الشارع هذه الطريقة، ومن المعلوم أنّ الشهرة مثلا إذا كانت كذلك عند العقلاء كان ذلك مساوقا لحجيّته بالاستقلال.
قلت: نمنع ذلك؛ إذ لا يستفاد من الرواية إلّا أنّه ممّا لا ريب فيه في مقام ترجيح أحد المتعارضين لا مطلقا، ولا غرو في ثبوت ذلك عند العقلاء، ولهذا تراهم عند تعارض الظهورين يعتمدون على بعض المؤيّدات الموجودة في أحد الجانبين مع عدم اعتمادهم على هذا المؤيّد بالاستقلال.
وقد يجاب بأنّ كون المشهور ممّا لا ريب فيه عقلائيّا مختصّ بالحسيّات، ولا يورث ظنّا فضلا عن الحجيّة في الحدسيّات.
وفيه أنّ الشهرة في الحدسيّات متّحد الملاك مع الإجماع على مذاق الحدس، غاية الأمر هي أدون منه مرتبة، فإنّ اتفاق المشهور من الماهرين في الفتوى واولي الأنظار يورث الظن بأنّ ذلك من جهة وصول الحكم الواقعي إليهم يدا بيد.
وحينئذ فالذي يمكن أن يقال في المقام: إنّ الشهرة لها مراتب فإذا وصلت بالمرتبة التي حصل منها الاطمئنان وسكون النفس فهي حجّة، وذلك لأنّ الظنّ من أيّ سبب حصل لا يبعد دعوى أنّه مع وصوله بهذا الحدّ حجّة عقلائيّة، وبضميمة عدم الردع يصير حجّة شرعيّة سواء في الموضوعات أم في الأحكام، ولكن هذا ليس إثباتا للحجيّة في بعض أقسام الشهرة، بل الحجّة في الحقيقة هو الاطمئنان، هذا.
______________
(1) وحاصل هذا الجواب أنّ الخصوصيّة كون الشهرة في الرواية مأخوذة في الجواب، ونحن إنّما لا نعتني بخصوصيّة المورد مع كون الوارد عامّا، لا في مثل المقام، وهذا الجواب مختصّ بالمرفوعة ولا يجري في المقبولة؛ لعموم العلّة فيها. منه قدّس سرّه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|