أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2017
7594
التاريخ: 11-12-2018
1282
التاريخ: 12-4-2021
2103
التاريخ: 25-9-2018
1168
|
معاوية في الميزان
كل شيء في الحياة الانسانية هين اذا هان الخلل في موازين الانسانية. وانها لاهون من ذلك اذا جاوز الامر الخلل الى انعكاس الاحكام وانقلابها من النقيض الى النقيض . فمن الناس من يحب ان تتغلب المنفعة على الحقيقة او على الفضيلة ... لانه يرجع الى طبيعته فيشعر بحقارتها اذا غلبت مقاييس الفضائل المنزهة والحقائق الصريحة، ولانه يكره ان يدان الناس او تقاس الاعمال بمقاييس المثل العليا فيلوم نفسه ولا يقدر على التماس المعذرة لها في نقيصتها او في طبيعتها التي لا فكاك منها .
وليس ابغض الى الإنسان من احتقاره لنفسه؛ وليس احب اليه من اعتذاره لها عن حقيقتها. إنه يتعصب في كل شعور يدفع به النقص ويمهد به العذر وينفى به الاضطرار الى الاقرار بسبق السابقين له ، وارتفاع المرتفعين عليه .
وإنه ليعترف بالجهل اذا استطاع ان يدعى لنفسه تعلة يسمو بها على اهل المعرفة .
وإنه ليعترف بالعجز اذا استطاع ان ينزل بالقادرين الى « مستواه » بخديعة من خداع النفس .
وإنه ليعترف بالرذيلة اذا استطاع ان يلوث الفضيلة التي يمتاز بها عليه ذوو الفضائل البينة ... ويكفى ان ينسب الى العظيم المثالي عمل من الاعمال التي لا يقدر عليها النهاز ولا يسعى اليها ليشعر النهاز بالاختلاف والجفوة بينه وبين ذلك العمل العظيم المثالي ... ويضطره الى ذلك وقوفه بين طريقين:
أحدهما غريب يصغره في نظر نفسه، والآخر مألوف يطرقه كل يوم .
واذا لم يرجح من اخبار فترة النزاع بين علي ومعاوية بعد مقتل عثمان الا الخبر الراجح
عن لعن علي على المنابر بأمر معاوية لكان فيه الكفاية لإثبات ما عداه مما يتم به الترجيح بين كفتي الميزان .
فإن الذي يعلن لعن خصمه على منابر المساجد لا يكف عن كسب الحمد لنفسه في كل مكان وبكل لسان، ولو لم يرد من اخبار تلك الفترة الا ان معاوية كان يغدق الاموال على الاعوان ومن يرجى منهم العون لكان لعن خصمه على المنابر كافيا للإبانة عما صنعه لكسب الثناء عليه وإسكات القادحين فيه .
ولكن اخبار الاموال المبذولة لتغيير الحقائق في هذه الفترة تفيض بها كتب المادحين والقادحين ومن لا يمدحون ولا يقدحون.
جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي عن الإمام احمد بن حنبل أنه سأل أباه عن علي ومعاوية؟ فقال:
اعلم ان علياً كان كثير الاعداء، ففتش له اعداؤه عيباً فلم يجدوا، فجاءوا الى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كياداً منهم له (1) .
وقتل عثمان فانقسمت الرقعة الإسلامية قسمين: أحدهما لا خلاف فيه وهو الشام حصة معاوية ، والآخر لا وفاق فيه وهو حصة عليّ من الحجاز والعراق ، وقد تدخل مصر فيها حيناً وتخرج منها اكثر الاحايين ..
فكانت أعباء الخلافة كلها على علي , وكانت احوال الملك كلها مع معاوية ، مواتية له ، محيطة به فيما يريد .. وفيما لا يريد .
كان الناس مع علي ينظرون الى سنة الرسول .
وكان الناس مع معاوية ينظرون الى هرقل وكسرى ...
فكان المجتمع الإسلامي مجتمعين .. افترقا غاية افتراقهما في النزاع بين علي ومعاوية .
فكان علي يكبح تياراً جارفا لا حيلة في السير معه ولا في دفعه .
وكان معاوية يركب ذلك التيار رخاء سخاهم بغير مدافعة وبغير حيرة ...
وسبب آخر من اسباب الولع بالحديث عن الدهاء انه اصبح كفؤاً للشجاعة او راجحاً عليها في موازين الصفات الاجتماعية .
فإذا عيب رجل من رجالهم بقلة الشجاعة وجد العزاء ـ وفوق العزاء ـ بشهرة الدهاء .
فالدهاء عندهم مزية وضرورة وعزاء وغطاء للخوف والجبن ..
لقد كانوا يطلقون الدهاء على كل وسيلة غير صريحة يبلغ بها صاحبها مأربه .
وأبرع ما برع فيه معاوية من ألوان الدهاء إلقاء الشبهة بين خصومه .
وقد احتال بمثل هذه الحيلة على قيس بن سعد حتى اوقع الريبة منه في نفس الإمام .
وحيلة أخرى لانجزم بها ولكننا نشير اليها في مكانها مما رواه الرواة عن الوسائل الخفية التي توسل بها معاوية للغلبة على خصومه ومنافسيه ..
ومات الحسن ، ومات مالك بن الأشتر .. ومات عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعوجلوا جميعاً بغير علة ظاهرة فسبق الى الناس ظن كاليقين انها غيلة مدبرة ، وان صاحبها من كان له نفع عاجل بتدبيرها ، وهو : معاوية .
لقد علم المراقبون لطبائع الحيوان ان المطاردة عنده تقوم على حركات متتابعة ولا تقوم على حركة واحدة .
فإذا لمح الحيوان من خصمه انه يجفل منه أخذ في الهجوم .
وإذا عدا خصمه امامه اخذ في العدو وراءه .
وإذا ادركه ولم يجد منه مقاومة تمادى في صرعه وافتراسه .
وقد دخل حجر بن عدي على معاوية ومعاوية ينتظر منه صدمة يتبعها حذر
لواجب الحلم والأناة ، فلما دخل حجر محيياً له بالإمارة وزال الحاجز الاول زالت معه الحواجز الاخريات ، ولم يعلم الرجل اين يكون الوقوف . ونظن ان هذه الخليقة قد اوشكت ان تبرز في طوية معاوية من وعيه الباطن الى وعيه الظاهر .
وقد صبر معاوية على الوان من الخضوع في طلب وجاهته السياسية لا يصبر عليها كثير من عامة الناس ... واحتاج ان يقول مرة كما جاء في الطبري مستنداً الى سعيد بن سويد : ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ... ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم .
ثم نشبت الفتنة الوبيلة في خلافة عثمان ، ومعاوية بمعزل منها .
وقتل عثمان فاتخذ مقتله ذريعة للخروج على الإمام وإنكار بيعته .
وأسرف كل الإسراف في التذرع بهذه الذريعة قبل استقلاله بالخلافة .
فما كان له من مسوغ يتعلل به غير مقتل عثمان يردده في كل حديث وفي كل خطاب وفي كل جواب . وعلى قدر اللهج بهذه الفاجعة قبل استقلاله بالخلافة سكت عنها واغفلها بعد ذلك فلم يعد إليها قط لا ليعتذر الى قرابة الخليفة المقتول من سكوته وإغفاله .
وكان معاوية عظيم العناية بأطايب الخوان، كثير الزهو بالثياب الفاخرة والحلية الغالية، وكان يأكل ويشرب في آنية الذهب والصحاف المرصعة بالجوهر ويأنس للسماع واللهو ولا يكتم طربه بين خاصة صحبه .
وقد ألجأته الحاجة الى إنفاق المال في أبهة الملك والإغداق على الاعوان والخدم الى ارهاق الرعية بالضرائب ومخالفة العهود مع اصحاب الجزية .
فكان من الولاة من نطيعه ومنهم من يحيبه معترضاً .
ومن الولاة الذين انكروا ان تستصفى الاموال لبيت مال الخليفة: والى خراسان الذي كتب اليه زياد يأمره الا بقسم في الناس ذهباً ولا فضة ، فكتب الوالي الى زياد :
بلغني ما ذكرت من كتاب امير المؤمنين وإني وجدت كتاب الله تعالى قبل كتاب كتاب أمير المؤمنين .. وليس أضل ضلاله ولا اجهل جهلاً من المؤرخين الذين سموا سنة إحدى وأربعين هجرية بعام الجماعة لانها السنة التي استأثر فيها معاوية بالخلافة .
فلم يشاركه أحد فيها لان صدر الإسلام لم يعرف سنة تفرقت فيها الامة كما تفرقت في تلك السنة، ووقع فيها الشتات بين كل فئة من فئاتها كما وقع فيها .
إذ كانت خطة معاوية في الأمن والتأمين قائمة على فكرة واحدة وهي التفرقة بين الجميع.
ولم يقصر هذه الخطة على ضرب خصومه ببعضهم.. كضرب الشيعة بالخوارج. والعرب بالموالي.. واليمانية بالقيسية.. بل كان يفعل ذلك في صميم البيت الاموي من غير السفيانيين.
وواضح من هذه التفرقة انه كان يكف يده عن البطش والنكاية في معاملتهم جميعا .. لانه كان يغرى بعضهم ببعض فيستغنى بالوقيعة بينهم عن الإيقاع بهم ، ولكنه ـ على هذا كله ـ كان يؤيد سياسة الإيقاع مهما يكن من قسوتها .
وكان يختار لها من الولاة من يعلم انه يفرط فيها ولا يقتصد في شرورها وبقاتها .
ولا يبالى ان يأخذ البرىء يذنب الاثيم ولا ان ينكل بالقريب قصاصاً من البعيد
وخرج معاوية من الملك بالأيام التي قضاها في نعمته وثرائه ولا نقول في صولته وعزه فقد كان يذل لكل ذي بيعة منشودة ذلا لم يصبر من بايعوه على مثله . أما تبعته العامة في امر الملك فأمر جسيم لا تعد له جسامة عمل في عصره لانه نكص بالملك خطوات ... ولو انه أنشأ هذا الملك والناس لا يعرفون غيره لخف نصيبه من اللوم ... غير ان الناس عرفوا في زمانه فارقا شاسعا بين ولي الامر الذي يتخذ الحكم خدمة للرعية ... وبين الحكم الذي يجري على سنة المساومة ويملى لصاحبه في البذخ والمتعة ويجعله قدوة لمن يقتدون به في السرف والمغالاة بصغائر الحياة .
ما ينطبق على تصرفاته من القرآن
سورة آل عمران: «إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم. أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين 3 : 21 ، 22 »
سورة يونس: «إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون 10 : 7 ، 8 »
____________
(1) هذه الفترة وما يليها مقتطفات من كتاب العقاد « معاوية بن ابي سفيان في الميزان » ص 9 ، 11 ، 12 ، 14 ، 16 ، 17 ، 35 ، 38 ، 48 ، 49 ، 70 ، 71 ، 112 ـ 115 ، 181 ، 182 ، 185 ـ 191 ، 203 ـ 205 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|