المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
صحف النقابات المهنية
2024-11-24
السبانخ Spinach (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
الصحافة العمالية
2024-11-24
الصحافة العسكرية العالمية والعربية
2024-11-24
الرقابة على الصحافة العسكرية
2024-11-24
الأدوات الصحفية للمحرر العسكري
2024-11-24

الوضوء والغسل في فقه الامام الرضا
3-8-2016
قضية واقعية
27-6-2018
معنى {سَمِعَ اللّٰهُ} في اللغة والجواب عنها
1-12-2015
من تؤاخي
2024-08-27
MAGNETIC TAPE
11-10-2020
نظام البلمرة المتجانس Homogeneous
22-11-2017


حوار زنديق مع الامام الصادق عليه السلام حول مسائل متنوعة  
  
5342   09:46 صباحاً   التاريخ: 29-12-2019
المؤلف : أبو منصور أحمد الطبرسي مع تعليقات السيد محمد باقر الخرسان
الكتاب أو المصدر : الإحتجاج
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 77-100
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * مواضيع عامة /

من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة أنه قال: كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟

قال: رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب، وأحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته.

قال: أليس هو قادر أن يظهر لهم حتى يروه فيعرفونه فيعبد على يقين؟

قال: ليس للمحال جواب.

قال: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟

قال عليه السلام: أنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما، لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرون هم أنبياء الله وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.

ثم قال عليه السلام بعد ذلك: نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة ولا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء، ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقا منيرا، وأخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا، أخرج منه الأنبياء والرسل، هم صفوة الله، وخلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، وحفظوا في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية، ولا شاب أنسابهم، لأن الله عز وجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا منه، فمن كان خازن علم الله، وأمين غيبه ومستودع سره، وحجته على خلقه، وترجمانه ولسانه، لا يكون إلا بهذه الصفة فالحجة لا يكون إلا من نسلهم، يقوم مقام النبي صلى الله عليه وآله في الخلق بالعلم الذي عنده، وورثه عن الرسول، إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس، وأنهم إن أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه، ظهر العدل، وذهب الاختلاف والتشاجر، واستوى الأمر وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد أن يقر الناس به ولا يطيعوا له أو يحفظوا له بعد فقد الرسول، وما مضى رسول ولا نبي قط لم يختلف أمته من بعده، وإنما كان علة اختلافهم على الحجة وتركهم إياه. قال: فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة؟ قال: قد يقتدى به ويخرج عنه الشئ بعد الشئ مكانه منفعة الخلق وصلاحهم فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم وإن زادوا فيه أخبرهم وإن نفدوا منه شيئا أفادهم.

ثم قال الزنديق: من أي شئ خلق الله الأشياء؟

قال: لا من شئ.

فقال: كيف يجئ من لا شئ شئ؟

قال عليه السلام: إن الأشياء لا تخلو أما أن تكون خلقت من شئ أو من غير شئ، فإن كان خلقت من شئ كان معه، فإن ذلك الشئ قديم، والقديم لا يكون حديثا ولا يفنى ولا يتغير، ولا يخلو ذلك الشئ من أن يكون جوهرا واحدا ولونا واحدا، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشئ الذي أنشئت منه الأشياء حيا؟! ومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشئ ميتا؟!

ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لأن الحي لا يجئ منه ميت وهو لم يزل حيا، ولا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل لما هو به من الموت، لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء.

قال: فمن أين قالوا أن الأشياء أزلية؟

قال: هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل، ومقالتهم، والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسموا كتبهم أساطير، ووضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم واستحسانهم، أن الأشياء تدل على حدوثها، من دوران الفلك بما فيه، وهي سبعة أفلاك، وتحرك الأرض ومن عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت، والحوادث التي تحدث في العالم، من زيادة ونقصان، وموت وبلى، واضطرار النفس إلى الاقرار بأن لها صانعا ومدبرا، ألا ترى الحلو يصير حامضا، والعذب مرا، والجديد باليا، وكل إلى تغير وفناء؟!

قال: فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها؟

قال: فلم يزل يعلم فخلق ما علم.

قال: أمختلف هو أم مؤتلف؟

قال: لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف، وإنما يختلف المتجزي، ويأتلف المتبعض، فلا يقال له مؤتلف ولا مختلف.

قال: فكيف هو الله الواحد؟

قال: واحد في ذاته، فلا واحد كواحد، لأن ما سواه من الواحد متجزي وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزى، ولا يقع عليه العد.

قال: فلأي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم، ولا مضطر إلى خلقهم، ولا يليق به التعبث بنا؟

قال: خلقهم لإظهار حكمته، وإنفاذ علمه، وإمضاء تدبيره.

قال: وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه، ومحتبس عقابه؟

قال: إن هذه الدار دار ابتلاء، ومتجر الثواب، ومكتسب الرحمة، ملئت آفات، وطبقت شهوات، ليختبر فيها عبيده بالطاعة، فلا يكون دار عمل دار جزاء.

قال: أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا، وقد كان ولا عدو له، فخلق كما زعمت (إبليس) فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته، ويأمرهم بمعصيته وجعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم، فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم، ويلبس عليهم دينهم، فيزيلهم عن معرفته، حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته، وعبدوا سواه، فلم سلط عدوه على عبيده، وجعل له السبيل إلى إغوائهم؟

قال: إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته، ولا تنفعه ولايته، وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا، وولايته لا تزيد فيه شيئا، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع، إن هم بملك أخذه، أو بسلطان قهره، فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده ويوحده، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم، فامتنع من ذلك حسدا، وشقاوة غلبت عليه، فلعنه عند ذلك، وأخرجه عن صفوف الملائكة، وأنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم وولده بذلك السبب، ما له من السلطنة على ولده إلا الوسوسة، والدعاء إلى غير السبيل، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته.

قال: أفيصلح السجود لغير الله؟

قال: لا.

قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟

قال: إن من سجد بأمر الله، سجد لله، إذا كان عن أمر الله.

قال: فمن أين أصل الكهانة، ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟

قال: إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم، فيخبرهم عن أشياء تحدث، وذلك من وجوه شتى، فراسة العين، وذكاء القلب، ووسوسة النفس، وفتنة الروح، مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف، وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك، وهي لا تحجب، ولا ترجم بالنجوم، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض ما جائهم عن الله، لإثبات الحجة، ونفي الشبهة، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها إلى الأرض، فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان لما سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس بما يتحدثون به، وما يحدثونه، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث، من سارق سرق ومن قاتل قتل، ومن غائب غاب، وهم بمنزلة الناس أيضا، صدوق وكذوب.

قال: وكيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليهما السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟

قال: غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق، غذائهم النسيم، والدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها بسلم أو بسبب.

قال: فأخبرني عن السحر ما أصله، وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه، وما يفعل؟

قال: إن السحر على وجوه شتى:

وجه منها بمنزلة الطب، كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء، فكذلك علم السحر، احتالوا لكل صحة آفة، ولكل عافية عاهة، ولكل معنى حيلة.

ونوع آخر منه خطفة وسرعة، ومخاريق وخفة ونوع آخر ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم.

قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟

قال: من حيث عرف الأطباء الطلب، بعضه تجربة، وبعضه علاج.

قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت؟ وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟

قال: إنهما موضع ابتلاء، وموقع فتنة، تسبيحهما: اليوم لو فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولو يعالج بكذا وكذا لكان كذا، أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما، فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم.

قال: أفيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟

قال: هو أعجز من ذلك، وأضعف من أن يغير خلق الله، إن من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك الله في خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم والآفة والأمراض، ولنفى البياض عن رأسه، والفقر عن ساحته، وأن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافيين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور ويكشف بها الستور، والنمام أشر من وطئ الأرض بقدم، فاقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرء.

قال: فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع؟

قال: الشريف المطيع، والوضيع العاصي.

قال: أليس فيهم فاضل ومفضول؟

قال: إنما يتفاضلون بالتقوى.

قال: فتقول أن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلا بالتقوى؟

قال: نعم. أني وجدت أصل الخلق التراب، والأب آدم، والأم حواء، خلقهم إله واحد، وهم عبيده، إن الله عز وجل اختار من ولد آدم أناسا طهر ميلادهم، وطيب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج منهم الأنبياء والرسل، فهم أزكى فروع آدم، فعل ذلك لأمر استحقوه من الله عز وجل. ولكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده، وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب، وساير الناس سواء، إلا من اتقى الله أكرمه، ومن أطاعه أحبه، ومن أحبه لم يعذبه بالنار.

قال: فأخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا؟

قال عليه السلام: لو خلقهم مطيعين، لم يكن لهم ثواب، لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم يكن جنة ولا نارا، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته واحتج عليهم برسله، وقطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب، وبمعصيتهم إياه العقاب.

قال: فالعمل الصالح من العبد هو فعله، والعمل الشر من العبد هو فعله؟

قال: العمل الصالح من العبد بفعله، والله به أمره، والعمل الشر من العبد بفعله، والله عنه نهاه.

قال: أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟

قال: نعم. ولكن بالآلة التي عمل بها الخبر، قدر على الشر الذي نهاه عنه

قال: فإلى العبد من الأمر شئ؟

قال: ما نهاه الله عن شئ إلا وقد علم أنه يطيق تركه، ولا أمره بشئ إلا وقد علم أنه يستطيع فعله، لأنه ليس من صفة الجور، والبعث، والظلم، وتكليف العباد ما لا يطيقون.

قال: فمن خلقه الله كافرا أيستطيع الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجة.

قال عليه السلام: إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين، أمرهم ونهاهم، والكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا، إنه إنما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله، فعرض عليه الحق فجحده فبإنكاره الحق صار كافرا.

قال: أفيجوز أن يقدر على العبد الشر، ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله، ويعذبه عليه.

قال: إنه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه، ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه، والإنزاع عما لا يقدر على تركه، ثم يعذبه على أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه.

قال: بماذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغناء والسعة، وبماذا استحق الفقير التقتير والتضييق.

قال: اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم، والفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم، ووجه آخر: أنه عجل لقوم في حياتهم، ولقوم أخر ليوم حاجتهم إليه، ووجه آخر فإنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا، وفسد التدبير، وصار أهلها إلى الفناء ولكن جعل بعضهم لبعض عونا، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال، وأنواع الصناعات، وذلك أدوم في البقاء، وأصح في التدبير، ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء، كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.

قال: فيما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع والأمراض بلا ذنب عمله، ولا جرم سلف منه.

قال: إن المرض على وجوه شتى: مرض بلوى، ومرض عقوبة، ومرض جعل علة للفناء، وأنت تزعم أن ذلك من أغذية ردية، وأشربة وبية، أو من علة كانت بأمه، وتزعم أن من أحسن السياسة لبدنه، وأجمل النظر في أحوال نفسه وعرف الضار مما يأكل من النافع، لم يمرض، وتميل في قولك إلى من يزعم:

أنه لا يكون المرض والموت إلا من المطعم والمشرب! قد مات أرسطا طاليس معلم الأطباء، وإفلاطون رئيس الحكماء، وجالينوس شاخ ودق بصره، وما دفع الموت حين نزل بساحته، ولم يألوا حفظ أنفسهم، والنظر لما يوافقها، كم مريضا قد زاده المعالج سقما، وكم من طبيب عالم، وبصير بالأدواء والأدوية ماهر مات وعاش الجاهل بالطب بعده زمانا. فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته وحضور أجله، ولا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة وتأخر الأجل.

ثم قال عليه السلام: إن أكثر الأطباء قالوا: إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء، فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه، وأمناءه في أرضه، وخزان علمه، وورثة حكمته، والأدلاء عليه، والدعاة إلى طاعته؟

ثم إني وجدت أن أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء، ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى، فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه.

قال: فكيف تزهد في قوم وأنت مؤدبهم وكبيرهم؟

قال عليه السلام: إني رأيت الرجل الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه، وتأليف بدنه، وتركيب أعضائه، ومجرى الأغذية في جوارحه، ومخرج نفسه وحركة لسانه، ومستقر كلامه، ونور بصره، وانتشار ذكره، واختلاف شهواته، وانسكاب عبراته، ومجمع سمعه، وموضع عقله، ومسكن روحه، ومخرج عطسته، وهيج غمومه، وأسباب سروره، وعلة ما حدث فيه من بكم وصمم، وغير ذلك، لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها، وعلل فيما بينهم جوزوها.

قال: فأخبرني عن الله أله شريك في ملكه، أو مضاد له في تدبيره؟

قال: لا.

قال: فما هذا الفساد الموجود في العالم. من سباع ضارية، وهوام مخوفة وخلق كثير مشوهة، ودود، وبعوض، وحيات، وعقارب، وزعمت: أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة، لأنه لا يعبث؟

قال: ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجه المثانة والحصاة، ولمن يبول في الفراش، وأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي، فإن لحومها إذا أكلها المجذوم بشب نفعه، وتزعم أن الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للأكلة؟

قال: نعم.

قال: عليه السلام: فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعله أرزاق الطير، وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر، وأنكر ربوبيته، فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته، وهي البعوض، فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتلته، واعلم أنا لو وقعنا على كل شئ خلقه الله تعالى لم خلقه؟ ولأي شئ أنشأه؟ لكنا قد ساويناه في علمه، وعلمنا كلما يعلم، واستغنينا عنه، وكنا وهو في العلم سواء.

قال: فأخبرني هل يعاب شئ من خلق الله وتدبيره؟

قال: لا.

قال: فإن الله خلق خلقه عزلا، أذلك منه حكمة أم عبث؟

قال: بل منه حكمة.

قال: غيرتم خلق الله، وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب مما خلق الله لها، وعبتم الأغلف، والله خلقه، ومدحتم الختان وهو فعلكم. أم تقولون أن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة؟!

قال: عليه السلام: ذلك من الله حكمة وصواب، غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه، كما أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه، كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها، وفي تركها فساد بين للمولود والأم، وكذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم، وكان قادرا يوم دبر خلق الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول، وكذلك الشعر من الشارب والرأس، يطول فيجز، وكذلك الثيران خلقها الله فحولة، وإخصاؤها أوفق، وليس في ذلك عيب في تقدير الله عز وجل.

قال: ألست تقول: يقول الله تعالى: (ادعوني أستجب لكم) وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟

قال: ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له، أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه، وأما المحق فإنه إذا دعاه استجاب له، وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه، والمؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ، وقد يسأل العبد ربه هلاك من لم ينقطع مدته أو يسأل المطر وقتا ولعله أوان لا يصلح فيه المطر، لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه، وأشباه ذلك كثيرة فافهم هذا.

قال: اخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد، ولا يصعد من الأرض إليها بشر، ولا طريق إليها، ولا مسلك، فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية، وأنفى للشك وأقوى لليقين، وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا إليه يصعد الصاعد، ومن عنده يهبط الهابط.

قال: إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء، ومنها يظهر، أما ترى الشمس منها تطلع، وهي نور النهار، وفيها قوام الدنيا، ولو حبست حار من عليها، وهلك، والقمر منها يطلع، وهو نور الليل، وبه يعلم عدد السنين والحساب، والشهور والأيام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير، وفي السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر، والبحر، ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شئ، من: الزرع، والنبات، والأنعام، وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا، والريح لو حبست إياه لفسدت الأشياء جميعا، وتغيرت، ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق، كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شئ ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة تتنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية أن تفهم وتعقل.

قال: فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله عن من مضى منا. إلى ما صاروا، وكيف حالهم، وماذا لقوا بعد الموت، وأي شئ صنع بهم، ليعمل الناس على اليقين، واضمحل الشك، وذهب الغل عن القلوب.

قال: إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم، ولم يصدق بما جاءوا به من عند الله، إذ أخبروا وقالوا: أن الله أخبر في كتابه عز وجل على لسان أنبيائه، حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن رسله، وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم: (أصحاب الكهف) أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث، ليقطع حجتهم، وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق، وأمات الله (أرمياء) النبي عليه السلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر وقال: (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) (فأماته الله مائة عام ثم أحياه) ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم، وكيف تلبس اللحم، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل، فلما استوى قاعدا قال: (أعلم أن الله على كل شئ قدير) وأحيى الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون، لا يحصى عددهم، وأماتهم الله دهرا طويلا، حتى بليت عظامهم، وتقطعت أوصالهم، وصاروا ترابا، فبعث الله في وقت أحب أن يري خلقه قدرته، نبيا يقال له: (حزقيل) دعاهم فاجتمعت أبدانهم، ورجعت فيها أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفقدون من أعدادهم رجلا، فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا، وأن الله أمات قوما خرجوا مع موسى عليه السلام حين توجه إلى الله فقالوا: (أرنا الله جهرة) (فأماتهم الله ثم أحياهم) قال: فأخبرني عمن قال: بتناسخ الأرواح، من أي شئ قالوا ذلك، وبأي حجة قاموا على مذاهبهم.

قال: إن أصحاب التناسخ قد خلفوا ورائهم منهاج الدين، وزينوا لأنفسهم الضلالات، وأمرجوا أنفسهم في الشهوات وزعموا أن السماء خاوية ما فيها شئ مما يوصف، وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين، بحجة من روى أن الله عز وجل خلق آدم على صورته، وأنه لا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور، والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر، فإن كان محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة من الدنيا، وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا، أو هوام مشوهة الخلقة وليس عليهم صوم ولا صلاة، ولا شئ من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته، وكل شئ من شهوات الدنيا مباح لهم، من: فروج النساء، وغير ذلك، من الأخوات، والبنات، والخالات، وذوات البعولة، وكذلك الميتة، والخمر، والدم، فاستقبح مقالتهم كل الفرق، ولعنهم كل الأمم، فلما سئلوا الحجة زاغوا وحادوا، فكذب مقالتهم التوراة، ولعنهم الفرقان، وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب، وأن الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم، ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر، فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه؟! وقالوا: أن الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلى درجة من دينهم خرج من منزلة الامتحان والتصفية فهو ملك فطورا تخالهم نصارى في أشياء، وطورا دهرية يقولون: أن الأشياء على غير الحقيقة، فقد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان، لأن الذرات عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم، فلا يجوز أكل لحوم القربات.

قال: ومن زعم أن الله لم يزل، ومعه طينة مؤذية، فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها، فمن تلك الطينة خلق الأشياء!

قال: سبحان الله وتعالى! ما أعجز إله يوصف بالقدرة، لا يستطيع التفصي من الطينة! إن كانت الطينة حية أزلية، فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما، فإن كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت والفناء؟ وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم، والميت لا يجئ منه حي، وهذه مقالة الديصانية، أشد الزنادقة قولا، وأمهنهم مثلا، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم، وحبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت، ولا حجة توجب إثبات ما ادعوا، كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله، بما جاءوا عن الله، فأما من زعم أن الأبدان ظلمة، والأرواح نور، وأن النور لا يعمل الشر، والظلمة لا تعمل الخير، فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية، ولا ركوب حرمة ولا إتيان فاحشة وأن ذلك عن الظلمة غير مستنكر، لأن ذلك فعلها، ولا له أن يدعو ربا، ولا يتضرع إليه، لأن النور الرب، والرب لا يتضرع إلى نفسه، ولا يستعبد بغيره، ولا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول: (أحسنت) يا محسن أو (أسأت) لأن الإسائة من فعل الظلمة، وذلك فعلها، والإحسان من النور، ولا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن، وليس هناك ثالث، وكانت الظلمة على قياس قولهم، أحكم فعلا، وأتقن تدبيرا، وأعز أركانا من النور، لأن الأبدان محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة، وكل شئ يرى ظاهرا من الزهر، والأشجار والثمار، والطير، والدواب، يجب أن يكون إلها، ثم حبست النور في حبسها والدولة لها، وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور، فدعوى، وينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل، لأنه أسير، وليس له سلطان، فلا فعل له ولا تدبير، وإن كان له مع الظلمة تدبير، فما هو بأسير، بل هو مطلق عزيز، فإن لم يكن كذلك، وكان أسير الظلمة، فإنه يظهر في هذا العالم إحسان، وجامع فساد وشر، فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير وتفعله، كما تحسن الشر وتفعله، فإن قالوا محال ذلك، فلا نور يثبت ولا ظلمة، وبطلت دعواهم، ورجع الأمر إلى أن الله واحد وما سواه باطل، فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه.

وأما من قال: النور والظلمة بينهما حكم، فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم، لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم، وهذه مقالة المانوية والحكاية عنهم تطول.

قال: فما قصة ماني؟

قال: متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية، فأخطأ الملتين ولم يصب مذهبا واحدا منهما، وزعم أن العالم دبر من إلهين، نور وظلمة، وأن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه، فكذبته النصارى، وقبلته المجوس.

قال: فأخبرني عن المجوس أفبعث الله إليهم نبيا؟ فإني أجد لهم كتبا محكمة ومواعظ بليغة، وأمثالا شافية، يقرون بالثواب والعقاب، ولهم شرايع يعملون بها.

قال عليه السلام: ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله، فأنكروه. وجحدوا كتابه.

قال: ومن هو فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان؟

قال عليه السلام: إن خالدا كان عربيا بدويا، ما كان نبيا، وإنما ذلك شئ يقوله الناس.

قال: أفزردشت؟

قال: إن زردشت أتاهم بزمزمة، وادعى النبوة، فآمن منهم قوم وجحده قوم، فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الأرض.

قال: فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم، أم العرب؟

قال: العرب في الجاهلية، كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس وذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء، وجحدت كتبهم، وأنكرت براهينهم، ولم تأخذ بشئ من سننهم، وآثارهم، وأن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي، وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة، والعرب كانت تغتسل والاغتسال من خالص شرايع الحنيفية، وكانت المجوس لا تختن، وهو من سنن الأنبياء، وأول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله، وكانت المجوس لا تغسل موتاها ولا تكفنها، وكانت العرب تفعل ذلك، وكانت المجوس ترمي الموتى في الصحارى والنواويس، والعرب تواريها في قبورها وتلحدها، وكذلك السنة على الرسل، إن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر، وألحد له لحد، وكانت المجوس تأتي الأمهات وتنكح البنات والأخوات، وحرمت ذلك العرب، وأنكرت المجوس بيت الله الحرام وسمته بيت الشيطان، والعرب كانت تحجه وتعظمه، وتقول: بيت ربنا، وتقر بالتوراة والإنجيل، وتسأل أهل الكتب وتأخذ، وكانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفية من المجوس.

قال: فإنهم احتجوا بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم.

قال: فما حجتهم في إتيان البنات والأمهات، وقد حرم ذلك آدم، وكذلك نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وسائر الأنبياء، وكل ما جاء عن الله عز وجل.

قال: ولم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها؟

قال: حرمها لأنها أم الخبائث، وأس كل شر، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه، ولا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا حرمة إلا انتهكها ولا رحم ماسة إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها، والسكران زمامه بيد الشيطان، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد، وينقاد حيث ما قاده.

قال: فلم حرم الدم المسفوح؟

قال: لأنه يورث القساوة، ويسلب الفؤاد رحمته، ويعفن البدن ويغير اللون وأكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.

قال: فأكل الغدد؟

قال: يورث الجذام.

قال: فالميتة لم حرمها؟

قال: فرقا بينها وبين ما يذكى ويذكر اسم الله عليه، والميتة قد جمد فيها الدم، وتراجع إلى بدنها، فلحمها ثقيل غير مرئ، لأنها يؤكل لحمها بدمها.

قال: فالسمك ميتة؟

قال: إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء، ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه، وذلك أنه ليس له دم، وكذلك الجراد.

قال: فلم حرم الزنا؟

قال: لما فيه من الفساد، وذهاب المواريث، وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها، ولا المولود يعلم من أبوه، ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة.

قال: فلم حرم اللواط؟

قال: من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء وكان فيه قطع النسل، وتعطيل الفروج، وكان في إجازة ذلك فساد كثير.

قال: فلم حرم إتيان البهيمة؟

قال: كره أن يضيع الرجل ماءه، ويأتي غير شكله، ولو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا يركب ظهرها ويغشى فرجها، وكان يكون في ذلك فساد كثير، فأباح ظهورها، وحرم عليهم فروجها، وخلق للرجال النساء ليأنسوا بهن ويسكنوا إليهن، ويكن مواضع شهواتهم، وأمهات أولادهم.

قال: فما علة الغسل من الجنابة، وأن ما أتى حلالا وليس في الحلال تدنيس؟

قال عليه السلام: إن الجنابة بمنزلة الحيض، وذلك أن النطفة دم لم يستحكم ولا يكون الجماع إلا بحركة شديدة، وشهوة غالبة، فإذا فرغ تنفس البدن، ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة، فوجب الغسل لذلك، وغسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها.

قال: أيها الحكيم! فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النجوم السبعة؟

قال عليه السلام: يحتاجون إلى دليل، أن هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت، متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف.

ثم قال: وأن لكل نجم منها موكل مدبر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال.

قال: فمن قال بالطبايع؟

قال: القدرية، فذلك قول من لم يملك البقاء، ولا صرف الحوادث، وغيرته الأيام والليالي، لا يرد الهرم، ولا يدفع الأجل، وما يدري ما يصنع به.

قال: فأخبرني عمن يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون، ويذهب قرن ويجئ قرن، وتفنيهم الأمراض والأعراض، وصنوف الآفات، ويخبرك الآخر عن الأول، وينبئك الخلف عن السلف، والقرون عن القرون، أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس، بصير بتأليف الكلام، ويصنف كتابا قد حبره بفطنته، وحسنه بحكمته، قد جعله حاجزا بين الناس، يأمرهم بالخير ويحثهم عليه، وينهاهم عن السوء والفساد، ويزجرهم عنه، لئلا يتهارشوا، ولا يقتل بعضهم بعضا.

قال عليه السلام: ويحك إن من خرج من بطن أمه أمس، ويرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله، ولا ما يكون بعده، ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه، أو خلقه غيره، أو لم يزل موجودا، فما ليس بشئ ليس يقدر أن يخلق شيئا وهو ليس بشئ، وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا، يسئل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه، ولو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث، لأن الأزلي لا تغيره الأيام، ولا يأتي عليه الفناء، مع أنا لم نجد بناء من غير بان، ولا أثرا من غير مؤثر، ولا تأليفا من غير مؤلف، فمن زعم أن أباه خلقه، قيل: فمن خلق أباه، ولو أن الأب هو الذي خلق ابنه، لخلقه على شهوته، وصوره على محبته، ولملك حياته، ولجاز فيه حكمه، ولكنه إن مرض فلم ينفعه، وإن مات فعجز عن رده، إن من استطاع أن يخلق خلقا وينفخ فيه روحا حتى يمشي على رجليه سويا، يقدر أن يدفع عنه الفساد.

قال: فما تقول في علم النجوم؟

قال: هو علم قلت منافعه، وكثرت مضراته، لأنه لا يدفع به المقدور، ولا يتقى به المحذور، إن خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجم يضاد الله في علمه، بزعمه أن يرد قضاء الله عن خلقه.

قال: فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟

قال: بل الرسول أفضل.

قال: فما علة الملائكة الموكلين بعباده، يكتبون عليهم ولهم، والله عالم السر وما هو أخفى،

قال: استعبدهم بذلك، وجعلهم شهودا على خلقه، ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة، وعن معصيته أشد انقباضا، وكم من عبد يهم بمعصيته فذكر مكانهما فارعوى وكف، فيقول ربي يراني، وحفظتي علي بذلك تشهد، وأن الله برأفته ولطفه أيضا وكلهم بعباده، يذبون عنهم مردة الشيطان، وهوام الأرض، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلى أن يجئ أمر الله.

قال: فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟

قال: خلقهم للرحمة، وكان في علمه قبل خلقه إياهم، أن قوما منهم يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية، وجحدهم به.

قال: يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره، فبم يعذب من وحده وعرفه؟

قال: يعذب المنكر لإلهيته عذاب الأبد، ويعذب المقر به عذاب عقوبة لمعصيته إياه فيما فرض عليه، ثم يخرج، ولا يظلم ربك أحدا.

قال: فبين الكفر والإيمان منزلة؟

قال عليه السلام: لا.

قال: فما الإيمان وما الكفر؟

قال عليه السلام: الإيمان: أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله، كتصديقه بما شاهد من ذلك وعاين، والكفر: الجحود.

قال: فما الشرك وما الشك؟

قال عليه السلام: الشرك هو: أن يضم إلى الواحد الذي ليس كمثله شئ آخر والشك: ما لم يعتقد قلبه شيئا.

قال: أفيكون العالم جاهلا؟

قال عليه السلام: عالم بما يعلم، وجاهل بما يجهل.

قال: فما السعادة وما الشقاوة؟

قال: السعادة: سبب الخير، تمسك به السعيد فيجره إلى النجاة، والشقاوة سبب خذلان، تمسك به الشقي فيجره إلى الهلكة، وكل بعلم الله.

قال: أخبرني عن السراج إذا انطفى أين يذهب نوره؟

قال عليه السلام: يذهب فلا يعود.

قال: فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن، لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفى؟

قال: لم تصب القياس، إن النار في الأجسام كامنة، والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر، سقطت من بينهما بار، تقتبس منها سراج، له ضوء، فالنار ثابت في أجسامها، والضوء ذاهب، والروح: جسم رقيق، قد ألبس قالبا كثيفا، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت، أن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف، وركب فيه ضروبا مختلفة: من عروق، وعصب وأسنان، وشعر، وعظام، وغير ذلك، هو يحييه بعد موته، ويعيده بعد فنائه.

قال: فأين الروح؟

قال: في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.

قال: فمن صلب فأين روحه؟

قال: في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض.

قال: فأخبرني عن الروح أغير الدم؟

قال: نعم. الروح على ما وصفت لك: مادتها من الدم، ومن الدم رطوبة الجسم، وصفاء اللون، وحسن الصوت، وكثرة الضحك، فإذا جمد الدم فارق الروح البدن.

قال: فهل يوصف بخفة وثقل ووزن؟

قال: الروح بمنزلة الريح في الزق، إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها، فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه، ولا ينقصها خروجها منه، كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن.

قال: فأخبرني ما جوهر الريح؟

قال: الريح هواء إذا تحرك يسمى ريحا، فإذا سكن يسمى هواء، وبه قوام الدنيا، ولو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شئ على وجه الأرض ونتن، وذلك أن الريح بمنزلة المروحة، تذب وتدفع الفساد عن كل شئ وتطيبه، فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير، وتبارك الله أحسن الخالقين.

قال: أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟

قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء، وتفنى فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق، وذلك بين النفختين.

قال: وأنى له بالبعث والبدن قد بلى، والأعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط؟

قال: إن الذي أنشأه من غير شئ، وصوره على غير مثال كان سبق إليه، قادر أن يعيده كما بدأه.

قال: أوضح لي ذلك!

قال: إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه خلق، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها، مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب. محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وأن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم تمخضوا مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.

قال: فأخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة؟

قال: بل يحشرون في أكفانهم.

قال: أنى لهم بالأكفان وقد بليت؟!

قال: إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم.

قال: فمن مات بلا كفن؟

قال: يستر الله عورته بما يشاء من عنده.

قال: أفيعرضون صفوفا؟

قال عليه السلام: نعم. هم يومئذ عشرون ومائة ألف صف في عرض الأرض.

قال: أوليس توزن الأعمال؟

قال: لا إن الأعمال ليست بأجسام، وإنما هي صفة ما عملوا، وإنما يحتاج إلى وزن الشئ من جهل عدد الأشياء، ولا يعرف ثقلها أو خفتها، وأن الله لا يخفى عليه شئ.

قال: فما معنى الميزان؟

قال عليه السلام: العدل.

قال: فما معناه في كتابه: (فمن ثقلت موازينه)؟

قال: فمن رجح عمله.

قال: فأخبرني أوليس في النار مقتنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات والعقارب.

قال: إنما يعذب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه، إنما شريكه الذي يخلقه، فيسلط الله عليهم العقارب والحيات في النار ليذيقهم بها وبال ما كذبوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه.

قال: فمن أين قالوا: (أن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها)؟

قال: نعم ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس عنه فلا ينقص من ضوئه شيئا، وقد امتلأت الدنيا منه سراجا.

قال: أليسوا يأكلون ويشربون، وتزعم أنه لا يكون لهم الحاجة؟

قال: بلى. لأن غذائهم رقيق لا ثقل له، بل يخرج من أجسادهم بالعرق.

قال: فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟

قال: لأنها خلقت من الطيب لا يعتريها عاهة، ولا يخالط جسمها آفة. ولا يجري في ثقبها شئ، ولا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة ملدم، إذ ليس فيها لسوى الإحليل مجرى.

قال: فهي تلبس سبعين حلة ويرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها وبدنها؟

قال: نعم. كما يرى أحدكم الدراهم إذا لقيت في ماء صاف قدره قدر رمح.

قال: فكيف تنعم أهل الجنة بما فيه من النعيم، وما منهم أحد إلا وقد فقد ابنه، وأباه، أو حميمه، أو أمه، فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلى النار، فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار ويعذب؟

قال عليه السلام: إن أهل العلم قالوا: أنهم ينسون ذكرهم. وقال: بعضهم انتظروا قدومهم، ورجوا أن يكونوا بين الجنة والنار في أصحاب الأعراف.

قال عليه السلام: فأخبرني عن الشمس أين تغيب؟

قال: إن بعض العلماء قال: إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا، إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها يعني: أنها تغيب في عين حامية ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها، فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع، ويسلب نورها كل يوم، وتجلل نورا آخر.

قال: فالكرسي أكبر أم العرش؟

قال: كل شئ خلقه الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي.

قال: فخلق النهار قبل الليل؟

قال: خلق النهار قبل الليل، والشمس قبل القمر، والأرض قبل السماء ووضع الأرض على الحوت، والحوت في الماء، والماء في صخرة مجوفة، والصخرة على عاتق ملك، والملك على الثرى، والثرى على الريح العقيم، والريح على الهواء والهواء تمسكه القدرة، وليس تحت الريح العقيم إلا الهواء والظلمات، ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق، ولا شئ يتوهم، ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات والأرض والكرسي أكبر من كل شئ خلقه الله، ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي .

 

 

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.