المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



موانع الإرث  
  
16823   12:22 صباحاً   التاريخ: 17-12-2019
المؤلف : نصير فريد محمد واصل
الكتاب أو المصدر : فقه المواريث والوصية
الجزء والصفحة : ص47-81
القسم : القانون / القانون الخاص / قانون الاحوال الشخصية /

تعريف المانع

المانع في اللغة هو الحائل(1)، واصطلاحا هو ما يلزم من وجوده، عدم الحكم مع قيام السبب وتحقق الشرط ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا عدمه لذاته .

فإن الأسباب الشرعية لا تترتب عليها مسبباتها إلا إذا وجدت شروطها وانتفت موانعها. فإذا وجد مثلا سبب الميراث وتحقق شرطه فلا يترتب الميراث إلا إذا انتفى المانع كالقتل مثلا فإنه مانع من الميراث مع توفر مسبب الإرث وتحقق شروطه وهي القرابة وتحقق حياة الوارث بعد وفاة المورث وعلى هذا إذا قتل زوج زوجته فإنه يمنع من ميراثها مع قيام سببه الميراث وهو الزوجية مع وجود شرط الإرث وهو تحقق مسوت المورث وهو الزوجة وتحقق حياة الوارث وهو الزوج عند وفاة زوجته وذلك لأن المانع من الميراث وهو القتل، فوت على الوارث وهو الزوج أهلية الميراث معاملة له بنقيض قصده، ويسمى هذا المنع من الميراث حرمانا، ويسمى الممنوع منه محروما من الميراث (۲)

و موانع الميراث ثلاثة عند الجمهور وهي: القتل، واختلاف الدين، واختلاف الدار. وعند الشافعية خسمة هي: اختلاف الدين، والردة، والقتل، والرق، وإيهام وقت الموت (۳)

المانع الأول : القتل وبيانه عند الفقهاء

اتفق الفقهاء على أن هذا المانع يتعلق بالقاتل ولا يتعلق بالمقتول بمعنى أن القاتل لا يرث المقتول ولكن يرث المقتول قاتله وذلك يتصور فيمن قتل بالسبب أو جرح من غيره في جناية عليه ومات متأثرا بجراحة أو بألسبب بعد موت الجارح أو صاحب السبب(4).

وقد أجمع أهل العلم على أن القتل العمد العدوان من المكلف يمنعه من الميراث، وقد شذ عن هذا الإجماع الخوارج وسعيد بن المسيب، وأبن جبير فيما حکی عنهم حيث أنهم ورثوه بعموم آية المواريث أي أخذا بظاهرها فقط من غير نظر إلى ما ورد من أدلة أخرى تتعلق بالمنع(5). وقول هؤلاء لا يعول عليه في نفي الإجماع الشذوذه ولأنه جاء معارضا لما اشتهر بين الصحابة من منع عمر القاتل من میراث من قتله استدلالا بقول رسول الله : "ليس للقاتل شيء " رواه مالك في موطنه وأحمد في مسنده .

فقد أعطى عمر دية ابن قتادة المدلجي - وهو رجل من بني مدلج يقال له قتادة (6) - لأخيه دون أبيه الذي خذفه بسيفه فقتله. وقد اشتهرت هذه القصة بين الصحابة ولم ينكرها أحد منهم فكانت إجماعا. وقد قال عمر في سبب حكمه بالمنع : سمعت رسول الله عليه والله وسلم  يقول : "ليس للقتل شيء" وهذا هو مستند الإجماع. كما يؤيد هذا الإجماع حديث ابن عباس تقوية عن النبي أنه قال : " من قتل قتيلا فإنه لا يرثه، وإن لم يكن له وارث غيره، وإن كان والده أو ولده فليس لقاتل میراث رواه الإمام أحمد في مسنده (7) هذا من جهة النص والإجماع. أما من جهة العقل فلأن الوارش ربما استعجل موته مورثه بالقتل المحظور ليأخذ ماله فعوقب بالحرمان منه معاملة ن بنقيض قصده ، ثم إن التوريث مع القتل يؤدي إلى كثرته، وهو فساد والله لا يحب المفسدين ما عدا القتل العمد العدوان فقد اختلف فيه الفقهاء على النحو التالي

قال الشافعي: كل قتل يمنع من الميراث، ولو من غير مكلف فتحقق وصف القتل في الشخص يمنعه من الميراث سواء كان هذا القتل بحق كالقصاص يقصد کالعمد العدوان أو بغير قصد كالنائم ينقلب على غيره فيقتله ، ضمن القاتل كالعمد واخطأ أو لم يضمن كالمقتص وقتل المرتد ومن طلب منه تنفيذ القصاص، ويضمن القاتل أيضا ولو قصد به مصلحة كسقي الأب الدواء باختياره ولو على سبيل المعالجة إذا أفضى إلى موته، كما يمنع وصف القتلى من الميراث ولو كان دفعا الصيال، أو من قتال العادي الباغي أو العكس. وسواء كان القتل مباشرة أو سببا كالإكراه على القتل والشهادة على المورث بما يوجب حذا يفضي إلى القتل أو القصاص، أو تزكية من يشهد عليه بذلك ويشهد فعلا فمات بسبب ذلك، وذلك هو المعتمد والصحيح في المذهب وقيل إن لم يضمن القاتل ورث(8).

ودليل المذهب الشافعي في منع القاتل مطلقا من الميراث قوله صلى الله عليه واله وسلم: "ليس للقاتل من الميراث شيء" (9)، ولحبر الترمذي وغيره: «ليس للقاتل شیء (10) أي من الميراث كما قال علماء الذهب ولأنه لو ورش لم يؤمن أن يستعجل الإرث بالقتل فاقتضت المصلحة حرمانه، ولأن القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث، وإنما أخذ بالوصف العام منعا للذريعة أي سدا البابها حتى لا يكون هناك أي تحايل في القتل باي وصف كان للوصول إلى الميراث بسببه ، وأما دليل القول الثاني وهو ضعيف في المذهب فقد حمل الحديث السابق على القتل قصاصا أو حد(11) .

وقال الحنابلة القتل المانع من الميراث هو القتل بغير حق وهو المضمون يقود أو دية أو كفارة، كالعمد، وشبهه، والقتل الخطأ وما جرى مجراه، كالقتل بالتسبب وقتل الصبي والمجنون والنائم.

أما غير المضمون بشيء مما ذكر فإنه لا يمنع من الميراث كالقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن النفس، وكقتل العادي الباغي، أو قصد مصلحة كسقي المورث الدواء باختياره لمورثه في علاج مات منه(12).

وقال الحنفية: القتل الذي يمنع من الميراث هو كل قتلى يجي فيه القصاص أو الكفارة وهو يشمل عندهم أربعة أنواع:

1- العمد .

۲- شبه العمد .

٣- الخطأ

4- ما جرى مجرى الخطا

ذلك لأن الذي يجب فيه القصاص عندهم هو العمل لأن موجبه عندهم القصاص والإثم ولا كفارة فيه .

والذي يجب فيه الكفارة عندهم ثلاثة أنواع هي: شبه العمد، والخطأ، وما جرى مجراه . أما شبه العمد فلان موجبه الكفارة والدية على العاقلة والإثم ولا قود فيه  وأما الخطا(13) فلأن موجبه الكفارة والدية على العاقلة ولا إثم فيه كالقتل العمد وإنما فيه إثم دونه لعدم التثبت والاحتياط.

أما ما جرى مجرى الخطأ فهو كالنائم ينقلب على مورثه فيقتله، لأن موجبه موجب الخطأ، لأنه لا قصد فيه، ولكن وجد منه الفعل حقيقة فوجب الضمان بالسبب الشرعي أي بمقتضى الحكم الشرعي الوضعي، حيث أجرى مجرى الخطأ في العذر من العقاب وهو القصاص.

وقد استند الأحناف في منع الميراث بهذه الأنواع إلى حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم " ليس للقاتل میراث "  لأن لفظ القاتل في الحديث مطلق فيصرف التقى إلى كل قتل فيه إثم ولو دون إثم القتل وهذا يشمل ما فيه كفارة، وللإجماع على المنع في القتل العمد، ولأن شبه العمد يشبه العمد في القصد لأن قصد الشخص قتل مورثه بفعل محظور بعد استعجالا لأخذ ماله ، فحرم من الميراث معاملة له بنقيض قصده(14) وأما المخطئ في القتل والجاري مجراه فلوجود فعلى القتل حقيقة فأقيم السبب مقام السبب بغض النظر عن القصد من باب التثبت والاحتياط في منع القتل منعا لأي شبهة بها أستعجال الميراث بالموت لاحتمال أنه كان يقصد قتل مورثه ويتظاهر بالخطأ أو النوم هروبا من المسئولية، والعقاب ووصولا إلى المال ، فنزل هذا التوهم منزلة المحقق سدا للذريعة. حتى لا يجد المغرضون ثغرة ينفدون منها إلى فاسد ماربهم وسيء أغراضهم(15) .

ولاشك أن توريث القاتل يفضي إلى كثرة القتل أستعجالا للحصول على الميراث، ولو أبحنا التوريث للقاتل لكانت الجريمة سببا في النعمة والحصول على المال وهذا أمر لا يقبله العقل السليم ولم يعهد في الشرع الحكيم لأنه فساد في الأرض" والله لا يحب المفسدين " (16) القتل الذي لا يمنع من الميراث عند الحنفية

وأما القتل الذي لا يمنع من الميراث عندهم فهو القتل الذي لم يجب فيه قصاص ولا كفارة وهو يشمل أربعة أنواع هي:

1- القتل بالتسبب. ۲ - القتل يحق.. ٣- القتل من غير المكلف. 4 - القتل بعذر .

أما القتل بالتسبب فهو في حافر البشر في الطريق في غير ملكه بدون إذن الحاكم فوقع فيها مورثه فمات، فهذا لا يمنع من الميراث لأن هذا القتل لا قصاص فيه ولا كفارة لأن القاتل لم يكن قاتلا حقيقة، لأنه لم يباشر القتل ولم يتعلق بفعله إثم أي جزاء للقتل عليه شخصيا وإنما وجبه فيه جزاء على العاقلة وهو الدية على العاقلة صيانة لدم المقتول من الإهدار (17)

وأما القتل بحق كقتل مورثه حدا أو قصاصا أو دفاعا عن النفس أو العرض أو المال أو قتل العادل مورثه الباغي لأن الحرمان من الميراث عقوبة على القتل المحظور والقتل بحق بجميع أنواعه غير محظور لقوله تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " (18).

وأما القتل من غير مكلف فهو كقتل الصبي الذي لم يبلغ الحلم أو السن مورثه وكقتل المجنون والمعتوه والمغمى عليه بسبب خارج عن فعله كمن تناول عقارا مضطر إليه كدواء لمرض فأغمي عليه بسببه أو تناوله باختياره لحاجة وهو لا يعلم أنه يذهب عقله أو يحيله إلى غيبوبة فقتل مورثه أثناء غيبته أو زوال عقله حيث لا يمنع من الميراث ، لأن الحرمان جزاء القتل المحظور وفعل غير المكلف لا يوصفه بالخطر قبل توجه خطاب الشارع إليه وهو لم يتوجه إليه بعد فأصبح لا إثم فيه فأشبه القتل في الحد والقصاص حيث لم يتعلق به حرمان من الميراث ولا كفارة (19)

وأما القتل بعذر فهو يتحقق فيمن قتل زوجته إذا فاجأها متلبسة بالزنا فقتلها أثناء تلبسها به، حيث يرثها لأنه في مثل هذه الحالة فاقد الشعور غالبا لا اختيار له فاعتبر كفاقد الوعي والحق به وأعتبر معذورا من له حق الدفاع الشرعي وإن جاوز الحد فيه لأن حد الدفاع لا يمكن ضبطه على وجه التحديد فعفي عن التجاوز فيه لأن أصله وهو الدفاع المباح هو الذي دعا إليه وكان سببا فيه أي في هذا التجاوز(20) .

وقال المالكية : القتل الذي يمنع من الميراث هو كل قتل عمد عدوان سواء كان بالمباشرة أم بالتسبب كحفر بئر أو تقديم طعام مسموم لا يعلم الآكل بوجود السم فيه، وكالتحريض على القتلى وشهادة الزور إذا أدت إلى القتل، والاشتراك في القتل ولو كان المشترك ربيتة أي يراقب المكان في أثناء مباشرة القتل ليضلل الناس عن مكان القتل .

وأما إذا لم يوجد القصد كالقتل الخطأ، فلا حرمان من الميراث إلا من الديه فقط، وكذلك يرث كل من لا يعتد بقصده كالصبي والمجنون والمعتوه وكذلك لا يكون مانعا كل قصد بحق كالقصاص والحد والقتل بعذر(21)

وبهذا يتفق المالكية مع الحنفية فيما عدا القتل بالسبب لأنه مانع عندهم وليس مانع عند الحنفية .

وقال الزيدية ، قاتل العبد لا يرث من المال ولا من الدية يحجب إجماعا لحديث: «القاتل لا يرثه وحديث: «لا میراث لقاتل»(22).

وأما قاتل الخطأ فإنه يرث من المال ولا يرث من الدية : لقوله وقد سئل عن رجل قتل ابنه: «إن كان خطأ ورث، وإن كان عملا لم يرثه وإنما خرجت الدية عن الميراث في الخطأ بالإجماع فلا يرث فيها(23) .

وقال الإمامية، القتل المانع من الميراث هو القتل العمل ظلما، أي عمدا عدوانا لحديث: "لا ميراث لقاتل"  وما عدا العمد العدوان فإنه لا يمنع من الميراث في المال والدية أيضا على الصحيح، وقيل يرث مما عدا الدية وهو الأظهر. ويرث من قتل بالسبب كما عند الحنفية(24)

وبالموازنة بين المذاهب السابقة في ميراث القاتل نجد أن قول الزيدية موافق القول المالكية وأن الدليل هو الدليل وكذلك وافقهم الأمامية في أظهر الأقوال عندهم  وبذلك يظهر لنا أن المذاهبه في ميراث القاتل أربعة مذاهب: مذهب الشافعية ، ومذهب الحنفية ، ومذهب المالكية ومن وافقهم، ومذهب الحنابلة.

ونرى أن القول المختار هو ما ذهب إليه المالكية ومن وافقهم وهو أن القتل المانع من الميراث هو القتل العمد العدوان سواء كان مباشرة أو نيئا وهو يشمل ما يسمى عند الحنفية بالقتل العمد والقتل سببه العمد والقتل بالتسبب لأن كلا منهما تترتب عليه عقوبة الحرمان من الميراث لما فيه من قصد القتلى المحظور، معاملة له بنقيض قصده (25)

ولا تمسك للشافعي بعموم الحديث، لأنه مصروف إلى القتل الذي يتعلق به الإثم، ويوصف بالحظر، وإلا فكيف نسوي بين الظالم العامد وبين من ينفذ القصاص ويقيم حدود الله، أو بينه وبين من لم يتوجه إليه خطاب الشرع، كصبی ومجنون ومعتوه، وكيف تعاقب بالحرمان، من يدافع عن نفسه أو ماله أو عرضه ، وقد منحه الشارع حق هذا الدفاع وإباحة له، أو كيف نعاقب العادل إذا قتل مورثه الباغي الذي يريد تفريق كلمة المسلمين وتمزيق وحدتهم ويقال للحنابلة: كيف تسوي بين من لا يوصف فعله بالخطر لعدم توجه خطاب الشرع إليه كالمجنون، والصبي، وبين غيره من المكلفين الذين توصف أفعالهم بالحظر لتوجه خطاب الشرع إليهم.

 

ويرد على من قال بأن المخطئ في القتل محروم من الميراث كيف تحرمون المخطئ من الميراث مع أنه لا قصد له، والحرمان عقوبة بنقيض المقصود، وقد انتفى هذا المقصود، عن المخطئ فيتساوى مع غير المكلف في شأن الميراثه وهذا رد على الشافعية والحنابلة والحنفية في جعلهم المخطئ في القتل كالعامد في منعه من الميراث.

ويرد على الحنفية والإمامية في التفريق في الحرمان بين المباشرة والتسبب حيث منعوه بالمباشرة ولم يجعلوه مانعا في التسبب بأن فعل القتل قد يكون مقصود و ظاهرا في السبب كما هو في المباشر فكيف يتم التفريق بينهما إذا والحديث يشمله بعمومه لقوله صلى الله عليه واله وسلم  : "ليس لقاتل میراث"  وهذا يتحقق بلا خلاف في كل قاتل عمد والسبب العملي إذا أدى إلى القتل يكون القتل عمدا بالسبب باتفاق العلماء جميعا.

ويرد على من سوى بين السبب المباح والسبب المحرم كما هو مذهب الحنابلة والشافعية إذا أدي السبب المبيح للقتل كسقى المريض الدواء النافع بقصد المصلحة والشفاء فأدى إلى الموت، بأن السبب المبيح سبب مشروع وتنتفى عنه نية القتل باتفاق من حيث الظاهر وأحكام الشارع منوطة بالأفعال الظاهرية فيما يتعلق بأحكام العباد ومعاملاتهم وتصرفاتهم فيما بينهم حيث جعل الشارع السبب الظاهري منوط به تعلق الأحكام الشرعية التي خطابهم بها فكيف نجمع إذا بين فعل قصد به المصلحة والحياة للشخص وفعل قصد به الضرر والقتل ظاهرا. ولهذا وجب التفريق بينهما في الأحكام.

هذا وقد أخذ قانون رقم 77 لسنة 1943م بمذهب المالكية في جعل القتل المانع من الميراث هو القتل العمد العدوان مطلقا حيث جاء في نص المادة الخامسة منه على النحو التالي: «من موانع الإرث قتلى المورث عمداء سواء أكان القاتل فاعلا أصليا أم شريكا أم كان شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام وتنفيذه، إذا كان القتل بغير حق ولا عذر، وكان القاتلی عاقلا بالغا من العمر خمس عشرة سنة، ويعد من الأعذار تجاوز حق الدفاع الشرعي».

فالقانون قد خالف رأي الحنفية الذي هو مصدر القانون أصلاً في امرين: الأول أنه جعل القتل بالتسبب مانعا، وهم لم يجعلوه مانا، والثاني: أنه جعل القتل الخطأ غير مانع من الميراث وهم جعلوه مانعا۔

المانع الثاني من موانع الميراث اختلاف الدين

المواد باختلاف الدين هو الاختلاف في الإسلام والكفر لأن الدين أصلا لا يكون إلا بالإسلام لأن الدين عند الله الإسلام لقوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام " وإطلاق الكفر على أنه دين إطلاق عرفي أي مجازي والمراد به الملة الفاسدة أو العقيدة الباطلة والفاسدة التي يدين بها من كفروا بالله وأشركوا به واعتبروها دينا لهم زورا وبهتانا وظلموا أنفسهم بذلك وكذبوا على ربهم وأنفسهم فكان الخطاب حسب مقصودهم هم لا من حيث الحقيقة الشرعية واللغوية.

والإسلام في اللغة التسليم والانقياد، وفي الشرع: هو الدين الإلهي الذي نزل على محمد صلى الله عليه واله وسلم  متضمنا شريعة الإسلام التي شملت تنظيم العقيدة والأخلاق والمعاملات بمفهومها العام والخاص في جانب الفعل أو الترك.

والدين الإسلامي هو الدين الذي ختم الله به الديانات السماوية عموما وأصبح الإسلام بعد كماله وتمامه على يد محمد عليه السلام خاتم الأديان والشرائع السماوية إلى قيام الساعة ولا يصح لأي بشر ان يعتنق سواه شرعا ودينا لقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين  "(26).

والكفر ضد الإسلام وهو لغة ألجحود والستر، يقال كفر نعمة الله كفرا بالضم والفتح وكفرانا، جحدها وسترها(27)، وشرعا هو خلاف الإسلام سواء كان بإشراك أو بغيره (28)

ولا خلاف لأحد من الفقهاء المسلمين والعلماء في أن الإسلام دين مقابل وحده للكفر وأن المسلمين جميعا على ملة واحدة وإن أختلفت مذاهبهم الفقهية و مداركهم العقلية في الأمور الاجتهادية والفرعية، وإنما اختلف الفقهاء في الكفر هل هو ملة واحدة أم ملل متعددة على ثلاثة أقوال:

القول الأول : وهو مذهب الحنفية والشافعية وداود أن الكفر كله بجميع أنواعه ملة واحدة. يقول الشافعي رحمه الله تعالى: "المشركون في تفرقهم واجتماعهم يجمعهم أعظم الأمور وهو الشرك بالله تعالى" وقال الرافعي الشافعي في تفسير قول الإمام الشافعي: فجعل اختلاف فرقهم كالنفس الواحدة في البطلان، وفي معاداة المسلمين والتمادي عليهم"(29). ولأن حقن دماء الكفار جميعا يكون بسبب واحد وهو الإسلام ويستأنس لهذا بقوله تعالى : " فماذا بعد الحق إلا الضلال  " (30)، وبقوله تعالى : "ولكم دينكم ولي دین "(31) .

وبقوله تعالى : والذين كفروا بعضهم أولياء بعض (32) فأشعرت کل هذه الآيات بأن الكفر كله ملة واحدة حيث جعل المخالف للإسلام كله ملة واحدة .

والقول الثاني : وذهب إليه الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله : أن الكفر ملل متعددة ، فالنصارى ملة، واليهود ملة، ومن عداهما ملة ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى : "ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" (33)، وبقوله صلى الله عليه  واله وسلم " الا يتوارث أهل ملتين"(34)

القول الثالث : وهو الابن مرزوق المالكي واعتمده عندهم أن اليهود والنصارى ملة واحدة وأن من عداهما ملل مختلفة وعلى ذلك يكون اليهود والنصارى ملة واحدة وعبدة النار وهم المجوس ملة وعبدة الأصنام ملة، وعبدة الشمس ملة، والبراهمة ملة ، والدهرية ملة، وهكذا ، قال الخضري في حاشيته (35) وهو وجيه في الإرث لبنائه على الموالاة والتناصر. وأما الجنايات والنكاح والزكاة فيحكم لجميع من سوى أهل الكتاب بحكم واحد كما قال مالك وأحمد(36) .

هذا والذي تميل إليه في الترجيح هو المذهب الأول الذي قال به الحنفية والشافعية والظاهرية وهو أن الكفر كله بجميع مثله ومذاهبه وطوائفه ملة واحدة وذلك لاشتراكهم جميعا في الكفر والشرك والضلال ومعاداة المسلمين .

ويجاب عن أدلة المذهب الثاني الذي قال بأن الكفر ملل متعددة وأن اليهود ملة، والنصاری ملة، ومن عداهما ملة، بأن معنى الآية في قوله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" أي لك من اتبع محمد صلى الله عليه واله وسلم جعلنا القرآن له شرعة ومنهاجا كما قال مجاهد ويدل على ذلك قوله تعالى في الآية منكم حيث ذلك دليل على تخصيصه بأمة محمد صلى الله عليه واله وسلم  وأما الجواب عن استدلالهم بحديث: "لا يتوارث أهل ملتين" فالمراد بالملتين في الحديث الإسلام والكفر وذلك لإطلاق الإسلام على الملة ففي قوله تعالى :  "ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا " (37)

لأن المراد بالملة هنا المنهج والطريق وهو هنا منهج الإسلام وطريقة الصحيح وهو الإسلام. فهو ضد ملة الكفر والضلال أي فيهم الكفر والضلال ويدل على ذلك التفسير ما ورد في بعض طرق هذا الحديث «لا يرث المسلم الكافر» (38) .

ويرد هذا المذهب الثالث فيما استند إليه من عدم الموالاة والتناصر فيما بينهم بأن ذلك فيما بينهم وبين أنفسهم أما فيما بينهم وبين المسلمين فهم جميعا يوالون بعضهم بعضا ضد المسلمين ويتكتلون جميعا للنيل من المسلمين وإن كان من رحمة الله بعباده المسلمين أن فرق بين قلوب أعدائهم ويشهد لذلك قوله تعالى: " وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتی " (39)

ولما كان الميراث صلة شرعية بين الوارث والمورث ومبناه على الولاية والتناصر، ومع اختلاف الدين لا تثبت الولاية لأحدهما على الآخر كان علينا بالنظر إلى اختلاف الإسلام مع الكفر وإلى وحدة مثل الكفر أو تعددها أن تبين حكم الإرث بين المسلم والكافر أولا ثم إرث الكفار بعضهم من بعض ثم إرث المرتد وذلك في ثلاثة مطالب :

المطلب الأول

الإرث بين المسلم والكافر

 أجمع جمهور العلماء على أن الكافر لا يرث من المسلم لأنه أدنی حالا منه لقوله تعالى :" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "(40) ولما رواه البخاري ومسلم: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم " (41) ولقوله صلى الله عليه واله وسلم  : "لا يتوارث هل ملتين"، ولانعدام الولاية بين المسلم والكافر، وانعدام النصرة بينهما وهي اساس وعلى هذا إذا وجد الاختلاف وقت استحقاق الميراث وهو وقت موت المورث مع حياة الوارث منع من الإرث أي لا يرث الكافر المسلم إن كان الميت هو المسلم، وعلى هذا لا قيمة في استحقاق الميراث إذا أسلم الكافر بعد موت قريبه المسلم حيث يمنع من الميراث ولو كان إسلامه قبل تقسيم التركة، لأن مانع الإرث قام بالشخص وقت موت المورث فاعتبر معدوما في حق الورثة ويثبت لهم الحق فيها شرعا حيث لا يعتبر من الورثة وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء (42)

وفي رواية عن الإمام أحمد وقول الإمامية أن الكافر إذا أسلم قبل توزيع التركة فإنه لا يمنع من الميراث لأن اختلاف الدين قد زال قبل القسمة وإذا زال المانع قبل القسمة سقط هذا المانع في حقه واشترك مع الورثة ولأن المال لا يتقرر في ملك الورثة قبل القسمة على ما قاله الإمامية(43) والذي نراه راجحا هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الوارث إذا أسلم قبل القسمة لا يرث لأن شرط الميراث عند جميع الفقهاء عدم المانع وقت وفاة المورث لا وقت قسمة التركة وإلا لاختلف الحكم بتعجيل القسمة وتأخيرها، وهذا يؤدي إلى الاضطراب في الأحكام الشرعية في مجال تطبيقها وتنفيذها وعدم استقرارها يؤدي إلى التحايل بادعاء الإسلام للحصول على الميراث ولو نفاقا وهذا ما يناهضة ويرفضه الإسلام في كل حال وذلك لأن الحكم التكلیفی مرتبط ارتباطا وثيقا بالحكم الوضعي وقت تعلق خطاب الشارع بأفعال العباد الحسية (44).

هذا بالنسبة لتوريث الكافر من المسلم وأما توريث المسلم من الكافر ففيه خلاف على أقوال :

القول الأول و لا يرث المسلم من الكافر بأي سبب كان لحديث: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"  ولحديث: «لا يتوارث أهل ملتين» وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة المشهورة والزيدية وفقهاء الأمصار وهو ما عليه العمل كما قال ابن قدامة (45) وعلى ذلك لا يرث الزوج المسلم من زوجته الكتابية والقريبة المسلم لا يرث من قريبة الكافر، وكذلك المعتق المسلم لا يرث من عتيقة الكافر، خلافا لأحمد رحمه الله .

واستدلوا على ذلك بما رواه أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال : ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم والحديث متفق عليه بين البخاري ومسلم. وبقوله : «لا يتوارث أهل ملتين» ....

وهذا من جهة النص، وأما من جهة العقل فلأن الميراث مبني على الموالاة والمناصرة وهما متقطعان بين المسلم والكافر فلا يرثه كما لا يرث الكافر المسلم وهذا من باب القياس (46) .

القول الثاني للإمامية:

 وقالوا يرث المسلم من غير المسلم لأن أختلاف الدين عندهم لا يمنع المسلم من ميراث غير المسلم وإن منع غير المسلم من میراث المسلم، وقد روي ذلك عن معاذ ومعاوية، ومحمد بن الحنفية، وعلى بن الحسين، وسعيد بن المسيب، واستدلوا لمذهبهم بقوله : «الإسلام يزيد ولا ينقص وهذا يدل على أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وبناء على ذلك يرث الزوج المسلم زوجته الكتابية ولا ترث الزوجة الكتابية من زوجها المسلم. وذلك لأننا إذا قلنا بأن الوارث قبل إسلامه مستحق للميراث من قريبة الكافر، ويعد إسلامه يحرم من ميراثه النقص إسلامه من حقه وهذا لا يجوز لأن الإسلام يزيد ولا ينقص وقياسا على أننا ننكح نساءهم وهم لا ينكحون نساءنا وهذا يدل على أننا نرثهم وهم لا يرثوننا (47)

الترجيح والاختيار

 والذي نميل إليه في الترجيح والاختيار ما ذهب إليه الجمهور من الفقهاء من أن المسلم لا يرث الكافر كما أن الكافر لا يرث المسلم تصریح نص حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم : " ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" وحديث: "لا يتوارث أهل ملتين  "

و تكون المعاملة بالمثل تحقيقا للعدالة في المعاملة المالية بين المسلم وغير المسلم كما هو الحال دائما في كل معاملات الإسلام مع المسلمين وغيرهم.

أما الجواب عن حديث الإسلام يعلى ولا يعلى عليه فإن المراد به علو الإسلام نفسه كدين عن الكفر، فالإسلام يعلو عن الكفر في كل حال وهذا لا خلاف فيه وعلى ذلك يكون المراد بالعلو هنا كل ما يتعلق بالأمور الدينية لا الدنيوية وعلى ذلك إذا تردد الأمر بين الإسلام والكفر رجح جانب الإسلام لعلوه كما في المولود الذي يكون بين المسلم والكتابية حيث أنه ثبت إسلامه من جهة أبيه ، ولم يثبت إسلامه نظرا لجهة أمه لأن الولد جاء منهما معا ومشترك بينهما بلا نزاع وعلى ذلك حكم الشارع بإسلامه نظرا إلى جهة الإسلام لعلوها وشرفها في جانب الولد وهي مصلحة له محققة فراعاها الإسلام له لأنها في مصلحته دينا ودنيا، وهذا تفسير معقول للحديث أو يكون المراد بالعلو في الحديث العلو بحسب الشرف أو بحسب الحجة أو بحسب القهر والغلبة أي النصرة في العاقبة دائما للمسلمين لقوله تعالى :" والله العزة ولرسوله وللمؤمنين " (48)

ويجاب عن حديثهم الثاني : "الإسلام يزيد ولا ينقص" بأن نفي التوريث بين السلم والكفار مطلقا أي من الجانبين ليس لأجل إسلام المسلم بل لأجل كفر الكافر، لأنه خبيث، ليس أصلا لأن يكون المسلم خلفا له حالة كفره ومناصرا له . أو يكون معنى الحديث: إن الإسلام يزيد بن يسلم وبما يفتح من البلاد لأهل الإسلام، ولا ينقص بمن يرتد لقلة من يرتد وكثرة من يسلم وهو أمر معقول ويفسره الواقع العملي  فالحديثان طرقهما الاحتمال، على أنهما مجملان، ولم يتفق على صحتهما، وما رواه الجمهور مفسر ولا يحتاج إلى بيان تفسير وهو متفق علی صحته وبيانه فتعين تقديمه في مجال العمل والحكم والقضاء والإفتاء (49).

وأما الجواب عن قياسهم الميراث على النكاح - أي نكاح الكتابية - فيقال فيه بأنه قیاس مردود بأن العبد ينكح الحرة ولا يرثها، والمسلم يغنم مال الحربي ولا يرثه. وبأن النكاح مبناه على التوالد وقضاء الوطر. والإرث ميناه على الموالاة المناصرة فافترقا، ولكن لما كان اتصالنا بهم فيه تشريف لهم أختص بأهل الكتاب  منهم (50)

وقد أنكر شريح التابعي قاضي الكوفة، ما روى عن معاذ ومعاوية و من معهما فإنه كان إذا قضى به يقول : هذا قضاء أمير المؤمنين، فكان سلبه القضاء عن نفسه و إضافته إلى أمير المؤمنين إنكارا له(51)

كما أنكره عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فإنه لما ولى الخلاقة وقام بأمر المسلمين ردهم إلى ما كان عليه جمهور المسلمين من قبل وهو أنه لا تواریث بين المسلمين وغيرهم .

هذا وقد أخذ قانون المواريث برأي جمهور الفقهاء فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة السادسة منه ما نصه : "لا توارث بين مسلم و غیر مسلم " بلا تفصيل كما قال الجمهور (52)

المطلب الثاني

ميراث الكفار بعضهم من بعض

 اختلف الفقهاء في ميراث الكفار بعضهم من بعض حسب اختلافهم هل هم جميعا ملة واحدة أم ملل متفرقة. فذهب الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعى وداود والإمامية إلى أنهم يتوارثون بعضهم من بعض بناء على أنهم جميعا ملة واحدة في مقابلة الإسلام وسواء اتفقت أديانهم ومللهم أم اختلفت كاليهود والنصارى وفرق كل منهما حيث يرث كل منهما الآخر وسواء كانت أصول هذه الأديان سماوية أم أرضية وعلى هذا يرث اليهودي النصراني وبالعكس ويرث الكاثوليكي الأرثوذكسي وبالعكس ويرث المسيحي البوذي وبالعكس ومثله المسيحي ولا يترتب على اختلافهم في العقائد والملل والأديان منعهم من الميراث لأنهم جميعا في حكم ملة واحدة في مواجهة الإسلام.

وذهب مالك وأحمد إلى أن ما عدا الإسلام ملل ثلاث وهم اليهود والنصارى وما عداهما وعلى ذلك لا يرث اليهودي المسيحي وبالعكس ولا يرث أي منهما من لا دين له كالمجوسي والبوذي ومن لا دين له مطلقا والعكس  وذهب ابن مرزوق من المالكية إلى أن ما عدا اليهود والنصاري ملل متعددة وعلى هذا فكل ملة لا ترث من الملة الأخرى حيث لا يتوارث أهل ملتين من الكفار مطلقا سواء كانت الملة أصلها سماوي قبل تحريفها أم كانت أرضية وذلك لأنه لا تناصر بينهم بالنسبة لأنفسهم بعضهم مع بعض (53).

الرأي الراجح

والذي نميل إليه في الترجيح والاختيار هو مذهب من قال بأن جميع الكفار ملة واحدة يتوارث بعضهم من بعض الأنهم ملة واحدة في مواجهة الإسلام الحديث النبي صلى الله عليه واله  وسلم "الناس كلهم حيز ونحن حيز" وذلك لأن الناس جميعا لا يخرجون عن فريقين فريق في اتجاه الحق وهم المسلمون وفريق في اتجاه الباطل وهم الكفار بجميع طوائفهم كما هو ظاهر نص الحديث والناس بالنسبة إلى المسلمين والكفار فرقتان فرقة تقر بشريعة الإسلام وهو المسلمون قاطبة على اختلاف مذاهبهم وفرقة تنكرها وهم الكفار بجميع طوائفهم بمللهم وهذا يشمل الكفار قاطبة وإن اختلفوا فيما بينهم وصاروا كأهل الأهواء من المسلمين فإنهم يتوارثون ماداموا لم تخرج بهم أهواؤهم عن حظيرة الإسلام. وهذا هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وداود .

وقد أخذه قانون المواريث بهذا القول الراجح حيث جاء في الفقرة الثانية من المادة السادسة منه ما يدل على ذلك. فقد جاء نص هذه الفقرة على النحو التالي: "ويتوارث غير المسلمين بعضهم من بعض".

المطلب الثالث

ميراث المرتد ميراث المرتد من غيره  

يتفق الفقهاء فيما بينهم على أنه لا يرث المرتد من غيره لا من المسلم ولا من غير المسلم وذلك بسبب ردته وتركه دين الإسلام، لأن الميراث صلة شرعية بين المورث والوارث ولا صلة مطلقا بين المرتد والمسلم لأنه لا صلة بين الكفر والإسلام، ولا بين المرتد والكافر لأن المرتد لا يقر على كفره حتى تكون هناك صلة بين كفره وكفر الكافر الأصلي، ولأن المرتد في جميع الأحوال قد عمل على

.

تمزيق هذه الصلة وتمزيقها بردته وهو بها يستحق القتل بلا خلاف إن كان رجلا بعد استتابته لمدة ثلاثة أيام وكذا المرأة عند بعض الفقهاء كما هو مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه(54). وبناء على ذلك لا يرث المرتد من المسلم ولا من الكافر ولا من مرتد مثله حتى وإن رجع إلى الإسلام بعد ردته ويعد موت مورثه وهذا حكي فيه الإجماع وما وقع لابن الرفعة الشافعي في كتابه الطلب من تقييد منع المرقد من الإرث بما إذا مات مرتدا وأنه إذا أسلم تبين إرثه فهو غلط لا يقر عليه كما صاحبة السبكي في كتاب الابتهاج و قال أنه فيه خارق للإجماع (55)

والسبب في أن المرتد لا يرث المسلم لحديث "ولا يرث المسلم الكافر" وفي رواية «لا يرث کافر مسلما» ولأن المرتد أدنی حالا من المسلم ولا صلة بينهما ولقوله تعالى : "ولن يجعل الله الكافرين على المؤمنين سبيلا" (56)

وأما عدم إرث المرتد من الكافر فلأنه يخالفه في حكم الدين لأن الكافر يقر على دينه والمرتد لا يقر على كفره فلم يثبت للمرتد حكم أهل الدين الذي انتقل إليه. وأما عدم إرثه من مرتد مثله فلان كلا منهما جان بارتداده فلا يستحق واحد منهما هذه الصلة الشرعية لأنه قطعها ولم يبق على حرمتها، ولأن المرتد لا ملة له حتى تجمع بينهما ملة واحدة، ولأن في توريث المرتد من قريبه غير المسلم سواء كافرا أم مرت تقريرا لحالة التي ينهي الإسلام عن إقراره عليها، الأنه لا مال الواحد منهما حتى يرثه الآخر لأن المرتد تزول أملاكه الثابتة له كما تزول أستقرارها  حتى أنها تزول عن ملکه بمجرد ردته ولا تعود إليه بإسلامه بخلاف مال الكافر الأصلي لأن مال الكافر إنما يحرم بالذمة والعهد الذي أعطاه له الإسلام والمرتد لأن لا ذمة له ولا أمان، وإذا زالت أملاكه الثابتة له واستقرارها بمجرد ردته فلم يبق له مال يرثه منه غيره وإذا ثبت له ذلك في حق غيره معه فلان لا يثبت له بالميراث ملك جديد من باب أولى، أي إذا كان لم يثبت له ملك نفسه الأصلي فكيف يثبت له ملك غيره الذي لم يملكه بعد(57)

ميراث الغير من المرتد :

بالنسبة لميراث الغير من المرتد فيجب أن نفرق بين أموال المرتد التي اكتسبها قبل ردته وأمواله التي اكتسبها بعد ردته والتي أخرجها من دار الإسلام إلى دار الحرب.

فأمواله التي اكتسبها بعد لحاقه بدار الحرب والتي أخرجها من دار الإسلام إلى دار الحرب لا خلاف بين الفقهاء في أنها توضع في بيت مال المسلمين .

وأما أمواله التي اكتسبها قبل لحاقه بدار الحرب وبعد ردته فقد اختلف فيها الفقهاء على النحو التالي:

الإمام أبو حنيفة يذهب إلى أن المرتد إذا مات أو قتل أو حكم القاضي بلحقاه بدار الحرب مرتدا يفصل في أمواله : فما اكتسبه حال إسلامه قبل ردته يكون لورثته المسلمين، لأن موته سواء كان حقيقيا أم حكما يستند إلى وقت ردته لأنه يستحق الموت بها ويخير بين التوية والقتل فيعتبر في حكم الميته من وقت ردته فما اكتسبه قبلها يکون میراثا، وعلى ذلك لا يرثه إلا من كان وارثا وقت ردته ، ولا يرثه من مات قبل ذلك أو رال مانع إرثه بعد ذلك بعتق أو إسلام لأنه لم يكن وارثا وقت استحقاق الميراث وهذه الرواية هي التي عول عليها الكرخي في المذهب (58)

وروى الحسن بن زياد : أن ورثة المرتد هم الذين يثبت لهم الاستحقاق من وقت الردة ويستمر إلى الموت أو الحكم باللحاق بدار الحرب فمن مات من الورثة بعد ردته و قبل موته أو الحكم بلحاقه أو من حدث له الاستحقاق بعد الردة فليس له میراث لعدم ثبوت الاستحقاق من وقت الردة إلى الموت أو الحكم باللحاق لأن المال موقوف إلى الموت أو الحكم باللحاق فإن تاب ثبت له ملكه، وإن أصر حتی مات أو حكم بلحاقه انتقل للورثة فيجب أن يستمر الاستحقاق طول مدة وقف المال (59)

وروى محمد بن الحسن : أن ورثة المرتد عند أبي حنيفة هم الذين يستحقون الميراث وقت الموت أو الحكم باللحاق لأن الردة لا تنعقد سببا للميراث إلا إذا أصر عليها بأن مات أو حكم بلحاقه فهي كجزء العلة لأنه إن تاب بقى له ماله فلا يعتبر ورثته عند حدوث الردة وإنما يعتبر ورثته عند تمام السبب، وهو موته مصرا على الردة أو الحكم بلحاقه بدار الحرب مرتداً(60) والرواية الأولى لأبي حنيفة هي التي عول عليها الكرخي في المذهب.

وأما المال الذي اكتسبه المرتد بعد ردته يكون فيئا للمسلمين سواء كان قبل اللحاق بدار الحرب أم بعده وذلك بناء على أنه مال لا مالك له إذ لا ورثة للمرتد بعد ردته. هذا بالنسبة للرجل أما الأنثى فلا يستند موتها إلى وقت ردتها لأنها لا تستحق الموت بها عند الحنفية بل تستحق الحبس بها فيعتبر موتها من وقت موتها الحقيقي أو من وقت الحكم بلحاقها بدار الكفر إن لحقت بها فيكون ما اكتسبته من مال قبل الموت أو الحكم باللحاق لورثتها المسلمين ولو كان كسبا بعد الردة، أما ما اكتسبته بعد الحكم باللحاق بدار الحرب، فسيكون فيئا يوضع في بيته مال المسلمين (61). .

وإذا عاد المرتد الأنثي إلى الإسلام بعد الحكم بلحاقه فله ما وجد من أمواله ولا يرجع على ورثته بشيء مما أتلفوه أو خرج من أيديهم ولا ضمان عليهم إلا إذا كانوا اقتسموه بغير حكم حاكم، وبذلك يكون المرتد هنا كالمفقود إذا ظهر حيا بعد الحكم بموته(62)

وقال الصحابان أبو يوسف ومحمد كما قال الزيدية لا فرق بين الرجل والمرأة في أن ما اكتسبه كل منهما قبل الموت والحكم باللحاق يكون لورثته المسلمين ولو كان مكتسبا بعد الردة، لأن موت كل منهما يعتبر من وقت الموت الحقيقي، أو من الحكم باللحاق وليس مستندا إلى وقت الردة فلا تنتقل ملكية أمواله إلى ورثته إلا بموته حقيقة أو حكما(63)

وقال زيد بن ثابت من الصحابة وبه قال مالك والشافعي وأحمد رضی الله عنهم: أن مال المرتد يوضع في بيت مال المسلمين، ويبقي موقوفا بعد لحاقه كما كان قبل لحاقه ولا يحكم بزوال ملكه كما لو لم يرتد، فإن مات أو قتل كان فيئا في بيت مال المسلمين وإن عاد إلى الإسلام دفع إليه ماله لأنه حر من أهل التصرف يبقى له ملکه بعد إسلامه، ويجب أن يرد إليه ما أخذ منه أو أتلف عليه كغيره من المسلمين الأحرار ومن لهم الحق في الملكية(64).

واستدل ابن قدامة بما رواه سعيد من طريقين عن عروة وابن أبي مليكة عن النبي : "من أسلم عن شيء فهو له "  وبما روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال : رسول الله صلى الله عليه واله وسلم  :" كل شيء قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام " (65).

الاختيار والترجيح

 والذي نميل إليه في الاختيار والترجيح ما قال به الزيدية، وأبو يوسف و محمد وهو أن مال المرتد يقسم بين ورثته المسلمين الوارثين وقت الموته الحقيقي للمرتد أو الموت الحكمي له وهو بلحاقه بدار الحرب بلا فرق بين ما اكتسبه المرتد

حال إسلامه وما اكتسبه حال ردته قبل الحكم  بلحساقه، وذلك لأن موته لم يستند إلى وقت الردة، لأن المرتد تام التكليف وليس للردة أثر في زوال أملاكه في الحال لأنها في مثل من حكم عليه بالقتل حدا أو قصاصا، حيث أن تصرفاته صحيحة ولا يورث ماله قبل تنفيذ حد القتل فيه ولهذا لا تنتقل أموال المرتد إلى ورثته حتى ينفذ حكم القتل فيه أي من وقت موته حقيقة أو حكما، وقد حكم بذلك الإمام علي رضي الله عنه حيث جعل میراث المستورد العجلي حين ارتد لورثته بعد قتله.

ولا تكون أموال المرتد التي اكتسبها قبل ردته فسينا للمسلمين كما قال مالك والشافعي وأحمد، لأن قرابة الوتد من المسلمين أولى من المسلمين لأن قرابته يدلون إليه بسبين : بالإسلام، والقرابة والمسلمون يدلون إلى المرتد قبل ردته بسبب واحد وهو الإسلام، وربما يتأكد ذلك بما يبقى لذلك من حكم الإسلام بدليل أنه لا يؤخذ ماله في الحال بل يبقى حتى يموت حقيقة أم حكما، فكانت حياة المرتد معتبرة في بقاء ماله على ملكه وذلك لا يكون إلا بأن يكون لماله حرمة إسلامية ولذلك لم يجز أن يقر على الردة بخلاف الكافر، لأن المرتد يجبر على العودة إلى الإسلام ولا يجبر الكافر على الإسلام، فيبقى حكم الإسلام في حق المرتد فيما لا ينتفع هو به دون ما ينتفع به.

وما روی من آثار عندهم عامة يحتمل أنها في حق الكافر غير المرتد والله أعلم. وهذا ما رجحه صاحب كتاب الميراث المقارن.

هذا ولم يتعرض قانون المواريث الجديد لميراث المرتد لا إيجابا ولا سلبا فبقى الحكم فيه بالنسبة للمرتد على الأرجح من مذهب الحنفية وهو أنه لا يرث المرتد من غيره وذلك متفق عليه عند جميع الفقهاء ، ويرثه بعد موته ورثته المسلمون فيما اكتسبه حال إسلامه وما اكتسبه حال ردته يكون فيا ليت مال المسلمين كما هو رأي الإمام أبي حنيفة .

خلافا لرأي أبي يوسف ومحمد، لأن الفقهاء المجتهدين في المذهب لم يذكروا ترجيحا لأحد القولين، والمقرر في المذهب الحنفي عند الخلاف، ترجیح قول الإمام صاحب المذهب إذا لم يذكر ترجیح قول غيره من الأصحاب(66).

المانع الثالث من موانع الإرث: اختلاف الدارين

اختلاف الدار في عرف الفقهاء المراد به اختلاف الوطن أو الدولة أو الجنسية حسب اصطلاحات القوانين الحديثة الدولية والمحلية التي تنظم أمور الجنسية وتنظيمها بين الدولي بالنسبة لرعاياها، والوطن يشمل حسب هذا الاصطلاح الفقهي والقانوني الدولة، والإمارة، والسلطنة، والمملكة ، والجمهورية، والولاية.

وتختلف الداران عن الفقهاء بأمور ثلاثة وهي :

1- اختلاف المنعة والقوة، بحيث يكون لكل دار منهما جيش مستقل خاص بها يدافع عنها ويحمي حماها .

۲- اختلاف الحاكم الأعلى لكل منهما، سواء كان أميرا أو سلطانا أو ملگا، أو رئیس جمهورية.

۳- انقطاع العصمة بينهما، بحيث تستحل كل دار منهما قتال الدار الأخرى فإذا ظفر رجل من عسكر إحداهما برجل من عسكر الدار الأخرى قتله مستحلا دمه .

فإذا تخلفت هذه الأمور الثلاثة، ولم تنقطع العصمة، ووجد بينهما التناصر على الأعداء كانت الداران في حكم دار واحدة مهما اتسعت الرقعة وتعددت الأقطار والحكومات واختلفت اللغات والديانات وديار الإسلام مهما تباعدت وتباينت في بلادها وأنظمتها الحكومية فهي في حكم دار واحدة لأن العصمة بينها لم تنقطع أبدا ولا يستحل أحدهما الآخر لأن النصرة والولاية قائمة بينهما بحكم الشارع وقوته وإن اختلفت منعتها وقوتها فيما بينها وثارت بينها العداوات الدنيوية أحيانا، وذلك لأن حكم الإسلام بجمعها ويوحد بين إحساساتها ومشاعرها فلا توجد حكومة إسلامية منها تستحل قتال الأخرى ولو دفاعا عن النفس وعند البغي والعدوان المهلك للنفس والمال وذلك لقوله تعالى :" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلأ خطئا .. الآية  " (67) وقوله تعالى: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما " (68)، ولقوله : " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار "، وفي رواية: "إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا، قال: فقلنا أو قيل يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه »(69)

وإباحة قتال البغاة لا يعد استحلالا للدار والدم وإنما هو من باب الرخصة في دفع الظالم والدفاع عن النفس والمال بحديث:" من قتل دون أهله فهو شهيد . ومن قتل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيده  " وحدیث: "أرأيت إن  جاء أحد يريد أخذ مالي؟ قال صلى الله عليه واله وسلم: لا تعطه مالك؟ قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني. قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته. قال: هو في النار" .

وبناء على ذلك لا يحكم باختلاف الدارين بين المسلمين ببغي بينهم ولا بقتال حيث لا يقر هذا البغي ولا البغاة بحال لأن ذلك أمر طارئ لا يلبث أن يزول بحكم الإسلام بالصلح أو بالقوة لقوله تعالى :" وإن طائفتان من المؤمنين   اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين " (70)

ولا فرق في ديار الإسلام بين الخالصة لهم والمحتلة منهم من عدو لأن المستعمر کافر باغ لا يقر على استعماره ولا ظلمه وعلى جميع المسلمين الدفاع عنها كل حسب طاقاته وإمكاناته حتى يجلو المغتصب ويرحل المستعمر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

وبناء على ما سبق لا يتصور اختلاف الدارين إلا بين دار الإسلام ودار الكفر في أوقات الحرب بينهما لانقطاع العصمة والعهد فيما بينهما ولاستحلال كل منهما الأخرى في النفس والمال وأما في وقت السلم فلا يتصور اختلاف دار لأن الأصل بين بني آدم جميعا قوله صلى الله عليه والله وسلم : "كلكم لآدم وآدم من تراب" وقوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "(71). وقوله تعالى : "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم "(72).

ولا يتصور هذا السلم إلا مع معاهدات دولية ملزمة لكلا الطرفين بالسلم والخضوع لكل نصوص القانون الذي ينفذ عليهما في كل معاهدات الصلح وعدم الاعتداء والتعاون في المجال السياسي والثقافي والاقتصادي والأمني واحترام الحقوق العامة والخاصة بما لا يتعارض مع نصوص الإسلام الآمرة ولا مع عزة المسلمين في دينهم وأوطانهم ومع نظم القانون الدولي الحالية فاختلاف الدارين المانع من الميراث لا يتحقق حالة السلم العامة الآن وذلك لوجود السلام العام بين الدول ولو لم يكن هناك معاهدات خاصة مكتوبة بينهما وذلك لوجود القانون الدولي العام الذي يجمع بين كل الدول ويلزمها جميعا بالسلم فيما بينها فالأصل في ظله أيضا السلام لا الحرب وإن كان ذلك لم يتحقق في الواقع العملي في ظل القانون الوضعي كما هو مشاهد الآن بين كثير من الدول لأن العبرة هنا بأحكام الشريعة الإسلامية لا بأحكام القوانين الدولية المخالفة لها. وقد أمرنا بما خاطبنا الله سبحانه وتعالى في ذلك يقول : " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله "

أنواع اختلاف الدارين

واختلاف الدارين ثلاثة أنواع وهي(73): -

1- حقيقة وحکما كالحربين إذا كان كل منهما في دار مختلفة مع الأخرى .

 ۲- حکما فقط كمستأمن وقريبه له ذمي في بلاد المسلمين وذلك لأن دار المستأمن تختلف عن دار الذمي لأن دار الذمى دار الإسلام وهي دارنا ودار المستأمن دار الحرب والكفر وهي مختلفة عن دار الإسلام. وإنما كان الاختلاف هنا حکمي فقط لأن المستأمن والذمي من حيث الواقع في دار واحدة وهي دار الإسلام وإنما اختلف الحكم معهما لأن المستأمن يتمكن من العودة إلى دار الكفر متى أراد وهذا لا يتحقق مع الذمي لأن أحكام الإسلام تطبق عليه في كل معاملاته وشئونه كما تطبق على المسلمين فيما عدا ما يتصل بحرية العقيدة فقط التي يدين بها .

3 - اختلاف بين الدارين حقيقة فقط كمستأمن في دار الإسلام وحربي في دار الحرب، فإن داريهما مختلفتان حقيقة لأن كلا منهما في دار تخالف دار الآخر حقيقة وإن اتفقا حكما في دار واحدة لأنهما معا من دار واحدة وهي دار الكفر حيث تطبق عليهما ما أحكام هذه الدار ويلتزمون بها فيما هذا واتفق الفقهاء على أن الذي يمنع من الميراث من هذه الأنواع الثلاثة هو الاختلاف الحكمي فقط لأن به يظهر اختلاف الأحكام سواء وجد معه اختلاف حقيقة أم لا(74)

كما أجمع الفقهاء على أن اختلاف الدارين بالنسبة للمسلمين لا يكون مانعا من الميراث بأي حال من الأحوال لعدم الاختلاف الحكمي فيما بينهما من حيث الحقيقة والواقع لأنهم جميعا يخضعون لأحكام الإسلام بغض النظر عن الاختلاف الواقعي في الموطن والخضوع لأحكام القانون الدولي الحالي الذي ينظم قانون الجنسية بين الدول التي تخضع لهذا القانون الدولي، لأن المناصرة قائمة بحكم الشرع بين المسلمين في كل زمان ومكان مهما تباعدت أوطانهم وديارهم، ولذلك يتوارث المسلمون بعضهم من بعض وإن تأت البلاد وتعددت الحكومات والأقطار فالمسلم المصري يتوارث مع قريبه المسلم الإندونيسي والمسلم الباكستاني يتوارث مع قريبه المسلم المراكشي، والمسلم المغربي يتوارث مع قريبه المسلم السعودي وهكذا کل قریب مسلم يرث قريبه المسلم في أي بلد مسلم إذا توفرت فيه شروط الإرث وانتفت عنه الموانع.

اختلاف الدارين بالنسبة لغير المسلمين

أما بالنسبة لاختلاف الدارين بالنسبة لغير المسلمين فقد اختلف فيه الفقهاء هل هو مانع من الميراث بينهم أم لا على النحو التالي:

1- الجمهور من الفقهاء : على أنه غير مانع كما لا يمنع بين المسلمين معاملة لهم بالمثل لأن أحكام الإسلام تشملهم، حكما وإن لم يعملوا بها لعدم التزامهم بتنفيذها لانعدام القدرة للمسلمين عمليا على تنفيذها عليهم ولكن الواجب هو تنفيذ حكم الإسلام على من يخضع له وعلى ذلك فالمصري غير المسلم يرث قسرييه الإنجليزي غير المسلم وأهل دار الحرب كذلك يتوارثون وإن اختلفت ديارهم. وهذا مذهب الشافعية في قول، والمالكية، والإمامية ، والزيدية ، وبعض الحنايلة(75)

٢- وذهب أبو حنيفة وبعض الحنابلة وقول للشافعية إلى أن اختلاف الدارين يمنع من التوارث بين غير المسلمين لانقطاع العصمة وانتفاء الولاية بينهما وعلى ذلك إذا مات غير مسلم أمريكي في أمريكا وله قريب روسي في روسيا فلا يرثه لاختلاف الدارين بينهما حقيقة وحكما. وكذلك الحكم إذا مات في دار الإسلام مستأمن وله قريب ذمي في بلادنا حيث لا يرث الذمي المستأمن الاختلاف الدارين بينهما حكما(76).

الترجيح :

والذي نری ترجیحه واختياره هو قول جمهور الفقهاء وهو أن اختلاف الدارين لا يمنع التوارث بين غير المسلمين كما لم يمنع بين المسلمين، وفي هذا المعنى يقول ابن قدامة : وقياس المذهب عندي أن أهل الملة الواحدة يتوارثون وإن اختلفت ديارهم لأن العمومات من النصوص تقتضي توريثهم ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع ولا قیاس صحيح فيجب العمل بعمومها ومفهوم قوله صلى الله عليه واله وسلم  : " ولا يتوارث أهل ملتين شتی" لأن مفهوم هذا الحديث يدل على أن أهل الملة الواحدة يتوارثون، ولأن مقتضى التوريث موجود فيجب العمل به ما لم يقم دليل على تحقق المانع(77) .

ويرد على أبي حنيفة ومن وافقه في منع الميراث بين غير المسلمين باختلاف الدارين يقولنا لهم: كيف تمنعون الميراث بأختلاف الدارين مع الاتفاق في الملة بعلة انقطاع الموالاة بينهم، ولا تمنعونه مع اختلاف الملة مع أنه أولی، لأن الاختلاف في الملة أشد في قطع الموالاة و المناصرة وأدعى للنفرة والعداء (78) .

هذا وقد أخذ قانون المواريث فيما يتعلق بالمسلمين بما أجمع عليه الفقهاء وهو أن أختلاف الدارين لا يمنع التوارث بين المسلمين وأما بالنسبة لغير المسلمين فقد أخذ برأي الجمهور وهو أن اختلاف الدار لا يمنع فيما بينهم التوارث إلا في صورة واحدة أخذ منها براي أبي حنيفة وهي ما إذا كان قانون الدولة الأجنبية يمنع توريث غير رعاياها من رعاياها وذلك معاملة بالمثل

في التوريث وعلى ذلك إذا مات مثلا في مصر مصري غیر مسلم عن قريب له غير مسلم أمريكي فإن هذا القريب الأمريكي لا يرث قريبه المصري إلا إذا كانت قوانين أمريكا تجيز لهذا المصري أن يرث قريبه الأمريكي إذا مات .

وهذا ما نصت عليه المادة السادسة من قانون المواريث (79)، فقد جاء فيها: "واختلاف الدارين لا يمنع من الإرث بين المسلمين ولا يمنع بين غير المسلمين إلا إذا كانت شريعة الدار الأجنبية تمنع من توريث الأجنبي عنها"

______________________

1- مختار الصحاح مادة منع، والميراث القارن ص41.

2- الميراث المقارن ص42

3- راجع لنا الوسيط في المواريث على مذهب الإمام الشافعي ص 56،

4- المرجع السابق ص ۷۱ وما بعدها، والميراث المقارن ص 42، وحاشية الخضري ص55.

5- الغني 7/191

6- نقلا عن الميراث المقارن، ص 43

7- البحر الزخار 5/268

8- الأم 7/119، ومغني المحتاج 3/ ۲5 وما بعدها -

9-  رواه النسائي بإسناد صحيح وله شواهد تقوية كما ذكر في الميراث المقارن ص 43، وشرح الترتيب 1/13

10-  ذكره في المغني 3/35

11-  مغني المحتاج 3/25 وما بعدها.

12- الميراث المقارن ص 44، والمغنى 6/292

13- وهو يشمل نوعي الخطأ عندهم لأن الخطأ نوعان: خطأ في التصد كأن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو إنسان معصوم الدم حيث أخطأ الشخص ولم يخطئ الفعل، والثاني خطأ في الفعلي، كأن يرمي هدفا فيصيبه إنسانا معصوم الدم فيقتله. أما خطا الشخص كأن يرمي رينا فيخطئ ويصيب عمرا فإنه لا يسمی خطا وإنما هو من القتل العمد العدوان لأن عصمة الدم واجبة للإنسان المعصوم مطلقا بغض النظر عن عين الشخص .

14- الميراث المقارن ص 45 وما بعدها والاختبار 5/111۔

15-  المراجع السابقة.

16-  الآية 64 من سورة المائدة .

17- الميراث المقارن ص 4۷.

18-  الآية 33 من سورة الإسراء ۔

19- الميراث المقارن ص4۷.

20- الميراث المقارن بتصرف بسيط، وابن عابدین 5/10

21-مختصر خليل ص ۳۱۱، والمرجع السابق 48.

22- أخرجه الترمذي كما في الفقه المقارن ص 44.

23- الفقه المقارن ص 44 والبحر الزخار 5/267

24- رياض في المسائل شرح المختصر النافع للامامية كما في الفقه المقارن  ص44.

25- الميراث المقارن ص49 .

26-  الآية 85 من سورة آل عمران.

27- مختار الصحاح مادة كفر.

28- الميراث المقارن ص 51.

29- شرح الترتيب 1/14، والميراث المقارن ص 52

30- آية 32 من سورة يونس

31- الأية 6 من سورة الكافرون.

32-  الآية 73 من سورة الأنفال ۔

33-  الآية 48 من سورة المائدة .

34- نقله صاحب الميراث المقارن ص52

35-  على شرح الشنشوري على الرحبية ص 59 بتصرف.

36- الميراث المقارن ص 5۲.

37-  الآية 78 من سورة الحج.

38-  كما في الميراث المقارن ص53. 

39- الآية رقم 14 من سورة الحشر .

40- الآية 141 من سورة النساء.

41- متفق عليه واللفظ للبخاري بسنده عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم 4/170

42-  الميراث المقارن ص54.

43- كما حكاه عنهم في الميراث المقارن

44- راجع لنا مفهوم القاعدة الشرعية من كتاب المعاملات في الفقه الإسلامي تأليف الشريعة طبعة 1412

45-  المغني 7/166

46- من حاشية الفنارى على شرح السيد علي السراجية ص 74 كما في الميراث المقارن ص 55

47-  الميراث المقارن ص55.

48-   المنافقون الآية رقم ۹.

49- الميراث المقارن بتصرف ص56

50-  المرجع السابق .

51- المرجع السابق .

52-  المرجع السابق .

53-  انظر فيما سبق: مغني المحتاج 3/24 ، والحلي 10/402 ، والروض النضير 5/115  ومختمر خليل  ص311  والأختيار 4/111  والميراث المقارن ص 56 وما بعدها.

54-  مغني المحتاج 2/25 والإقناع 2/49

55-  الإقناع ۲/ 4۹.

56- الآية 141 من سورة النساء .

57-  الميراث المقارن ص59

58-  الميراث المقارن ص 60 .

59-  المرجع السابق .

60- المرجع السابق وأحكام التركات والمواريث لأبي زهرة ص ۱۱۷.

61-  المرجع السابق ۲

62-  الميراث المقارن ص61.

63- المرجع السابق. والبحر الزخار 5/369

64-  الميراث المقارن ص۹۱، ومغني المحتاج 3/25 والباجوري على ابن قاسم ۲/ ۷4.

65- انظر ص 11 وما بعدها.

66-  الميراث المقارن ص62

67-  الآية ۹۲ من سورة النساء.

68-  الآية 93 من سورة النساء .

69-  رواه البخاري ومسلم

70- الآية 9 من سورة الحجرات .

71-  الآية 13 من سورة الحجرات.

72-  الآية رقم 61 من سورة الأنفال .

73-  الميراث المقارن  ص 65 وما بعدها.

74-  مغني المحتاج 44، والمرجع السابق

75- المراجع السابقة، والميراث عند الجعفرية لأبي زهرة ص ۹۸، والبحر الزخار 5/367،368، ومختصر خليل ص ۳۰۸، ۳۱۱، والمغني وابن قدامة 6/295

76-  الفقه المقارن ص67 وشرح الترتيب 1/16

77-  الغني بتصرف ۱۹۸۷ وما بعدها

78-  الميراث المقارن ص 18 وما بعدها.

79- رقم 77 لسنة 1943م




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .