أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-03-2015
1860
التاريخ: 25-03-2015
4183
التاريخ: 25-03-2015
17600
التاريخ: 23-09-2015
2459
|
اعلم أن التجنيس ثمانية أجناس، فمنها التجنيس المغاير، وهو أن تكون الكلمتان إسماً وفعلا مثل قوله تعالى حكاية عن بلقيس: " وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين "، وقوله عز وجل: " فأقم وجهك للدين القيم " وقوله تعالى: " يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار "، وقوله سبحانه: " قال: إني لعملكم من القالين "، وقوله تعالى حكاية عن يعقوب: " يا أسفا على يوسف "، وقوله تعالى: " ثم كلي من كل الثمرات "، وقوله جل جلاله: " أزفت الآزفة "، و " إني وجهت وجهي "، وقال ذو الرمة:
كأنَ البري والعاجَ عيجتْ متونهُ ... على عشرٍ نهى به السيلَ أبطحُ
وقال جرير:
كأنكَ لم تسرْ ببلادِ نجدٍ ... ولمْ تنظرُ بناظرةَ الخياما
وقال بعض العرب في صفة فوارس: إنها لخيل تختار، وحضر في مجلس الرشيد طيب فيه ند غير طيب الرائحة، فقال الرشيد: هذا ند عن الند. وتظلم رجل إلى المأمون من عامله، فقال: ما ترك فضة إلا فضها ولا ذهبا إلا أذهبه، ولا بزاً إلا بزه، ولا علقاً مضنة إلا علقه ولا غلة إلا غلها ولا فرساً إلا افترسه، ولا عارية إلا عارها ولا خلعة إلا خلعها ولا وديعة إلا ودعها ولا ضيعة إلا ضيعها ولا عقاراً إلا عقره، ولا سبداً إلا استبد به، ولا لبداً إلا لبد عليه، ولا جليلاً إلا أجله، ولا دقيقاً إلا دقه، ولا مالاً إلا مال عليه، ولا غنيمة إلا غنمها ولا حالة إلا أحالها فهل من معد بما يكتب إليه، ومنه:
ربَ خودٍ عرفتُ في عرفاتِ ... سلبتني بحسنها حسناتي
ورمتْ بالجمارِ جمرةَ قلبي ... أيُ قلبٍ يقوى على الجمراتِ
حرمتْ حين أحرمتْ نومَ عيني ... واستباحتِ جمايَ باللحظاتِ
وأفاضتْ مع الحجيجِ، ففاضتْ ... من دموعي سوابقُ العبراتِ
لم أنلْ من منى منى النفسِ، حتى ... خفتُ بالخيفِ أن تكونَ وفاتي
باب التجنيس المماثل
اعلم أن التجنيس المماثل هو أن تكون كلمتان اسمين أو فعلين، كما قال الله عز وجل: " فروح، وريحان وجنة نعيم "، وقال عز وجل: " وجني الجنتين دان "؛ وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " الظلم ظلمات يوم القيامة "؛ وقال عليه الصلاة والسلام: " ذو الوجهين لا يكون وجيهاً يوم القيامة "، وقال بعض الوزراء: ليكن كلامك حاجة أو حجة، وإلا خسرت. وكتب بعض الأدباء إلى الرشيد: أحسن لنا في النظر، كما أحسنا في الانتظار؛ وسئل الشافعي رضي الله عنه عن النبيذ فقال: أجمع أهل الحرمين على تحريمه. ووصفه بعض العرب سحاباً فقال: عارض عريض، كان عنه روض أريض وقال البحتري:
يذكرنيكِ والذكرى عناءٌ ... مشابهُ فيك طيبةُ الشكولِ
نسيمُ الروض في ريحٍ شمالٍ ... وصوبُ المزن في راحٍ شمولِ
وقال آخر: إن لفلان وجهاً وجيهاً. وقال الشاعر:
في وجهه شافعٌ يمحو إساءته ... من القلوبِ وجيهٌ حيثما شفعا
وقال بعض الظرفاء: أنا ألتذ بشهد المشاهدة لك. وقال معاوية لابن عباس: ما بالكم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم، فقال: عوضاً من المصيبة يا بني أمية في بصائركم. وقال بعضهم:
وكنتَ لي مألفاً إذا نفرٌ ... من بعضِ إخوانِ ودهمْ نفروا
فأخذ منه الآخر فقال:
بجانبِ الكرخِ من بغداد عنَ لنا ... ظبيٌ ينفره عن وصلنا نفرُ
ذؤابتاهُ نجادا سيفِ مقلتهِ ... وجفنه جفنه والشفرةُ الشفرُ
ظفيرتاهُ على قتلي تظافرتا ... يا من رأى شاعراً أودى به الشعرُ
ومنه:
يجدُ الملتفَ من أموالهِ ... واقعاً منهُ وقوعَ المستفادِ
غيرُ لاهٍ باللهى بل عالمٌ ... أن بذلَ الوفرِ من خيرِ عتادِ
ومنه:
عربٌ تراهم أعجمينَ عن القرى ... متنزلينَ عن الضيوفِ النزلِ
فأقمتُ بين الأزدِ غيرَ مزودٍ ... ورحلتُ عن خولانَ غير مخولِ
ولجرير:
وما زالَ معقولاً عقالق عن الندى ... وما زالَ محبوساً عنِ الخيرِ حابسُ
ومنه:
إذا أعطشتكَ أكفُ اللئام ... كفتكَ القناعةُ شبعاً وريا
فكنْ رجلاً رجله في الثرى ... وهامةُ همته في الثريا
أبياً بوجهك عن باخلٍ ... بما في يديه تراه أبيا
فإنَ إراقةَ ماءِ الحيا ... ةِ دونَ إراقةِ ماءِ المحيا
ومنه:
يا غزالاً إذا نظرْ ... وقضيباً إذا خطرْ
والذي أشعرَ القلو ... بَ غراماً وما شعرْ
حرتُ لما أحارني ... ما بعينيكَ من حورْ
وتغيرتَ إذْ ملك ... تَ، فخفْ سطوة الغيرْ
باب تجنيس التصحيف
اعلم أن تجنيس التصحيف، هو إن تكون النقط فرقاً بين الكلمتين، كما قال أبو دؤاد الإيادي:
وردتُ بعيهامةِ جسرةٍ ... فعنتْ سمالاً وهبت شمالا
وكما قال أبو تمام:
السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ ... في حدهِ الحدُ بينَ الجد واللعبِ
وكما قال البحتري:
ولم يكن المغترُ باللهِ إذ سرى ... ليعجزَ، والمعتزُ باللهِ طالبه
وكما قال الأفوه الأودي:
حتى حنا مني قناةَ المطا ... وقنعَ الرأسَ بشيبٍ خلس
وكتب بعض الأدباء إلى أخيه: أنا شاك وأنت سال.
ومنه لابن قيس الرقيات:
رجعوا منكَ لائمينَ وكلٌ ... راحَ من عندكم حزيناً حريبا
ومنه قول الخنساء:
دل على معروفه وجههُ ... بورك هذا هادياً من دليلْ
ويلُ أمهِ، مسعرَ حربٍ إذا ... راحَ لحربٍ، وعليه الشليلْ
وقال قيس بن الخطيم:
تركنا بعاثاً يومَ ذلكَ منهمُ ... وسلمى على رغمٍ شباعاً سباعها
ومنه قول الراعي:
يبدو لعينيك مران ونجوتها ... مني مكامن بينَ الحفر والخفر
ومنه قول الآخر:
أحبك يا جنانُ وأنتِ مني ... مكانُ الروحِ من بدنِ الجبانِ
ولو أني أقولُ: مكانُ روحي ... لخفتُ عليك بادرةَ الزمانِ
لإقدامي إذا ما الخيلُ جالتْ ... وهابَ حماتها حر الطعانِ
ومنه:
كم الضيمُ تحت رواقِ الخمولِ ... أما يأنفُ الأدبُ الخاملُ
ولو أدركَ المجدُ بين البيوتِ ... لما أصحر الأسدُ الباسلُ
يقولُ الصديقُ ويصغي العدوُ ... وخيرُ من القائلِ القابلُ
ومنه لمهيار:
يا منزلاً لعبَ الزمانُ به ... وبكى الحمامُ به كما غنى
كنا نعوجُ مسلمينَ بهِ ... فاليومَ سلمنا وما عجنا
إن زارَ داركَ عن مراقبة ... حياه وإن هو لم يزر حنا
ومنه للبحتري:
رفعتْ من السجفِ الخفي، وسلمت ... بأناملٍ فيهنَ ورسُ خضابِ
وتعجبتْ من لوعتي، وتبسمتْ ... عن واضحاتٍ، لم يذقن، عذابِ
لو تسعفين، وما سألتُ مشقةً ... لعدلتِ حرَ جوىً ببردِ رضابِ
أما لو أن العذر يجمل بالفتى ... لسلوت عنك وفي بعض شبابي
ولئن شكوت ظماي إنك للتي ... قدماً جعلت من السراب شرابي
باب تجنيس التحريف
اعلم أن تجنيس التحريف، هو إن يكون الشكل فرقاً بين الكلمتين.
مثل قوله:
أحبابنا ما بين فر ... قتكم وبين الموت فرقُ
جازيتمونا في بعا ... دكمُ بما لا نستحقُ
أفنيتمُ العبراتِ فابقوا ... وملكتمُ رقي فرقوا
ومما نسب إلى الأمير الأجل سديد الدولة:
أمضى من البيض الرقا ... قِ لواحظُ البيض الرقاقِ
ونواهدُ السمر الدقا ... قِ نوافذُ السمر الدقاقِ
هذانِ في يوم اللقا ... هذانِ في يومِ التلاقِ
أحبابنا لي فيكمُ ... روحٌ يساقُ إلى السياقِ
رفقاً بها إنْ كنتمو ... ممن يرى حق الرفاقِ
وقال آخر:
أأنتمْ زعمتم أنني غيرُ عاشقِ ... وأني لا أعبا ببينِ مفارقِ
فلمْ قرحتْ يومَ الوداع مدامعي ... ولمْ شابَ من يومِ الفراق مفارقي
وقال بعض العرب وهو صدقة بن عامر وقد مت والده: اللهم إني مسلم مسلم.
ومنه قول القاضي أبي سعيد:
قلبٌ وقلبٌ في يدي ... كَ معذبٌ ومنعمُ
ظمآنُ يطلبُ قطرةً ... تشفي صداهُ ومفعمُ
ومنه للبحتري:
سقمٌ دون أعينٍ ذاتِ سقمٍ ... وعذابٌ منَ الثنايا العذابِ
ومنه:
لئن سلمني اللهُ ... وبالصنعِ تولاني
وأوطاني أوطاني، ... وأعطاني أعطاني
وأخلى درعي الدهرُ ... وخلاني خلاني
فلا عدت إلى الغربة ... ما كرّ الجديدان
وإن عدتَ لها يوماً ... فسجاني سجاني
وللموتْ الوحى الأح ... مرِ القانئِ ألقاني
باب تجنيس التصريف
اعلم أن تجنيس التصريف، هو إن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف، مثل قوله تعالى: " ليكونن أهدى من إحدى الأمم "، ومثل قوله تعالى: " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً "، وقوله تعالى: " ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون "، وقوله تعالى: " وهم ينهون عنه وينأون عنه ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الخيل معقود بنواصيها الخير ".
وقال الأعشى:
رأيتُ أنَّ الشيبَ جا ... نبه البشاشةُ والبشارة
وقال آخر:
للهِ ما صنعتْ بنا ... تلكَ المحاجر في المعاجرِ
أمضى وأرهفُ في القلو ... بِ من الخناجرِ في الحناجرِ
ولقد تعبتُ ببينها ... تعبُ المهاجرِ في الهواجرِ
وكتب بعض الأدباء جواباً إلى آخر عن كتاب: وصل كتابك فتناولته باليمين، ووضعته مكان العقد الثمين.
ومنه:
من كل ساجي الطرف أغيد أجيد ... ومهفهف الكشحين أحوى أحور
ومنه لكثير عزة:
وإني لأستهوي السحائبَ نحوها ... من المنزلِ الأدنى؛ فتسري وتسرعُ
ومنه للشريف الرضي رحمه الله:
لا يذكر الرملُ إلا حنَّ مغترب ... له بذي الرملِ أوطارٌ وأوطانُ
إذا تلفتُّ في أطلالها ابتدرتْ ... للقلبِ وللعينِ أمواهٌ ونيرانُ
ومنه له:
سلامٌ على الأطلالِ لا عن جنابةٍ ... ولكنَّ يأساً حين لم يبقَ مطمعُ
نظرتُ الكثيبَ الأيمنَ الفردَ نظرة ... فردت إليَّ الطرفَ يدمى ويدمعُ
ومنه:
وكم مظهرٍ بغضاً لنا ودَّ أنهُ ... إذا ما التقينا كان أخفى الذي أبدى
مطاعيمُ في اللأوا مظاعينُ في الوغى ... شمائلنا تبدو وأيماننا تندى
ومنه أيضاً:
كلُّ شيءٍ أقوى عليهِ ولكنْ ... ليسَ لي بالفراقِ منكِ يدانِ
عذلاني على هواهُ، فلما ... أبصرا حسنَ وجههِ عذراني
ومنه أيضاً:
لا تقابلْ زيارتي بازورارٍ ... ومجاجاً عسلتهُ بأجاجِ
لو أزرت الحراب نحريَ ظلماً ... لارتشفنَ الثناءَ من أوداجي
ومنه لابن بابك:
أقبلتُ في شرفِ اللباس فأبلسوا ... نظر البغاثِ إلى انقضاضِ الجارحِ
فأخذتَ عفوَ تقيتي وتحيتي ... وملكتَ ودَّ جوانحي وجوارحي
وأنا ابنُ بابك لا ابنُ بابك؛ فارتجع ... ما ابتزَّ، أو عوضْ فلستُ ببارحِ
وفيه له أيضاً:
تكشفتْ عن مغانيه مغانمه ... وصرحتْ عن معاليهِ معانيهِ
فما تقاصر باعٌ أنتَ باسطهُ ... ولا يهدمُ مجدٌ أنتَ بانيهِ
ومنه للشريف الرضي رحمه الله:
لولا تذكرُ أيامي بذي سلمٍ ... وعند رامةَ أوطاري وأوطاني
لما قدحتُ بنار الشوقِ في كبدي ... ولا بللتُ بماء الدمعِ أجفاني
ومنه لابن بابك أيضاً:
يجودُ، ويستقاد؛ فراحتاهُ ... مطارحُ للأماني والأمانِ
يهزّ السيفَ هزَّ الغصن طوراً ... ويلوي الرمح ليَّ الخيزرانِ
ويسطو تارةً وينيلُ أخرى ... وتلكَ سجيةُ الملك الهجانِ
وكتب كافي الكفاة إلى صديق له: أنت أدام الله تعالى عزك، وإن طويت عنا خبرك، وجعلت وطنك وطرك، فأخبارك تأتينا كما وشى بالمسك رياه، ودل على الصبح محياه.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: كل شيء يعز حين ينزر، والعلم يعز حين يغزر.
وقال بعض الفصحاء في كتابه: راش سهامه بالعقوق. ولوى ماله عن الحقوق.
وقال بعضهم:
كفاه مخلفةٌ ومتلفةٌ ... وعطاؤهُ متخرقٌ جزلُ
وغيره لبعضهم:
عفاءً على هذا الزمانِ. فإنهُ ... زمانُ عقوقٍ لا زمانُ حقوقِ
فكلُّ رفيقٍ فيهِ غيرُ موافقٍ ... وكلُّ صديقٍ فيه غيرُ صدوقِ
ومنه:
يا علم العالمِ في الجودِ ... مثلكَ جوداً غيرُ موجودِ
بيضتَ من وجه الندى بالندى ... ما اسودَّ من أيامهِ السودِ
بينَ مطيع لك، أصفدته ... وبين عاصٍ لك مصفودِ
ومنه:
إذا ما جئتَ أحمدَ مستميحاً ... فلا يغررك منظرهُ الأنيقُ
له عرفَ وليس لديه عرفٌ ... كبارقةٍ تروق ولا تريقُ
فما يخشى العدوُّ لهُ وعيداً ... كما بالوعدِ لا يثقُ الصديقُ
باب تجنيس الترجيع
اعلم أن باب تجنيس الترجيع هو إن ترجع الكلمة بذاتها، كما قال الله عز وجل: " ولقد أرسلنا رسلنا "، وقال عز وجل: " إن ربهم بهم يومئذ لخبير "، وقال جل جلاله: " ولكنا كنا مرسلين ".
وكما قال بعض العرب:
وما منعتْ دارٌ، ولا عزَّ أهلها ... من الناسِ إلا بالقنا والقنابل
وللمخبل:
فأتتْ عليه، وما له من ماله ... مما أفاد ولا أفادَ عتاقُ
وأبو دؤاد الإيادي قبل امرئ القيس بزمان وهو راويته، وقد جاء في شعره تجنيس التركيب والترجيع والتصحيف والتحريف، والله العالم هل قصد هذا قصدا أم أتى طبعاً.
وقال آخر:
عذيريَ من دهرٍ موارٍ مواربٍ ... له حسناتٌ كلهنَّ ذنوبُ
ولأبي تمام:
يجول بإيمان عواصٍ عواصمِ ... تصولُ بأسيافٍ قواضٍ قواضبِ
وقال آخر:
آفةُ السرّ من جفو ... نٍ دوامٍ دوامعِ
كيف يخفى مع الدمو ... عِ الهوامي الهوامعِ
ولابن عين زربى:
أقولُ وقد جدَّ الفراق، وأزمع ال ... فريقُ، وأشجاني طوارٍ طوارقُ
وغربانُ وشكِ البين ينعقن غدوةً ... أأنتم نواعي أنفسٍ أم نواعقُ
فقد صار هذا البين للفقد آيةً ... فلا عجب إلاّ إذا عاش عاشقُ
ومنه قول النابغة الجعدي:
ومن بعد أنسٍ قد تبدل وحشةً ... وزال بهم صرفُ النوى والنوائب
ومنه قول البحتري:
نسجَ الربيعُ بربعها ديباجةً ... من جوهرِ الأنوارِ والأنواءِ
بكتِ السماءُ بها رذاذ دموعها ... فغدتْ تبسمُ عن نجوم سماءِ
ومنه له:
فيا لكَ من حزمٍ وعزمٍ طواهما ... حديدُ الردى تحتَ الصفا والصفائح
ومنه أيضاً:
في كفه قلمٌ يسقي الخطوب به ... مثل الحسامِ بكفّ الفارسِ البطلِ
ترى المنى والمنايا عنه صادرةً ... إن فاضَ في أملٍ أو غاضَ في أجلِ
ومنه قول العطوي:
فلقدْ كفنَ في ... أكفانهِ المجد المجدد
ومنه له:
كأنك قوت الناس لا يجدون من ... تحمل ما تأتي به أبداً بدا
ومنه: هو الحيا والحياةُ والملك ال ... أعز ولا ثروةٌ ولا ولدُ
ومنه له:
ذيلُ الصبا في الغيِّ مجرورُ ... والعمرُ باللذاتِ معمورُ
وله:
وليلةُ الهيكلِ قد أنفدت ... فيها دنانٌ ودنانيرُ
على خصورٍ أرهفتْ دقةً ... ففي الزنانيرِ زنابيرُ
وله:
ما هذه الألف التي زدتم ... سميتمُ الخوان بالإخوان
ما صحّ لي أحد فأجعله أخاً ... في الله محضاً لا ولا الشيطان
أما مولٍ عن ودادي ما له ... وجه وأما من له وجهان
ومنه:
قربتَ، فلم أرجُ اللقاءَ، ولا أرى ... لنا حيلةً يدنيكَ منا احتيالها
فأصبحتَ كالشمسِ المنير: ضوؤها ... قريبُ، ولكن أينَ منكَ منالها
ومنه للبحتري:
لئن صدفت عنا فربتَ أنفسٍ ... صوادٍ إلى تلك الخدود الصوادفِ
ومنه:
وإذا ظمئتَ فعنده ... شربٌ من الإنصافِ صافِ
ومنه:
معينُ عرفٍ وعرفانٍ وقلَّ فتىً ... في عصرهِ عنده عرفٌ وعرفانُ
إذا تيممه العافي فكوكبهُ ... سعدٌ، ومرعاهُ في واديه سعدانُ
ومنه لأبي فراس الحمداني:
إن زرتُ خرشنةً أسيراً ... فلقد أحطتُّ بها مغيرا
ولقدْ رأيتُ السبيَ يج ... لبُ نحونا حوا وحورا
وقال بعض الفصحاء في رقعة استدعاء: ما جعلت المماطر إلا لليوم الماطر.
ومنه:
وإذا هويتَ فقد تعبدكَ الهوى ... فاخضع لإلفكَ كائناً منْ كانا
إن الهوانَ هو الهوى نقص اسمه ... فإذا هويتَ فقد لقيتَ هوانا
ومثله:
وسألتها بإشارةٍ عن حالها ... وعليَّ فيها للوشاةِ عيون
فتنفستْ صعدا وقالت: ما الهوى ... إلا هوانٌ زالَ عنهُ النون
ومثله:
نون الهوانِ منَ الهوى مسروقةٌ ... وحليفُ كل هوىً حليفُ هوان
ومثله:
أبى الحبُّ إلا أن تكونَ معذباً ... ونيرانهُ في القلبِ إلاَّ تلهبا
فواكبدي حتى متى أنا واقفٌ ... ببابِ الهوى ألقى الهوانَ وأنصبا
ومثله لآخر:
إنَّ الهوى لهوَ الهوانُ بعينه ... فاخضعْ إذا يوماً علقتَ حبيبا
باب تجنيس العكس
اعلم أن تجنيس العكس هو إن تكون الكلمة عكس الأخرى، كما قال الله سبحانه حكاية عن هارون عليه السلام: " إن خشيت إن تقول: فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي "، وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري رحمه الله يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أمدح بيت قالته العرب:
تحمله الناقةُ الأدماءُ معتجراً ... بالبردِ كالبدرِ جلى نورهُ الظلما
فقوله: بالبرد عكس قوله: كالبدر.
وقيل لبنت الخس، وهي أفصح نساء العرب: ما يحمل المرأة على الزنا؟ فقالت: طول السواد، وقرب الوساد.
وقال بعض الأدباء في سجعه: الساخر خاسر، والكامل مالك، والمحمود ممدوح.
وقال أبو تمام:
بيض الصفائحِ لا سودُ الصحائفِ في ... متونهنّ جلاءُ الشكّ والريبِ
ومنه لأبي الفتيان بن حيوس:
أرضٌ إذا ما التربُ أجدبَ اخصبتْ ... بندىً إذا ما الغيثُ أنجم أنجما
يلقى بها الروادُ روضاً زاهراً ... ويصادفُ الورادُ حوضاً مفعما
وله أيضاً
وكمْ وقفتُ وأصحابي بمنزلةٍ ... أقوت بسكانها ولهانَ وهلانا
نبكي، وتسعدنا كومُ المطيّ، فهل ... نحن المشوقونَ فيها أمْ مطايانا
ولا ومن فطرَ الأشياءَ ما وجدتْ ... كوجدنا العيسُ، بل رقت لشكوانا
ومثله:
وألفيتهم يستعرضون جوانحي ... إليهم، ولو كانت عليهم جوائحا
ومثله لعبد المحسن:
يا حارِ، إن الركبَ قد حاروا ... فاذهب تجسسْ لمنِ النارُ
تبدو، وتخبو: إن خبتْ عرسوا ... وإن أضاءتْ لهمُ ساروا
كأنما تجمعُ أوطارهم ... وكيفَ والأوطارُ أوطارُ
ما نظرةٌ إلا لها سكرةٌ ... كأنما طرفكِ خمارُ
ولم أكنْ أول منْ غرني ... كلُّ غريرِ الطرفِ غرارُ
ومنه:
الحمدُ للهِ الذي ... بفضلهِ فضلنا
كأنهُ من طول ما ... أمهلنا أهملنا
ومنه:
عقائل علمهنَّ العفافّ: ... مطلَ الوصال ووصلَ المطالِ
مباسمهنَّ عقودُ العقود ... وأجيادهنَّ لآلي اللآلي
ومنه:
أرجلتَ فرسانَ القريض ورضتَ أف ... راسَ البديعِ؛ فأنت أفرسُ مبدعِ
ونقشتَ في فصِّ الزمانِ بدائعاً ... تندي بآثارِ الربيع الممرعِ
وإذا تفتق نور شعرك ناضراً ... فالحسن بينَ مرصع ومصرعِ
ومنه:
إنَّ بينَ الضلوعِ منيَ ناراً ... تتلظى، فكيف لي أن أطيقا
بحياتي عليكَ يا من سقاني ... أرحيقاً سقيتني أم حريقا
ومنه:
وعقارٍ عيشُ من عا ... قرها عيشٌ رقيقُ
فهي للأنسِ نظامٌ ... وإلى اللهوِ طريقُ
قلتُ لما لاح لي من ... ها شعاعٌ وبريقُ:
أشقيقٌ، أم عقيق ... أم رحيق أم حريقُ
ومنه:
وقالوا: أيُّ شيءٍ منه أحلى ... فقلتُ: المقتلانِ المقلتانِ
باب تجنيس التركيب
اعلم أن تجنيس التركيب: هو إن تكون الكلمة مركبة من كلمتين، كما قال الشيخ أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري، عفا الله عنه:
البابليةُ بابُ كلِّ بليةٍ ... فتوقينَّ دخولَ ذاك البابِ
ولبعضهم، وهو من المعجز الذي ليس مثله:
إن ترمكَ الغربةُ في معشرٍ ... تضافروا فيك على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم
وأنشدني الفقيه أبو السمح رحمه الله:
أصدف بسمعك عن صدى متسمعلٍ ... وأبرأ بوهمك عن ردى متبرهمِ
ما درَّ همُّ فتى وصرأ دينه ... إلا لدينارٍ يصر ودرهمِ
وقال بعض الصالحين: إنما سمى الدينار دينارا لأنه دين ونار: أي تصل به إليهما وإنما سمي الدرهم درهماً لأنه يدر الهم. وهذا يشبه قول بعض المفسرين: إنما سمي إبراهيم لأنه شفى الكفار من مرض الكفر. ومعنى اسم محمد عليه وآله السلام لأنه محا الكفر أي أزاله. ومد الإيمان: أي بسطه. ويقول العرب: مح رسم الدار أي عفا واندرس. وشعر أبي الفتح البستي أكثره من هذا الباب، وقد تبعه الناس في ذلك، فقال شاعرنا أحمد بن يعقوب:
وأهيفِ الخصر مثلُ الليل طرتهُ ... وصدغه خزري الجنس أولاني
أوليتُ وصلاً فأولاني قطيعته ... بئسِ الجزاءُ بما أوليتُ أو لاني
ولغيره:
ومعانٍ قتلَ النفوسِ معانٍ ... قد رمى قدرَ ما أصاب جناني
ناظراهُ فيما جنى ناظراه ... أودعاني أمتِ بما أودعاني
أو صلاني إلى المنى أو صلاني ... بالأماني التي تبيد الأماني
وللصوري:
ترك الظاعنون صدري بلا قل ... بٍ وعيني عينا من الهملانِ
وإذا لم تفض دماً سحبُ أجفاني ... على إثرهم، فما أجفاني
ووراءَ الحمول أحسن خلقِ الله ... خلقا عارٍ من الإحسانِ
حلّ في ناظري فلو فتشوه ... كان ذاك الإنسان في الإنسان
ولغيره:
ينامُ من يضمر غيرَ الهوى ... وتلتقي أجفانُ أجفانا
وقال وجيه الدولة:
إنَّ أسيافنا القصارَ الدوامي ... تركتْ مجدنا طويلَ الدوامِ
فاقتسامُ الأموالِ من وقت سامٍ ... واقتحامُ الأهوال من وقت حامِ
ومنه:
يا من تدلُّ بمقلةٍ ... وأناملٍ من عندمِ
كفي، جعلت لك الفدا ... ألحاظَ جفنكِ عن دمي
ومنه:
رأيتكَ تكويني بميسمِ ذلةٍ ... كأنك قد أصبحتَ علة تكويني
وتلوينيَ الحقَّ الذي أنا أهله ... وتخرجني عنه إلى كل تلوينِ
فمهلاً ولا تمننِ عليّ فبلغةٌ ... من العيش تكفيني إلى يومِ تكفيني
الباخزري:
بأبي غزالٌ نامَ عن وصبي به ... وسجومِ دمعي في الهوى ولهيبه
يا ليته يحنى على ولهي به ... وخفوقِ قلبي نحوه وصبيبه
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|