أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015
2358
التاريخ: 24-03-2015
4526
التاريخ: 2-10-2019
1794
التاريخ: 23-03-2015
1482
|
من الظواهر البارزة في الشعر العربي الحديث الحيرة والقلق، حيث نرى نسيب عريضة في رحلته ((على طريق إرم)) القلق وظاهرة الاغتراب الروحي التي تكشف عن توق الشاعر في رحلته الخيالية إلى التماس أدوات وجوده وحاجاته التي تحقق كنهه الإنساني الحرّ. ولعلّ المعرفة أرقى هذه الأدوات التي يبحث الشاعر عن شعلتها. ولكي يصنع الشاعر ذلك خلق عالماً غرائبياً خفيّاً وكوّن لذلك ركباً يحمل ظعنه، وما إن يبدأ بالمسير حتّى تستحوذ عليه الحيرة والتردّد فالطريق مليء بالعثرات والحيرة تنشر شباكها في كلّ مكان، فيقول:
أهيمُ في الدُّجَى مثلَ أعمَى ... جَاعَ ولا يُحسِنُ السُّؤالْ
يَهُزُّنِي في الدُّجَى حَنينٌ ... إلى الذي مَرَّ من وِصالْ
هَلْ مِنْ سبيل إلى رجوعٍ ... هَلْ من طريق إلى وُصُولْ
تَهيمُ نَفسي ولسْتُ أَدْري ... بحاصِلٍ أو بمُستحيلْ
يا صَاحِ قَد حِرتُ أينَ أمضي ... والسُّبْلُ ضّلَّتْ عَن الضّلولْ(1)
ويظلّ الشاعر أسير الشكوك والحيرة وهما يغذّانِ من روحه حتّى يجعلا منها قفراً عظيماً تنوح فيه الأماني اليائسة والأوهام، فيلوذ الشاعر إلى الحلم والخيال وسيلة يرأب بهما الصدع الذي تركته الحيرة في نفسه، فيقول:
وَولْوَلتْ في الدُّجَى شُكُوكي ... ورفْرفَتْ أَجنحُ الخَيالِ
واستأثَرَ الحُلمُ باختيارٍ ... وطَارَ هَمّي بلا عِقالِ
فعُدْ بنا يا سَميرَ حُزنِي ... نقنَعْ من الأرضِ بالخيالِ(2)
ويبلغ القلق مبلغه من الشاعر في بحثه عن وسيلة للخلاص من أوهام نفسه حتّى ليغلب الاستفهام على أسلوبه في التعبير عن رغبته في الوصول إلى نبع الإلهام، فيقول:
قَدْ سَريْنا فهلْ شُروقُ ... أيّها الفَجرُ هَلْ تفيقُ
مَن يطيقُ الذي نُطيقُ ... أينَ ذا تنتهي الطَريقُ
قَدْ بَرانا اللّغوبْ ... واعتَرانَا الشُّحوبْ(3)
لقد كان القلق والحيرة دافعاً حدا بالشاعر إلى الرحيل بعيداً إلى عالم الخيال، ولكنّنا سرعان ما نرى القلق والشكّ سلاحاً قاضياً يلجأ إليه ركب الشاعر في رحلته للخلاص من قائد الركب ((العقل)) الذي سام الركب أمض العذاب فكان الشكّ لجاماً يحدّ من عجبه وتيهه ويسلّط عليه جيشاً عرمرماً من الظنون فيغادره صريعا فيقول:
أَجَابَهُ الشَّكُّ مَهلاً ... كَفاكَ تَيهاً بِمَهْمَهْ
فأقْبَلَ العقلُ يَصْأَى ... غَيظاً بوَجْهٍ مُشوّهْ
وقَال: مَهْ! فَأَتاهُ ... رَجْعُ الصَّدى، قَائلاً: صَهْ
وأطلقَ الشَّكُّ جَيشاً ... مِنْ الظْنونِ وَجهجَهْ
فَفَرَّ عقلي جَباناً ... وجُنَّ خَوفاً وقَهقَهْ(4)
ويبقى الشاعر مصرّاً على المضي قدماً في رحلته متوسلاً بشتّى الأدوات والمطايا متجاوزاً كلّ الأشواك والعقبات التي تساقط أمامها أفراد ركبه واحداً تلو الأخر حتّى ما يبقى إلاّ روح الشعر المفعمة بالأسى تبكي أطلال الركب فيحاورها الشاعر بحوار تلقي عليه العاطفة الحزينة ظلالاً متسربلة بالتشاؤم، فيرى كلّ نفيس وثمين في حياته يعود لسراب وخواء، فلا مرشد له في رحلته إلى طريق النور إلاّ نفسه التي يلوذ إليها يستحثّها أن تستنهض عرائس الشعر لتصل به إلى الأمل المنشود، فيقول:
يا نَفسُ رِفقاً ومَهْلاً ... فأنتِ ظعْنِي ورَحْلِي
طرْحْتُ كلَّ رِحالِي ... إلاّك مازِلْتِ حِملِي
تعلِّلِي بِسُكُوتٍ ... وعلَّليني بجَهلِي
فاصمِتْ وسِرْ في السِّكونِ ... على طَريق الجُنونِ
لعلّهُ بعدَ حينٍ ... يَبدُو لنا وَجهُ ربّي(5)
إذن فما ذلك المكان الذي يبدو للشاعر فيه وجه ربّه؟ إنّه-ولا شكّ-ذلك النور الذي تُشعّ به نار إرم، تلك النار التي اتقدت في روح الشاعر، فصهرت ما فيها من أوهام الحيرة والشكّ، فهي سبيل الخلاص والمعرفة، فيقول:
تِلكَ نَارُ الخُلودْ
ضَلَّ عَنها الأَنامْ ... واستَحبُوا الظَّلامْ(6)
والسؤال الذي يُطرح هنا ما سبب اختيار الشاعر للنار رمزاً لشعلة المعرفة؟ ويذكّر هذا السؤال بقول لديمقراطيس ((إنّ الكون من عناصر أربعة: التراب والماء عنصران وضيعان، والهواء والنار عنصران شريفان)) (7).
فللنار فضل على التراب، لأنّ الجسد مصيره إلى تراب أمّا الروح فتبقى حرّة كما هي حال النار توحي بالحيوية و((تعطي الانطباع بالقوِّة والطاقة والرشاقة والإشراق... وحين نستخدم النار رمزاً نصف التجربة الداخليّة المتميّزة بالعناصر نفسها التي نلاحظها في تجربة النار الحسية)) (8) لهذا وصف نسيب عريضة نار إرم بأنها نار الخلود لأنّها شعلة الروح التي تمنحه قوّة وحيويّة ونشاطاً وإشراقاً يخلّصه من القلق والحيرة ويلازمه في حياته إلى أن تنطفئ جذوة هذه الروح في صدره ويصير تراباً، يقول:
إِيهِ ضَوئِي البَعيدْ ... لُحْ ولُحْ ما تُريدْ
لَيسَ طَرفِي يَحيدْ ... عَنكَ حتْى يَعُودْ
لتُرابٍ ودُود(9)
وقد دفعت الحيرة والشك أنيس المقدسي إلى الاندياح عميقاً في أغوار نفسه يجلو الصدأ المتراكم عن ذيّاك النور الذي حجبته غشاوة الحياة الماديّة، فألقت به في دياجير الوهم والشك والقلق.
ينظر الشاعر في الكون نظرة الباحث القلق المضطرب لعلّه يهتدي إلى شيء من نور الحقيقة فيكرر المطلع اللاهج بنبرة الاستجداء والبحث، فيقول:
أعيريني الضّياءَ مِنْ النّجُومِ ... مُكوَّنَةَ العَوالِمِ مِنْ سَديمِ(10)
ويقوده التساؤل إلى الحيرة التي ساقت عريضة قبله للارتحال، ولكن ثمّة أسئلة تطرح نفسها عن أسرار الكون وما فيه من خلائق وموجودات فيقول:
مَنِ الإِنسانُ ما هَذي البَرايَا ... ومَا في الكَونِ مِنْ سِرِّ بَهيمِ
ومَاذا في السَّماءِ وفي الدَّرارِي ... فهلْ فِيهنَّ مِنْ عَقلٍ عَليمِ(11)
ويستعين الشاعر بعقله وقلبه للاهتداء إلى حقيقة الحياة فلا يسعفانه فيما يروم فيرتدي التشاؤم وشاحاً يغلّف رؤيته لهذا الوجود، فيقول:
وكَمْ بيني وبينَ الحقِّ سُترٌ ... تَكَشّفُ عن ملايين الستورِ
سأحيا ما حَييتُ ولَيس نورٌ ... لعينِ العقلِ في العُمرِ القصير
ومَا للقَلبِ من أملٍ فيرجو ... ولا فجرٌ لذا اللّيل العَميمِ(12)
وفي هذه اللحظات من الضياع يجد الشاعر أنّه لا مناصّ من الرحيل عميقاً في أغوار النفس ليلتقي صديقاً قديماً كانت الأوهام والشكوك قد نهشت قلبه، وخلّدت معاناته من خلال فلسفة رسمت ملامح حياته حتّى اشتهر بها إنّه رهين المحبسين وفيلسوف المعرة أبو العلاء المعرّي. ولكنّه يلوح للشاعر أطلال شبح عرض لعابري طريق البحث والخلاص مبدياً أسفه عمّا أمضاه من عمره في وهم وسراب وشكوك لذا نذر نفسه هادياً يرشد كلّ من ضلّ السبيل.
عندها يتابع الشاعر سيره إلى حيث النور يتلألأ في الأعالي وينجلي ظلام الوهم والشكّ الذي أخرج الشاعر إلى دنيا الخيال، فيقول:
فَيا نُوراً تَلألأ في الأَعَالِي ... بَعيداً عن يَقينِ ذَوي اليّقينِ
إليكَ أتيْتُ في ظُلُماتِ نَفسِي ... لِتَهدِينِي إلى الحَقِّ المُبينِ
لَعلّي بالِغٌ بكَ في حياتي ... مَقاماً ليسَ يُبلَغُ بالعُلومِ(13)
إذن فقد كانت الحيرة والقلق دوافع مشتركة دفعت ببعض شعراء الرحلات الخياليّة إلى الرحيل بعيداً عن واقعهم في محاولة البحث عن الخلاص ممّا أحاط بهم من واقع متردّ وهموم حملتها النفوس، وقد تمايزت الحلول، فنسيب عريضة وجد الخلاص في المعرفة والكشف الروحي، في حين وجدها أنيس المقدسي في تطهير النفس واستخلاص جوهرها السامي المتمثّل في الحبّ سبيلاً للسعادة البشرية المنشودة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عريضة، نسيب، الأرواح الحائرة، ص: 180.
(2)المصدر نفسه، ص: 181.
(3)المصدر نفسه، ص: 183.
(4) المصدر نفسه، ص: 193.
(5) المصدر نفسه، ص: 194-195.
(6) المصدر نفسه، ص: 195.
(7) عساف، ساسين، الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس، بيروت، ط1، 1988، ص22.
(8) فروم، أريك، اللغة المنسية، تر: محمود الهاشمي، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1991، ط1، ص: 42.
(9) المصدر نفسه، ص: 197.
(10) المقدسي، أنيس، المعري يبصر، مجلة المورد الصافي، ص: 335.
(11) المصدر نفسه، ص:339.
(12) المصدر نفسه، ص:330.
(13) المصدر نفسه، ص: 335.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|