أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2020
1752
التاريخ: 20-8-2020
13855
التاريخ: 2023-05-23
804
التاريخ: 24-8-2020
2634
|
المقارنة بين العلوم الطبيعية والتاريخ
يجب على من يريد تحليل التاريخ، أن يقارن تحليله بسائر العلوم الطبيعية، كالكيمياء، والفيزياء، والحساب، والهندسة، والفلك، وغير ذلك، فإنّ للأمور الطبيعية ظواهر وبواطن، والبواطن على الأغلب تكون متشابهة، ممّا يمكن أن يستفاد من تلك الظواهر والمفردات الحكم الكلّي الساري في جميع ذلك.
مثاله مثال ما ذكره سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] (1)، وكما قال القدماء بأنّ جوهر كلّ شيء نشاهده في هذا العالم هو مكوّن من أربعة أشياء: الماء، والتراب، والهواء، والنور أو النار، ولا يخفى أن هناك فرقاً بين النور والنار، ذكره علماء الطبيعة وإن كان بينهما جامع مشترك.
وبذلك تبيّن أنّ مفردات الحوادث لم تقع مصادفة، وإنّما وفقاً لظروف معيّنة وكلّي عام متحد في جميعها وشرائط وأزمان مختلفة.
ومنطق التفسير في الأمور الطبيعية أو في غير الطبيعية واحد في جوهره في كلّ من التاريخ، والعلوم الطبيعية، ولا يكون التنبؤ حينئذ علمياً بل هو قائم على قوانين عامّة لا غنى عنها لمن يريد تحليل التاريخ عنها. لكنّ هذه القوانين لا تعني الحتميّة والقطعية كالتدخّلات التي لا نعلمها، ولأن إرادة الله سبحانه وتعالى التي لا تدع شيئاً إلاّ وتتدخّل فيه زيادة ونقيصة وإفناءً وإيجاداً، ولذا يبقى المجال للإمكان والاحتمال.
نعم، قد يكون الإمكان قوياً، وقد يكون الاحتمال قوياً، وقد يكون الإمكان أو الاحتمال ضعيفاً بدرجات الضعف، فربّما يصل الأمر إلى100% وهو القطع، وربّما لا يصل آخذاً في النقيصة إلى الواحد ودون الواحد.
استيعاب المفردات
يلزم على من يريد معرفة فلسفة التاريخ، أن يجمع قدراً كبيراً من المفردات، والخصائص، والشرائط. مثلاً؛ إنَّنا من دون الجمع، لا نتمكّـن أن نحكم حكماً قطعياً ببقاء هذه الحضارة أو تلك وموت هذه الحضارة أو تلفقان الأشياء إنّما يصل علم الإنسان إليها في حدود شرائط خاصّة بأزمنة خاصّة، وأمّا الغيب فلا يعلمه إلاّ الله، والراسخون في العلم الذين يريد الله لهم أن يعلموا الغيب؛ كما قال سبحانه وتعالى: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27] (2)، مثلاّ إنّا إذا ألقينا نظرة دقيقة على خريطة جغرافية، ظهرت لنا الحدود بين الدول كخطوط دامية؛ لكثرة ما جرى فوقها من حروب فـي الماضي والتي أثرت في الجغرافيا، خاصّة بين الدول المنظّمة تنظيماً صارماً.
وقد شاهدنا نحن في عمرنا القصير كيف تغيّرت الحدود بسبب الحرب العالمية الثانية، ومن الواضح أنّه لا يمكن بشكل عام تغيير هذه الحدود إلاّ بحروب جديدة أو ثورات غير طبيعية، كالزلازل، والتقاء الأرض بالشهب، أو ما أشبه ذلك، فإنّه يوجد على سطح الكرة الأرضية مناطق متميّزة، فإنّ الله سبحانه وتعالى فضلّ الأشياء بعضها على بعض، كالتراب، والذهب، وكالإنسان المفضّل على غيره؛ كما قال سبحانه وتعالى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [الإسراء: 70] (3)، والذي يظهر من الروايات والآيـات أنّ فــي الآخرة أيضـاً مناطـق مفضّلة بعضها على بعض، كما قال سبحانه وتعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا } [الإسراء: 21] (4).
وفي الحديث أنّ بعض الناس يسألون عن أصدقائهم، فيقال لهم إنّه في مرتبة كذا فينظر إلى تلك المرتبة، كما ينظر أهل الأرض إلى النجوم (5)، وهذه المناطق المفضّلة في الأرض على مدى العصور، دلّت على أنّها أكثر ملاءمة من غيرها لسكنى البشر.
ولا يخفى أنّ مسألة الإنسان الأوّل (6)، كما يذكره المؤرّخون الغربيون الجدد ومن إليهم إنّما هو تخرّص بالغيب، وإلاّ فإنّنا نحن المسلمين نعتقد بأنّ الإنسان الأوّل هو آدم (عليه السلام)، وقد جاء من الجنّة إلى الدنيا بحضارة كاملة، ظهر بعضها ولم يظهر بعضها الآخر حسب الظروف والملائمات (7).
وعلى أيّ حال: ففي هذه المناطق المعتدلة، وجد الإنسان أفضل الشروط للعيش، ولهذا توجّه إلى تلك المناطق، والاعتدال إنّما يكون بالماء، والهواء، والتربة. أمّا تلك المناطق التي تقع إلى الشمال من مدار السرطان مثلاً، فتشكّل شريطاً متّصلاً تقريباً، يمتد من شواطئ الأطلسي إلى شواطئ المحيط الهادي، ويبلغ طوله آلاف الكيلومترات، ويمكن أن ندخل فيه الشريط الساحلي في إفريقيا الشمالية الذي يبدأ من المغرب ويصل إلى مصر ثمّ يتّصل بالهلال الخصيب في آسيا الصغرى.
وتاريخ هذه المناطق مجهول لنا إلاّ بالتخرّصات، والتخمينات، والظنون، ومن الواضح ((إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))(8) كما قاله سبحانه وتعالى، وقد اكتشف قبل سنوات قرب مدينة مشهد المقدسة الإيرانية مدينة ذكروا أنّ عمرها 5 آلاف سنة، كما اكتشفت في الصين أجساد موميائية، ذكروا أنّ عمرها 10 آلاف سنة، وقبل مدّة قرأت في إحدى الصحف العالمية أنّ في مصر مدينة قدّر العلماء عمرها 150 ألف سنة، وهناك في إفريقيا اكتشفت جماجم إنسانية قدّروا عمرها بسبعين مليون سنة، واكتشف في ألمانيا بعض الأسماك التي قدّر عمرها بثلاثمائة مليون سنة، وهكذا.
وكم يبقى من العالم أيضاً فإنّه مختلف فيه أبعد الاختلاف عند علماء الغرب، فمنهم من ذكر أنّ بقاء الدنيا بهذه الحضارة والكيفية عمرها المستقبلي خمسة مليارات من السنوات (9)، كما ذكر بعضهم أنّ عمر الكون حسب موازينهم 16 مليار سنة، وذلك ممّا لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى .
نعم، في العصر القريب كان الجزء الشرقي من حوض البحر الأبيض المتوسّط منطقة لقاء بين الحضارات منذ أقدم عصور التاريخ المدوّن، بل ومنذ عصور ما قبل التاريخ على الاصطلاح الحديث. أمّا ما وراء المحيط الهادي، فإنّ المنطقة المعتدلة تمتد حتّى أواسط الأمريكيتين، فالمكسيك والبيرو كانتا مهد حضارات سابقة، ولكن هذه الحضارات تطوّرت بدون احتكاك مع العالم الخارجي قبل وصول الأسبان أو المسلمين حسب ما يعتقد المسلمون حولها، وخطوط التصدّع في هذه القارّة هي بلا شكّ أقلّ وضوحاً من تلك الخطوط المماثلة الموجودة فوق القارات الآسيوية والأوربية، ولأنّ مـن ينظر إلى هاتين القارتين آسيا وأوربا يراهما ملتحمتين بشكل يجعل خطوط التصدّع الموجودة فوقهما متّصلة بدون انقطاع، فقد بدأت فيهما الحضارات التي يسمّونها بالعظمى وتطوّرت منذ آلاف السنين.
وإنّما ذكرنا ذلك لمجرّد المثال وإلاّ فالأمثلة كثيرة، ولعلّ الأمثلة في المجرات الأخرى أو في الأنجم الأخرى في مجرّتنا تكون أروع وأوسع في الطول والعرض والعمق. وقد ذكر بعض العلماء (10): إنّه ما لا يقل عن 100 ألف كوكب يسكنها البشر. وقد ذكر الإمام علي (عليه السلام) حينما سئل عن الكواكب؟ فقال: (مدائن مثل المدائن التي في الأرض) (11). لكن الذي يظهر من الآيات والروايات أنّ الشيء الذي يبقى ممّا يكون الزيادة عليه مؤقّتة، والنقيصة عنه مؤقّتة أيضاً هي الفطرة، كما قال سبحانه وتعالى: ((فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا))(12) وأمّا التقاليد والعادات والأعراف والقوانين الموضوعة وما أشبه ذلك، فكلّها وقتية سواء دام وقتها عشرات السنوات أو لم تدم إلاّ سنوات قلائل. ولهذا نشاهد في البشرية منذ بداية التاريخ سواء التاريخ الديني الذي يبتدئ بآدم (عليه السلام) وما بعده أو التاريخ الحضاري أو الغربي أنّهم كانوا متشابهين في كثير من الأمور، وإنْ كانوا مختلفين في العادات والتقاليد والأعراف والقوانين الموضوعة وما أشبه ذلك. لكن التاريخ البشري ليس منه بأيدينا لا دينياً ولا دنيوياً الشيء الكثير، بل إنّ الذي عندنا بعض المجملات، وكنت في السابق احتمل أنّ نوحاً (عليه السلام) كان قبل مائة مليون سنة، ثمّ وجدت في كتاب حديث أنّ الغربيين حدّدوا زمن نوح (عليه السلام) حسب موازينهم بثمانين مليون سنة، وهكذا فالمحلّل التأريخي يحتاج إلى مقدار كبير من المفردات الزمانية والمكانية والشرائطية وما أشبه ذلك، حتّى يتمكّن من تحليل التاريخ وفلسفته واستخلاص ذلك الكلّي المبطّن في هذه الأمور أو الحضارات.
________________
(1) سورة الأنبياء: الآية 30.
(2) سورة الجن: الآيات 26 ـ 27.
(3) سورة الإسراء: الآية 70.
(4) سورة الإسراء: الآية 21.
(5) ورد في بحار الأنوار: ج 8 ص148 وكان أمير المؤمنين (ع) يقول: (إن أهل الجنة ينظرون إلى منازل شيعتنا كما ينظر الإنسان إلى الكواكب).
(6) الإنسان في العصر الحجري أو ما يسمى بالإنسان (جاوه) الذي يكون أشبه بالقرد.
(7) إنّ من يراجع علم مقارنة الأديان، تتجلى له حقيقة هامة، وهي: إن اليهود يحاولون أن يمحوا قداسة الأديان ويظهروا الأنبياء مظهر الدجالين. ومن هذا المنطلق روجوا لنظرية دارون في التطور وأشباهها ؛ لأجل القضاء على الأديان والقوانين السماوية معلنين أن كل شيء بدأ ناقصاً ثم تطور، فلا قداسة إذاً للأديان والقوانين !!.
(8) سورة يونس: الآية 36، سورة النجم: الآية 28.
(9) للمزيد راجع كتاب ?نهاية الكوارث الكونية وأثرها في مسار الكون) للمؤلف فرانك كلوز، والصادر عن عالم المعرفة الكويتية ترجمة د. مصطفى إبراهيم فهمي.
(10) على ما ذكره الكاتب المصري عبد الرزاق نوفل.
(11) فقد ورد في تفسير البرغاني: ص137، وتفسير القمّي: ج2، ص218، في تفسير سورة الصّافات: (هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض).
(12) سورة الروم: الآية 30.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|