أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-3-2021
2084
التاريخ: 24-1-2021
2434
التاريخ: 25-2-2019
2547
التاريخ: 5-5-2020
2121
|
السبب الصارف لأكثر الخلق عن الشكر إما قصور معرفتهم بأن النعم كلها من اللّه - سبحانه- أو قصور معرفتهم و أحاطتهم بصنوف النعم و آحادها ، او جهلهم بحقيقة الشكر و كونه استعمال النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها و ظنهم ان حقيقة الشكر مجرد ان يقولوا بلسانهم : الحمد للّه ، أو الشكر للّه ، أو الغفلة الناشئة عن غلبة الشهوة و استيلاء الشيطان بحيث لا يتنبهون للقيام بالشكر، كما في سائر الفضائل و الطاعات ، او عدم احتسابهم للجهل ما يعم الخلق و يشملهم في جميع الأحوال من النعم نعمة.
ولذلك لا يشكرون على جملة من النعم ، لكونها عامة للخلق ، مبذولة لهم في جميع الحالات فلا يرى كل واحد لنفسه اختصاصا بها ، فلا يعدها نعمة , و تأكد ذلك بألفهم و اعتيادهم بها فلا يتصورون خلاف ذلك ، و يظنون ان كل انسان يلزم ان يكون على هذه الأحوال , فلذلك تراهم لا يشكرون اللّه على روح الهواء ، و وفور الماء ، و صحة البصر و السمع ، و أمثال ذلك , و لو أخذ يمحقهم ، حتى انقطع عنهم الهواء ، و حبسوا في بيت حمام فيه هواء حار، او بئر فيها هواء تقبل رطوبة الماء ، ماتوا , فان ابتلى واحد بشيء من ذلك ، ثم نجى منه ، ربما قدر ذلك نعمة و شكر اللّه عليه.
وكذا البصير، اذا عميت عينه ، ثم اعيد عليه بصره ، عده نعمة و شكره ، و لو لم يبتل بالعمى وكان بصيرا دائما كان غافلا عن الشكر , و هذا غاية الجهل ، إذ شكرهم صار موقوفا على ان تسلب منهم النعمة ثم ترد عليهم في بعض الأحوال ، مع ان النعمة في جميع الأحوال أولى بالشكر.
فلما كانت رحمة اللّه واسعة قد عمت الخلق في جميع أحوالهم لم يعدها الجاهلون نعمة , و مثلهم كمثل العبد السوء الذي لو لم يضرب بطرو ترك الشكر، و إذا ضرب في غالب الأحوال ترك ساعة شكر المولى على ذلك , و من تأمل يعلم ان نعمة اللّه عليه في شربة ماء عند عطشه أعظم من ملك الأرض كلها , كما نقل : «أن بعض العلماء دخل على بعض الخلفاء ، و في يده كوز ماء يشربه ، فقال له : عظني .
فقال : لو لم تعط هذه الشربة إلا ببذل أموالك و ملكك كله ، و لو لم تعطه بقيت عطشانا ، فهل تعطيه؟ , قال : نعم! , قال : فكيف تفرح بملك لا يساوي شربة ماء؟!».
هذا مع أن كل عبد لو أمعن النظر في حاله ، لرأى من اللّه نعمة أو نعما كثيرة تخصه لا يشاركه فيها أحد ، أو يشاركه يسير من الناس ، إما في العقل ، أو في الخلق ، أو في الورع و التقوى أو في الدين ، أو في صورته و شخصه ، أو أهله و ولده ، أو مسكنه و بلده ، أو رفقائه و أقاربه ، أو عزه و جاهه ، أو طول عمره و صحة جسمه ، أو غير ذلك من محابة.
بل نقول : لو كان أحد لا يكون مخصوصا بشيء من ذلك ، فلا ريب في أنه يعتقد في نفسه اختصاصه و مزيته في بعض هذه على سائر الخلق , فان أكثر الناس يعتقدون كونهم اعقل الناس ، أو أحسن أخلاقا منهم ، مع أن الامر ليس كذلك , و لذلك لا يشكون من نقصان العقل كما يشكون من قلة المال ، و لا يسألون اللّه أن يعطيهم العقل كما يسألون منه زيادة المال ، و يرى من غيره عيوبا يكرهها و اخلاقا يذمها ، و لا يرى ذلك من نفسه.
و بالجملة : كل أحد يقدر في نفسه من المحاب و صفة الكمال ما لا يراه فى غيره ، و إن لم يكن مطابقا للواقع , و لذلك لو خير بأن يسلب منه ماله و يعطى ما خصص به غيره ، لكان لا يرضى به , بل التأمل يعطى : أن كل واحد من أكثر الناس لا يرضى أن يكون في جميع الصفات و الافعال و الدين و الدنيا مثل شخص آخر من الناس كائنا من كان ، بل لو و كل إليه الاختيار، و قيل له : أنت مخير في صيرورتك مثل من شئت و أردت من أفراد الناس ، لم يخير إلا نفسه.
و إلى هذا أشار اللّه- سبحانه- بقوله : {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون : 53] , و إذا كان الأمر هكذا ، فانى له لا يشكر اللّه على ذلك مع قطع النظر عن النعم العامة؟ , ولو لم يكن لشخص من نعم اللّه إلا الأمن و الصحة و القوة ، لعظمت النعمة في حقه و لم يخرج عن عهدة الشكر.
قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): «من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، و عنده قوت يومه ، فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيرها».
ومهما فتشت الناس ، لوجدتهم يشكون عن أمور وراء هذه الثلاث ، مع أنها و بال عليهم , بل لو لم تكن للإنسان نعمة سوى الايمان الذي به وصوله إلى النعيم المقيم و الملك العظيم ، لكان جديرا به أن يستعظم النعمة و يصرف في الشكر عمره , بل ينبغي للعاقل ألا يفرح إلا بالمعرفة واليقين و الايمان , و نحن نعلم من العلماء من لو سلم إليه جميع ما دخل تحت ملوك الأرض من الشرق إلى الغرب ، من أموال و اتباع ، و أنصار و بلدان و ممالك ، بدلا عن عشر عشير من علمه لم يأخذه ، لرجائه أن نعمة العلم تفضي به إلى قرب اللّه - تعالى- في الآخرة.
بل لو سلم اليه جميع ذلك عوضا عن لذة العلم في الدنيا ، مع نيله في الآخرة إلى ما يرجوه ، لم يأخذه و لم يرض به ، لعلمه بأن لذة العلم دائمة لا تنقطع ، و ثابتة لا تسرق ولا تغصب ، و صافية لا كدورة فيها ، بخلاف لذات الدنيا .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|