المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

التلفزيون
9-1-2021
حجر البولي استر - المواد
2023-08-06
النبيت الطبيعي الثانوي Secondary Flora
9-1-2020
المقومات الجغرافية لصناعة السياحة في سلطنة عمان - المناخ
1-5-2022
الافات التي تصيب الفراولة
3-7-2017
الاشراك في العمل العبادي مبطل
2024-07-08


طرفا التشبيه  
  
15377   12:05 مساءً   التاريخ: 6-1-2019
المؤلف : د . عبد العزيز عتيق
الكتاب أو المصدر : في البلاغة العربية/علم البيان
الجزء والصفحة : ص65-77
القسم : الأدب الــعربــي / البلاغة / البيان /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015 5534
التاريخ: 4-2-2020 12557
التاريخ: 2-2-2019 44587
التاريخ: 13-9-2020 25330

 

طرفا التشبيه هما المشبه و المشبه به ،وهما ركناه الأساسيان و بدونهما لا يكون تشبيه  .

ولعل قدامة  بن جعفر هو أول من بحث التشبيه بحثا أقرب إلى المنهاج العلمي ،فأساس التشبيه عنده أن يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمها و يوصفان بها ، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما بصفتها .

وهو يبني قوله هذا على أساس أن الشيء لا يشبَّه بنفسه و لا بغيره من كل الجهات ، لأن الشيئين إذا تشابها من جميع الوجوه ، ولم يقع بينهما تغاير البتة اتحدا ، فصار الاثنان واحدا، و إذا كان الأمر كذلك ، فأحسن التشبيه عنده هو ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها ، حتى يُدنى بهما حال الاتحاد (1) .

وقد تابع أبو هلال العسكري قدامة في رأيه القائل بأن الشيئين إذا تشابها من جميع الوجوه ، ولم يقع بينهما تغاير البتة اتحدا ،فصار الاثنان واحدا ، وذلك إذ يقول : ((ويصح تشبيه الشيء بالشيء جملة ، وإن شابهه من وجه واحد ، مثل قولك : وجهك مثل الشمس ، ومثل البدر ، وإن لم يكن مثلهما في ضيائهما ولا عظمهما وإنما شبه بهما لمعنى يجمعهما وإياه وهو الحسن وعلى هذا قول الله عز وجل {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن: 24] ، إنما شبه المراكب بالجبال من جهة عظمها لا من جهة

ص65

 

صلابتها ورسوخها و رزانتها ، ولو أشبه الشيءُ الشيءَ من جميع جهاته لكان هو هو )) (2) .

وما من شك في أن ابن رشيق كان ينظر أيضا إلى قول قدامة الآنف الذكر عندما قال في كتابه العمدة ما معناه : إن المشبه لو ناسب المشبه به مناسبة كلية لكان إياه ، كقولهم ((فلان كالبحر )) ، إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما وليس يريدون ملوحة البحر وزعوقته (3) .

ومما يجري مجرى الكلام السابق بالنسبة لطرفي التشبيه قول السكاكي  : ((لا يخفى عليك أن التشبيه مستدع طرفين مشبها ومشبها به ، واشتراكا بينهما من وجه وافتراقهما من آخر ، مثل أن يشتركا في الحقيقة  ويختلفا في الصفة أو بالعكس . فالأول كالانسانين إذا اختلفا طولا وقصرا ، والثاني كالطولين إذا اختلفا حقيقة  : إنسانا وفرسا ، و إلا فأنت خبير بأن ارتفاع الاختلاف من جميع الوجوه حتى التعيّن يأبى التعدد فيبطل التشبيه لأن تشبيه الشيء لا يكون إلا وصفا له بمشاركته المشبّه به في أمر ، والشيء  لا يتصف بنفسه . كما أن عدم الاشتراك بين الشيئين في وجه من الوجوه يمنعك محاولة التشبيه بينهما لرجوعه إلى طلب الوصف حيث لا وصف  )) (4) .

وطرفا التشبيه : إما :

  1. حسيّان : والمراد بالحسي ما يدرك هو أو مادته بإحدى الحواس الخمس الظاهرة ؛ ومعنى هذا أنهما قد يكونان منمالمبصرات  ، أو    ص66

المسموعات  ، أو في المذوقات  ،أو المشمومات أو الملموسات  :

أ- فيكونان من المبصرات ، أي مما يدرك بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات وما يتصل بهما ، كقوله تعالى { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن: 58] فالجامع البياض والحمرة وكقول الشاعر :

أنت نجم في رفعة وثناء   تجتليك العيون شرقا وغربا

فالمخاطب الممدوح هنا شبه بالنجم في الرفعة و الضياء .

ونحو تشبيه الخد بالورد في البياض المشرب بحمرة ، وتشبيه الوجه الحسن بالشمس والقمر في الضياء والبهاء والشعر في الليل في السواد .

ب- ويكونان من المسموعات  ،أي مما يدرك بالسمع من الأصوات الضعيفة و القوية والتي بين بين ، نحو تشبيهك صوت بعض الأشياء بصوت غيره ، كتشبيه صوت المرأة الجميلة بصوت البلبل ،وصوت الغاضب الهائج بنباح الكلاب ، وكقول امرئ القيس :

يغط غطيط البكر شد خناقه          ليقتلني والمرء ليس بقتّال

 

فامرؤ القيس يصور هنا غضب رجل أظهرت امرأته ميلا نحو الشاعر  فيشبه غطيط أو صوت هذا الزوج المغيظ المحنق بغطيط البكر وهو الفتى من الابل الذي يُشد حبل في خناقه لترويضه وتذليله .

ج- ويكونان في المذوقات ، أي مما يدرك بالعروق من المطعوم كتشبيه بعض الفواكه الحلوة بالعسل  والسكر والريق بالشهد أو الخمر وكقول الشاعر :

كأن المدام وصوب الغمام    وريح الخزامي وذوب العسل

يعل به برد أنيابها       إذا النجم وسط السماء اعتدل

ص67

 

د- ويكونان بالمشمومات ، أي مما يدرك بحاسة الشم من الروائح وهذا نحو تشبيه رائحة بعض الرياحين برائحة الكافور والمسك  وتشبيه النكهة بالعنبر وتشبيه أنفاس الطفل بعطر الزهر وتشبيه رائحة فم المرأة و أعطافها بعد النوم بالمسك .

 

هـ - ويكونان في الملموسات  أي في كل مايدرك باللمس من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة  والخشونة و الملاسة واللين والصلابة و الخفة والثقل وما يتصل بها كتشبيه اللين الناعم بالخز والجسم بالحرير ، وكقول الشاعر :

لها بشر مثل الحرير ومنطق       رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر

  1. أو عقليان :والمراد بالطرفين العقليين أنهما لا يدركان بالحس بل بالعقل وذلك كتشبيه العلم بالحياة والجهل بالموت فقد شبه هنا معقول بمعقول أي أن كلا منهما لا يدرك إلا بالعقل .
  2.  أو مختلفان : وذلك بأن يكون أحدهما عقليا و الآخر حسيا كتشبيه المنية بالسُبع والمعقول هو المشبه  والمحسوس هو المشبه به  وكتشبيه العطر بالخلق الكريم فالمشبه وهو العطر محسوس بالشم والمشبه به وهو الخلق عقلي .

والتشبيه الحسي الذي يدرك هو أو مادته بإحدى الحواس الخمس يدخل فيه أو يلحق به التشبيه ((الخيالي)) . والتشبيه الخيالي هو المركب من أمور كل واحد منها موجود يدرك بالحس، لكن هيئته التركيبية ليس لها وجود حقيقي في عالم الواقع وإنما لها وجود متخيل أو خيالي .

ولكن لأن أجزاء التشبيه الخيالي موجودة تدرك بالحس ألحق بالتشبيه

ص68

الحسي ، لاشتراك الحس والخيال في أن المدرك بهما صورة لامعنى وذلك كقول الشاعر :

وكأنَّ محمرَّ الشقيـقِ إذا تصوب أو تصعد

أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد (5)

 

فالهيئة التركيبية التي قصد التشبيه بها هنا ‘ وهي نشر أعلام مخلوقة من الياقوت على رماح مخلوقة من الزبرجد لم تشاهد قط لعدم وجودها في عالم الحس والواقع ، ولكن العناصر التي تألفت منها هذه الصورة المتخيلة من الأعلام والياقوت والرماحوالزبرجد موجودة في عالم الواقع وتدرك بالحس .

 

ويدخل البلاغيون في التشبيه العقلي ما يسمونه بالتشبيه ((الوهمي)) وهو ما ليس مدركا بها كما في قوله تعالى في شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم(( طلعها كأنه رؤوس الشياطين ))،وكقول امرئ القيس :

أيقتلني والمشرفي مضاجعيومسنونة زرق كأنياب أعوال

فالشياطين (6) والغول وأنيابها مما لا يدرك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة ، ولكنها لو وجدت فأدركت لكان ادراكها عن طريق حاسة البصر .

ص69

 

 

ويدخل في العقلي أيضا ما يدرك بالوجدان ، كاللذة و الألم والشبع والجوع و الفرح والغضب .وما يدرك بالوجدان يعني ما يدرك بالقوى الباطنية مثل القوة التي يدرك بها الشبع والتي يدرك بها الجوع و كالقوة  الغضبية التي يدرك بها الغضب وكذلك القوة التي يدرك بها الفرح والخوف وغير ذلك من الغرائز .

 

فمثل هذه المعاني توجد بفعل قوى باطنية تدركها النفس بها ، وتسمى تلك القوى وجدانا والمدركات بها وجدانيات . وقد سمية عقلية لخفائها وعدم ادراكها بالحواس الظاهرة . كالألوان المدركة بالعين ، والطعم المدك بالذوق .

أجود التشبيه عند أبي هلال :   

                  وعند أبي هلال العسكري أن جود التشبيه و أبلغه ما يقع على أربعة (7)  

أوجه :

أحدهما : إخراج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه وهو قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ (8)يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور: 39] فأخرج ما لا يحس إلى ما يحس ، والمعنى الذي يجمعهما بطلان المتوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة ولو قال ((يحسبه الرائي ماء))  و أعظم حرصا عليه .

وهكذا قوله تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18]

ص70

والمعنى الجامع بينهما بُعد التلاقي ، وعدم الانتفاع .

 

 وكذلك قوله تعالى في حال من كذب بآياته و رفض الايمان في كل حال (( فمثله كمقل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث )) ، أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه من لهث الكلب .والمعنى أن الكلب لا يطيعك في ترك اللهث على حال ،وكذلك الكافر لا يجيبك إلى الإيمان في رفق ولا عنف .

ومثله قوله تعالى :  { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } [الرعد: 14] ،فالمعنى الذي يجمع بينهما الحاجة إلى المنفعة والحسرة لما يفوت من درك الحاجة .

والوجه الآخر :

ما لم تجر به الحاجة إلى ما جرت به العادة ، كقوله تعالى  : {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} [الأعراف: 171] (9) ، ولامعنى الجامع بين المشبه والمشبه به الانتفاع بالصورة .

 

 ومن هذا قوله تعالى : {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24] (10)، هو بيان ماجرت به العادة  إلى ما لم تجر به والمعنى الذي يجمع الأمرين الزينة والبهجة ثم الهلاك ، وفيه العبرة لمن اعتبر والموعظة لمن تذكر .

ص71

 

 

ومنه قوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } [القمر: 19، 20] ، فاجتمع الأمران في قلع الريح لهما و اهلاكهما والتخوف من تعجيل العقوبة .

ومنه قوله تعالى : { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن: 37] (11) والجامع للمعنيين الحمرة ولين الجوهر ، وفيه الدلالة على عظم الشأن ، ونفوذ السلطان .

 

ومنه قوله تعالى : {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20] ، والجامع بين الأمرين الإعجاب ، ثم سرعة الانقلاب وفيه الاحتقار للدنيا والتحذير من الاغترار بها .

 

والوجه الثالث :

إخراج ما لا يعرف بالبديهة إلى ما يعرف بها ، فمن هذا قوله عز وجل : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133]، فقد أخرج ما لا يعلم بالبديهة وهو عرض الجنة إلى ما يعلم

 

ص72

 

بها والجامع بين الأمرين العظم ، والفائدة فيه التشويق إلى الجنة بحسن الصفة .

 

ومثله قوله تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5] والجامع بين الأمرين الجهل بالمحمول ، والفائدة فيه الترغيب في تحفظ العلوم ، وترك الاتكال على الرواية دون الدراية .

 

ومنه قوله تعالى : {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة: 6، 7] (12) ، والجامع بين الأمرين خلو الأجساد من الأرواح ، والفائدة الحث على احتقار ما يؤول به الحال .

وهكذا قوله تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 41] ،فالجامع بين الأمرين ضعف المعتمد ، والفائدة التحذير من حمل النفس على التغرير بالعمل على غير أس .

 

والوجه الرابع :

إخراج ما لا قوة له في الصفة على ماله قوة فيها،كقوله عز وجل: { وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ } [الرحمن: 24] ، والجامع بين الأمرين العظم ، والفائدة البيان عن القدرة في تسخير الأجسام العظام في أعظم ما

 

ص73

 

يكون من الماء . وعلى هذا الوجه يجري أكثر تشبيهات القرآن ، وهي الغاية في الجودة ، والنهاية في الحسن .

وقد جاء في أشعار المحدثين تشبيه ما يرى بالعيان بما ينال بالفكر ، وهو رديء ، وإن كان بعض الناس يستحسنه لما فيه من اللطافة والدقة ، وهو مثل قول الشاعر :

وندمان سقيت الراح صرفا... وأفق الليل مرتفع السجوفِ

صفت وصفت زجاجتها عليها..كمعنى دق في ذهن لطيف

 

فأخرج ما تقع عليه الحاسة إلى ما لا تقع عليه ، وما يعرف بالعيان إلى ما يعرف بالفكر .ومثله كثير في أشعارهم .

 

أقسام التشبيه عن المبرد :

والمبرد من أوائل العلماء الذين درسوا فن التشبيه ،وهو يقسمه إلى أربعة أضرب :

1- التشبيه المفرط : وهو التشبيه المبالغ فيه ، أو المبالغ في الصفة التي تجمع بين المشبه والمشبه به ، كقول الخنساء في أخيها صخر :

وإن صخرا لتأتم الهداة بهكأنه نار في رأس علم، والعلم الجبل .

 

 

ومن هذا النوع في شعر المحدثين قول بشار :

كأن فؤاده كرة تنزيجذار البين إن نفع الحذار

ص74

2- التشبيه المصيب : ويفهم من الامثلة التي أوردها المبرد أنه يعني به ما خلا من المبالغة و أخرج الأغمض إلى الأوضح، كقول امرئ القيس في طول الليل :

كأن الثريا علّقت في مصامها    بأمراس كتان إلى صم جندل(13)

    فهذا التشبيه في ثبات الليل ؛ لأنه يخيل إليه من طوله كأن نجومه مشدودة بحبال من الكتان إلى صخور صلبة ، و إنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه . وكقوله في ثبات الليل :

فيا لك من ليل كأن نجومه   بكل مغار الفتل شدت بيذبل(14)

ص75

فهو هنا يشبه نجوم الليل في ثباتها وعدم حركتها كما لو كانت قد شدت بشيء مفتول قوي إلى جانب هذا الجبل .

وقد ذكر ابن رشيق أمثلة للتشبيه المصيب منها قول النابغة في وصف المتجردة :

نظرت إليك بحاجة لم تقضها    نظر السقيم إلى وجوه العُـوّد

وقول عدي بن الرقاع العاملي :

وكأنها وسط النساء أعارها    عينيه أحور من جآذر جاسم

وسنان أقصده النعاس فرنّقت   في عينه سِنة وليس بنائم

 

وقول صريع الغواني :

فغطت بأيديها ثمار نحورها  كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع (15)

 

3 – التشبيه المقارب : كقول ذي الرمة :

ومن المقارب الحسن قول الشماخ :

كأن المتن والشرخين منه    خلاف النصل سيط به مشيج

 

 

ص76

 

يريد سهما رمى به فأنفذ الرميَّة  وقد اتصل به دمها ، والمتن متن السهم ، وشرخ كل شيء حده ، فأراد شرخي الفوق (16) وهما حرفاه ، والمشيج المختلط .

 

4- التشبيه البعيد : وهو الذي يحتاج إلى تفسير ، وعند المبرد أن هذا النوع هو أخشن الكلام ، كقول الشاعر :

بل لو رأتني أخت جيراننا     إذ أنا في الدار كأني حمار

 فإن الشاعر أراد الصحة ، وهذا بعيد ، لأن السامع إنما يستدل عليه بغيره . وقال الله عز وجل - وهو من البين الواضح - {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]في انهم قد تعاموا عن التوراة وأضربوا عن حدودها و أمرها ونهيها حتى صاروا كالحمار الذي يحمل الكتب و لا يعلم ما فيها .

ويلاحظ على هذا التقسيم الذي أورده المبرد للتشبيه أمور منها : أن هذه الأنواع الاربعة هي صفات لبعض التشبيهات  ، و أنه لم يضع حدودا تميز كل نوع عما عداه . وترك هذ لحدس القارئ وتخمينه ، وأنه قد حكم على بعض الأمثلة التي أوردها بالحسن أو القبح دون أن يعلل لما استحسنه او استقبحه . ولكنه في عصر المبكر وفي المراحل الأولى للبلاغة والنقد لم يكن ينتظر منه أن يتوسع في دراسة التشبيه بأكثر مما فعل .

ص77

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر نقد الشعر لقدامة ص77_78 .

(2) كتاب الصناعتين ص239

(3) كتاب العمدة ج 1ص256 .

(4) كتاب مفتاح العلوم للسكاكي ص177 .

(5) الشقيق : ورد أحمر في وسط سواد ينبت في الجبال ،  وتصوب : مال إلى أسفل ، وتصعد : مال إلى أعلى .

(6) ممن عادة العرب أن يشبهوا كل قبيح الصورة بالشيطان لأن له صورة بشعة في توهمهم ، و أن يشبهوا حسن الصورة بالملك بفتح اللام لحسن صورته في توهمهم .

(7) كتاب الصناعتين ص 240.

(8) القيعة بكسر القاف والقاع : المستوي من الأرض الذي لا ينبت .

(9) النتق :الزعزعة والنقض والرفع ، ومعنى ((نتقنا الجبل))زعزعناه ورفعناه ، والظلة :الغمامة ، والمراد بالجبل :جبل الطور .

(10) اختلط به نبات الأرض : اختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء وجودة الأرض أخذت الأرض زخرفها : صار منظرها بهيجا ، وازينت أي بأشكال النبات و ألوانه ،قادرون عليها : قادرون على التمتع بها ،أتاها أمرنا :نزل بها ما أمرنا به  من إهلاكها ،جعلناها حصيدا :جعلنا ما على الأرض كالمحصود ،أي هالكا ،كأن لم تغن بالأمس : كأن لم يكن نباتها موجودا بالأمس .

(11) وردة : كوردة ، كالدهان : أصله ما يدهن به ، والمراد كالزيت الذي يغلى ، فهو تشبيه آخر قصد به أن وجه الشبه هو الذوبان والحرارة . 

(12) ريح صرصر : أي شديدة الصوت مزعجة ، عاتية : بالغة منتهى الشدة في التدمير ، حسوما : جمع حاسم ، أي قاطع بوزن شهود وشاهد ، والمراد قاطعات لدابرهم ، صرعى : جمع صريع أي هالك ،أعجاز نخل خاوية : أي جذوع نخل خالية تناثر كل ما في جوفها .

(13) الثريا : من الكواكب ، وسميت بذلك لكثرت كواكبها مع صغر مرآتها ،في  مصامها : في مكانها الذي لا تبرح منه كمصام الفرس، وهو مربطه ،والأمراس :جمع مرس وهو الحبل ، وصم : جمع أصم وهو الصلب ، والجندل : الصخرة ، والجمع جنادل .

(14) مغار الفتل : شديد الفتل ، ويذبل : اسم جبل .

(15) كتاب العمدة جـ 1 ص270 ، والجوامع : الأكبال .

(16) الفوق بضم الفاء : فوق السهم ، وهو موضع الوتر .





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.