المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

مناهج البحث في الجغرافية السياحية
6-3-2021
مقياس الانكسار المغمور immersion refractometer
9-4-2020
وفاة النبي رزية الاسلام الكبرى
13-5-2016
الإخلاص
2024-08-06
The trigonometric functions
11-10-2015
حروف الطباعة
25-7-2020


القول بالجبر أو التفويض من الغلو  
  
6459   01:01 مساءً   التاريخ: 5-1-2019
المؤلف : الدكتور عبد الرسول الغفار
الكتاب أو المصدر : شبهة الغلو عند الشيعة
الجزء والصفحة : 106- 118
القسم : العقائد الاسلامية / فرق و أديان / الغلو /

من العقائد المهمة والشائكة الملتبسة هي مسألة الجبر والتفويض ، والتي ترتبط بالمصطلح العقائدي الآخر ( القضاء والقدر ).

لقد برزت عقائد وفرق تنادي كل واحد منها بما يميزها عن الأخرى في تلك المسألة وأصل الموضوع هو البحث عن مسألة حرية الإرادة التي تعتبر الجذر الأساس لفكرة القضاء والقدر ، والتي شغلت علماء المسلمين منذ القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع منه.

ولم يشهد العالم الإسلامي تياراً فكرياً جاوفاً وصراعاً عقائدياً حاداً كالتيار الذي أحدثه هذا الموضوع.

ولا ننسى أن جذور هذا البحث إنما ورثه السملمون من الأمم السابقة والحضارات المتقدمة وبالخصوص الحاضرة اليونانية والمعتقادات والدينية السائدة هناك ، والخلافات التي أحدثتها تلك المذاهب بين اليونايين.

مسألة الجبر والتفويض أو القضاء والقدر ترتبط بالتوحيد من جانب ، وبالعدل الإلهي والقدرة الإلهية من جانب آخر.

وقد انقسم المسلمون المتكلمون في هذه المسألة إلى فرقتين متميزتين :

الفرقة الأولى : قالت إن كل أفعال الإنسان كسائر الموجودات الكونية هي افعال الله تعالى. وليس للإنسان أي مشيئة أو إرادة في ذلك الفعل وبعبارة أخرى أنكروا حرية الإنسان في أعماله وتصرفاته. وهذه تسمى بالمجبرة.

الفرقة الثانية : قالت إن أفعال الإنسان هي أفعال حقيقية اختارها بإرادته وحريته من دون أن يكون لله عليه سلطان أو إرداة فيها. وبعبارة أخرى قالوا بأصالة اختيار الإنسان ، وإنمه يتمتع بكامل الحرية في أفعاله وتصرفاته ، وأما دائرة حريته فهي واسعة لا يحدثا شيء ولا يردعها رادع. وهذه تسمى بالمفوضة.

وقد ذهب كل فريق إلى استنباط الأدلة والتدليل على صحة إن التفكير في هذه الأمور تورثه الحيرة والندم لأنها قد توصله إلى التشكيك في كثير من معتقداته الدينية ، لهذا جاء النهي عن البحث في هذا الموضوع فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سئل عن القدر : طريق مظلم فلا تسلكوه وبحر عميق فلا تلجوه وسر الله فلا تكلفوه.

ثم إن الرسول (صلى الله عليه واله) ذم القدرية فقال : ( إن القدرية مجوس هذه الأمة ) وقال (صلى الله عليه واله): القدرية خصماء الله في القدر وقد تذرع بهذا الحديث كل من المجبرة والمفوضة وكل واحد منها كفرت الأخرى ونسبتها إلى القدرية.

فالمجبرة تسمى المفوضة بالقدرية لأنهم ينكرون القدر وينفون الإرادة الإلهية عن كل تصرفات الإنسان لأن الإنسان مختار في أفعاله ، له مطلق الحية والإرادة في تصرفاته.

والمفوضة تسمى المجبرة بالقدرية لأنهم يثبتون القدر لله ويقولون أن أفعال العباد مخلوقة لله والإنسان عديم الإرادة.

والمستفاد من أخبار المعصومين : إن كلا الفريقين هم ينتمون إلى القدرية لكن إنتماء تضاد بينها ، فالمجبرة ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية وكل أفعال الخلق إلى غير الإنسان أي إلى الله سبحانه وهذا ما يوافق المجوس القائلين بكون فاعل الخير والشر غير الإنسان ، وهذا مما ينطبق على المجبرة من حيث إثبات القدر لله وسلب الاختيار من الإنسان.

وأما المفوضة فهم القائلون بخالقين : الأول وهو الله الذي خلق الأشياء وأكملها ثم انفصلت عنه فلا سبيل لها في الأرتباط به سبحانه والثاني وهو الإنسان بالنسبة لأفعاله ، لأنه مختار في كل تصرفاته وحريته مطلقاً لا دخل لإرادة الله فيها. وهذا مما يوافق المانوية الذين قالوا أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والأخر ظلمة وأنهما أزاليان لم يزلا (1) وهذه أثنينية ، وهي شرك بالله ، ويوافق المجوسية إذ أثبتوا أصلين قديمين مدبرين هما يزدان وأهرمن أي النور والظلمة.

... استدل المجبرة على صحة عقيدتهم بالآيات القرآنية منها :

قوله تعالى : {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [النحل: 93] وقوله تعالى : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] وقولة تعالى {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125].

أما المفوضة فقد استدلوا بآيات غيرها منها : قوله تعالى : {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: 17] وقوله تعالى {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] وقوله تعالى : {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام: 160] وقوله {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53] وقوله تعالى : {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28]. وقوله تعالى : {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وتعالى {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ } [المائدة: 30] وهكذا آيات كثيرة استدلوا بها على أن الإنسان مختار في فعله له حرية الإرادة في تصرفاته.

الإنسان عندما يستعرض شريط الحياة والوجود والحوادث والحركة الدؤبة في هذا الكون فإنه يجد نفسه لا ينفلت من إطار الجبر والقهر في وجوده قبل أن يولد وإلى أن يلقى حتفه ، فليست له إرادة أو اختيار في وجوده كما أن عدمه أو موته هو الآخر ليس من فعل إرادته وحرية أفعاله.

وفي الوقت نفسه لو أن الإنسان أنعم النظر فيما حوره من تصرفات وافعال سوف يجد أن حياته اليومية وما يصحبها من حركة وسكون تصرفات كلها تنطلق من حريته الخاصة وإرادته الجيدة التي لا قسر ولا جبر ولا إكراه عليه من غيره.

هذا اللون من النتائج سوف يجعل الإنسان في حيرة ويجد نفسه عاجزاً في تبني أي فكرة كي يطبقها أو يجعلها محوراً لعقائده الفكرية والدينية ، بل فيصدق عليهم جميعاً ـ المجبرة والمفوضة ـ تسميتهم بالقدرية ، لما عرفت من أنهم ينفقون القدر ويجعلون سلطان الإنسان هو المتحكم ، كما أنه يصدق عليهم قول الرسول (صلى الله عليه واله) مجوس هذه الأمة. فالقدرية القائلون بالاختيار يلتقون مع المعتزلة.

والقدرية القائلون بالجبر يلتقون مع الأشاعرة والفقهاء من أهل الحديث والسنة ، وأول من قال بالقدرية بمعنى الاختيار هو أحد النصارى من أهل العراق الذي اعتنق الإسلام ثم رجع عنه وقد أخذ عنه معبد الجهني وغليان الدمشقي فالأول تبنى هذه الفكرة ونشرها في الكوفة وحواليها ثم البصرة وبعد ذلك أصبح الداعي الأول لأهل العراق. أما غيلان الدمشقي فأخذ على عاتقه نشر فكرة الاختيار في بلاد الشام.

وقد اعتنق فكرة الاختيار والتفويض جماعة كبيرة من أهل العراق بسبب دعوة معبد الجهني إياها ، الذي عمل لها زمناً طويلاً إلى أن اشترك مع ثورة عبد الرحمن بن الاشعث ثم أسر وأخيراً صلبه الحجاج بن يوسف الثقفي. وبعد الجهني برز واصل بن عطاء كصاحب مدرسة. أما غيلان الدمشقي لما استفحل أمره في الشام وضواحيها وقد آل الأمر في الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز عمل له مناظرة كلامية استطاع بها أن يقنعه ووعده أن يرجع ...

ثم قيل أنه قتله هشام بن عبد الملك لما أفحمه الأوزاعي في إحدى مناظراته في القدر. وقيل أن هشام بن الحكم تصدى لقتله بعدما أن تناطرا في القدر.

وأول من قال بالقدر بمعناه السائد عند الأشاعرة والجهمية والفقهاء من أهل السنة ، هو الجعد بن درهم مولى بني الحكم وهو من قاطني الشام ، وله اتصال مع اليهود هناك ، ومنهم أخذ فكرة الجبر وبثها بين المسلمين ، ثم استعمله الحكام الأمويون وكان يتولى لهم تربية أبنائهم ويروج لما يعتقده ، وقد أخذ منه الجهم بن صفوان (2) فكرة الجبر عندما إلتقى به في الكوفة وأصبحت مدرسته هي الأخرى في الكوفة تناقض مدرسة واصل بن عطا وقد تبنى الحكام الأمويين المجرسة الجهمية أي الجبرية وروجوا لها بل تحمس للدفاع عنها طبقة الأمراء والولاة والقضاة ، وهم الذين يوعزون تصرفاتهم وظلمهم إلى الباري عز وجل وعلى الناس مجاراتهم لأنهم مجبرون في الرضوخ والتسليم طالما أفعال هؤلاء الظلمة مخلوقة لله ـ على حد زعمهم ـ فهي ليس من إرادة الإنسان وحريته.

بهذا التعليل استطاع بني أمية أن يذلوا الرقاب ويستولوا على السلطة ويرتكبوا أفظع الجرائم في التاريخ ويقارفوا المنكرات ويلهو ويولعوا في الشهوات والملذات وكان على رأسهم يزيد بن معاوية.

فليس من الغريب أن نجد الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وأمثالهم يحتلون الصدارة في قصور الحكام وتشملهم الرعاية الخاصة من قبل الأمويين طالما نفسوا لهم كربتهم في أعذارهم وأباحوا لهم ارتكاب كل جرم يخطر ببالهم.

فمثلاً من جملة ما قاله الجهم بن صفوان : إن الإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتنسب إليه الأفعال مجازاً ، كما تنسب إلى الجمادات ... والثواب والعقاب جبر ، كما أن الأفعال كلها جبر ، وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضاً كان جبراً.

وعلى هذا قال : لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه ، لأن ذلك يقضي تشبيها فنفى كونه : حياً عالماً ، وأثبت كونه : قادراً ، فاعلاً ، خالقاً ، لأنه لا يوصف شيء من خلقه : بالقدرة ، والفعل ، والخلق (3) ...

وممن قال بفكرة الجهمية من الجبرية هم النجارية (4) والضرارية (5) وأكثر معتزلة أهل الري.

قال الحسين النجار : الباري تعالى مريد نفسه كما هو عالم لنفسه فألزم عموم التعلق ، فالتزم ؛ وقال : هو مريد الخير والشر ، والنفع والضر. وقال أيضاً : معنى كونه مريداً أنه غير مستكره ولا مغلوب. وقال : هو خالق أعمال العباد خيرها وشرها ، حسنها وقبحها ، والعبد مكتسب لها ...

أما ضرار بن عمرو فقال : الباري تعالى عالم قادر على معنى أنه ليس بجاهل ولا عاجز ، وأن أفعال العباج مخلوقة للباري تعالى حقيقة ، والعبد مكتسبها حقيقة وجوز لذلك حصول فعل بين فاعلين (6).

هذه هي الجبرية التي صيرت الإنسان كالريشة في مهب الريح لا يملك شيئاً من تصرفاته وأفعاله.

ثم جاء الأشعري (7) ليؤكد تلك المقالة التي ذهب إليها المجبرة ، فقال إن أعمال العباد مخلوقة لله ومقدروة له ، ولقوله تعالى : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] لا يشاركه في الخلق غيره ، وقال : أخص وصفه تعالى هو القدرة على الاختراع ثم قال : الإيمان والطاعة بتوفيق الله تعالى ، والفكر والمعصية بخذلانه ، والتوفيق عنده : خلق القدرة على الطاعة ، والخذلان عنده : خلق القدرة على المعصية (8).

استدل المجبرة القائلون بأن الأفعال مخلوقة لله بعدة أمور يمكن إيجازها بما يأتي :

أولاً : قالوا أن الإسلام غير قادر على أفعاله ولا موجوداً لها بنفسه ، ولو كان الإنسان قادراً ، لزم اجتماع قادرين على فعل أو مقدور واحد ، لأن الله قادر على كل شيء ، والإنسان إذا قلنا قادراً على إيجاد فعله ، كانت قدرتان قد اجتمعتا وهذا باطل بدليل لو أراد الإنسان إيجاد فعل وكانت ارادة الله تعالى عدمه ، أدى إلى اجتماع النقيضين ، وإن وقع أحدهما دون الآخر أدى إلى ترجيح أحدهما وترك الآخر بدون مرجح ، وكل ذلك باطل ... إذن لا بد من القول بقدرة واحدة هي قدرة الخالق وإن أفعال العباد مخلوقة له.

ثانياً : لما كانت قدرة الله تعالى مطلقة ، أي أنه قادر على كل شيء ، ويفعل ما يريد وإرادته لا تقهر ولا ترد ، إذن لا مجال للقول بأي قدرة للعبد ، وإذا قلنا أن العبد يعلن بقدرته ، أدى بنا إلى تعطيل قدرة الله ووصفه بالعجز ، وهذا يناقض قدرته وإشاءته في كل آن.

ثالثاً : كون الأفعال الصادرة من العباد مخلوقة لله ، لأنها محتاجة إلى مرجح وهذا المرجح لا بد أن يكون مرجعه إلى الله وإلا لو كان بترجيح من العبد فلا يؤدي إلى النتيجة الفاعلة ، بمعنى أن كل ترجيح ـ لو كان من العبد ـ هو محتاج إلى ترجيح آخر ، والترجيح الثاني مفتقر إلى ترجيح ثالث ، وهكذ يقع التسلسل.

إذن لا بد من القول بأن ، افعال العبد صادرة بترجيح خارجي منوط بالله سبحانه.

هذه بعض استدلالات الأشاعرة وأهل الجبر ومن تابعهم من الفقهاء من أهل السنة والحديث ، إلا أنها استدلالات ضعيفة قابلة للرد ليس هذا محلها ، وقد تصدى لردها المعتزلة وعلماء الكلام على مر التاريخ ، وإن كتبهم زاخرة بالردود والنقوض ، على أنها هي الأخرى قابلة للرد والنقض.

فمن جملة الردود التي تصح في المقام هي :

أولاً : لو كانت أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأن الإنسان مجبور عليها فهذا يعني إبطال الثواب والعقاب وهذا خلاف ما يصرح به القرآن الكريم حيث قال تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] وقوله تعالى : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] وقال تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وقال تعالى : {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93] وقوله تعالى : {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النمل: 90] وقوله تعالى : {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 54] وقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 120] وهكذا آيات كثيرة تنص على المجازاة وإداء المعروف لمن أحسن في الدنيا والعقوبة لمن أساء فيها.

ثانياً : إذا كانت أفعال العبد مخلوقة لله ، فإن ذلك سوف يؤدي إلى تكليف بما لا يطاق وهذا غير صحيح ، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد (9).

ثالثاً : إذا كانت أفعال العبد مخلوقة لله ، فما فائدة بعض الأنبياء والرسل وإنزال الكتب والشرائع؟! أولم تكن الغاية من بعثهم لهداية الناس وإنذارهم وتعليمهم العبادة الحقة وتحذيرهم من السقوط والهلكة؟!

قال تعالى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } [الجمعة: 2] وقال تعالى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ... } [البقرة: 213] وإلى غير ذلك من الآيات البينات (10).

رابعاً : إن كانت أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وقد أجبرهم عليها ، فإن عقابه للعاصي ظلم ـ لأن العبد مجبور على فعله ـ والظلم قبيح على الله ...

قال تعالى : {يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ...} [البقرة: 54] وقال تعالى : {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117] وقال تعالى : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117] وإلى ذلك عشرات الآيات المباركات.

خامساً : إذا كانت أفعال العباد مخلوقة لله ، إذن فلا حجة لله على عباده في ارتكاب المعاصي ، بل إن الحجة البالغة سوف تكون للعصاة ...

إلا أن القرآن الكريم يصرح بأن الفعل القبيح إنما صدر بإرادة الإنسان وهو المسؤول عنها والحجة لله تعالى. * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } [المدثر: 42 - 46]. فقوله تعالى : ( كنا نخوض مع الخائضين ) واضحة الدلالة من أن أفعالهم كانت صادرة باختيارهم.

إلى غير ذلك من الادلة التي لا يصمد عندها المجبر وبها تبطل مزاعمهم الفاسدة. لكن أنى لهم الردع وقد ترعرعوا في نعيم العيش ، ينقلبون في قصور الحكام والخلفاء وينهلون من أموالهم ومنحهم. فهم الوسيلة لتعضيد الملوك والخلافاء على جورهم والدرع الحصين الذي وقى أولئك الجبابرة ، ومنحهم الشرعية الكاملة لتصرفاتهم وغصبهم للخلافة وجورهم ... فهم بغية أهل الفسق والفجور من الحكام والولاة كما أنهم وجدوا من الظلمة المتنفذين المرتع الخصب لتحقيق المصالح وإشباع الرغبات ...

هذا بيان يكشف لنا فساد عقيدة المجبرة بل وكفرنا وقد مر في الصفحات المتقدمة قول الرسول (صلى الله عليه واله) فيهم.

أما المعتزلة التي غربت قبال تشريق المجبرة والأشاعرة وأهل الحديث ، فقد اتفقوا على أن العبد خالق لأفعاله قادر عليها ، صادرة منه بحريته المطلقة وإرادته الكاملة ، وبهذا الاعتقاد أظهرت الحاق الباريء بمظهر العاجز الذي لا يتمكن إعمال إرادته في إرادة مخلوقه .. لأنه ـ حسب زعمهم ـ قد أوجد الكائنات وأبدعها وانتهى من خلقها وتركها وشأنها من دون إعمال مشيئته فيها ، وإن أفعال العباد هي إحدى ظواهر الوجود المتحررة عن مباشر المشيئة الإلهية. والمعتزلة تضم اثنتي عشر فرقة : منها الواصلية والهزلية والنظامية والجاحظية والجبائية ... وكلها قائلة بفكرة معبد الجهني المؤسس الأول ثم تابعه الحسن البصري وواصل بن عطاء ... والجميع يقرون الحرية المطلقة للإنسان ، وإنه في معزل عن إرادة الله تعالى ، وهذا لا يخفى من كونه من معتقدات المجوس الثنوية الذين قالوا بإله الخير وإله الشر.

لأن فكرة المعتزلة تجعل للإنسان إرادة خاصة منفكة عن إرادة الله تعالى وهذا يبعد الإنسان عن إطار التوحيد ليقذفه في حياض الشرك حيث يصبح الإنسان في هذه الحرية صاحب إرادة وحكومة مطلقة ، بعبارة أخرى أن الله ـ على حد زعمهم ـ أوجد المخلوقات بأسبابها الخاصة ثم انفصل عنها وجعلها ذوات مستقلة لا ارتباط لها بالأسباب والعلل المؤثرة من قبل الله تعالى. وهذا يقضي أن في الوجود قوتين وقدرتين ، وهذا هو الشرك بعينه ... إلا أن المعتزلة أغمضت عن ذلك.

المؤتمر الحقيقي هو الله وحده لا شريك له حيث لو أراد سبحانه أن يذهب بأثر إرادة الإنسان في أفعاله لفعل. فلا ينفك الوجود بما فيه من أسباب وعلل وناقصة من القدرة الإلهية بل لا يخرج من كونه من فعل الله سبحانه وإنه مفتقر إليه في كل آن. وبعبارة أخرى أن إعطاء القدرة والاختيار هو فعل الله سبحانه لكن الفعل المقدور والمختار من قبل العبد هو فعل العبد.

من كل ما تقدم عرفت عقيدة المجبرة والمعتزلة واتضح أن كل واحد منها غالت في عقائدها وأصبحت على طرفي نقيض ، وهما في الشرك والكفر قد سقطوا من حيث شاؤوا أو أبوا.

وهذا الغلو لا يوجد عند متكلمي الشيعة ، بل هو مرفوض ، بل إن نسبة إلى الفرق المتقدمة هو أليق.

والذي يعطينا الحل المناسب والصحيح هو الأخذ بقول أهل البيت (عليه السلام) حيث وضعوا القول الفيصل في المسألة وأقروا أن الأمر بين الأمرين فلا جبر إذن ولا تفويض ، وهذا هو مذهب الإمامية الإثنا عشرية فلا هم على رأي المجبرة ولا هم على رأي المعتزلة ، بل أقروا أن الإنسان موجود لأفعاله ، ولكن بالقدرة التي أودعها الله فيه ، فإذا وجد الداعي وارتفع المحذور صدر الفعل عن فاعله ، ونسب إليه ما فعله ، وشأنه في ذلك شن الإحراق للنار من حيث قيام المعلول بعلته.

فلو لم يكن سبحانه يفيض علينا من قدرته حرية الإرادة والإمكانات والقوى والحياة في كل آن ، لما كنا قادرين على أي عمل نفعله ، لهذا إن أفعالنا الإرادية ترتبط بنا لكونها صاردة من عندنا وفق مصالح يشخصها العبد. وفي نفس الوقت إن هذه الإرادة هي ذخائر المولى ـ الخالق ـ في العبد.

وبهذا التقرير يتضح أن الأمور لا بد أن تجري بأسبابها ، وأن من جملة الأسباب هو خلق الإنسان وخلق الإرادة فيه ، وإن أفعالنا الاختيارية صاردة من ذلك السبب وهي الإرادة ، وهذه تقع في آخر جزء من سلسلة الأسباب فإرادة الله هي الإرادة ، وهذه تقع في آخر جزء من سلسلة الأسباب فإرادة الله هي منذ الأزل ولا تنافي هذه الارادة مع حرية البشر في اختيارهم لأفعالهم وبهذا الاختيار تحسن المكافئة على فعل الخير ويجزي العاصي بما فعل من سوء ، قوله تعالى : {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29] وقوله تعالى : {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل: 19] وقوله تعالى : {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 27، 28].

عن الصدوق بإسناده عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي قال : دخلت على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو ، فقلت له يا بن رسول الله روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : إنه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين فما معناه؟ قال (عليه السلام) : من زعم أن الله عز وجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه (عليه السلام) فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك.

فقلت له يا بن رسول الله فما أمر بين أمرين؟

فقال وجود السبيل إلى اتيان ما أمروا به ، وترك ما نهوا عنه. فقلت له : فهل لله عز وجل مشية وإرادة في ذلك؟ فأما الطاعات فإرادة الله ومشته فيها الأمر بها والرضى لها والمعاونة عليها وإرادته ومشيته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها قلت : فهل لله فيها القضاء؟ قال : نعم ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلا ولله فيه قصاء ، قلت : ما معنى هذا القضاء؟ قال : الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة (11).

وقال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وقد ذكر عنده الجبر والتفويض ، فقال : ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا يختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أخذ إلا كسرتموه؟

قلنا إن رأيت ذلك ، فقال : إن الله تعالى لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبه ، ولم يهمل العباد في ملكه ، وهو المالك لما ملكهم ، والقادر على ما أقدرتم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادراً ولا منها مانعاً ، وإن ايتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن لم يحل ففعلوا فليس هو الذي أدخلهم فيه. ثم قال (عليه السلام) من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه (12).

عن الحسن بن علي الوشاء قال سألت الإمام أبا الحسن الرضا (عليه السلام) فقلت : الله فوض الأمر إلى العباد؟ قال : الله أعز من ذلك ، قال : ثم قال : قال الله يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني ، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك (13).

اهذا يستجب الدعاء بهذا المأثور : ( إلهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) لأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. كما يستجب الإكثار من قوله تعالى : ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) والإمعان فيها دائماً.

ومن الأخبار المأثورة عن أهل البيت : الجماعة لأمهات المطالب المتقدمة والتي تكشف عن معنى القصاء والقدر وتوضح عقيدة أهل الجبر وتفضح مقولة أهل الاختيار والتفويض وتبين الأمر بين الأمرين هو قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما رجع من حرب صفين إذ كان جالساً في الكوفة فأتاه شيخ فجثا بين يديه ثم قال له : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم وبطن واد إلا بقضاء من الله وقدر ، فقال له الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟

فقال له : مه يا شيخ فو الله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين.

فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه كان قضاء حتماً وقدراً لازماً؟ أنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والوجر من الله وسقط معنى الوعد والوعيد فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسنين أولى بالعقوبة من المذنب تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الأمة ومجوسها. إن الله تبارك وتعالى كلف تخييراً ونهى تحذيراً وأعطى على القليل كثيراً ولم يعص مغلوباً ولم يطع مكرهاً ولم يملك مفوضاً ولم يخلق السماوات والأرض وما بنيهما باطلاً ، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

فأنشأ الشيخ يقول :

أنـت الإمـام الـذي تـرجوا بطاعته

                   يوم الـنجاة مـن الـرحمـن غـفرانـا

أوضحت مـن أمـرنا ما كان ملتـبسا

                   جـزاك ربـك بـالإحـسان إحسانا (14) .

__________________

(1) الملل والنحل 1 | 224.

(2) قال الشهرستاني : هو من الجبرية الخالصة ، ظهرت بدعته بترمذ وقتله سالم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أمية. الملل والنحل 1 | 79.

(3) انظر الملل والنحل 1 | 79 ـ 80.

(4) نسبة إلى الحسين بن محمد النجار.

(5) نسبة إلى ضرار بن عمرو.

(6) انظر الملل والنحل 1 | 81 ـ 82.

(7) هو ابن الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري الذي اختاره أهل الكوفة للتحكيم كمندوب من قبل جند الإمام علي (عليه السلام) في حربهم مع معاوية في صفين.

(8) الملل والنحل 1 | 93.

(9) أصول الكافي 1 | 160.

(10) لقد أفاد الشيخ الخراساني في الكفاية بعد إيراده السؤال المتقدم فقال : لينفع به ـ ببعث الرسل وإنزال الكتب ـ من حسنت سريرته وطابت طينته لتكمل به نفسه ويخلص مع ربه انسه ماكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وقد استدل الشسخ بآيات أخرى غير التي استدلينا بها ، منها قوله تعالى : {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].

ثم قال : وليكون حجة على من ساءت سريرته وخبثت طينته : {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } [الأنفال: 42] { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} [النساء: 165]. انظر كفاية الأصول 2 | 5 ، ط الشابندر ، بغداد 1329 هـ.

(11) عيون أخبار الرضا 1 | 124.

(12) المصدر نفسه 1 | 144.

(13) أصول الكافي 1 | 157.

(14) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - ١٥٥.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.