أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-12-2015
2810
التاريخ: 11-10-2014
2047
التاريخ: 2023-02-22
1198
التاريخ: 2024-11-18
140
|
قلنا : إن خضوع القصة للغرض الديني، لم يمنع بروز الخصائص الفنية في عرضها. فالآن نقول : إنه كان من أثر هذا الخضوع بروز خصائص فنية بعينها تحسب في الرصيد الفني للقصة في عالم الفنون الطليق؛ وتصدق ما قلناه في أول هذا الفصل من أن القرآن «يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني، فيخاطب حاسة الوجدان الدينية، بلغة الجمال الفنية».
ونحن نستعرض فيما يلي هذه الخصائص الفنية التي نسميها «مظاهر التنسيق الفني في القصة».
«أ» كان من أغراض القصة في القرآن إثبات وحدة الإله، ووحدة الدين، ووحدة الرسل، ووحدة طرائق الدعوة، ووحدة المصير الذي يلقاه المكذبون. على نحو ما بيّنّا في أول هذا الفصل.
فنشأ عن خضوع القصة لهذه الأغراض أن يعرض شريط الأنبياء والرسل الداعين إلى الإيمان بدين واحد، والإنسانية المكذبة بهذا الدين الواحد، مرات متعددة بتعدد هذه الأغراض؛ وأن ينشئ هذا ظاهرة التكرار في بعض المواضع. ولكن هذا أنشأ جمالا فنيّا من ناحية أخرى، ذلك أن عرض هذا الشريط يخيل للمتأمل أنه نبي واحد، وأنها إنسانية واحدة، على تطاول الأزمان والآماد :
كل نبي يمر وهو يقول كلمته الهادية ، فتكذبه هذه الإنسانية الضالة، ثم يمضي، ويجيء تاليه فيقول الكلمة ذاتها ويمضي ؛ وهكذا ...
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف : 59 - 78] .
وكلما تكرر هذا الاستعراض ، كان هناك مجال لتملي هذا الشريط، الذي يقف مرة عند كل نبي ، ثم يمضي في عرضه مطردا ... حتى يقف محمد أمام كفار قريش، فإذا هو يقول تلك القولة الواحدة، وإذا هم يردون ذلك الرد المكرور. وفي تأمل الشريط على هذا النحو جمال فني أكيد.
«ب» وكان من آثار خضوع القصة للغرض الديني أن تعرض منها الحلقات التي تقتضيها هذه الأغراض. وقد نشأ عن هذا ما يشبه أن يكون نظاما عامّا. ذلك أن آخر حلقة تعرض- بحسب ترتيب السور- تتفق مع أظهر غرض ديني صيغت القصة من أجله، وفي الوقت ذاته يتفق هذا الختام مع الأصول الفنية؛ ويبدو كأنه ختام فني لذاته، لا للغرض الديني من ورائه.
وقد لاحظنا من قبل في قصة موسى أن آخر ذكر لها يرد في سورة المائدة، والحلقة التي تعرض فيها هي حلقة التيه. فهؤلاء بنو إسرائيل قد أغدق اللّه عليهم نعمته، وأملى لهم في رحمته؛ ثم ها هم أولاء في النهاية لا يحافظون على النعمة، ولا يدخلون الأرض المقدسة، وقد جهد موسى ما جهد لردهم إليها؛ فيكون تأديبهم على هذا المطال، تركهم في التيه لا مرشد لهم ولا معين، حتى يأتي الأجل المعلوم.
ذلك غرض ديني بحت. ولكن ترى كان هناك ختام في أجمل من مشهد التيه، في نهاية ذلك الجهد الجهيد، وبعد ذلك التردد الشديد؟ إن مشهد التيه هو المشهد الفني الأنسب، لو كانت القصة مطلقة من جميع القيود.
فلنتتبع هذه الظاهرة في قصص أخرى.
1- هذه قصة إبراهيم ترد في حوالي العشرين موضعا، ثم يكون آخر موضع ترد فيه هو «سورة الحج» (103) فتعرض منها الحلقة التالية :
{وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً؛ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ؛ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
فهنا- من الوجهة الدينية- ربط بين شعائر الحج في الإسلام وشعائره في دين إبراهيم : وذلك غرض- كما قلنا- مقصود ؛ وقد ورد في ختام السورة نفسها آخر ذكر لإبراهيم في قوله : {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}. سلكن لننظر من الوجهة الفنية البحتة، أ كان هناك مشهد تختم به قصة إبراهيم، أليق من مشهده يؤذن في الناس للحج؛ وهو باني البيت، ومودع طفله إسماعيل هناك قبل البناء؟ إنه أليق ختام فني بلا جدال، ولو لم يكن الغرض الديني هو الذي اقتضاه.
2- وهذه قصة عيسى ابن مريم ترد ورودا أساسيا في ثمانية مواضع، وآخر حلقة منها تعرض في سورة المائدة (112) على النحو التالي :
{وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ. تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي ولا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ : أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ. وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، وأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}..
فهذا الختام هو ختام ديني وختام فني في آن واحد، لقصة كقصة عيسى. مولده عجيب، وعن هذا المولد نشأت شبهات تأليهه، وحول هذه النقطة المعقدة ثارت المشكلات. فها هو ذا في اللحظة الأخيرة أمام خالقه يعترف بعبوديته، ويشهد بما قاله لقومه. ويفوّض الأمر فيهم إلى اللّه العزيز الحكيم.
الفن يقتضي هذا الختام، حين تساق القصة مساقها في القرآن.
3- وقصة آدم، تختم في كل مرة بالهبوط، فإذا زادت فإنما تزيد استغفار آدم من ذنبه وقبوله عند ربه؛ ثم لا تزيد على ذلك شيئا مما وقع له في الأرض بعدها- كما تزيد التوراة مثلا- ذلك أن الهدف الديني يتم بهبوط آدم من الجنة جزاء لاتباعه مشورة عدوّه القديم، ونسيانه لأمر ربه الكريم.
أما الفن فيجد في هذا الختام كل ما يبغيه الفنان : الهبوط من الجنة، وترك القصة مفتوحة بعد هذا للخيال يتبع آدم المسكين وزوجته في الأرض غريبين لم يعرفا أقطارها، ولم يتعودا حياتها، وليس لهما من خبرة بالمعاش فيها ... إلى آخر ما يتملاه الخيال من مشاهد وفروض، يقضي على جمالها الفني كل إسهاب في القصة بعد هذا الختام.
4- وقصة سليمان ترد في ثلاثة مواضع، وآخر سورة ترد فيها هي سورة الأنبياء (73) وتذكر منها الحلقة التالية :
{وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ؛ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ : وكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً؛ وسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ؛ وعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟ ولِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها، وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ؛ ومِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ، وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ}.
وهنا غرض ديني من أغراض قصة سليمان الكثيرة. ولكن قد يبدو أن الختام الفني هنا لم يتفق مع الغرض الديني، وأن مشهد سليمان متكئا على عصاه بعد موته قد يكون هو الختام الفني المطلوب.
وهذا المشهد يصلح ولا شك؛ ولكن مشهد الحكم والحكمة هنا له قيمته الفنية أيضا في حياة سليمان. فهو «سليمان الحكيم» كما يلقب، وهو «سليمان الملك». وفي هذا الحكم المبكّر شاهد بالحكمة الموهوبة، وإرهاص للملك العريض. ثم هي طريقة من طرق العرض، أن تنتهي قصة البطل بمشهد من مشاهد طفولته أو صباه، ذي علاقة وثيقة بمحور قصته من البدء للختام.
5- وحتى القصص المشتركة بين عدد من الأنبياء- وأغراضها الدينية معلومة- قد اتسق آخر عرض لها مع الخاتمة الفنية في اختصار :
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ، فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، وعادٌ وثَمُودُ، وقَوْمُ إِبْراهِيمَ وقَوْمُ لُوطٍ، وأَصْحابُ مَدْيَنَ، وكُذِّبَ مُوسى، فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ؟}.
و ذلك ختام واقعي، وختام ديني، وختام فني في آن.
6- أما قصة يوسف فكان فيها توافق في الختام من نوع خاص يتفق مع القصة في الابتداء. فقد بدأت القصة برؤيا يوسف فختمت بتحقق هذه الرؤيا، وسجود إخوته له وأبويه. ولم يخط خطوة وراء هذا كما فعلت التوراة، لأن الغرض الديني قد تحقق، وتحقق معه للقصة أجمل ختام.
«ج» وكان من مقتضى الأغراض الدينية للقصة أن تتساوق مع الوسط الذي تعرض فيه؛ فأنشأ التساوق نوعا من التناسق الفني الذي عرضنا له في فصل خاص، تناولنا فيه سائر ألوان التصوير في القرآن.
أما مظهره في سياق القصة، فقد ذكرنا نموذجا منه آنفا عند ذكر أغراض القصة. ذلك في مثال : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر : 49 ، 50] ثم التعقيب على هذا بقصص تصدق هذا الإنباء.
فالآن نذكر له نماذج أخرى، يتفق فيها الغرض الديني، والتناسق الفني تمام الاتفاق :
1- في سورة الأعراف عرض قصة آدم على النحو التالي :
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف : 11 - 25] .
ثم يستمر السياق، فيدعو بني آدم بعد هذه القصة أن يحذروا الشيطان : {يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} وأن يتمتعوا في الحدود المباحة، وألا يحرّموا كذلك ما أحلّ اللّه، وأن يطيعوا الرسل الذين يأتونهم من عند اللّه : {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} ... ثم يستطرد إلى يوم القيامة حيث يستعرض موقف المؤمنين الذين اتبعوا هدى اللّه وموقف الكافرين الذين اتبعوا غواية الشيطان، حتى ينتهي الاستعراض إلى دخول هؤلاء النار ودخول أولئك الجنة، حيث يناديهم «رجال الأعراف» على النحو الذي ذكرناه في «فصل التصوير الفني» هناك :
{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} وحيث ينادون من الملأ الأعلى : {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
فكأنما كانت هذه «عودة المهاجرين وأوبة المغتربين» عن دار النعيم. وكأنما استحقوا الإياب وأورثوا الجنة ، لأنهم عصوا الشيطان ، بعد أن كان اتّباعه سبب الخروج.
وفي هذه «الأوبة» تناسق في العرض مع ذلك «الخروج» كان مكانه هناك في فصل «التناسق» فهو بلا شك من مستوى ذلك الطراز.
ومثل هذا التناسق ملحوظ في القصص ، نكتفي منه بهذا المثال ، ليقرأ القارءون على هداه سائر القصص في القرآن.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|