أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-20
923
التاريخ: 22/12/2022
1890
التاريخ: 23-10-2015
6227
التاريخ: 25-10-2015
2495
|
فإن الفقهاء اختلفوا بشأن مدى القيمة القانونية لبنود حظر التعديل، بين أنها عديمة القيمة القانونية أساسا، وبين إكسابها قوة قانونية إلزامية، إضافة إلى النظر إلى أثار كل من الحظر الزمني والحظر الموضوعي، وعليه فان القيمة القانونية للنصوص التي تحظر التعديل، لا يمكن تحديدها بشكل واضح، لأن فقهاء القانون الدستوري اختلفوا في مدى قوتها، وبالتالي فالتساؤل يطرح حول كيفية التوفيق بين الآراء الفقهية المختلفة، ومحاولة الخروج بالراي الراجح والمنطقي حول مدى مشروعية النصوص التي تحظر التعديل الدستوري. وبالتالي كيف نصل إلى ديمقراطية تحديد مجالات التعديل الدستوري، وضمان هذه القيود لتفعيل جوهر عملية التعديل الدستوري بحد ذاتها؟. قبل الوصول إلى ذلك، لا بد من إبداء بعض الملاحظات حول الاتجاه الفقهي ، ومحاولة التعقيب عليها للخروج بالراي الموفق في هذه العملية. بالنسبة للحظر الموضوعي ومنع المساس ببعض أحكام الدستور بطريقة أبدية أي الحظر الموضوعي الجزئي المطلق، فالمبدأ المعتمد عليه في هذه الحالة هو مضمون هذه النصوص الحساسة والمتعلقة بجوهر النظام السياسي في الدولة، والمساس بها يمكن أن يهدد النظام السياسي بالخلل. لذلك فإن مشروعية النصوص التي تحظر التعديل الدستوري من عدمها ومدى تصدي هذه النصوص لإرادة الشعب في التغيير، يتوقف على طبيعة المواضيع التي تتضمنها النصوص التي تحظر التعديل الدستوري، أي معناه المواضيع التي لا يجوز المساس بها هذا من حهة، ومن جهة أخرى أثر تعديلها على باقي نصوص الدستور نفسه. فلا بد من التمييز بين النصوص الخطيرة والمواضيع التي لا تتعدى أثارها إلى نصوص أخرى، التي لا تشكل انعطافا مهما في جوهر النظام السياسي، فمثلا تغيير نص يقرر أن نظام الحكم في الدولة هو نظام ملكي، يعني تغيير شكل هذا النظام إلى جمهوري، في مثل هذه الحالة لا نكون أمام موضوع تعديل مثل هذه النصوص، إنما أمام تغير الدستور كله (1) . لأن ذلك يستوجب عدم الاقتصار على تعديل هذه النصوص وحدها لكن تغير كامل الدستور، فلو أبقينا على باقي محتويات الدستور وتعديل النصوص السابقة، فإن ذلك يؤدي إلى التناقض وعدم الإنسجام في الوثيقة التأسيسية للدولة، والذي يعتبر الاستقرار والثبات من ميزاتها الهامة. وعليه فان الحديث عن مشروعية أو عدم مشروعية تعديل هذه النصوص وحدها، يعتبر بعيدا عن المنطق العملي. وللتأكيد على ذلك نلاحظ أن دساتير بعض الدول لا تنص على حظر تعديل مثل النصوص، لأن عدم التنصيص عليها أصلا، يكمن في أهميتها البالغة كونها محصنة ومحمية لا يجوز تعديلها أو المساس بها، وبالتالي فهذا أمر بديهي مفروغ منه، وهذا ما استند إليه الدستور الأردني لعام 1952 ، وهو دستور ملكي، لكن وفر المؤسس الدستوري على نفسه مسألة النص على مثل هذا الحظر، فلم يرد في نصوصه أي حظر على تعديل النظام الملكي (2) . وان كان البعض (3) يرى أن حظر تعديل النظام الملكي هو على جميع الأصعدة، مرفوض لا مبرر له إلا حب الاستئثار بالسلطة ولو رغما عن إرادة الشعب، لهذا هناك فريق يميز بين المواضيع محل التعديل الحساسة والتي تتعدى أثارها إلى بقية نصوص الدستور، وبين النصوص الأخرى التي لا تتعدى أثار تعديلها ذلك، وهناك فريق آخر يجعل في مجالات المواضيع محل التعديل هو أساس التمييز والأخذ بفكرة الديموقراطية كنقطة فاصلة في الموضوع. بمعنى إذا كان مجال المواضيع المحظورة ديموقراطي، أمر حظرها جاء لحمايتها من التعسف والرجوع بها إلى ما قبل ديموقراطيتها، هذا الحظر ما هو إلا انعكاس للمنطق الذي يتفق مع المقاييس السياسية والقانونية، وهذا ع بر عنه مؤسسنا الدستوري في المادة 178 وقد اعتبرها مقومات الدولة أو ثوابث الأمة(4) . أما بالنسبة لحظر مجالات المواضيع التي تنعدم الديموقراطية فيها مخافة التغيير نحو السبيل الديموقراطي، مثل حظر التعديل في مبدأ النظام الملكي فهو غير جائز، يتعارض مع سيادة القانون في الدولة، المعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب فيها. فصفوة القول، أننا نتفق مع الاتجاه الفقهي الذي يجيز مشروعية النصوص التي تمنع تعديل بعض الأحكام الدستورية من حيث المبدأ، لكن الراي الوجيه حسب اعتقادنا ينصب على الموضوع الوارد عليه الحظر. لا وجود لأي مانع كان سياسي أو قانوني يمنع التعديل عندما تستدعيه الضرورة ، لكن لا بد من مراعاة طبيعة المواضيع، فإن كانت تتنافى أصلا مع التعديل فإنه في هذه الحالة يعتبر مشروع، مثل النص في الدساتير العربية الذي يقرر أن الدين الرسمي هو الإسلام، إذ لا يتصور أن تعدل هذه المادة في الدساتير المذكورة. أما الحظر الذي يرد على مواضيع قابلة للتعديل بطبيعتها، فهذا يعتبر إجحاف أمام جوهر التعديل الدستوري نفسه، لأن المواضيع القابلة للتعديل بطبيعتها تأتي بنتيجة مستجدات لا تخص الثوابت والمبادئ العامة. وما يمكن الإستناد إليه للتأكيد على راينا هذا، أن الدستور المعاصر في الدولة المعاصرة لا يكون في النهاية إلا وثيقة تترجم إرادة الشعب، فالمنطق والواقع يرفضان أن تضع السلطة التأسيسية الأصلية وان كانت هذه السلطة هي الشعب نفسه، دستورا حتى وان كان ملائما، إلا أن هذه الملاءمة صالحة لتلك الحقبة الزمنية فقط، فالدستور في هذه المرحلة لا يمكن أن يتحول بعدها إلى "كتاب مقدس" يكبل إرادة الشعب أمام التعديل، فلا يمكن لجيل أن يصادر إرادة جيل لاحق في المستقبل، فلكل زمن مبادئه ومعتقداته، كما أن ما هو صالح لهذا الزمن يمكن أن يصبح معيب في زمن لاحق. ويمكن الاستدلال بمقولة أحد الكتاب في القانون الدستوري في سياق فكرة حظر التعديل الدستوري، واعتبارها مرفوضة ما عدا المجالات سابقة الذكر حيث تصرح ب "فكرة الحظر الدستوري أشبه بمن يصنع صنما بيديه ليتعبده ويخشاه، وانها لمفارقة عجيبة سيطرة المصنوع على صانعه" (5) وعليه فإن مواضيع الجمود المطلق تعتبر مكسبا قانونيا وسياسيا لا يجوز التنازل عنه،ويجب أن يحتوي فقط الثوابت غير القابلة لأي تعديل أو حتى التشكيك في اعتبارها من الثوابت، فأما غيرها من المسائل وحتى وان احتوتها الوثيقة الدستورية، إبقاؤها خارج حدود الحظر هو الوضع الأنسب، لذلك لا بد من توخي الحذر من الإفراط والإسهاب في تحديد مواضع الحظر الموضوعي المطلق من أجل المحافظة على قدسية الدستور.
أما عن مشروعية النصوص التي تحظر تعديل الدستور في فترة زمنية معينة، فقد وضح الأستاذ العربي النقشبندي، ودعا بصحة هذا القيد وكذا قانونيته، إذ أن الضروريات تبيح المحظورات، والغاية من هذا القيد هو الحفاظ على أمن الشعب في ظل هذه الظروف الخاصة والمؤقتة مما يبرر هذه الوسيلة (6) . ونؤيد هذا القيد الزمني، من باب الحفاظ على الإرادة الحقيقية للشعب في ظل الظروف الخاصة التي تطرا على البلاد يكون هم الشعب الوحيد هو التخلص من هذه الظروف والرجوع إلى الحياة الدستورية العادية، وبالتالي إن عرض عليه التعديل الدستوري في ظل هذه الظروف، فيعتبر ذلك إجحافا في حقه، كيف لا وارادته مكبلة ومطوقة، كما أن ذلك يعد إجبار في نظرنا الشعب على الموافقة على تعديل الدستور، لأن هذه الظروف الخاصة تعيق حرية المواطن في الإدلاء برياه بكل شفافية. وما نخلص إليه على ضوء ما ذكر، أن مبدأ تفعيل الحظر الدستوري يكمن في الحفاظ على جوهر التعديل الدستوري بحد ذاته، وتوفر قدر من العقلانية في تنظيمه ومدى الأخذ به، قيود التعديل الدستوري لها القيمة القانونية طيلة نفاذ الدستور، وعلى السلطة التأسيسية المشتقة عدم المساس بها واعمالها وعدم الخروج عليها. وعليه هذا يقودنا إلى البحث عن ماهية التأطير القانوني لنفاذ مثل هذه القيود التي تحظر عملية التعديل الدستوري.
______________________________________
1- نعمان عطاء الله الهيتي، الدساتير العربية النافذة، رسلان، 2007 ، ص 113
2- عكس الدستور المغربي لعام 1972 حرص في المادة 101 منه على أن النظام الملكي، لا يمكن أن تتناوله المراجعة الدستورية، مصطفى أبو زيد فهمي، الوجيز في القانون الدستوري والنظم السياسية، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1999ص 100
3- غريبي فاطمة الزهراء، التعديلات الدستورية في دول المغرب العربي بين الدسترة وانعكاساتها، مداخلة ألقيت في الملتقى السابق ذكره التعديلات الدستورية في الدول العربية جامعة الأغواط
4- مثل النظام الجمهوري، الحكم الديموقراطي، التعددية الحزبية، الإسلام، اللغة العربية......إلخ
5- فاطمة الزهراء غريبي، المرجع السابق، ص 543
6- أحمد العزي النقشبندي، تعديل الدستور دراسة مقارنة ، دار الوراق للنشر والتوزيع، الأردن، 2006، ص 114
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|