x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النحو
اقسام الكلام
الكلام وما يتالف منه
الجمل وانواعها
اقسام الفعل وعلاماته
المعرب والمبني
أنواع الإعراب
علامات الاسم
الأسماء الستة
النكرة والمعرفة
الأفعال الخمسة
المثنى
جمع المذكر السالم
جمع المؤنث السالم
العلم
الضمائر
اسم الإشارة
الاسم الموصول
المعرف بـ (ال)
المبتدا والخبر
كان وأخواتها
المشبهات بـ(ليس)
كاد واخواتها (أفعال المقاربة)
إن وأخواتها
لا النافية للجنس
ظن وأخواتها
الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل
الأفعال الناصبة لمفعولين
الفاعل
نائب الفاعل
تعدي الفعل ولزومه
العامل والمعمول واشتغالهما
التنازع والاشتغال
المفعول المطلق
المفعول فيه
المفعول لأجله
المفعول به
المفعول معه
الاستثناء
الحال
التمييز
الحروف وأنواعها
الإضافة
المصدر وانواعه
اسم الفاعل
اسم المفعول
صيغة المبالغة
الصفة المشبهة بالفعل
اسم التفضيل
التعجب
أفعال المدح والذم
النعت (الصفة)
التوكيد
العطف
البدل
النداء
الاستفهام
الاستغاثة
الندبة
الترخيم
الاختصاص
الإغراء والتحذير
أسماء الأفعال وأسماء الأصوات
نون التوكيد
الممنوع من الصرف
الفعل المضارع وأحواله
القسم
أدوات الجزم
العدد
الحكاية
الشرط وجوابه
الصرف
موضوع علم الصرف وميدانه
تعريف علم الصرف
بين الصرف والنحو
فائدة علم الصرف
الميزان الصرفي
الفعل المجرد وأبوابه
الفعل المزيد وأبوابه
أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)
اسناد الفعل الى الضمائر
توكيد الفعل
تصريف الاسماء
الفعل المبني للمجهول
المقصور والممدود والمنقوص
جمع التكسير
المصادر وابنيتها
اسم الفاعل
صيغة المبالغة
اسم المفعول
الصفة المشبهة
اسم التفضيل
اسما الزمان والمكان
اسم المرة
اسم الآلة
اسم الهيئة
المصدر الميمي
النسب
التصغير
الابدال
الاعلال
الفعل الصحيح والمعتل
الفعل الجامد والمتصرف
الإمالة
الوقف
الادغام
القلب المكاني
الحذف
المدارس النحوية
النحو ونشأته
دوافع نشأة النحو العربي
اراء حول النحو العربي واصالته
النحو العربي و واضعه
أوائل النحويين
المدرسة البصرية
بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في البصرة وطابعه
أهم نحاة المدرسة البصرية
جهود علماء المدرسة البصرية
كتاب سيبويه
جهود الخليل بن احمد الفراهيدي
كتاب المقتضب - للمبرد
المدرسة الكوفية
بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الكوفة وطابعه
أهم نحاة المدرسة الكوفية
جهود علماء المدرسة الكوفية
جهود الكسائي
الفراء وكتاب (معاني القرآن)
الخلاف بين البصريين والكوفيين
الخلاف اسبابه ونتائجه
الخلاف في المصطلح
الخلاف في المنهج
الخلاف في المسائل النحوية
المدرسة البغدادية
بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في بغداد وطابعه
أهم نحاة المدرسة البغدادية
جهود علماء المدرسة البغدادية
المفصل للزمخشري
شرح الرضي على الكافية
جهود الزجاجي
جهود السيرافي
جهود ابن جني
جهود ابو البركات ابن الانباري
المدرسة المصرية
بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو المصري وطابعه
أهم نحاة المدرسة المصرية
جهود علماء المدرسة المصرية
كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك
جهود ابن هشام الانصاري
جهود السيوطي
شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك
المدرسة الاندلسية
بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الاندلس وطابعه
أهم نحاة المدرسة الاندلسية
جهود علماء المدرسة الاندلسية
كتاب الرد على النحاة
جهود ابن مالك
اللغة العربية
لمحة عامة عن اللغة العربية
العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)
العربية الجنوبية (العربية اليمنية)
اللغة المشتركة (الفصحى)
فقه اللغة
مصطلح فقه اللغة ومفهومه
اهداف فقه اللغة وموضوعاته
بين فقه اللغة وعلم اللغة
جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة
جهود القدامى
جهود المحدثين
اللغة ونظريات نشأتها
حول اللغة ونظريات نشأتها
نظرية التوقيف والإلهام
نظرية التواضع والاصطلاح
نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح
نظرية محاكات أصوات الطبيعة
نظرية الغريزة والانفعال
نظرية محاكات الاصوات معانيها
نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية
نظريات تقسيم اللغات
تقسيم ماكس مولر
تقسيم شليجل
فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)
لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية
موطن الساميين الاول
خصائص اللغات الجزرية المشتركة
اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية
تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)
اللغات الشرقية
اللغات الغربية
اللهجات العربية
معنى اللهجة
اهمية دراسة اللهجات العربية
أشهر اللهجات العربية وخصائصها
كيف تتكون اللهجات
اللهجات الشاذة والقابها
خصائص اللغة العربية
الترادف
الاشتراك اللفظي
التضاد
الاشتقاق
مقدمة حول الاشتقاق
الاشتقاق الصغير
الاشتقاق الكبير
الاشتقاق الاكبر
اشتقاق الكبار - النحت
التعرب - الدخيل
الإعراب
مناسبة الحروف لمعانيها
صيغ اوزان العربية
الخط العربي
الخط العربي وأصله، اعجامه
الكتابة قبل الاسلام
الكتابة بعد الاسلام
عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه
أصوات اللغة العربية
الأصوات اللغوية
جهود العرب القدامى في علم الصوت
اعضاء الجهاز النطقي
مخارج الاصوات العربية
صفات الاصوات العربية
المعاجم العربية
علم اللغة
مدخل إلى علم اللغة
ماهية علم اللغة
الجهود اللغوية عند العرب
الجهود اللغوية عند غير العرب
مناهج البحث في اللغة
المنهج الوصفي
المنهج التوليدي
المنهج النحوي
المنهج الصرفي
منهج الدلالة
منهج الدراسات الانسانية
منهج التشكيل الصوتي
علم اللغة والعلوم الأخرى
علم اللغة وعلم النفس
علم اللغة وعلم الاجتماع
علم اللغة والانثروبولوجيا
علم اللغة و الجغرافية
مستويات علم اللغة
المستوى الصوتي
المستوى الصرفي
المستوى الدلالي
المستوى النحوي
وظيفة اللغة
اللغة والكتابة
اللغة والكلام
تكون اللغات الانسانية
اللغة واللغات
اللهجات
اللغات المشتركة
القرابة اللغوية
احتكاك اللغات
قضايا لغوية أخرى
علم الدلالة
ماهية علم الدلالة وتعريفه
نشأة علم الدلالة
مفهوم الدلالة
جهود القدامى في الدراسات الدلالية
جهود الجاحظ
جهود الجرجاني
جهود الآمدي
جهود اخرى
جهود ابن جني
مقدمة حول جهود العرب
التطور الدلالي
ماهية التطور الدلالي
اسباب التطور الدلالي
تخصيص الدلالة
تعميم الدلالة
انتقال الدلالة
رقي الدلالة
انحطاط الدلالة
اسباب التغير الدلالي
التحول نحو المعاني المتضادة
الدال و المدلول
الدلالة والمجاز
تحليل المعنى
المشكلات الدلالية
ماهية المشكلات الدلالية
التضاد
المشترك اللفظي
غموض المعنى
تغير المعنى
قضايا دلالية اخرى
نظريات علم الدلالة الحديثة
نظرية السياق
نظرية الحقول الدلالية
النظرية التصورية
النظرية التحليلية
نظريات اخرى
النظرية الاشارية
مقدمة حول النظريات الدلالية
أخرى
نواصب الفعل المضارع
المؤلف: جلال الدين السيوطي
المصدر: همع الهوامع
الجزء والصفحة: ج2/ ص359- 410
22-10-2014
11189
أن
يقال ( عن ) وهي الموصولة بالماضي خلافا لابن طاهر لا بعد يقين غير مؤول في الأصح ويجوز في تلو ( ظن ) الرفع مخففة وكذا خوف تيقن مخوفه في الأصح والأصح لا تعمل زائدة ولا يتقدم معمول معمولها وثالثها يجوز مع أريد وعسى ولا يفصل وقيل يجوز بظرف وقيل بشرط وترفع إهمالا على الأصح وعن الكسائي لا يقاس ولا تجزم وحكاه الرؤاسي واللحياني وأبو عبيدة لغة وتقع مبتدأ وخبرا ومعمول حرف ناسخ وجاز ولكان وظن وبعض المغاربة وفعل غير الجزم ومضاف خلافا لابن الطراوة لا بمعنى ( الذي ) خلافا لابن الذكي ( ش ) لما أنهيت منصوبات الأسماء عقبت بمنصوبات الأفعال كما ذكر عقب المرفوعات المضارع المرفوع فنواصب الفعل المضارع أربعة أحرف
ص359
أحدها ( أن ) وهي أم الباب قال أبو حيان بدليل الاتفاق عليها والاختلاف في ( لن ) و ( إذن ) و (كي ) ويقال فيها ( عن ) بإبدال الهمزة عينا وأن هذه الناصبة للمضارع هي التي توصل بالماضي في نحو : ( أن كان ذا مال وبنين ) القلم : 14 وبالأمر في نحو كتبت إليه أن قم وبالنهي في نحو كتبت إليه ألا تفعل وزعم أبو بكر بن طاهر أنها غيرها فتكون ( أن ) على مذهبه مشتركة أو متجوزا بها واستدل لذلك بأمرين أحدهما أنها تخلص للاستقبال فلا تدخل على الماضي كالسين وسوف وكذا الأمر والثاني أنا لو فرضنا دخولها على الماضي لوجب أن تصيره بصيغة المضارع كلم لما دخلت على الماضي قلبت صيغته إلى المضارع لتعمل فيه وشرط نصب المضارع بعد ( أن ) ألا تقع بعد فعل يقين كعلم وتحقق وتيقن ونحوها فإنها حينئذ المخففة من الثقيلة نحو : ( علم أن سيكون ) المزمل : 20 خلافا للفراء حيث جوز أن تلي أن الناصبة للمضارع لفظ العلم وما في معناه مستدلا بقراءة (أفلا يرون ألا يرجع إليهم ) طه : 89 بالنصب وهي بمعني أفلا يعلمون وبقول جرير :
(نَرْضَى عَن الله أنّ النّاس قَدْ عَلِمُوا ألاّ يُدانِينَا مِنْ خَلْقهِ أحَدُ )
ص360
وأجيب بأن العلم إنما يمتنع وقوع أن الناصبة بعده إذا بقي على موضعه الأصلي أما إذا أول بالظن واستعمل استعماله فإنه يجوز فيه ذلك والدليل على استعمال العلم بمعني الظن قوله تعالى : ( فإن علمتموهن مؤمنات ) الممتحنة : 10 فإن المراد بالعلم فيه الظن القوي إذ القطع بإيمانهن غير متوصل إليه ومنع المبرد النصب أيضا في المؤول بالظن فقولي في الأصح راجع إلى المستثني والمستثني منه جميعا ويجوز في الواقعة بعد الظن الرفع على أنها المخففة من الثقيلة وهو قليل والأكثر في لسان العرب النصب بعده قال تعالى : ( أحسب الناس أن يتركوا ) العنكبوت : 2 وقرئ بالوجهين ( وحسبوا ألا تكون فتنة ) المائدة : 71 قال أبو حيان وليس في الواقعة بعد الشك إلا النصب وفي الواقعة بعد فعل خوف تيقن مخوفه نحو خفت ألا تقوم وخفت ألا تكرمني قولان أصحهما جواز الرفع كما بعد الظن وقد سمع قال أبو محجن :
( أخاف إذا مَا مِتّ أنْ لا أذْوقُها ** )
ص361
والثاني تعين النصب وعليه المبرد ولا تعمل أن الزائدة عند الجمهور لأنها لا تختص بدليل دخولها على الفعل الماضي في قوله : ( فلما أن جاء البشير ) يوسف : 96 ولا يعمل إلا المختص وجوز الأخفش إعمالها حملا لها على المصدرية وقياسا على الباء الزائدة حيث تعمل الجر وفرق بأن الباء الزائدة تختص بالاسم ولا يجوز تقديم معمول معمول أن الناصبة عليها لأنها حرف مصدري ومعمولها صلة لها ومعمولة من تمام الصلة فكما لا تتقدم الصلة لا يتقدم معمولها هذا مذهب البصريين وجوز الفراء تقديمه لقوله :
( كان جَزائي بالعصًا أنْ أُجْلَدا ** )
فقوله ( بالعصا ) متعلق ب ( أجلد ) وأجيب بندوره أو تأويله على تقدير متعلق دل عليه المذكور ونقل ابن كيسان عن الكوفيين الجواز في نحو طعامك أريد أن آكل وطعامك عسى أن آكل ولا يجوز فصل أن الناصبة من الفعل لا بظرف ولا بمجرور ولا قسم ولا غير ذلك هذا مذهب سيبويه والجمهور وجوزه بعضهم بالظرف وشبهه نحو أريد أن عندي تقعد وأريد أن في الدار تقعد قياسا على أن المشددة حيث يجوز ذلك فيها بجامع ما اشتركا فيه من المصدرية والعمل وجوزه الكوفيون بالشرط نحو أردت أن إن تزرني أزورك بالنصب مع تجويزهم الإلغاء أيضا وجزم أزورك جوابا ويجوز إهمال ( أن ) حملا على أختها ما المصدرية فيرفع الفعل بعدها وخرج عليه قراءة ( أن يتم الرضاعة ) البقرة : 233 بالرفع وقيل لا وأن المرفوع بعدها الفعل مخففة من الثقيلة لا المصدرية وعليه الكوفيون
ص362
ولا يجوز الجزم بـ ( أن ) عند الجمهور وجوزه بعض الكوفيين قال الرؤاسي من الكوفيين فصحاء العرب ينصبون بأن وأخواتها الفعل ودونهم قوم يرفعون بها ودونهم قوم يجزمون بها وأنشد على الجزم :
( أُحَاذِرُ أنْ تَعْلَمْ بها فَتَرُدّها ** )
وممن حكى الجزم بها لغة من البصريين أبو عبيدة واللحياني وزاد أنها لغة بني صباح ثم لما كانت أن مع معمولها في تقدير الاسم تسلط عليها العامل المعنوي واللفظي فتقع مبتدأ نحو : ( وأن تصوموا خير لكم ) البقرة : 184 وخبر مبتدأ نحو الأمر أن تفعل كذا ولا يكون مبتدؤها إلا مصدرا فإن وقع جثة أول ومعمولا لحرف ناسخ نحو إن عندي أن تخرج ولا بد أن يكون أحد الجزأين مصدرا إلا في لعل فيجوز أن يكون جثة نحو لعل زيد أن يخرج حملا على ( عسي)
ص363
ومعمولا بحرف جر ويكثر حذفه ومعمولا لكان وأخواتها اسما وخبرا نحو كان أن تقعد خيرا من قيامك وتكون عقوبتك أن أعزلك ومعمولا لظن وأخواتها مفعولا أولا وثانيا نحو ظننت أن تقوم خيرا من أن تقعد وقوله :
( إني رأيت من المكارم حَسْبَكُم أن تَلْبَسُوا خَزّ الثِّيابِ وتَشْبَعُوا )
أي لبس الثياب ومعمولا لبعض أفعال المقاربة ولغيرها من أفعال غير الجزم نحو طلبت منك أن تقوم وأردت أن تفعل وبدا لي أن أقوم بخلاف أفعال الجزم لا يقال فعلت أن أقوم أي القيام ولا أعطيتك أن تأمن أي الأمان ومعمولا لاسم مضاف نحو إنه أهل أن يفعل ومخافة أن تفعل وأجيء بعد أن تقوم وقبل أن تخرج وقال ابن الطراوة لا يجوز أن يضاف إلى أن ومعمولها لأن معناها التراخي فما بعدها في جهة الإمكان وليس بثابت والنية في المضاف إثبات عينه بثبوت عين ما أضيف إليه فإذا كان ما أضيف إليه غير ثابت في نفسه فإن ثبوت غيره محال
لن
( لن ) بسيطة وقال الخليل من ( لا أن ) والفراء لا النافية أبدلت نونا وإنما تنصب مستقبلا وتفيد نفيه وكذا التأكيد لا التأبيد على المختار
ص364
وقال بعض البيانين لنفي ما قرب والمختار وفاقا لابن عصفور ترد للدعاء ويقدم معمول معمولها خلافا للأخفش الصغير ولا يفصل اختيار وجوزه الكسائي بقسم ومعمول والفراء بشرط وأظن وتهمل وحكى اللحياني الجزم بها ( ش ) الثاني من نواصب المضارع ( لن ) والجمهور أنها حرف بسيط لا تركيب فيها ولا إبدال وقال الخليل والكسائي إنها مركبة من ( لا أن) فأصلها ( لا أن ) حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال كما حذفت في قولهم ويلمه والأصل ويل أمه ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ألف ( لا ) ونون ( أن ) فصارت ( لن ) والحامل لهما على ذلك قربها في اللفظ من ( لا أن ) ووجود معنى ( لا ) و ( أن ) فيها وهو النفي والتخليص للاستقبال وقال الفراء هي لا النافية أبدل من ألفها نون وحمله على ذلك اتفاقهما في النفي ونفي المستقيل وجعل ( لا ) أصلا لأنها أقعد في النفي من ( لن ) لأن ( لن ) لا تنفي إلا المضارع وقد ذكرت رد القولين في حاشية المغني وتنصب ( لن ) المستقبل أي أنها تخلص المضارع إلى الاستقبال وتفيد نفيه ثم مذهب سيبويه والجمهور أنها تنفيه من غير أن يشترط أن يكون النفي بها آكد من النفي بلا وذهب الزمخشري في مفصله إلى أن ( لن ) لتأكيد ما تعطيه ( لا ) من نفي المستقبل قال تقول لا أبرح اليوم مكاني فإذا أكدت وشددت قلت لن أبرح اليوم قال تعالى : ( لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ) الكهف : 60 وقال : ( فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ) يوسف : 80 وذهب الزمخشري في أنموذجه إلى أنها تفيد تأبيد النفي قال فقولك لن أفعله كقولك لا أفعله أبدا ومنه قوله تعالى : ( لن يخلقوا ذبابا ) الحج : 73 قال ابن مالك وحمله على ذلك اعتقاده في ( لن تراني )
ص365
أن الله لا يري وهو باطل ورده غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في ( فلن أكلم اليوم إنسيا ) مريم : 26 ولم يصح التوقيت في قوله ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) طه : 91 ولكان ذكر ( الأبد ) في قوله ( ولن يتمنوه أبدا ) البقرة : 95 تكرار إذ الأصل عدمه وبأن استفادة التأبيد في آية ( لن يخلقوا ذبابا ) الحج : 73 من خارج وقد وافقه على إفادة التأبيد ابن عطية وقال في قوله ( لن تراني ) الأعراف : 143 لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسي لا يراه أبدا ولا في الآخرة لكن ثبت في الحديث المتواتر
ص366
( ولا زالَ مُنْهَلاًّ بجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ ** )
وقال في لن :
( لن تَزالوا كذلِكُم ثم لا زلْت ** لكم خَالِداً خُلودَ الجبَال )
وهذا القول اختاره ابن عصفور وهو المختار عندي لأن عطف الدعاء في البيت قرينة ظاهرة في أن المعطوف عليه دعاء لا خبر وتقدم معمول معمول ( لن ) عليها جائز خلاف معمول معمول ( أن ) إذ لا مصدرية فيها وقد قالوا إن ( لن أضرب ) نفي ل ( سأضرب ) فكما جاز زيدا سأضرب جاز زيدا لن أضرب ومنعه الأخفش الصغير أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي لأن النفي له صدر الكلام فلا يقدم معمول معموله عليه كسائر حروف النفي ولا يجوز الفصل بين ( لن ) وبين الفعل في الاختيار لأنها محمولة على سيفعل وكذلك لم يجز لن تفعل ولا تضرب زيدا بنصب ( تضرب ) لأن الواو كالعامل فلا يفصل بينها ويبن الفعل ب ( لا ) كما لا يقال لن لا تضرب زيدا هذا مذهب البصريين وهشام واختار الكسائي الفصل بالقسم ومعمول الفعل نحو لن والله أكرم زيدا ولن زيدا أكرم ووافقه الفراء على القسم وزاد جواز الفصل ب ( أظن ) نحو لن أظن أزورك بالنصب وبالشرط نحو لن إن تزرني أزورك بالنصب وجوز الإلغاء والجزم جوابا قال أبو حيان وأصحاب الفراء لا يفرقون بين لن والفعل اختيارا وهو الصحيح لأن ( لن ) وأخواتها من الحروف الناصبة للأفعال بمنزلة إن وأخواتها من الحروف الناصبة للأسماء فكما لا يجوز الفصل بين إن واسمها لا يجوز بين لن وأخواتها والفعل بل الفصل بين عوامل الأفعال والأفعال أقبح منه بين عوامل الأسماء والأسماء لأن عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء
ص367
وحكى اللحياني الجزم بلن لغة وأنشد عليه :
( لنْ يَخِبِ الآن مِنْ رجَائِكَ مَنْ حرّك مِنْ دُون بَابكَ الْحَلَقَهْ )
كي
كي إن كانت الموصولة فالنصب بها عند الجمهور أو الجارة فبأن مضمرة وجوز الكوفية إظهارها وتتعين الأولى بعد اللام والثانية قبلها وتترجح مع إظهار أن وأنكر الكوفية كونها جارة وقوم كونها ناصبة ولا تفيد الناصبة علة ولا تتصرف بل تجر باللام ويجوز تأخير معلولها والفصل بلا النافية وما الزائدة وبهما لا بغير ذلك وجوزه الكسائي بمعمول وقسم وشرط ولا عمل وابن مالك وولده وتعمل ولا يقدم معمول منصوبها ولا على المعمول في الأصح وجوز الكوفية والمبرد النصب ب ( كما ) ( ش ) الثالث من نواصب المضارع كي ومذهب سيبويه والأكثرين أنها حرف مشترك فتارة تكون حرف جر بمعنى اللام فتفهم العلة وتارة تكون حرفا تنصب المضارع بعده واختلف هؤلاء فمذهب سيبويه أنها تنصب بنفسها ومذهب الخليل والأخفش أن ( أن ) مضمرة بعدها وذهب الكوفيون إلى أنها مختصة بالفعل فلا تكون جارة في الاسم وقيل إنها مختصة بالاسم فلا تكون ناصبة للفعل
ص368
واحتج من قال إنها مشتركة بأنه سمع من كلام العرب جئت لكي أتعلم وسمع من كلامهم كيمه فأما لكي أتعلم فهي ناصبة بنفسها لدخول حرف الجر عليها وليست فيه حرف جر لأن حرف الجر لا يدخل على حرف الجر وأما كيمه فهي حرف جر بمعني اللام كأنه قال لمه ووجه الاستدلال من هذا اللفظ أنه قد تقرر من لسان العرب أن ( ما ) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حذفت ألفها نحو بم ولم وفيم وعم فإذا وقف عليها جاز أن تلحقها هاء السكت ويدل أيضا على أنها جارة دخولها على ( ما ) المصدرية كقوله : 1003 - ( يُراد الفتى كَيْما يَضُرُّ ويَنْفَعُ ** ) فرفع الفعل على معني يراد الفتي للضر والنفع وأما جئت كي أتعلم فيحمل عندهم أن تكون الناصبة بنفسها إذ قد ثبت أنها تنصب بنفسها فتكون بمعني أن واللام المقتضية للتعليل محذوفة كما تحذف في جئت أن تعلم ويحتمل عندهم أن تكون الجارة وتكون أن مضمرة بعدها كما أضمرت بعد غيرها من الحروف علي ما سيأتي بيانه ويبني على هذا المذهب فرع وهو أنه هل يجوز أن تدخل كي على ( لا ) أم لا يجوز والجواب أنك إن قدرتها الجارة لم يجز لأن ( كي ) كاللام فلا تدخل عليها إلا مع ( أن ) كما في اللام نحو ( لئلا يعلم ) الحديد : 29 وإن قدرتها الناصبة جاز نحو كيلا تقدم
ص369
وهي إذا كانت ناصبة لا يفهم منها السببية لأنها مع الفعل بعدها بتأويل المصدر كأن ولا تتصرف تصرف ( أن ) فلا تقع مبتدأة ولا فاعلة ولا مفعولة ولا مجرورة بغير اللام وتتعين الناصبة بعد اللام نحو جئت لكي أتعلم لئلا يجمع بين حرفي جر ودخول اللام على الناصبة لكونها موصولة كأن ولذلك شبه سيبويه إحداهما بالأخرى وتتعين الجارة إذا جاءت قبل اللام نحو جئت كي لأقرأ فكي حرف جر واللام تأكيد لها وأن مضمرة بعدها ولا يجوز أن تكون كي ناصبة للفصل بينها وبين الفعل باللام ولا يجوز الفصل بين الناصبة والفعل بالجار ولا بغيره ولا يجوز أن تكون كي زائدة لأن ( كي ) لم يثبت زيادتها في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه وهذا التركيب أي مجيء ( كي ) قبل اللام نادر ومنه قول الطرماح :-
( كادوا بنَصْر تَميم كَيْ ليَلْحَقَهُمْ ** )
وإضمار ( أن ) بعد الجارة على جهة الوجوب فلا يجوز إظهارها عند البصريين إلا في ضرورة وجوزه الكوفيون في السعة قال أبو حيان والمحفوظ إظهارها بعد ( كي ) الموصولة بما كقوله :
( كيما أنْ تَغُرّ وتَخْدَعا ** )
ص370
ولا أحفظ من كلامهم جئت كي أن تكرمني ومع إظهار اللام نحو جئت لكيما أن تقوم يترجح كونها جارة مؤكدة للام على كونها ناصبة مؤكدة بأن لأن ( أن ) هي التي وليت الفعل وهي أم الباب وما كان أصلا في بابه لا يجعل تأكيدا لما ليس أصلا مع ما فيه من الفصل بين الناصب والفعل واللام أصل في باب الجر فكانت كي توكيدا لها ولا يجوز أن تكون كي تأكيدا ل ( أن ) لأن التأكيد في غير المصادر لا يتقدم على المؤكد ومن أحكام كي أنه لا يمتنع تأخير معلولها فيجوز أن تقول كي تكرمني جئتك سواء كانت الناصبة أو الجارة وذلك أنها في المعنى مفعول من أجله وتقدم المفعول من أجله سائغ قال أبو حيان وأجمعوا على أنه يجوز الفصل بينها وبين معمولها ب ( لا ) النافية نحو : ( كي لا يكون دولة ) الحشر : 7 وب ( ما ) الزائدة كقوله :-
( تُريدِين كَيْما تَجْمَعِيني وخَالِداً ** )
وبهما معا كقوله :-
( أَردْتُ لِكَيْما لا تريِ لِيَ عِشْرةً ومَنْ ذَا الذي يُعْطَى الكمالَ فَيَكْمُلُ )
وأما الفصل بغير ( ما ) فلا يجوز عند البصريين وهشام ومن وافقه من الكوفيين في الاختيار وجوزه الكسائي بمعمول الفعل الذي دخلت عليه وبالقسم
ص371
وبالشرط فيبطل عملها فتقول أزورك كي والله تزورني وأكرمك كي غلامي تكرم وأزورك كي إن تكافئ أكرمك واختار ابن مالك وولده جواز الفصل بما ذكر مع العمل قال أبو حيان وهو مذهب ثالث لم يسبقا إليه وتقدم معمول معمولها ممنوع وله ثلاث صور أحدها تقدمه على المعمول فقط نحو جئت كي النحو أتعلم والثانية على كي فقط نحو جئت النحو كي أتعلم والثالثة على المعلول أيضا نحو النحو جئت كي أتعلم وعليه المنع في الأول للفصل وفي الثانية والثالثة أن كي من الموصولات ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول وإن كانت جارة فأن مضمرة وهي موصولة أيضا وفي الصورة الثانية خلاف للكسائي قال أبو حيان ولا يبعد أن يجزئ في الثالثة لكنه لم ينقل وأثبت الكوفيون من حروف النصب (كما ) بمعني ( كيما ) ووافقهم المبرد واستدلوا بقوله :
( وطَرْفك إمّا جئتنا فاصْرفنّهُ كما يَحْسِبُوا أنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ )
وأنكر ذلك البصريون وتأولوا ما ورد على أن الأصل ( كيما ) حذفت ياؤه ضرورة أو الكاف الجارة كفت بما وحذف النون من الفعل ضرورة
ص372
إذن
إذن الجمهور أنها حرف بسيط وقال الخليل من ( إذ أن ) والرندي ( إذ أن ) وقوم اسم وأنها تنصب بنفسها لا بأن المضمرة وتليها جملة اسمية وخبر ذي خبر وإنما تنصب مستقبلا وليها مصدرة والرفع حينئذ لغية أنكرها الكوفيون فإن وليت عاطفا قل النصب أو ذا خبر امتنع وجوزه هشام بعد مبتدأ والكسائي بعد اسمي أن وكان ويفصل بقسم حذف جوابه ولا النافية وجوزه ابن بابشاذ بنداء ودعاء وابن عصفور والأبذي بظرف والكسائي وهشام والفراء بمعمول ثم اختار الرفع والكسائي النصب وجوز تقدمه مع العمل ودونه والفراء وأبطله ولا نص للبصرية قال أبو حيان ومقتضى قواعدهم المنع ومعناها قال سيبويه الجواب والجزاء قال الشلوبين دائما والفارسي غالبا ولا يحذف معمول ناصب دونه ولا لدليل على الأصح ( ش ) اختلف النحويون في حقيقة ( إذن ) فذهب الجمهور إلى أنها حرف بسيط وذهب قوم إلى أنها اسم ظرف وأصلها إذ الظرفية لحقها التنوين عوضا من الجملة المضاف إليها ونقلت إلى الجزائية فبقي فيها معنى الربط والسبب ولهذا قال سيبويه معناها الجواب والجزاء فقال الشلوبين دائما في كل موضع وقال أبو علي الفارسي غالبا في أكثر المواضع كقولك لمن قال أزورك إذن أكرمك فقد أجبته وجعلت إكرامه جزاء زيارته أي إن تزرني أكرمتك
ص373
قال وقد تتمحض للجواب كقولك لمن قال أحبك إذن أصدقك إذ لا مجازاة هنا والشلوبين يتكلف في جعل مثل هذا جزاء أي إن كنت قلت ذلك حقيقة صدقتك وذهب الخليل إلى أنها حرف تركب من ( إذ ) و ( أن ) وغلب عليها حكم الحرفية ونقلت حركة الهمزة إلى الذال ثم حذفت والتزم هذا النقل فكأن المعني إذا قال القائل أزورك فقلت إذ أن أكرمك قلت حينئذ زيارتي واقعة ولا يتكلم بهذا وذهب أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي إلى أنها مركبة من ( إذا ) و ( أن ) لأنها تعطي ما تعطي كل واحدة منهما فتعطي الربط كإذا والنصب كأن ثم حذفت همزة أن ثم ألف إذا لالتقاء الساكنين وعلى الأول فهي ناصبة للمضارع بنفسها عند الأكثرين لأنها تقلبه إلى الاستقبال وقال الزجاج والفارسي الناصب أن مضمرة بعدها لا هي لأنها غير مختصة إذ تدخل على الجمل الابتدائية نحو إذن عبد الله يأتيك وتليها الأسماء مبنية على غير الفعل ولنصبها المضارع ثلاثة شروط أحدها كونه مستقبلا فلو قيل لك أحبك فقلت إذن أظنك صادقا رفعت لأنه حال ومن شأن الناصب أن يخلص المضارع للاستقبال ثانيها أن يليها فيجب الرفع في نحو إذن زيد يكرمك للفصل ويغتفر الفصل بالقسم وبلا النافية خاصة لأن القسم تأكيد لربط إذن و ( لا ) لم يعتد بها فاصلة في أن فكذا في إذن قال الشاعر :
( إذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ بحَرْبٍ ** )
ص374
وجوز أبو الحسن طاهر بن بابشاذ الفصل بينهما بالنداء والدعاء نحو إذن يا زيد أحسن إليك وإذن يغفر الله لك يدخلك الجنة قال أبو حيان ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع من العرب وأجاز ابن عصفور والأبذي الفصل بالظرف نحو إذن غدا أكرمك وأجاز الكسائي وابن هشام والفراء الفصل بمعمول الفعل والاختيار عند الكسائي حينئذ النصب وعند هشام الرفع نحو إذن فيك أرغب وأرغب وإذن صاحبك أُكُرِمُ وُكُرِمَ فلو قدمت معمول الفعل على إذن نحو زيدا إذن أكرم فذهب الفراء إلى أنه يبطل عملها وأجاز الكسائي إذ ذاك الرفع والنصب قال أبو حيان ولا نص أحفظه عن البصريين في ذلك ومقتضي اشتراطهم التصدير في عملها ألا تعمل والحالة هذه لأنها غير مصدرة ويحتمل أن يقال تعمل لأنها وإن لم تصدر لفظا فهي مصدرة في النية لأن النية بالمفعول التأخير ثالثها أن تكون مصدرة فلا تنصب متأخرة نحو أكرمك إذن بلا خلاف لأن الفعل المنصوب لا يجوز تقديمه على ناصبه وأما المتوسطة فإن افتقر ما بعدها إلى ما قبلها افتقار الشرط لجزائه نحو إن تزرني إذن أكرمك أو القسم لجوابه نحو :
( لَئِنْ عاد لي عَبْدُ العَزيز بمِثْلِها ** وأمْكَنَنِي منها إذَنْ لا أُقِيلُها )
أو الخبر للمخبر عنه نحو زيد إذن يكرمك امتنع النصب في الصور كلها وفي الأخيرة خلاف فأجاز هشام النصب بعد مبتدأ كالمثال وأجازه الكسائي بعد اسم إن نحو :
ص375
( إني إذنْ أَهْلِكَ أو أطِيرَا ** )
وبعد اسم كان نحو كان عبد الله إذن يكرمك ووافق الفراء الكسائي في إن وخالفه في كان فأوجب الرفع ونص الفراء على تعين الرفع بعد ظن نحو ظننت زيدا إذن يكرمك قال أبو حيان وقياس قول الكسائي جواز النصب أيضا وإن وليت عاطفا قل النصب والأكثر في لسان العرب إلغاؤها قال تعالى ( وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) الإسراء : 76 ( فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) النساء : 53 وقرئ شاذا ( لا يلبثوا ) و ( لا يؤتوا ) فمن ألغي راعي تقدم حرف العطف ومن أعمل راعي كون ما بعد العاطف جملة مستأنفة وإلغاء ( إذن ) مع اجتماع الشروط لغة لبعض العرب حكاها عيسى بن عمر وتلقاها البصريون بالقبول ووافقهم ثعلب وخالف سائر الكوفيين فلم يجر أحد منهم الرفع بعدها قال أبو حيان ورواية الثقة مقبولة ومن حفظ حجة على من لم يحفظ إلا أنها لغة نادرة جدا ولذلك أنكرها الكسائي والفراء على اتساع حفظهما وأخذهما بالشاذ والقليل
ص376
ونواصب المضارع لا يجوز أن يحذف معمولها وتبقى هي لا اقتصارا ولا اختصارا فلو قيل أتريد أن تخرج لم يجز أن تجيب بقولك ( أريد أن ) وتحذف ( أخرج ) وأجازه بعض المغاربة مستدلا بما وقع في صحيح البخاري ( فيذهب كيما فيعود ظهره طبقا واحدا ) يريد كيما يسجد قال وهذا كقولهم جئت ولما قال أبو حيان وليس مثله لأن حذف الفعل بعد لما للدليل جائز منقول في فصيح الكلام ولم ينقل من نحو هذا شيء من كلام العرب
لام الجحود
مسألة تنصب ( أن ) مضمرة لزوما بعد لام الجحود المؤكدة وليست لام كي على الصحيح وهي المسبوقة بكون ماض لفظا أو معنى منفي بما أول لم قيل أو أخوات كان قيل أو ظن قيل أو كل فعل وحذف الخبر معها حتم غالبا وزعم الكوفية النصب بها فمدخولها الخبر وهي زائدة للتأكيد وثعلب بقيامها مقام ( أن ) والفهري لا يرفع مدخولها ضمير السببي وجوز قوم إظهار ( أن ) مع حذفها وقوم دونه ولا تلي مفردا ( ش ) ( أن ) أم الباب فلهذا تنصب ظاهرة ومضمرة ولها إذا أضمرت حالان حال وجوب وحال جواز فالأول بعد نوعين من الحروف أحدهما ما هو حرف جر والآخر ما هو حرف عطف فالأول حرفان أحدهما اللام التي يسميها النحويون لام الجحود ومذهب البصريين أن النصب بعدها بأن مضمرة وذهب الكوفيون إلى أن الناصب هو لام الجحود نفسها وذهب ثعلب إلى أن اللام هي الناصبة لقيامها مقام أن
ص377
وعلي الأول لا يجوز إظهار أن لأن إيجابه كان زيد سيقوم فجعلت اللام في مقابلة السين فكما لا يجوز أن يجمع بين أن الناصبة وبين السين فكذلك كرهوا أن يجمعوا بين اللام وأن في اللفظ وأجاز بعض الكوفيين إظهارها بفتح اللام تأكيدا كما جاز ذلك في ( كي ) نحو ما كان زيد لأن يقوم قال أبو حيان ويحتاج إلى سماع من العرب وأجاز بعض النحاة حذف اللام وإظهار ( أن ) نحو ( وما كان هذا القرآن أن يفترى ) يونس : 37 أي ليفتري وأوله المانعون بأن ( أن ) وما بعدها في تأويل المصدر والقرآن أيضا مصدر فأخبر بمصدر عن مصدر ولام الجحود عند البصريين تسمي مؤكدة لصحة الكلام بدونها إذ يقال في ما كان زيد ليفعل ما كان زيد يفعل لا لأنها زائدة إذ لو كانت زائدة لما كان لنصب الفعل بعدها وجه صحيح قال أبو حيان ومن أغرب المنقولات ما نقله بعض أصحابنا عن أبي البقاء من أن اللام في نحو قوله ( وما كان الله ليعذبهم) الأنفال : 33 هي لام كي وهذا نظير من سمي اللام في ما جئتك لتكرمني لام الجحود بل قول هذا أشبه لأن اللام جاءت بعد جحد لغة وإن كان ليس الجحد المصطلح عليه في لام الجحود وأما أن تسمي هذه لام كي فسهو من قائله وإنما تقع لام الجحود بعد كون منفي بما أو لم دون إن ولما هو ماض لفظا نحو ( وما كان الله ليعذبهم ) الأنفال: 33 أو معنى نحو لم يكن زيد ليقوم ومذهب البصريين أن خبر كان حينئذ محذوف وأن هذه اللام متعلقة بذلك الخبر المحذوف وأن الفعل ليس بخبر بل المصدر المنسبك من أن المضمرة والفعل المنصوب بها في موضع جر والتقدير ما كان الله مريدا لكذا والدليل على هذا التقدير أنه قد جاء مصرحا به في بعض كلام العرب قال :
( سَمَوْتَ ولَمْ تكُنْ أهْلاً لِتَسْمُو ** )
ص378
فصرح بالخبر الذي هو أهلا مع وجود اللام والفعل بعدها ومذهب الكوفيين أن الفعل في موضع نصب على أنه الخبر واللام زائدة للتأكيد وذهب بعض النحويين إلى أن لام الجحود تكون في أخوات كان قياسا عليها نحو ما أصبح زيد ليضرب عمرا ولم يصبح زيد ليضرب عمرا وزعم بعضهم أنها تكون في ظننت وأخواتها نحو ما ظننت زيدا ليضرب عمرا ولم أظن زيدا ليضرب عمرا قال أبو حيان وهذا كله تركيب لم يسمع فوجب منعه وذهب بعضهم إلى أنها تدخل في كل فعل منفي تقدمه فعل نحو ما جئت لتكرمني قال أبو حيان وهذا فاسد لأن هذه لام كي والفرق بينهما من وجوه كثيرة ستأتي
حتى
وبعد حتى الجارة وزعمها الفراء غيرها والنصب بها والكسائي بها والجر بإلي مضمرة جوازا وقوم ناصبة جارة بنفسها تشبيها بأن وإلى وعليها يجوز إظهار ( أن ) وعلى الأصح قد يظهر مع معطوف منصوبها ومعناها كي أو إلى قال الخضراوي وابن مالك أو إلا وإنما تنصب مستقبلا وجوبا إن كان حقيقة وإلا فجوازا وترفع الحال أو المؤول كذلك بأن يكون مسببا عما قبلها فضلة صالحا لحلول الفاء محلها والأصح تعين النصب مع فعل غير موجب وقلما لا ( كثر ما ) و ( طالما ) وربما جوزه الكسائي لرفع مستقبل غير سبب ونصب حال مسبب والنصب بها مطلقا لغة ولا تفصل وجوزه الأخفش وابن السراج بظرف وشرط ماض
ص379
وهشام بقسم ومفعول وجر والأخفش وابن مالك تعليقها ( ش ) الحرف الثاني حتى وكونها الجارة والنصب بعدها ب ( أن ) لازمة الإضمار وجوبا هو مذهب البصريين واستدلوا بثبات كونها جارة للاسم بدليل حذف ( ما ) الاستفهامية بعدها نحو :
( فحتّام حتّامَ العناءُ المُطَوَّلُ ** )
وإذا ثبت ذلك انتفى كونها ناصبة للفعل لما تقرر من أن عوامل الأسماء لا تكون عوامل في الأفعال لأن ذلك ينفى الاختصاص واختلف الكوفيون فذهب الفراء إلى أنها ناصبة بنفسها وليست الجارة وعنده أن الجر بعدها إنما هو لنيابتها مناب إلي وذهب الكسائي إلى أنها ناصبة بنفسها أيضا وأنها جارة بإضمار إلي وهذا عكس مذهب البصريين ثم إنه جوز إظهار ( إلى ) بعدها فقال الجر بعد حتى يكون بإلي مظهرة ومضمرة وذهب بعض الكوفيين إنها ناصبة بنفسها ك أن أو جارة بنفسها أيضاً قالوا لو قلت ومع قول الكوفيين إنها ناصبه بنفسها أجازوا إظهار أن بعدها قالوا لو قلت لأسيرين حتى أن أصبح القادسية جاز وكان النصب بحتي وأن توكيد كما أجازوا ذلك في لام الجحود وعلى قول البصريين لا تظهر وقد تظهر في المعطوف على منصوبها لأن الثواني تحتمل ما لا تحتمله الأوائل كقوله :
( حتّى يكونَ عزيزاً من نفوسهم أو أن يبينَ جميعاً وهو مخْتارُ )
ص380
وفيه دليل لقولهم إن ( أن ) مضمرة بعدها وحتي هذه هي المرادفة لكي الجارة أو إلى بخلاف الابتدائية التي لا ترادف واحدا منهما فالمرادفة ل ( كي ) نحو أسلمت حتى أدخل الجنة فهي هنا حرف تعليل والمرادفة لإلي نحو ( قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) طه : 91 فهي هنا حرف غاية قال أبو حيان والذي ذكره معظم النحويين في معنى حتى هذه أنها تكون للتعليل أو الغاية فهي تنصب عندهم على أحد هذين المعنيين وزاد ابن مالك أن تكون مرادفة ل ( إلا أن ) فتكون للاستثناء وأنشد عليه:-
( ليس العطاءُ من الفُضُول سماحةً حتى تَجُودَ وما لَدَيْكَ قَلِيلُ )
ص381
( واللهِ لا يَذْهَب شَيْخِي بَاطِلاَ حتى أبيرَ مالِكاً وكَاهِلاَ )
المعني إلا أن أبير وهو منقطع بمعنى لكن أبير انتهى وإنما ينصب المضارع بعد حتي إذا كان مستقبلا نحو لأسيرن حتى أصبح القادسية أو ماضيا في حكم المستقبل نحو سرت حتى أدخل المدينة فهذا مؤول بالمستقبل نظرا إلى أنه غاية لما قبل حتي فهو مستقبل بالإضافة إليه فإن كان حالا أو مؤولا به رفع وذلك بأن يكون ما قبلها سببا لما بعدها ولا يكونان متصلي الوقوع فيما مضى بل ما قبل حتي وقع ومضي وما بعدها في حال الوقوع وعلامة ذلك صلاحية جعل الفاء مكان حتي نحو قولهم مرض فلان حتى لا يرجونه أي فهو الآن لا يرجي وضرب أمس حتى لا يستطيع أن يتحرك اليوم والمؤول بالحال أن يكون ما بعد حتي لم يقع لكنك متمكن من إيقاعه في الحال نحو سرت حتى أدخل المدينة أي فأنا الآن متمكن من دخول المدينة لا أمنع من ذلك وشرط الرفع أيضا أن يكون ما بعدها فضلة فلو كان واقعا خبر المبتدأ أو خبر كان أو نحوهما وجب نصبه نحو كان سيري حتى أدخلها لأنه لو رفع كانت حتى حرف ابتداء فيبقي المخبر عنه بلا خبر وأجاز الكسائي رفع المستقبل إذا كان غير مسبب عما قبل نحو سرت حتي تطلع الشمس ونصب الحال إذا كان مسببا عما قبل وجوزه في قول حسان :–
( يُغْشَوْنَ حتّى ما تَهرُّ كِلابُهُم ** )
ورد بعدم السماع وبمخالفته للقياس بأن النواصب من مخلصات المضارع للاستقبال
ص382
ويتعين النصب عند سيبويه والأكثرين بعد فعل غير موجب وهو المنفي وما فيه الاستفهام وقلما نحو ما سرت حتى أدخل المدينة وقلما سرت حتى أدخلها إذا أردت بقلما النفي المحض وأسرت حتى تدخل المدينة وإنما لم يجز الرفع لأنه على معنى السببية للأول في الثاني والأول منفي لم يقع فلا يكون نفي السبب موجبا لوجود مسببه وخالف الأخفش فجوز الرفع على أن أصل الكلام موجب وهو سرت حتى أدخل المدينة ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره فنفت أن يكون سير كان عند دخول فكأنك قلت ما وقع السير الذي كان سببا لدخول المدينة واتفقوا على أن الرفع في ذلك غير مسموح وإنما أجازه الأخفش ومن تبعه قياسا ولو أريد بقلما التقليل لا النفي فكذلك عند سيبويه وجوز أبو علي والرماني وجماعة الرفع بعدها وذهب طائفة من القدماء إلى امتناع الرفع أيضا بعد ( كثر ما ) و ( طالما ) و ( ربما ) نحو كثر ما سرت حتى أدخلها وطالما سرت حتى أدخلها وربما سرت حتى أدخلها إلحاقا لها بقلما إلا أن السير لما كان مجهول العدد غير معلوم المراتب صار بمنزلة ما ليس بواجب وعارضه سيبويه بقولهم مررت غير مرة حتى أدخلها لأنهم كانوا يجيزون الرفع في هذه المسألة وفيه ( غير مرة ) الذي من أجله صار السير عندهم ليس معلوما وحكي الجرمي في ( الفرخ ) أن من العرب من ينصب بحتي في كل شيء قال أبو حيان وهي لغة شاذة ومن أحكام حتى أنها لا يفصل بينهما وبين الفعل بشيء وجوز الأخفش وابن السراج فصلها بالظرف نحو أقعد حتي عندك يجتمع الناس وبشرط ماض نحو أصحبك حتي إن قدر الله أتعلم العلم
ص383
وجوزه هشام بالقسم والمفعول والجار والمجرور نحو . . . واصبر حتي إليك تجتمع الناس وأجاز الأخفش وابن مالك تعليقها قبل الشرط المذكور جوابه نحو أصحبك حتى إن تحسن إلى أحسن إليك قال أبو حيان ويعني بالتعليق هذا إبطال العمل قال وذلك كما أجاز الكسائي ومن أخذ بمذهبه ذلك في ( كي ) نحو جئت كي إن تكافئني أكافئك فيرد على الأخفش في ( حتى ) بما رد به على الكسائي في ( كي ) انتهى
أو
وبعد ( أو ) بمعنى ( إلى أن ) أو ( إلا أن ) وقيل النصب بها وقيل بالخلاف ولا يفصل خلافا للأخفش ( ش ) النوع الثاني مما يضمر بعده ( أن ) حرف العطف وهو ثلاثة أحدها (أو ) إذا وقعت موقع ( إلى أن ) أو ( إلا أن ) نحو لألزمنك أو تقضيني حقي وقوله : –
( لأسْتَسْهلَنّ الصّعبَ أوْ أُدْركَ المُنَى ** )
أي إلى أن تقضيني حقي وإلا أن أدرك فإن لم يقع موقعها لم يلزم الإضمار نحو : –
( ولولا رجالٌ مِنْ رزام أعِزّةٌ ** وآلُ سُبَيْع أو أسُوءَك عَلْقمَا )
ص384
وما ذكر من أن النصب بعد ( أو ) بإضمار أن هو مذهب البصريين ولذلك لا يتقدم معمول الفعل عليها ولا يفصل بينها وبين الفعل لأنها حرف عطف وذهب الفراء وقوم من الكوفيين إلى أن الفعل انتصب بالخلاف أي مخالفة الثاني للأول من حيث لم يكن شريكا له في المعنى ولا معطوفا عليه وذهب الكسائي وأصحابه والجرمي إلى أن الفعل انتصب بأو نفسها وذهب بعض النحويين إلى أن النصب هنا بمعنى ما وقع موقعه لأنه وقع موقع ( إلى أن ) أو ( إلا أن ) فانتصب كنصبه قال أبو حيان وهذا ضعيف جدا ونقل ابن مالك عن الأخفش أنه جوز الفصل بين أو والفعل بالشرط نحو لألزمنك أو إن شاء الله تقضيني حقي
فاء السبب
وبعد فاء السبب جوابا لأمر خلافا لشذوذ لا اسم فعل وثالثها إن اشتق أو لنهي أو دعاء بفعل أصيل قال الكسائي أو بخبر أو لاستفهام مطلقا وقيل إن لم يكن عن المسند إليه وقيل إن لم يتضمن وقوع الفعل فإن أخبر عن تاليه بغير مشتق فالرفع أو سبقه ظرف جاز أو قد يحذف السبب بعده وقيل يختص بالإثبات أو للنفي مطلقا ومنه ( قلما ) و ( قد ) فيما حكي أو عرض أو تحضيض أو تمن قال الكوفية وابن مالك أو رجاء أو غير أو كأن عارية من تشيبه وجوزوا سبق ذا الجواب سببه وتأخير معموله والجمهور لا ولا ينصب بعد جملة اسمية وثالثها ينصب بشرط وصف أو ظرف محل الفعل ( ش ) الثاني الفاء إذا كانت متضمنة معنى التسبيب وكانت هي ومدخولها جوابا لأحد أمور أحدها الأمر نحو اضرب زيدا فيستقيم قال أبو حيان ولا نعلم خلافا في نصب الفعل جوابا للأمر إلا ما نقل عن العلاء بن سيابة قالوا وهو
ص385
معلم الفراء إنه كان لا يجيز ذلك وهو محجوج بثبوته عن العرب وأنشد سيبويه لأبي النجم : –
( يا ناقُ سيري عَنقا فَسِيحَا إلى سُلَيْمان فنَسْتَريحَا )
إلا أن يتأوله ابن سيابة على أنه من النصب في الشعر فيكون مثل قوله : –
( سأترك مَنْزلي لبني تَميم وألحقُ بالحجاز فَأسْتَريحَا )
قال ولا يبعد هذا التأويل ولمنعه وجه من القياس وهو إجراء الأمر مجري الواجب فكما لا يجوز ذلك في الواجب كذلك لا يجوز في الأمر ومن إجراء الأمر مجري الواجب باب الاستثناء فإنه لا يجوز فيه البدل كما لا يجوز في الواجب وذلك بخلاف النفي والنهي فإنه يجوز فيهما ذلك وإلى هذا أشرت بقولي خلافا لشذوذ وصورة المسألة أن يكون الأمر بصريح الفعل فإن دل عليه بخبر أو اسم فعل لم يجز النصب على الصحيح لأنه غير مسموع وجوزه الكسائي قياسا نحو حسبك الحديث فينام الناس وصه فأحدثك وفصل ابن جني وابن عصفور فأجازا النصب بعد اسم فعل الأمر إذا كان مشتقا كنزال من النزول ودراك من الإدراك ورده بدر الدين بن مالك بأنه ليس في كونه مشتقا ما يسوغ تأوله بالمصدر فإن المصحح للنصب في نحو نزال فأنزل هو صحة تأول فعل الأمر
ص386
بالمصدر من قبل أن فعل الأمر يصح أن يقع في صلة أن بمصدر لها كما في نحو أوعزت إليه بأن أفعل ولا يصح ذلك في اسم الفعل المشتق من المصدر كما لا يصح في غير المشتق فلا فرق بينهما في امتناع نصب الجواب قال أبو حيان والصواب أن ذلك لا يجوز لأنه غير مسموع من كلام العرب الثاني النهي نحو ( لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم ) طه : 61 ( ولا تطغوا فيه فيحل ) طه : 81 الثالث الدعاء بفعل أصيل في ذلك نحو ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا ) يونس : 88 –
( ربِّ وَفِّقْنِي فلا أعْدِلَ عَنْ سَنَن السّاعِيْنَ في خَيْر سَنَنْ )
واحترز ( بفعل ) من الدعاء بالاسم نحو سقيا لك ورعيا و ( بأصيل ) من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر نحو رحمة الله زيدا فيدخله الجنة وأجاز الكسائي نصبه الرابع الاستفهام سواء كان بحرف نحو ( فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ) الأعراف : 53 أو باسم نحو من يدعوني فأستجيب له متي تسير فأرافقك كيف تكون فأصحبك أين بيتك فأزورك قال أبو حيان وزعم بعض النحويين أن الاستفهام إذا كان عن المقرض لا عن القرض فلا يصح النصب بعد الفاء على الجواب ومنع النصب في نحو أزيد يقرضني فأسأله وقال لا يصح هذا الجواب قال وهو محجوج بقراءة ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) البقرة : 245 بالنصب ووجه الدلالة من الآية أن الفعل وقع صلة فليس مستفهما عنه ولا هو خبر عن مستفهم عنه بل هو صلة للخبر وإذا جاز النصب
ص387
بعد ( من ذا الذي يقرض ) لكونه في معني ( من يقرض ) فجوازه بعد ( من يقرض ) و ( أزيد يقرض فأسأله ) أحرى وأولى وقيد ابن مالك الاستفهام بكونه لا يتضمن وقوع الفعل فإن تضمنه لم يجز النصب نحو لم ضربت زيدا فيجازيك لأن الضرب قد وقع قال أبو حيان وهذا الشرط لم أر أحدا يشترطه وقال بدر الدين بن مالك إن أباه اقتدي في هذه المسألة بما ذكره أبو علي في الإغفال ردا على الزجلاج حيث قال في قوله تعالى ( لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق ) آل عمران : 71 لو قال ( وتكتموا الحق ) لجاز على معني لم تجمعون بين ذا وذا ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب انتهى قال أبو حيان ورد أبي على علي الزجاج في هذا غير متوجه وإذا تقدم اسم غير اسم استفهام وأخبر عنه بغير مشتق نحو هل أخوك زيد فأكرمه فالرفع ولا ينصب فإذا تقدمه ظرف أو مجرور نحو أفي الدار زيد فتكرمه جاز النصب لأن المجرور ناب مناب الفعل وقد يحذف السبب بعد الاستفهام لدلالة الجواب عليه وفهم الكلام نحو متي فأسير معكم أي متي تسير جزم به ابن مالك في (التسهيل ) ونقله أبو حيان عن الكوفيين ثم قال وينبغي أن يكون في استفهام الاستثبات بأن يقول القائل اسير فتقول له متي فإنك لو اقتصرت على قولك ( متي ) جاز بخلاف أن يكون ابتداء استفهام فإنه لا يجوز وإذا كان كذلك كان الفعل مدلولا عليه بسابق الكلام فكأنه ملفوظ به فيجوز بهذا المعني الخامس النفي سواء كان محضا نحو ( لا يقضى عليهم فيموتوا ) فاطر : 36 أم مؤولا بأن دخلت عليه أداة الإستفهام التقريري نحو ألم تأتنا فتحدثنا ويجوز في هذا القسم أعني المؤول الجزم والرفع أيضا كقوله : –
( ألَم تَسْأل الرَّبْع القَواءَ فَيَنْطِقُ ** )
ص388
ومن المؤول ما نقض بإلا نحو ما تأتينا فتحدثنا إلا بخير قال أبو حيان والتقليل المراد به النفي كالنفي في نصب جوابه نحو قلما تأتينا فتحدثنا كما كان كذلك في مسألة ( حتى ) نحو قلما سرت حتى أدخلها وذكر ابن سيده وابن مالك أنه ربما نفي بقد فنصب الجواب بعدها وحكى بعض الفصحاء ( قد كنت في خير فتعرفه ) بالنصب ويريد ما كنت في خير فتعرفه السادس العرض سمع ألا تقع الماء فتسبح أي في الماء فحذف الحرف وعدي الفعل وقال الشاعر : –
( يا ابْنَ الكِرام ألا تَدْنُوَ فتُبْصِرَ ما قَدْ حَدَّثُوك فما راء كَمَنْ سَمِعَا )
السابع التحضيض سمع هلا أمرت فتطاع وقال الشاعر:-
ص389
( لولا تَعُوجينَ يا سَلْمى على دَنِفٍ فتُخْمِدِي نارَ وَجْدٍ كاد يُفْنِيه )
قال أبو حيان والعرض والتحضيض مقاربان والجامع بينهما التنبيه على الفعل إلا أن التحضيض فيه زيادة تأكيد وحث على الفعل فكل تحضيض عرض لأنك إذا حضضته على فعل فقد عرضته عليه ولذلك يقال في ( هلا ) عرض إذ لا يخلو منه وألا مخففة لمجرد العرض الثامن التمني نحو ( يا ليتني كنت معهم فأفوز ) النساء : 73 واختلف النحاة في الرجاء هل له جواب فينتصب الفعل بعد الفاء جوابا له فذهب البصريون إلى أن الترجي في حكم الواجب وأنه لا ينصب الفعل بعد الفاء جوابا له وذهب الكوفيون إلى جواز ذلك قال ابن مالك وهو الصحيح لثبوته في النثر والنظم قال تعالى ( وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) عبس : 3 ، 4 وقال ( لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع ) غافر : 36 ، 37 في قراءة من نصب فيهما وقال أبو حيان يمكن تأويل الآيتين بأن النصب فيهما من العطف على التوهم لأن خبر لعل كثر في لسان العرب دخول أن عليه وفي شرح كتاب سيبويه لأبي الفضل الصفار خالفنا الكوفيون في ( غير ) فأجازوا بعدها النصب لأن معناها النفي نحو أنا غير آت فأكرمك لأن معناه ما أنا آت فأكرمك قال وهذا لا يجوز لأن ( غيرا ) مع المضاف إليها اسم واحد و ( ما ) بخلافها لأنك تقدر بعدها المصدر فتقول لكن كذا وما يكون كذا و ( غير ) لا يتصور فيها ذلك لأنها مع ما بعدها اسم فلا يفصل منها ويحذف لشيء آخر لأن في ذلك إزالة لوضعها وأشار بدر الدين بن مالك إلى أن أباه وافق الكوفيين في ذلك قال أبو حيان وزعم الكوفيون أن ( كأن ) إذا خرجت عن التشبيه جاز النصب بعد الفاء نحو كأني بزيد يأتي فتكرمه لأن معناه ما هو إلا يأتي فتكرمه قال وهذا الذي قالوا لا يحفظه البصريون ولا يكون ( كأن ) أ بدا للتشبيه وفي
ص390
( التسهيل ) يلحق بالنفي التشبيه الواقع موقعه نحو كأنك وال علينا فتشتمنا تقديره ما أنت وال علينا فتشتمنا قال أبو حيان وهذا شيء قاله الكوفيون قال ابن السراج وليس بالوجه ومنع البصريون من تقدم هذا الجواب على سببيه لأن الفاء عندهم للعطف وجوز الكوفيون فيقال ما زيد فتكرمه يأتينا لأن الفاء عندهم ليست للعطف فقولي وجوزوا أي الكوفية وجوز الكوفيون أيضا تأخير معمول السبب بعد الفاء والمنصوب نحو ما زيد يكرم فنكرمه أخانا تريد ما زيد يكرم أخانا فنكرمه ومنع أكثر النحويين النصب بناء على أن الفاء عاطفة على مصدر متوهم فكما لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله فكذا لا يجوز بين ( يكرم ) ومعموله لأنه في تقدير المصدر وإن تقدمت جملة اسمية نحو ما زيد قادم فتحدثنا فأكثر النحويين على أنه لا يجوز النصب لأن الاسمية لا تدل على المصدر وذهب طائفة إلى جوازه وقال أبو حيان الصحيح الجواز بشرط أن يقوم مقام الفعل ظرف أو مجرور أو اسم فاعل أو مفعول ليدل ذلك على المصدر المتوهم نحو ما أنت عندنا فنكرمك وما أنت منا فنحسن إليك وما زيد مكرم لنا فنكرمه وما زيد يكرم فنكرمه فإن كان اسما لا دلالة فيه على المصدر نحو ما أنت زيد فنكرمه لم يجز النصب ويتعين القطع أو العطف والقطع أحسن لأن العطف ضعيف لعدم المشاكلة من حيث إنه عطف جملة فعلية على اسمية قال ويدلك على أن الجار والمجرور والظرف تجري مجري الفعل في الدلالة على المصدر أن العرب نصبت بعد الجار والمجرور وجزمت الفعل بعد الظرف ووصلت الموصول وأدخلت الفاء في خبر ( ما ) الموصولة بالمجرور كما أدخلتها في خبرها إذا كانت موصولة بالفعل قال الفرزدق : –
( مَا أنْتَ مِنْ قَيْس فَتَنْبَحَ دُونَها ** )
ص391
وقال الآخر :
( مَكَانكِ تُحْمَدِي أوْ تَسْتَرِيحِي ** )
وقال تعالى ( وما بكم من نعمة فمن الله ) النحل : 53
واو الجمع
وبعد واو الجمع جوابا لما مر وتوقف أبو حيان في الدعاء والعرض والتحضيض والرجاء وتميز بحلول مع والفاء بتقدير شرطها قبلها أو حال محلها ( ش ) الثالث الواو إذا كان للجمع في الزمان أو المعية التي هي أحد محتملاتها وكانت هي ومدخولها جوابا للمواضع السابقة في الفاء مثال الأمر قوله :
( فقلت ادْعِي وأدْعُوَا إنّ أنْدي ** لِصَوْت أن يُنادِيَ دَاعِيان )
ص392
والنهي قوله تعالى ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق ) البقرة : 42 وقول أبي الأسود
( لا تَنْه عن خُلُق وتأتِيَ مِثْلَهُ ** )
والدعاء قولك ( رب اغفر لي ويوسع على في الرزق ) والاستفهام ما أنشده بعض النحاة قال أبو حيان ولا أدري أهو مسموع أم مصنوع
ص393
( أتبيتُ رَيّانَ الجُفُون من الكرَي ** وأبيتَ مِنْكَ بلَيْلةِ الْملْسُوع )
والنفي قوله تعالى ( ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) آل عمران : 142 أي ولما يجتمع علم بالجهاد وعلم بالصبر والمؤول قول الحطيئة :-
( ألم أك جارَكُمْ ويكونَ بَيْني ** وبَيْنكُمُ المودَّةُ والأخَاءُ )
والعرض قولك ألا تنزل فتصيب خيرا أي الا تجمع بين النزول وإصابة الخير والتحضيض قولك هلا تأتينا وتكرمنا أي هلا تجمع لنا بين إتياننا وإكرامنا والتمني قوله تعالى ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) الأنعام : 27 في قراءة من نصب والرجاء قولك لعلي سأجاهد وأغنم قال أبو حيان ولا أحفظ النصب جاء بعد الواو بعد الدعاء والعرض والتحضيض والرجاء فينبغي ألا يقدم على ذلك إلا بسماع قال ومقتضي كلام ابن مالك جواز ذلك مع التشبيه الواقع موقع النفي ومع المنفي بها ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب وتميز واو الجمع من الفاء بتحتم تقدير ( مع ) موضعها ولا ينتظم مما قبلها وما بعدها شرط وجزاء ألا تري أن قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن لا ينتظم منه إن تأكل السمك تشرب اللبن ولا إن تأكل السمك تشرب اللبن بخلاف
ص394
الفاء فإنها في جواب غير النفي أو في جواب النفي الذي تدخل عليه همزة الاستفهام للتقرير فينتظم منه شرط وجزاء لأن ما بعدها مسبب عما قبلها ألا تري أن معنى ( لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم ) طه : 61 إن افتريتم أسحتكم وكذا ليت لي مالا فأنفق منه معناه إن وجدت مالا أنفق منه قال أبو حيان وتلخص من ذلك أن قولهم تقع الواو في جواب كذا وكذا إنما هو على جهة المجاز لا الحقيقة لأنها إذا كانت بمعنى ( مع ) لا تكون جوابا ولا متهيأ مما هي منه أن ينتظم منه شرط وجزاء وتميز فاء الجواب من الواو بتقدير شرط قبلها كما مر أو حال مكانها وذلك أن هذه الفاء تقع إما قبل مسيب انتفي سببه فيصح حينئذ أن تقدر بشرط قبل الفاء كما إذا قصدت الإخبار بنفي الحديث لانتفاء الإتيان قلت ما تأتينا فتحدثنا فيصح أن يقال ما تأتينا وإن تأتنا تحدثنا وأما بين أمرين أريد نفي اجتماعهما فيصح أن يقدر حال مكانها فإذا قصدت أن تنفي اجتماع الحديث والإتيان فقلت ما تأتينا فتحدثنا صح أن يقال ما تأتينا محدثا فالنفي الداخل على الفعل المقيد بالحال لم ينفه مطلقا إنما نفاه بقيد حاله فهو نفي الجمع بينهما وذلك هو المقصود من النصب على أحد معنييه
العطف بالفاء والواو وأو
وإذا عطف بهما أو بأو على فعل قبل أو قصد الاستئناف بطل إضمار أن وفيهما خلافها وربعها النصب بنيابها عن الشرط وخامسها بانتفاء موجب الرفع والجزم ( ش ) إذا عطف بالفاء والواو أو بأو على فعل قبل أي قبل الفعل الذي ولي الفاء أو الواو أو قصد الاستئناف أي القطع عن الفعل الذي قبله فيكون إذ ذاك الفعل خبرا لمبتدأ محذوف بطل إضمار أن لأن العطف يشرك الثاني مع الأول في رفعه أو نصبه أو جزمه والاستئناف إن كان بعد الواو والفاء فهو جزم في الإخبار وإن كان بعد أو ففيها نوعع من الإضراب لأنك إذا قلت الزم زيدا أو يقضيك حقك وجعلته
ص395
مستأنفا فالمعني أو هو يقضيك حقك أي يقضيكه على كل حال سواء لزمته أم لم تلزمه فكأنه قال بل يقضيك حقك وإذا عطف ما بعد الفاء والواو على ما يصح عليه العطف من الفعل قبلها لم يكن معنى العطف كمعنى النصب فإذا قلت ما تأتينا فتحدثنا بالرفع على معنى العطف علي تأتينا فكل واحد من الفعلين مقصود نفيه وكأن أداة النفي منطوق بها بعد الفاء فإذا قلت ما تأتينا فتحدثنا بالنصب كان انتقاء الحديث مسببا عن انتفاء الإتيان وفي التنزيل ( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) المرسلات : 36 وما ذكر من أن النصب بعد الفاء والواو بإضمار أن هو مذهب البصريين وفيهما المذهبان الآخران السابقان في أو وفي الفاء والواو مذهبان زائدان أحدهما قاله ثعلب إنما نصبا لأنهما دلا على شرط لأن معنى هلا تزورني فأحدثك إن تزرني أحدثك فلما نابت عن الشرط ضارعت ( كي ) فلزمت المستقبل وعملت عمله والثاني قاله هشام إنه لما لم يعطف على ما قبله لم يدخله الرفع ولا الجزم لأن ما قبله من الفعل لا يخلو من أحد هذين ولما لم تستأنف بطل الرفع أيضا فلما لم يستقم رفع المستقبل معها ولا جزمه لانتفاء موجبهما لم يبق إلا النصب
حذف الفاء
وتحذف الفاء فيجوز رفع تاليها حالا أو وصفا أو استئنافا وجزمه وهل هو بما قبلها مضمنا معنى الشرط أو نائبا عن جملته أو بأن أو اللام مضمرة أو مبني أقوال ويجوز بعد أمر بخبر واسم والأصح منعه بعد نفي وبعد أمر ونهي لا يصلح إن تفعل وإلا تفعل وثالثها رديء ورابعها يجوز حملا على اللفظ لا الجواب ( ش ) تنفرد الفاء بأنها إذا حذفت جاز فيما بعدها أن يرفع إذا لم يرد بما قبله شرط مقصودا به الحال إن كان قبله ما يكون حالا منه نحو ليت زيدا يقدم
ص396
يزورنا أو النعت إن كان قبله ما يحتاد أن ينعت نحو ليت لي مالا أنفق منه أو الاستئناف قال أبو حيان وقوله تعالى ( فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي البَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَتَخْشَى ) طه : 77 يحتمل الحال ويحتمل الاستئناف أي غير خائف أو إنك لا تخاف وأن يجزم نحو ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ) إبراهيم : 31 ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) الإسراء : 53 ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) النور : 30 وتقول ( لا تعص الله يدخلك الجنة ) رب وفقني أطعك ألا تنزل تصب خيرا ليت لي مالا أنفق منه قال أبو حيان وجزمه بعد الترجي غريب جدا والقياس يقبله قال الشاعر: –
( لعلّ الْتِفاتاً منك نَحْوي مُيَسّرٌ ** يَمِلْ بك مِنْ بعْدِ القساوة للْيُسْر )
وسواء في جواز الجزم بعد الأمر الصريح والمدلول عليه بخبر نحو اتقي الله امرؤ فعل الخير يثب عليه أي ليتق أو اسم فعل نحو حسبك الحديث ينم الناس لأن معناه اكتف ينم الناس ونزال أكرمك وعليك زيدا يحسن إليك قال أبو حيان وقال بعض أصحابنا الفعل الخبري لفظا الأمري معني لا ينقاس إنما هو موقوف على السماع والمسموع اتقي الله امرؤ فعل الخير يثب عليه انتهى فإن لم يحسن إقامة ( إن يفعل ) مقام الأمر وإلا يفعل مقام النهي لم يجزم جوابهما مثاله أحسن إلى لا أحسن إليك يرفع على الاستئناف لأنك لو قدرته إن تحسن إلى لا أحسن إليك لم يناسب أن يكون شرطا وجزاء لأن مقتضي الإحسان لا يترتب عليه عدم الإحسان وكذلك لا تقرب الأسد يأكلك إذ لا يصح تقدير إلا تقرب الأسد يأكلك فيتعين الرفع هذا مذهب سيبويه وأكثر البصريين وجوز الكسائي الجزم فيهما ونسبه ابن عصفور للكوفيين وذكر أبو عمر الجرمي في ( الفرخ ) أنه يجوز على رداءة وقبح
ص397
قال أبو حيان وفيه مذاهب آخر أنه يجوز الجزم لا على أنه جواب بل حملا على اللفظ لأن الأول مجزوم وإلى هذا ذهب الأخفش أما النفي فلا يجوز الجزم بعده على الصحيح لأنه خبر محض فليس فيه شبه بالشرط كما في البواقي وعن أبي القاسم الزجاجي أنه أجاز الجزم في النفي وقال بعضهم نختار فيه الرفع ويجوز الجزم وهو موافق لإطلاق بعضهم أن كل ما ينصب فيه بالفاء يجزم ولم يستثن النفي قال أبو حيان ولم يرد بالجزم في النفي سماع من العرب وحيث جزم في البواقي فقال ابن مالك في شرح الكافية هو بما قبلها من الأمر والنهي وسائرها على تضمن معنى الطلب معنى ( إن ) كما في أسماء الشرط نحو من يأتني أكرمه فأغني ذلك التضمين عن تقدير لفظها بعد الطلب قال وهذا مذهب الخليل وسيبويه وقد رد ولده هذا المذهب فقال تضمن هذه الأشياء معني الشرط ضعيف لأن التضمين زيادة بتغير الوضع والإضمار زيادة بغير تغيير فهو أسهل ولأن التضمين لا يكون إلا لفائدة ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرك لأنه يدل عليه بالالتزام فلا فائدة في تضمينه بمعناه ورده أيضا ابن عصفور فقال التضمين يقتضي أن يكون العامل جملة ولا يوجد عامل جملة في موضع من المواضع قال أبو حيان وأقول إن التضمين لا يجوز أصلا لأن المضمن شيئا يصير له دلالة على ذلك الشيء بعد أن لم يكن له دلالة عليه مع إرادة مدلوله الأصلي فإذا قلت من يأتيني أته فمن ضمنت معنى الحرف ودلت على مدلولها من الاسم فصارت لها دلالتان دلالة مجازية وهي معني إن ودلالة حقيقة وهي مدلول الشخص العاقل وما هنا فقولك ائتني أكرمك يكون فيه تضمين ائتني معني إن تأتني فتضمنت معنى إن ومعني الفعل المعمول لها وذلك معنى مركب ودلت على
ص398
معناها الأصلي من الطب وهو دلالته الحقيقة ولا يوجد في لسان العرب تضمين لمعنيين إنما يكون التضمين لمعني واحد ولا يقال إنه تضمن معنى ( إن ) وحدها لأن فعل الطلب ليس قابلا لتضمن معنى ( إن ) لتنافيهما من حيث إن فعل الطلب يقتضي مدلوله من الطلب وإن يقتضي معناها أن يكون الفعل خبرا ولا يكون الشيء الواحد طلبا وخبرا انتهى وممن قال بالتضمين ابن خروف وذهب الفارسي والسيرافي إلى أن الجزم بهذه الأشياء لا على جهة التضمين بل على جهة أنها نابت مناب الشرط بمعنى أنه حذفت جملة الشرط وأنيبت هذه منابها في العمل ونظيره قولهم ضربا زيدا فإن ( ضربا ) ناب عن اضرب فنصب زيدا لا أنه ضمن المصدر معنى فعل الأمر بل ذلك على طريق النيابة وكذا زيد في الدار أبوه ارتفع ( أبوه ) بالجار والمجرور لأنه ناب مناب كائن لا أنه ضمن معناه فيكون جزمه إذ ذاك لنيابته مناب الجازم لا لعضمن الجازم لأن الجازم بطريق التضمين جازم بحق الأصل وكذا تقول الجازم في من يأتني أكرمه إنه هو لفظ اسم الشرط وهذا ما صححه ابن عصفور وذهب أكثر المتأخرين إلى أنه مجزوم بشرط مقدر بعد هذه الأشياء لدلالة ما قبل وما بعد عليه والتقدير مثلا ائتني إن تأتني أكرمك قال أبو حيان وهذا الذي نختاره ولا حاجة إلى التضمين ولا إلى النيابة قال وقد حكي بعض أصحابنا مذهبا رابعا وهو أنه مجزوم بلام مقدرة فإذا قال ألا تنزل تصب خيرا فمعناه لتصب خيرا قال وهذا ليس بشيء لأنه لا يطرد في مواضع الجزم إلا بتجوز كثير وزعم الفراء والمازني والزجاج أن ( يقيموا ) في قوله تعالى : (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا) إبراهيم : 31 وشبهه مبني لوقوعه مقوع ( أقيموا ) وهو معمول القول
إضمار أن بعد الواو والفاء وغيرهما
مسألة قد تضمر ( أن ) بعد واو وفاء قيل وأو قيل وثم بين شرط وجزاء أو بعدهما قال سيبويه وبعد فعل شك قيل وقسم قيل وحصر
ص399
بإنما فإن كان بإلا أو الفعل مثبتا خاليا من الشرط فضرورة ويرفع منفي بلا صالح لكي وجوز الكوفية وابن مالك جزمه اختيارا ويثلث معطوف على منصوب بعد جزاء ( ش ) ينصب الفعل بإضمار ( أن ) جوازا إذا وقع بين شرط وجزاء بعد الفاء والواو وزاد بعضهم بعد أو وزاد الكوفيون بعد ( ثم ) والأحسن التشريك في الجزم مثاله إن تأتني فتحدثني أحسن إليك ومن يأتني ويحدثني أحسن إليه وإن تزرني أو تحسن إلى أحسن إليك وقرئ : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) النساء : 100 بالنصب وإنما كان التشريك في الجزم أحسن لأن العطف إذ ذاك يكون على ملفوظ به وهو الفعل السابق والنصب يكون العطف فيه على تقدير المصدر المتوهم من الفعل السابق وقولي بين شرط وجزاء أحسن من قول ( التسهيل ) بين مجزومي أداة شرط لأنه لا فرق في ذلك بين أن يكون فعلا الشرط مضارعين أو ماضيين ولا يلزم أيضا أن يكون مذكورين بل لو كان الجزاء محذوفا جاز النصب كقوله : –
( فلا يَدْعُنِي قومي صريحاً لِحُرّةٍ ** وإنْ كُنْتُ مقتولاً ويَسْلَمَ عامِرُ )
فقوله ويسلم عامر واقع بين شرط مذكور وجزاء محذوف أي فلا يدعني قومي لدلالة ما قبله عليه وكذا لو وقع ذلك بعد تمام الشرط والجزاء جاز نصبه والأحسن جزمه ويجوز رفعه أيضا استئنافا قال تعالى : ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ) البقرة : 284 قرئ بجزم (يغفر ) ونصبه ورفعه ومثله قوله تعالى : ( وِإن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ )
ص400
البقرة : 271 قرئ ( يكفر ) بالثلاثة وإذا نصبت الفعل بعد فعل الجزاء وعطفت فعلا آخر فلك فيه أيضا الرفع والنصب والجزم نحو إن تأتني أحسن إليك وأزورك وأكرم أخاك فيجوز رفع ( أكرم) استئنافا ونصبه عطفا على لفظ ( أزورك ) وجزمه عطفا على موضعه لأنه يجوز فيه أن يكون مجزوما قال أبو حيان وذهب بعض النحويين إلى أنه يجوز النصب بعد أفعال الشك نحو حسبته شتمني فأثب عليه وذلك لأن الفعل غير المحقق قريب من المنفي فألحق به في النصب بعده قال وقد اضطرب في هذه المسألة ابن عصفور فأجازه في شرح القانون ومنعه في شرح الجمل الكبير قال والصحيح جواز ذلك وإليه ذهب سيبويه قال وزاد بعض أصحابنا من مواضع النصب بعد الفاء والواو النصب بعدهما بعد جواب القسم لأنه غير واجب وجوابه كجواب كجواب الشرط فما جاز فيه نحو أقسم لتقوم فيضرب زيدا ولتقومن فتضربه قال وهذا المذهب لم يذكره سيبويه في القسم وقياس قوله في الشرط يقتضيه على ضعيفه قال أبو حيان وما ذهب إليه هذا الذاهب لا يجوز لأنه لم يسمع من كلام العرب على كثرة الأقسام على ألسنتهم بل المسموع أنك إذا عطفت على جواب القسم كان حكمه حكم الجواب فما جاز في الجواب جاز في المعطوف انتهى وزاد ابن مالك في مواضع النصب بعد الفاء والواو النصب بعدهما بعد حصر ( بإنما ) كقراءة ابن عامر : ( وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونَ) البقرة : 117 بالنصب قال ابنه وهذا نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة الشعر وغيره جعل الآية من جواب الأمر وهو ( كن ) وإن لم يكن أمرا في الحقيقة لكنه على صورته فعومل معاملته
ص401
فإن كان الحصر بإلا نحو ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا لم يجز النصب إلا في ضرورة الشعر وكذا نصب الفعل الخبري المثبت الخالي من أداة الشرط قال سيبويه وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ونصبه في الاضطرار من حيث النصب في غير الواجب ولك أن تجعل أن العاملة وأنشد على ذلك قوله : –
( سأتْرْك منْزلي لبني تَميم ** وألْحَقُ بالحجاز فَأسْتَريحَا )
قال ابن مالك ويجوز في المنفي بـ ( لا ) الصالح قبلها ( كي ) الرفع والجزم سماعا عن العرب قال ابنه فقول العرب ( ربطت الفرس لا تنفلت وأوثقت العبد لا يفر ) حكي الفراء أن العرب ترفع هذا وتجزمه قال وإنما جزم لأن تأويله إن لم أربطه فجزم على التأويل قال أبو حيان وما ادعياه ولم يحكيا فيه خلافا خالفا فيه الخليل وسيبويه وسائر البصريين وفي شرح الجمل الصغير لابن عصفور أجاز الكوفيون جزمه جوابا للفعل الواجب إذا كان سببا للمجزوم نحو زيد يأتي الأمير لا يقطع اللص وهذا عندنا يجب رفعه ولا يجزم إلا ضرورة وفي كتاب سيبويه سألته يعني الخليل عن آتي الأمير لا يقطع اللص فقال الجزاء ها هنا خطأ لا يكون الجزاء أبدا حتى يكون الكلام الأول غير واجب إلا أن يضطر الشاعر ولا نعلم هذا جاء في الشعر البتة انتهى
إضمار أن بعد لام كي جوازا
مسألة تضمر جوازا بعد لام كي ما لم تقترن بلا فيجب الإضمار وقال الكوفية هي الناصبة وقال ثعلب قيامها مقام أن وابن كيسان تقدر أن أو كي وفتحها لغة وبعد عاطف فعل على اسم صريح واو أو فاء أو ثم أو
ص402
( أو ) ولا يحذف سوي ما مر إلا ندورا ولا يقاس في الأصح وقيل يجوز ولا نصب ( ش ) الحال الثاني ما تضمر أن فيه جوازا وذلك في موضعين أحدهما بعد لام الجر غير الجحودية نحو جئت لأكرمك فالفعل منصوب بعد هذه اللام بأن مضمرة ويجوز إظهارها نحو جئت لأن أكرمك وتسمي هذه اللام لام كي بمعنى أنها للسبب كما أن ( كي ) للسبب يعنون إذا كانت جارة تكون جارة وتكون ناصبة بمعنى (أن ) ولا يعنون بذلك أن ( كي ) تقدر بعدها فتكون للنصب بإضمار ( كي ) لا بإضمار أن وإن كان يجوز أن ينطق ب ( كي ) بعدها فتقول جئت لكي أكرمك لأن ( كي ) لم يثبت إضمارها في غير هذا الموضع فحمل هذا عليه وإنما ثبت إضمار ( أن ) فلزم أن يكون المضمر هنا ( أن ) وزعم أبو الحسن بن كيسان والسيرافي أنه يجوز أن يكون المضمر ( أن ) ويجوز أن يكون ( كي ) وحملهما على ذلك ما ذكرناه من أن العرب أظهرت بعدها ( أن ) تارة وكي تارة وزعم أهل الكوفة أن النصب في الفعل بهذه اللام نفسها كما زعموا ذلك في لام الجحود المتقدمة وأن ما ظهر بعدها من أن وكي هو مؤكد لها وليست لام الجر التي تعمل في الأسماء لكنها لام تشتمل على معنى كي فإذا رأيت ( كي ) مع اللام فالنصب للام وكي مؤكدة وإذا انفردت ( كي ) فالعمل لها وزعم ثعلب أن اللام بنفسها تنصب الفعل كما قال الكوفيون إلا أنه قال لقيامها مقام ( أن ) قال أبو حيان وذلك باطل لأنه قد ثبت كونها من حروف الجر وعوامل الأسماء لا تعمل إلا في الأسماء فإن اقترن الفعل ب ( لا ) بعد اللام تعين الإظهار كقوله تعالى : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) الحديد : 29 قال أبو حيان وسواء كانت لا نافية أو زائدة
ص403
ولا يجوز الفصل بين لام كي والفعل المنصوب إلا بها وإنما ساغ ذلك لأنها حرف جر و ( لا ) قد يفصل بها بين الجار والمجرور في فصيح الكلام نحو غضبت من لا شيء وجئت بلا زاد ويلزم إذ ذاك إظهار أن ليقع الفصل بين المتماثلين لأنهم لو قالوا جئت للا تغضب كان في ذلك قلق في اللفظ ونبوة في النطق فتجنبوه بإظهار ( أن ) وحكم لام كي الكسر وفتحها لغة تميم الموضع الثاني بعد عطف بالواو أو الفاء أو ثم أو ( أو ) على اسم صريح كقوله : -
( لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي ** أَحَبُّ إلى مِنْ لُبْس الشُّفُوفِ )
وقوله :
( لَوْلا تَوقُّعُ مُعْتَرٍّ فأرْضِيَهُ ** ما كُنْتُ أوثرُ إتراباً على تَرَبِ )
وقوله: -
( إنِّي وَقْتِلي سُلَيكاً ثمَّ أَعْقِلَهُ ** كالثّوْر يُضْرَبُ لما عافَتِ البَقَرُ )
وقوله تعالى : ( إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل ) الشورى : 51 وشمل الاسم المصدر وغيره كقوله :-
( ولوْلا رجالٌ من رزام أعزّةٌ ** وآلُ سُبيْع أوْ أسُوءَكَ عَلْقمَا )
ص404
واحترز بالصريح من العطف على المصدر المتوهم فإنه يجب فيه إضمار ( أن ) كما تقدم ولا تنصب ( أن ) محذوفة في غير المواضع المذكورة إلا نادرا وذهب جماعة إلى أنه يجوز حذفها في غير المواضع المذكورة ثم اختلف هؤلاء فذهب أكثرهم إلى أنه يجب رفع الفعل إذا حذفت وعليه أبو الحسن وجعل منه قوله : –
( ألا أَيُّهَذَا الزَّاجري أَحْضُرُ الوغى ** )
يريد أن أحضر قيل ومنه قوله تعالى : ( أفغير الله تأمروني أعبد ) الزمر : 64 أي أن أعبد ووجهه أن العامل إذا نسخ عاملا وحذف رجع الأول لأن لفظه هو الناسخ وذهب أبو العباس إلى أنه إذا حذفت ( أن ) بقي عملها قال لأن الإضمار لا يزيل العمل كما في ( رب ) وأكثر العوامل وأنشد عليه ما روي في البيت السابق أحضر بالنصب وقوله:–
( وهمّ رجالٌ يَشْفعوا لي فلم أجدْ ** شفيعاً إليه غَيْرَ جُودٍ يُعادِلُه )
وقوله : -
( ونَهْنَهتُ نَفْسي بعدما كِدْت أَفْعَلَهْ ** )
وحكي من كلامهم خذ اللص قبل يأخذك ومره يحفرها وقرأ الحسن : ( تأمروني أعبد ) الزمر : 64 وقرأ الأعرج : (ويسفك الدماء ) البقرة : 30
ص405
واختلف النحاة في القياس على ما سمع من ذلك فذهب الكوفيون وبعض البصريين إلى القياس عليه قال أبو حيان والصحيح قصره على السماع لأنه لم يرد منه إلا ما ذكرناه وهو نزر فلا ينبغي أن يجعل ذلك قانونا كليا يقاس عليه فلا يجوز الحذف وإقرار الفعل منصوبا ولا مرفوعا ويقتصر في ذلك على مورد السماع
خاتمة
خاتمة ترد ( أن ) زائدة وليست المخففة ولا تفيد غير توكيد على الأصح فيهما بعد ( لما ) وبين قسم ولو وزعمها ابن عصفور رابطة وسيبويه في قول موطئة وأبو حيان مخففة وشذوذا بعد كي وقاسه الكوفية وكاف الجر وإذا ومفسرة وأنكرها الكوفية بين جملتين في الأولى معنى قول لا لفظه قيل أو لفظه عارية من جاز فإن وليها مضارع مثبت جاز رفعه ونصبه أو مع لا جازا والجزم قال الكوفية والأصمعي وشرطية قيل ونافية قيل وبمعنى لئلا قيل وإذ مع الماضي قيل والمضارع ( ش ) لما انقضى الكلام في أحكام (أن ) الناصبة للمضارع وكان لفظا مشتركا بين المصدرية والزائدة والتفسيرية وغير ذلك على ما ذهب إليه بعضهم تمم الكلام وختم الباب بذكر بقية مواضعها وهي ستة أحدها الزيادة وأن الزائدة حرف ثنائي بسيط مركب من الهمزة والنون فقط وذهب بعضهم إلى أنها هي الثقيلة خففت فصارت مؤكدة قال أبو حيان ولا تفيد عندنا غير التأكيد وزعم الزمخشري أنه ينجر مع إفادة التوكيد معنى أخر فيقال في قوله تعالى : ( وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ) العنكبوت : 33 دخلت ( أن )
ص406
في هذه القصة ولم تدخل في قصة إبراهيم في قوله : ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما) هود : 69 تنبيها وتأكيدا في أن الإساءة كانت تعقب المجيء فهي مؤكدة للاتصال واللزوم ولا كذلك في قصة إبراهيم إذ ليس الجواب فيه كالأول وقال الأستاذ أبو علي دخلت منبهة على السبب وأن الإساءة كانت لأجل المجيء لأنها قد تكون للسبب في قولك جئت أن تعطي أي للإعطاء قال أبو حيان وهذا الذي ذهب إليه لا يعرفه كبراء النحويين ومواقع زيادتها بعد لما كالآية وبين القسم ولو كقوله :–
( أما واللهِ أنْ لو كُنْتَ حُرًّا ** )
وزعم ابن عصفور في المقرب أنها حرف يربط جملة القسم بجملة المقسم عليه والذي نص عليه سيبويه أنها زائدة ونص في موضع آخر على أنها بمنزلة لام القسم الموطئة وقال أبو حيان الذي يذهب إليه في ( أن ) هذه غير هذه المذاهب الثلاثة وهو أنها المخففة من الثقيلة وهي التي وصلت ب ( لو ) كقوله تعالى : ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا ) الجن : 16 وتقديره أنه إذا قيل أقسم أن لو كان كذا لكان كذا
ص407
فمعناه أقسم أنه لو كان كذا لكان كذا ويكون فعل القسم قد وصل إليها على إسقاط حرف الجر أي أقسم على أنه لو كان فصلاحية أن المشددة مكانها يدل على أنها مخففة منها وتزاد شذوذا بعد ( كي ) وقاسه الكوفيون نحو جئت لكي أن أكرمك قالوا ولا موضع ل ( أن ) لأنها مؤكدة للام كما أكدتها كي وبعد كاف الجر كقوله : –
( ويوماً تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسّم ** كأن ظَبْيةٍ تعطو إلى وارق السّلمْ )
وبعد إذا كقوله : -
( فأمهله حتى إذا أنْ كأنّهُ ** مُعاطى يدٍ في لُجّة الماء غامِرُ )
الموضع الثاني التفسير أثبته البصريون وأنكر الكوفيون كون ذلك من معانيها وهي عندهم الناصبة للفعل قال أبو حيان وليس ذلك بصحيح لأنها غير مفتقرة إلى ما قبلها ولا يصح أن تكون المصدرية إلا بتأويلات بعيدة والكلام على مذهب البصريين فنقول أجريت أن في التفسير مجرى أي لكن تفارقها في أنها لا تدخل على مفرد لا يقال مررت برجل أن صالح وكأنهم أبقوا عليها ما كان لها من الجملة وهي في هذا غير مختصة بالفعل بل تكون مفسرة للجملة الاسمية والفعلية نحو كتبت إليه أن افعل وأرسل إليه أن ما أنت وهذا ومنه ( ونودوا أن تلكم الجنة ) الأعراف : 43 ولـ ( أن ) التفسيرية شرطان أحدهما أن تكون مفسرة لما يتضمن القول أو يحتمله لا لقول مصرح به أو محذوف أو فعل متأول بمعنى القول فإن صرح بالقول خلصت الجملة للحكاية
ص408
دون ( أن ) وكذلك إن كان القول منويا وتقدم فعل مؤول به لكنه إذا لم يتأول كانت أن داخلة للتفسير بخلاف المصرح والمقدر فإنها تجيء بعده ( أن ) وذكر ابن عصفور في شرح الجمل الصغير أن أن تأتي تفسيرا بعد صريح القول وفي البسيط اختلف في تفسير صريح القول فأجازه بعضهم وحمل عليه قوله تعالى : ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ) المائدة : 117 ومنهم من يمنع في الصريح ويجيز في المضمر كقولك كتبت إليه أن قم الشرط الثاني ألا تتعلق بالأول لفظا فلا تكون معمولة ولا مبنية على غيرها ولذلك لم تكن تفسيرية في قوله تعالى : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله ) يونس : 10 لأنها واقعة خبرا للمبتدأ ولا في قولهم كتبت إليه بأن قم لأنها معمولة لحرف الجر فإن لم تأت بحرف الجر جاز فيها الوجهان وإن ولي ( أن ) الصالحة للتفسير مضارع مثبت نحو أوحيث إليه أن يفعل كان فيه الرفع على أنها حرف تفسير والنصب على أنها مصدرية أو معه ( لا ) نحو أشرت إليه أن لا يفعل كان فيه الأمران لما ذكر والجزم أيضا على النهي وتكون ( أن ) فيه تفسيرا الموضع الثالث الشرط بمعنى ( إن ) أثبته الكوفيون والأصمعي واستدلوا بقوله : –
( أتغضب إن أُذْنا قُتَيْبَةَ حُزَّتا ** جهاراً ولم تَغْضَب لِقتْل ابن خازم )
ص409
قالوا لصحة وقوع ( أن ) موقعها وامتناع أن تكون أن الناصبة لأنها لا تفصل بين الفعل أو المخففة لأنه لم يتقدم عليها فعل تحقيق ولا شك وقال الخليل بل هي الناصبة وقال المبرد هي المخففة من الثقيلة على تقدير أتغضب من أجل أنه أذنا ثم حذف الجار وخفف الرابع النفي أثبته بعضهم وخرج عليه : (قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد ) آل عمران : 73 أي لا يؤتي وأنكره الجمهور الخامس بمعنى لئلا أثبته بعضهم وخرج عليه : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) النساء : 176 أي لئلا تضلوا قال أبو حيان والصحيح المنع وتأويل الآية : كراهة أن تضلوا السادس بمعنى إذ أثبته بعضهم مع الفعل الماضي قيل ومع الفعل المضارع وجعل منه قوله تعالى : ( بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ) ق : 2 وقوله تعالى : ( أن تؤمنوا بالله ربكم) الممتحنة : 1 أي إذ آمنتم قال أبو حيان وهذا ليس بشيء بل ( أن ) في الآيتين مصدرية والتقدير بل عجبوا لأن جاءهم وكذلك ( يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ) الممتحنة : 1 وقد انقضى القول في شرح الكتاب الثاني من كتابنا جمع الجوامع وهذا القدر إلى هنا نصف الكتاب واعلم أني يما شرعت في شرحه كنت بدأت أولا بشرح النصف الثاني فكتبت من أول الكتاب الثالث إلى بناء جمع التكسير على طريقة المزج ثم بدا لي أن أغير الأسلوب فشرحت من أوله على النمط المتقدم وكان في نيتي الاستمرار على هذه الطريقة إلى آخر الكتاب وإلغاء القطعة التي كتبتها أولا ممزوجة ثم لما ضاق الزمان عن ذلك أبقيت كل قطعة على حكمها وضممت هذه القطعة إلى تلك ووصلت بينهما ولا يضير كون الشرح على أسلوبين نصفه بلا مزج ونصفه ممزوج ونعود هناك إن شاء الله تعالى إلى تكملة بقية الكتاب من جمع التكسير إلى آخره على طريقة أوله والله الموفق
ص410