الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
المرابطون
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة:
ص39-41
4-7-2016
3304
المرابطون(1) :
كان ألفونس السادس ملك ليون و قشتالة يغير على ثغور طليطلة و ما يلبث أن يستولي عليها سنة 4٧٨ و هي نتيجة طبيعية لتفتّت الأندلس و توزعها بين أندلسات أو إمارات تتناحر و تتحارب بينما تؤدي الإتاوات لألفونس السادس و أمراء أراجون و نبارّة و برشلونه، تؤديها إشبيلية و بطليوس و غيرهما. و أحسّ أمراء الأندلس و في مقدمتهم المعتمد أمير إشبيلية و المتوكل أمير بطليوس أن ما أصاب طليطلة أصبح قاب قوسين أو أدنى إلى إصابة إماراتهم، فتقع فريسة لألفونس السادس ملك ليون و قشتالة أو لغيره من الأمراء المسيحيين في الشمال، و أجمعوا أمرهم على أن يستغيثوا بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين في المغرب، و أرسلوا إليه نفرا من قضاة مدنهم الكبرى يستنفرونه- و استنفره كثير من الفقهاء-للوقوف معهم في وجه أعدائهم الشماليين من المسيحيين، و كان المرابطون قد نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل اللّه و نشر الإسلام بالصحراء الكبرى و السنغال. و استمع يوسف إلى القضاة، و هاله الأمر، فجهز سريعا جيشا جرارا و أعدّ له أسطولا عبر به في سنة 4٧٩ الزقاق، و اتجه إلى إشبيلية، و انضم إليه المعتمد صاحبها توا، و بالمثل عبد اللّه بن بلقين أمير غرناطة و المتوكل أمير بطليوس، و علم ألفونس بمقدمه فاستغاث بملوك النصارى في إسبانيا و فرنسا و إيطاليا و جاءته سيول من الفرسان، و التقى الجمعان في الزلاقة بالقرب من بطليوس، و دارت معركة حامية الوطيس سحق فيها جيش ألفونس، و فرّ على وجهه مع الفارين. و تصادف أن توفى ابن ليوسف بن تاشفين فعاد إلى المغرب بعد هذا النصر المبين و لو تابع تقدمه لا ستردّ طليطلة، و كأنه اكتفى بتقليم أظافر العدو، و سرعان ما عاد ألفونس للإغارة على شرقي الأندلس، و علم بذلك ابن تاشفين، فجاز إلى الأندلس جوازه الثاني سنة 4٨١ و كاد ينزل بألفونس ما أنزله به في الزلاقة، غير أن الشتاء دخل فعاد إلى المغرب بعد أن ترك في الأندلس حامية. و سرعان ما دبّ الشقاق بين أمراء الطوائف فجاز يوسف إلى الأندلس مرة ثالثة سنة ٨4٣ مصمما- بمشورة الفقهاء الأندلسيين-على إنهاء حكم هؤلاء الأمراء، و استسلم له سريعا أمير غرناطة، و اضطر إلى العودة إلى المغرب و ترك لصهره سير بن أبي بكر تنفيذ الخطة، فاستنزلهم جميعا و من أبي أخذه أسيرا مثل المعتمد بن عباد الذي نفى إلى أغمات بالمغرب، أو قتله بعد حصاره مثل المتوكل صاحب بطليوس . و بذلك أظلّ حكم ابن تاشفين الأندلس ما عدا سرقسطة، فإنه تركها لبني هود لتكون حاجزا بين الأندلس و نصارى الشمال، و عبر إلى الأندلس مرة رابعة سنة 4٩٠ لأخذ البيعة لابنه علي و توفى سنة 5٠٠ للهجرة.
و تولى علي ابنه الحكم بعده فحاول الاقتداء بأبيه في الجهاد فعبر إلى الأندلس سنة 5٠١ و وجه أخاه تميما بجيش إلى أقليش شرقي طليطلة، و التقى بألفونس و أوقع به هزيمة ساحقة قتل فيها ولي عهده-و كان ابنه الوحيد-فتوفى متأثرا بفقده، و استولى تميم على أقليش و شنتبريّة. و في سنة 5٠٣ غزا جيش للمرابطين أراضي طليطلة و استولى على طلبيرة غربيها، و استعاد المرابطون جزائر البليار سنة 5٠٩. و كان على بن يوسف قصير النظر فحاول أخذ سرقسطة من بني هود، و استولى عليها كما مر بنا، و سرعان ما أخذها منه النصارى سنة 5١٢. و اشتبك المرابطون سنة 5١4 مع ألفونس الأول ملك أراجون في معركة بكتندة و لم يكتب لهم النصر. و في سنة 5١٩ استدعى المعاهدون من نصارى غرناطة ألفونس الأول للاستيلاء على بلدهم فاندفع إلى الجنوب، وردّه المرابطون على أعقابه، و أجلوا عن غرناطة من كانوا سببا في استدعائه من النصارى إلى سلا و مكناسة بمراكش. و في سنة 5٢٨ وجه علي بن يوسف جيشا بقيادة يحيى بن غانية والى بلنسية و مرسية إلى إفراغة شرقي سرقسطة، و لقى جيشا لألفونس ملك أراجون فمزقه شر ممزّق. و توفى على بن يوسف بن تاشفين أمير المرابطين سنة 5٣٧ و خلفه ابنه تاشفين و كان ضعيفا مما آذن بنهاية تلك الدولة.
و قد حمل كثير من المستشرقين في مقدمتهم دوزي و بروقنسال على تلك الدولة زاعمين أنها كانت دولة بدو جفاة لا عهد لهم بالحضارة، و فاتهم أن أهل المغرب اعتنقوا الدين الحنيف من قديم و أخذوا بقسط من حضارته الإسلامية و كل ما اتصل بها من علوم و آداب، فليس بصحيح أنهم كانوا بدوا جفاة و قد فتح سلاطينهم أبوابهم في مراكش للعلماء و الشعراء الأندلسيين و اختاروا لرياسة دواوينهم في حاضرتهم أبا بكر بن القصيرة كبير كتاب الإمارة العبّادية بإشبيلية، حتى إذا توفى سنة 5٠٧ خلفه زميل له من كتاب تلك الدولة هو أبو القاسم بن الجد، و توفى سنة 5١5 فخلفه الكاتب الأندلسي البارع ابن أبي الخصال، و كان يساعد الثلاثة جميعا كتاب من الأندلس. و قد ازدهرت في عهد المرابطين العلوم اللغوية و علوم الدراسات الإسلامية و كذلك الدراسات الفلسفية و لمع فيها فيلسوف كبير هو ابن باجة. و شجّع حكام المرابطين في الأندلس الحركتين العلمية و الأدبية و فتحوا أبوابهم على مصاريعها للشعراء، على نحو ما يوضح ذلك ديوان ابن خفاجة و مدائحه فيه لإبراهيم بن يوسف بن تاشفين الذي ألف الفتح بن خاقان باسمه كتابه قلائد العقيان، و كذلك مدائحه لأخيه تميم حاكم غرناطة ثم إشبيلية و الأندلس و لأخيهما سلطان المرابطين: على و لابن تيفلويت حاكم سرقسطة راعى ابن باجة و الحركة الفلسفية و لأبي عبد اللّه محمد بن الحاج حاكم قرطبة و ابنه أبي بكر. و تبرز من نسائهم راعيات للأدب مثل مريم زوجة تميم بن يوسف ممدوحة ابن خفاجة، و أهم منها السيدة حواء زوجة أهم قوادهم سير بن أبي بكر حاكم إشبيلية مددا متطاولة ممدوحة الأعمى التطيلى، و كانت لها ندوة في قصر الإمارة يحضرها كبار الشعراء و المتفلسفة، و تحاورهم في الشعر و نقده على نحو ما حدث فيما بعد بفرنسا في القرنين السابع عشر و الثامن عشر و ظهور سيدات متأدبات فيها على غرارها، و كان لهن صالونات يتحاور فيها أدباء باريس النابهون.
و حقا كان لفقهاء المالكية سطوة كبيرة في عصر المرابطين، و هي سطوة لا ترجع إلى المرابطين ذات أنفسهم، و إنما ترجع إلى أن هذا العصر أتى بعد عصر فساد في الحكم انتشر فيه اللهو، و أصبحت الأندلس أندلسات و إمارات كثيرة بل شراذم، و الجيران و الإخوان يتحاربون، و العدو فاغر فاه، يكاد يلتهمهم جميعا، مما جعل الفقهاء يستغيثون بالمرابطين و ابن تاشفين كي ينقذوا الأندلس مما تحولت إليه من دار لهو كبيرة ممزقة، و استنقذها المرابطون و من ورائهم و معهم الفقهاء يؤيدون و يساعدون، فكان طبيعيا أن يعظم شأنهم في هذا العصر بالقياس إلى عصر أمراء الطوائف عصر اللهو و الفساد. و كان من أخطاء بعضهم أن أفتوا بأن الغزالي مجدد الإسلام المصلح يعد من المبتدعة، مما أدى إلى ظهور حركة دينية إصلاحية جديدة هي حركة الموحدين التي عجلت بسقوط دولة المرابطين.
و في هذه الأثناء انتهز نفر من رؤساء المدن في الأندلس الفرصة فاستقلوا بها، و كان أولهم ابن حمدين قاضى قرطبة و تبعه في بطليوس ابن قسى و في المرية يوسف بن مخلوف ثم الرميمي و في مرسية عبد اللّه بن عياض ثم صهره ابن مردنيش و تبعته بلنسية و طرطوشة و جيان و ظلت الجزر الشرقية مع بنى غانية حتى سنة 5٨٠ إذ صارت لدولة الموحدين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر في المرابطين: الجزء الثالث من البيان المغرب (طبع باريس) و الرابع (طبع بيروت بتحقيق إحسان عباس) و الثالث من أعمال الأعلام لابن الخطيب (طبع الدار البيضاء بالمغرب) و نفح الطيب للمقري و تاريخ ابن خلدون و الحلة السيراء و التكملة لابن الأبار و المعجب للمراكشي و نظم الجمان لابن القطان (تحقيق د. مكى-طبع الرباط) و الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى للناصري و تاريخ البحرية الإسلامية في المغرب و الأندلس لعبد العزيز سالم و العبادي (طبع بيروت) و عصر المرابطين و الموحدين في المغرب و الأندلس لمحمد عبد اللّه عنان (طبع القاهرة) و التاريخ الأندلسي لعبد الرحمن الحجي (طبع دار القلم) و معالم تاريخ المغرب و الأندلس لحسين مؤنس و الإسلام في المغرب و الأندلس لبروقنسال بمراجعة د. لطفى عبد البديع (نشر مكتبة النهضة المصرية).