المعرف بـ(ال)
المؤلف:
عباس حسن
المصدر:
النحو الوافي
الجزء والصفحة:
ج1/ ص421- 440
17-10-2014
5250
المعرف بأل
1- زارني صديق - زارني صديق؛ فأكرمت الصديق.
2- اشتريت كتابًا - اشتريت كتابًا؛ فقرأت الكتاب.
3- تنزهت في زورق - تنزهت في زورق؛ فتهادى الزوْرق بي.
كلمة: "صديق" في المثال الأول مبهمة: لأنها لا تدل على صديق مُعَين معهود؛ فقد يكون محمدًا، أو: عليًّا، أو: محمودًا، أو: غيرهم من الأشخاص الكثيرة التى يصدق على كل واحد مهم أنه: "صديق"، فهي نكرة. لكن حين أدخلنا عليها "ألْ" دلت على أن صديقًا معينًا -هوالذى سبق ذكره- قد زارني دون غيره من باقي الأصدقاء.
ومثلها كلمة: "كتاب" في المثال الثاني، فإنها مبهمة لا تدل على كتاب مُعَيَّن؛ بل تنطبق على عشرات ومئات الكتب؛ فهي نكرة؛ والنكرة لا تدل على معين -كما عرفنا- لكن حين أدَخلنا عليها: "أل" وقلنا: "الكتاب" صارت تدل على أن كتابًا معينًا -هوالذي سبق ذكره- قد اشتريته.
ومثل هذا يقال في كلمة "زوْرق"؛ فإنها نكرة لا تدل على زوْرق معروف. وحين أدخلنا عليها "أل" صارت تدل على واحد معين تنزهت فيه.
فكل كلمة من الكلمات الثلاث وأشباهها كانت في أول أمرها نكرة، ثم صارت بعد ذلك معرفة؛ بسبب دخول: "أل" عليها. لهذا قال النحاة: إن "أل" التي من الطراز السابق أداة من أدوات
ص421
التعريف؛ إذا دخلت على النكرة التي تقبل التعريفجعلتها معرفة؛ كالأمثلة السابقة ونظائرها.
وليس مما يناسبنا اليوم أن نذكر آراء القدماء في كلمة "أل" التي هي حرف للتعريف؛ أهي كلها التي تُعَرّف، أم اللام وحدها، أم الهمزة وحدها...؟ فإن هذا الترديد لا طائل وراءه بعد أن اشتهر الرأي القائل بأنهاما معًا. ولكن الذى يناسبنا ترديده هو ما يقولونه من أن كلمة "أل" عندة أقسام منها:
ص422
الموصولة وهي اسم -في الرأي الأرجح- وقد سبق الكلام عليها في الموصولات. منها المعَرّفة، ومنها الزائدة2. وفيما يلي بيان هذين القسمين.
أ- "ألْ" المُعَرّفة؛ "أي: التي تفيد التعريف".
وهي نوعان؛ نوع يسمى: "أل" العهدية "أي: التي للعهد" ونوع يسمى: "أل" الجنسية، وكلاهما حرف.
فأما"العهدية" فهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا. وسبب هذا التعريف والتعيين يرجع لواحد مما يأتي:
1- أن النكرة تذكر في الكلام مرتين بلفظ واحد، تكون في الأول مجردة من "أل" العهدية، وفي الثانية مقرونة "بأل" العهدية التي تربط بين النكرتين، وتحدد المراد من الثانية: بأن تحصره في فرد واحد هو الذي تدل عليه النكرة الأولى.
ص423
كالأمثلة التي تقدمت، ونحو: نزل مطر؛ فأنعش المطر زروعنا. أقبلت سيارة، فركبت السيارة. وقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . فكل كلمة من الثلاث: "مطر -سيارة- رسول" وأشباهها قد ذكرت مرتين؛ أولاهما بغير "أل" فبقيت على تنكيرها، وثانيتهما مقرونة بأل العهدية التى وظيفتها الربط بين النكرتين ربطًا معنويًّا يجعل معنى الثانية فردًا محدودًا محصورًا فيما دخلت عليه وحده، والذى معناه ومدلوله هو النكرة السابقة ذاتها. وهذا التحديد والحصر هو الذي جعل الثانية معرفة؛ لأنها صارت معهودة عهدًا ذِكْريًّا، أي: معلومة المراد والدلالة، بسبب ذكر لفظها في الكلام السابق ذكرًا أدى إلى تعيين الغرض وتحديده بعد ذلك، وأن المراد في الثانية فردٌ معين؛ هو السابق، وهذا هو ما يسمى: "بالعهد الذِّكْري".
2- وقد يكون السبب في تعريف النكرة المقترنة بأل العهدية هو أن "أل" تحدد المراد من تلك النكرة، وتحصره في فرد معين تحديدًا أساسه علم سابق في زمن انتهى قبل الكلام، ومعرفة قديمة في عهد مضى قبل النطق، وليس أساسه ألفاظًا مذكورة في الكلام الحالي. وذلك العلم السابق ترمز إليه "أل" العهدية وتدل عليه، وكأنها عنوانه. مثال ذلك؛ أن يسأل طالب زميله: ما أخبار الكلية؟ هل كتبت المحاضرة؟ أذاهب إلى البيت؟ فلا شك أنه يسأل عن كلية معهودة لهما من قبل، وعن محاضرة وبيت معهودين لهما كذلك. ولا شيء من ألفاظ السؤال الحالية تشير إلى المراد إلا: "أل"؛ فإنها هي التي توجه الذهن إلى المطلوب. وهذا هو ما يسمى: "العهد الذهني" أو: "العهد العِلمي".
3- وقد يكون السبب في تعريف تلك النكرة حصول مدلولها وتحققه في وقت الكلام، بأن يتبدئ الكلام خلال وقوع المدلول وفى أثنائه؛ كأن تقول: "اليوم
ص424
يحضر والدي". "يبدأ عملي الساعة"، "البرد شديد الليلة"... تريد من "اليوم" و"الساعة" و"الليلة"؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذي أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك: أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له: الطائر. أي: أصبْ الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبًا يحمل بين أصابعه قلمًا فتقول له: الورقة. أي: خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو"العهد الحضوري".
فأنواع العهد ثلاثة: "ذِكْرِيّ"، و"ذهنيّ أو علميّ"، و"حضوري". وللثلاثة رمز مشترك يدخل على كل نوع منها هو: "أل". وتسمى: "أل" التي للعهد، أو: "أل" العهدية". فإذا دخلت على النكرة جعلتها تدل على فرد معين دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصي بذاته لا برمز آخر. ولهذا كانت "أل" العهدية تفيد النكرة درجة من التعريف تُقَربها من درجة العلم الشخصي، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته؛ وإنما تجعلها في المرتبة التي تليه مباشرة.
وأما: "أل الجنسية" فهي الداخلة على نكرة تفيد معنى الجنس المحض من غير أن تفيد العهد. ومثالها؛ النجم مضيء بذاته، والكوكب يستمد الضوء من غيره... فالنجم، والكوكب، والضوء، معارف بسبب دخول "أل" على كل منها، وكانت قبل دخولها نكرات "وشأن النكرات كشأن اسم الجنس،
ص425
لا تدل على واحد معين" وليس في الكلام ما يدل على العهد.
ولدخول "أل" هذه على الأجناس سميت: "أل" "الجنسية". وهى أنواع من ناحية دلالتها المعنوية، ومن ناحية إفادة التعريف.
1- فمنها التي تدخل على واحد من الجنس فتجعله يفيد الشمول والإحاطة بجميع أفراده إحاطة حقيقة؛ لا مجازًا ولا مبالغة، بحيث يصح أن يحل محلها لفظة "كل" فلا يتغير المعنى، نحو: النهر عذب، النبات حي، الإنسان مفكر، المعدن نافع... فلو قلنا: كل نهر عذب، كل نبات حي، كل إنسان مفكر، كل معدن نافع... يحذف "أل" في الأمثلة كلها وضع كلمة: "كل" مكانها - لبقي المعنى على حالته الأولى.
وما تدخل عليه "أل" من هذا النوع يكون لفظه معرفة؛ تجري عليه أحكام المعرفة، ويكون معناه معنى النكرة المسبوقة بكلمة: كل؛ فيشمل كل فرد من أفراد مدلولها، مثل كلمة "المَلِك" في قول الشاعر:
إذا الملك الجبَّار صَعَّر خَدَّه ... مَشَيْنا إليه بالسيُوف نعاتبهْ
2- ومنها التي تدخل على واحد من الجنس، فتجعله يفيد الإحاطة والشمول؛ لا بجميع الأفراد، ولكن بصفة واحدة من الصفات الشائعة بين تلك الأفراد؛ وذلك على سبيل المجاز والمبالغة؛ لا على سبيل الحقيقة الواقعة؛ نحو: أنت الرجل علمًا، وصالحٌ هو الإنسان لطفًا، وعليّ هو الفتى شجاعة.تريد: أنت
ص426
كل الرجال من ناحية العلم، أي: بمنزلتهم جميعًا من هذه الناحية، فإنك جمعت من العلم ما تفرق بينهم؛ ويُعَدّ موزعًا عليهم بجانب علمك الأكمل المجتمع فيك؛ فأنت تحيط بهذه الصفة "صفة العلم" إحاطة شاملة لم تتهيأ إلا للرجال كلهم مجتمعين. وكذلك صالح من ناحية الأدب؛ فهو فيه بمنزلة الناس كلهم؛ نال منه ما نالوه مجتمعين. وكذلك علي؛ بمنزلة الفتيان كلهم في الشجاعة؛ أدرك وحده من هذه الصفة ما توزع بينهم، ولم يبلغوا مبلغه إلا مجتمعين وكل هذا على سبيل المبالغة والادعاء.
وحكم ما تدخل عليه "أل" من هذا النوع كحكم سابقه لفظًا ومعنى.
3- ومنها التي لا تفيد نوعًا من نوعي الإحاطة والشمول السابقين؛ وإنما تفيد أن الجنس يراد منه حقيقته القائمة في الذهن. ومادته التي تكوّن منها في العقل بغير نظر إلى ما ينطبق عليه من أفراد قليلة أو كثيرة، ومن غير اعتبار لعددها. وقد يكون بين تلك الأفراد ما لا يَصدق عليه الحكم.، نحو: الحديد أصلب من الذهب، الذهب أنفس من النحاس. تريد: أن حقيقة الحديد "أي: مادته وطبيعته" أصلب من حقيقة الذهب "أي: من مادته وعنصره" من غير نظر لشيء معين من هذا أو ذاك؛ كمفتاح من حديد، أو خاتم من ذهب؛ فقد توجد أداة من نوع الذهب هي أصلب من أداة مصنوعة من أحد أنواع الحديد؛ فلا يمنع هذا من صدق الحكم السالف الذى ينص على أن الحديد في حقيقته أصلب من الذهب في حقيقته من غير نظر إلى أفراد كل منهما -كما سبق- إذ إنك لا تريد أن كل قطعة من الأول أصل من نظيرتها في الثانى؛ لأن الواقع يخالفه ومثل هذا أن تقول: الرجل أقوى من المرأة، أي: أن حقيقة الرجل وجنسه من حيث عنصره المتميز -لا من حيث أفراده- أقوى من حقيقة المرأة وجنسها من حيث هي كذلك، من غير أن تريد أن كل واحد من الرجال أقوى من كل واحدة من النساء؛ لأنك لو أردت هذا لخالفك الواقع. وهكذا يقال في: الذهب أنفس من النحاس، وفي: الصوف أغلى من القطن، وفي: الفحم أشد نارًا من الخشب... وفي الماء، والتراب، والهواء، والجماد، والنبات.
ص427
تقول: الماء سائل: أي: أن عنصره وطبيعته من حيث هي مادة تجعله في عِداد السوائل، من غير نظر في ذلك إلى أنواعه، أو أفراده، أو شيء آخر منه؛ فتلك حقيقته؛ أي: مادته الأصلية التي قام عليها. وتقول: التراب غذاء النبات، أي: أن عنصره وطبيعته كذلك؛ فهي حقيقته الذاتية، وماهيته التي عرف بها من حيث هي. وتقول: الهواء لازم للأحياء؛ أي: أن عنصره ومادته وحقيقته كذلك... وهكذا.
وتسمى "أل" الداخلة على هذا النوع "أل" التي للحقيقة، أو: للطبيعة، أو للماهية فلا علاقة لها بالإحاطة بالأفراد، أو بصفاتهم، أو بعدم الإحاطة. وتفيد ما دخلت عليه نوعًا من التعريف يجعله في درجة عَلَم كالجنس لفظًا ومعنى.
فمعاني "أل الجنسية" إما إفادة الإحاط والشمول بكل أفراد الجنس حقيقة، لا مجازًا، وإما إفادة الإحاطة والشمول لا بأفراد الجنس؛ وإنما بصفة من صفاته وخصائصه على سبيل المبالغة والادعاء والمجاز، وإما بيان الحقيقة الذاتية، دون غيرها.
ص428
المسألة الحادية والثلاثون: "أل" الزائدة
هي التي تدخل على المعرفة أو النكرة فلا تغير التعريف أو التنكير. وربما كان لها آثر آخر، -كما سيجيء هنا. فمثال دخولها على المعرفة: المأمون بن الرشيد من أشهر خلفاء بني العباس. فالكلمات "مأمون"، و"رشيد: و"عباس"، معاف بالعلمية قبل دخول "أل". فلما دخلت عليها لم تفدها تعريفًا جديدًا. ومثال دخولها على النكرة ما سُمع من قولهم: "ادخلوا الأولَ فالأولَ..." وأشباهها. فكلمة "أول" نكرة لأنها حال ولم تخرجها "أل" عن التنكير. و"أل الزائدة" نوعان، كلامهما حرف؛ نوع تكون فيه زائدة لازمة وهي التي اقترنت باسمٍ كبعض الأعلام منذ استعْماله علمًا؛ فلم يوجد خاليًا منها منذ علميته... ولا تفارقه بعد ذلك مطلقًا. "برغم زيادتها" كبعض أعلام مسموعة عن العرب لم يستعملوها بغير "أل"؛ مثل: السموءل، اليَسَعِ، واللاتِ والعُزَّى. وكبعض
ص429
الظروف المبدوءة بأل، مثل: "الآن" للزمن الحاضر، وبعض أسماء الموصولات المصدرة بها، كالتي، والذي، والذين، واللاتي... ومن الزائدة اللازمة "أل" التي للغاية، وسيجيء بيانها...
ونوع تكون فيه زائدة عارضة "أي: غير لازمة" فتوجد حينًا وحينًا لا توجد؛ وهذا النوع ضربان: ضربٌ اضطراري يلجأ إليه الشعراء وحدهم عند الضرورة؛ ليحافظوا على وزن الشعر وأصوله؛ كقول القائل:
ولقد جَنَيْتُك أكْمُؤًا وعَساقِلاً ... ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَات الأوْبَرِ
فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "أوبر" مضطرًّا؛ مع أن العرب حين تستعملها علم جنس تجردها من "أل"؛ فتقول: بنات أوبر. ومثل قول الشاعر:
رَأيتُكَ لَمَّا أنْ عَرَفْتَ وجُوهَنَا ... صَدَدْت وطِبتَ النفسَ ياقيْسُ عن عَمْرِ
فقد أدخل الشاعر "أل" على كلمة: "النفس" التي هي تمييز، والتمييز -على المشهور- لا تدخله "أل"، وكان الأصل أن يقول: طبت نفسًا. ولكن الضرورة الشعرية قهرته.
ص430
2- وضرب اختياري يلجأ إليه الشاعر وغير الشاعر لغرض يريد أن يحققه هو: لمح الأصل؛ وبيانه:
أن أكثر الأعلام منقول عن معنى سابق كان يؤديه قبل أن يصير علمًا، ثم انتقل إلى العلمية، وترك معناه السابق؛ مثل: عادل، ومنصور، وحسن؛ فقد كان المعنى السابق لها -وهي مشتقات: ذاتٌ فعلت العدل. أو وقع عليها النصر، أو اتصفت بالحسن، ولا دخل للعلمية بواحد منها... ثما صار كل واحد بعد ذلك علمًا يدل على مُسَمًّى مُعَين، ولا يدل على شيء من المعنى السابق؛ فكلمة: عادل، أو: منصور، أو: حسن، أو: ما شابهها -قد انقطعت صلتها بمعناها السابق بمجرد نقلها منه إلى الاستعمال الثاني. وهو: العَلمية، وصارت بعد العلمية اسمًا جامدًا لا يُنظَر إلى أصله المشتق. ولا يشمل عليها مع أنها كانت في الأصل اسمًا مشتقًّا.
فإذا أردنا ألا تنقطع تلك الصلة المعنوية، وأن تبقى الكلمة المنقولة مشتملة على الأمْرين معًا، وهما: معناها الأصلي السابق، ودلالتها الجديدة وهي: العلمية، فإننا نزيد في أولها: "أل" لتكون رمزًا دالًّا على المعنى القديم تلميحًا؛ فوق دلالته على المعنى الجديد، وهو: العلمية مع الجمود؛ فنقول: العادل، والمنصور، والحسن، فتدل على العلمية بذاتها وبمادتها واعتبارها جامدة، وتدل على المعنى القديم "بأل" التي تشير وتُلمح إليه. ولهذا تسمى: "أل التي للمح الأصل". ومن هنا دخلت في كثير من الأعلام المنقولة الصالحة لدخلوها؛ لتشير إلى معانيها القديمة التي تحوي المدح أو الذم، والتفاؤل، أو التشاؤم؛ نحو؛ الكامل، المتوكل، السعيد؛ الضحاك، الخاسر، الغراب، الخليع، المحروق... وغير ذلك من الأعلام المنقولة قديمًا وحديثًا.
والنقل قد يكون من اسم معنوي جامد؛ كالنقل من المصدر في مثل:
ص431
الفضل، والصلاح والعِرْفان... وقد يكون من اسم عين جامد؛ كالصخر، والحجر، والنعمان، والعظم... وقد يكون من كلمات مشتقة في أصلها كالهادي، والحارث، والمبارك والمستنصر، ويُهْمَل هذا الاشتقاق بعد العلمية فتعدّ من الجامد، كما سبق.
فالأعلام السابقة يجوز أن يتدخلها "أل" عند إرادة الجمع بين لمح الأصل والعلمية، كما يجوز حذفها عند الرغبة في الاقتصار على العلمية وحدها. والأعلام في الحالتين جامدة.
أما من ناحية التعريف والتنكير فوجود "أل" التي للمح الأصل وحذفها سيان. -كما تقدم. والأعلام كلها صالحة لدخول "أل" هذه، إلا العلم المرتجل3؛ كسعاد، وأدَد، وإلا العلم المنقول الذي لا يقبل "أل" بحسب أصوله؛ إما لأنه على وزن فعل من الأفعال؛ والفعل لا يقبلها؛ مثل: يحين، يزيد، تَعِز، يشكر، شَمَّر...، وإما لأنه مضاف؛ والمضاف لا تدخله "أل"؛ نحو: عبد الرءوف، وسعد الدين، وأبو العينين4" .....
من كل ما سبق نعلم أن أشهر أنواع "أل" هو: الموصول، والمُعتَرفة بأقسامها، والزائدة بأقسامها.
ص432
المسألة الثانية والثلاثون: العلم بالغلَبة
المعارف متفاوتة في درجة التعريف -كما سبق؛ فبعضها أقوى من بعض وعلم الشخص أقوى من المعرف "بأل" العهدية، وأقوى من المضاف لمعرفة. غير أن كل واحد من هذين قد يصل في قوة التعريف إلى درجة علم الشخص، ويصير مثله في الأحكام الخاصة به، ولبيان ذلك نقول:
إن كُلاًّ من المعرف "بأل" العهدية والمضاف قد يكون ذا أفراد متعددة؛ فالكتاب3 - مثلًا، ينطبق على عشرات، ومئات وألوف من الكتب، وكذلك النجم، والمنزل، والقلم... وكتاب سعد، يصدق على كل كتاب من كتبه المتعددة، ومثله: قلم عمرو، وثوب عثمان...
غير أن فردًا واحدًا من أفراد المعرف "بأل" أو المضاف قد يشتهر اشتهارًا بالغًا دون غيره من باقي الأفراد؛ فلا يخطر على البال سواه عند الذكر؛ بسبب شهرته التي غطت على الأفراد الأخرى، وحجبت الذهن عنها.
ص433
ومن أمثلة ذلك: المصحف، الرسول، السنة، ابن عباس، ابن عمر، ابن مسعود؛ فالمراد اليوم من المصحف: كتاب الله وقرآنه الكريم... ومن الرسول: النبي محمد عليه السلام، ومن السنة: ما ثبت عنه من قول، أو فعل، أو تقرير. كما أن المراد من: ابن عباس هو: عبد الله، بن عباس، بن عبدالمطلب ... دون باقي أبناء العباس. وكذلك المراد من: ابن عمر، هو: عبد الله من عمر بن الخطاب، دون إخوته من أولاد عمر. وكذلك المراد من: ابن مسعود، هو: عبد الله بن مسعود أيضًا دون إخوته. وكانت تلك الكلمات في الأصل قبل اشتهارها، معرفة؛ لاشتمالها على نوع من التعريف، ولكنها لا تبلغ فيه درجة العَلَم الشخصيّ؛ إذ ليست أعلامًا شخصية. فلا تدل على واحد بعينه؛ إذ الأصل في كلمة: "المصحف" أن تنطبق على كل غلاف يحوي صحفًا. وفي كلمة: "الرسول" أن تنطبق على كل4 إنسان أرسِل من جهة إلى جهة معينة. وفي كلمة: "السنة" أن تنطبق على كل طريقة مرسومة، وفى كلمة: "ابن فلان" أن تنطبق على كل ابن من أبناء ذلك الرجل. لكن اشتهرت كل كلمة مما سبق -بعد التعريف- في فرد، واقتصرت عليه؛ بحيث إذا أُطْلقت لا تنصرف لغيره؛ فقوَى التعريف فيها، وارتفع إلى درجة أرقى من الأولى؛ تسمى: درجة العَلَم بالغلبة "أي: التغلب بالشهرة" وهي درجة تلحقه بالعلم الشخصي5 في كل أحكامه. فمظهر الكلمة أنها معرفة "بأل"،
ص434
أو بالإضافة، ولكن حقيقتها أنها معرفة بعلمية الغلبة. وهي في درجة علم الشخص -كما قلنا- وتلغي معها الدرجة القديمة. ومن أمثلة العلم بالغلبة: المدينة، العقبة الهرم... مجلس الأمن، جمعية الأمم، إمام النحاة... وغيرها مما هو عَلَم بالغلبة: كالنابغة، أو الأعشى، أو الأخطل... وأصل النابغة: الرجل العظيم، وأصل الأعشى: من لا يبصر ليلًا، وأصل الأخطل: الهجَّاء، ثم غلب على كل ما سبق الاستعمال في العلمية وحدها.
هو ملحق بالعلم الشخصيي -كما تقدم- ويسري عليه ما يسري على ذاك، مع ملاحظة أن "أل" التي في العلم بالغلبة قد صارت قسمًا مستقلًّا من "أل" الزائدة اللازمة "أي: التي لا تفارق الاسم الذي دخلت عليه". يسمى : "أل التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت7 في الأعلام السابقة -ونظائرها- قسم من "أل" الزائدة اللازمة -كما أشرنا- ولكنه قسم مستقل، يسمى: "أل" التي للغلبة" ولم تبق للعهد كما كانت زائدة، ولازمة لا تفارق الاسم الذي دلت عليه، فإنها تحذف وجوبًا عند ندائه، أو إضافته؛ مثل: يا رسول الله قد بلغت رسالتك. هذا مصحف عثمان؛ يا نابغة، أسْمِعنا من طرائفك... فشأنها في الحالتين المذكورتين من جهة الحذف وعدمه شأن "أل" المُعَرفة -في الرأي الأرجح-
ص435
أما العَلَم بالغلبة إذا كان مضافًا، فإن إضافته تلازمه ولا تفارقه في نداء، ولا في غيره: تقول في النداء: يا بنَ عمرَ قد أحسنت، ويا بنَ عباس قد أفدت الناس بفقهك، ويا بن مسعود قد حققت لنا كثيرًا من أحاديث الرسول...
وإذا اقتضى الأمر إضافته ... فإنه يضاف مع بقائه الإضافة
ص436
الأولى، تقول: أنت ابن عُمَرنا العادل، وهذا ابن عباسنا زعيم الفتوى.
ص437
زيادة وتفصيل:
إذا أريد تعريف العدد "بأل" فإما أن يكون مضافًا، أو مركبًا، أو مفردًا عقدا ، أو معطوفًا. فإذا كان العدد مضافًا وأردنا تعريفه "بأل" فالأحسن إدخالها على المضاف إليه وحده - أى: على المعدود -؛ نحو: عندى ثلاثة الأقلام، وأربع الصحف، ومائة ألف الورقة، وألف القرش. وعندئذ يكتسب المضاف التعريف من المضاف إليه في هذه الإضافة المحضة. والكوفيون يجيزون إدخال "أل" عليهما معًا ويحتجون بشواهد متعددة، تجعل مذهبهم مقبولا، وإن كان غير فصيح...
ص438
وإذا كان العدد مركبًا فالأحسن إدخالها على الجزء الأول منه؛ نحو: قرأت الأحدَ عشرَ كتابًا، وسمعت الخمسَ عشْرةَ أنشودة...
وإذا كان مفردًا -أي: أنه من العقود- دخلت عليه مباشرة؛ نحو: في حديقتنا العشرون كرسيًّا، والثلاثون شجرة، والأربعون زهرة...
وإذا كان معطوفًا فالأحسن دخولها على المتعاطفين لتعريفهما معًا؛ نحو: أنفقت الواحد والعشرين درهمًا، وكتبت الخمسة والعشرين سطرًا...
وإذا كان المضاف إليه -وهو المعدود- معرفًا "بأل" فإن المضاف يكتسب منه التعريف في الإضافة المحضة كما سبق، سواء أكانا متصلين لا فاصل بينهما، نحو: هذه ثلاثة الأبواب، ومائة اليوم، وألف الكتاب، أم فصل بينهما اسم واحد؛ نحو: هذه ثلاثُ قطع الأبواب، وخمسمائة الألف، أم اسمان، نحو: هذه ثلاث قطع خشب الأبواب، وخمسمائة ألفِ الدرهم، أم ثلاثة أسماء؛ نحو: هذه ثلاثة قطع خشب صَنَوْبَرِ الأبواب، وخمسمائة ألفِ درهمِ الرجل، أم أربعة، نحو: هذه ثلاثُ قطعِ خشب صَنَوْبرِ صناعة الأبوابِ، وخمسمائةِ ألفِ درهمِ صاحبِ البيوت... ويسري التعريف من المضاف إليه الأخير إلى ما قبله مباشرة، فالذي قبله... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول، فيكون معرفة كالمضاف إليه، وما بينهما. وهذا حكم كل إضافة محضة؛ طالت بسبب الفواصل المضافة أم قصرت، فإنك تُعرّف الاسم الأخير؛ فيسري تعريفه إلى ما قبله، فالذي قبله،... وهكذا حتى يصل إلى المضاف الأول. غير أن كثرة الإضافات المتوالية معيبة من الناحية البلاغية؛ فلا نلجأ إليها جهد استطاعتنا.
ص439
الاسم النكرة المضاف إلى معرفة، المنادى النكرة المقصودة:
بقي من أنواع المعارف السبع نوعان، سبق الكلام عليهما بما ملخصه:
أ- أن النكرة التي تضاف لمعرفة -مثل: قلمي شبيه بقلمك- قد تكتسب منها التعريف، وتصير في درجتها. أي: أن المضاف قد يكتسب التعريف من المضاف إليه، ويرقى في التعريف إلى درجته. إلا إذا كانت النكرة مضافة إلى الضمير فإنها تكتسب منه التعريف، ولكنها ترقى في التعريف إلى درجة: "العَلَم" -في الرأي الصحيح- لا إلى درجة الضمير.
وإنما يكتسب المضاف من المضاف إليه التعريف على الوجه السالف إذا كان المضاف لفظًا غير متوغل في الإبهام؛ فإن كان متوغلًا فيه لم يكتسب التعريف -في أكثر حالات استعماله- بإضافة، أو غيرها؛ كالأسماء: مثل: غير، حسب، مثل ....، و .....
ب- أن من أنواع المنادى نوعًا واحدًا يكتسب التعريف بالنداء، وهذا النوع الوحيد، هو: "النكرة المقصودة، مثل: يا شرطي، أو يا حارس... إذا كنت تنادي واحدًا منهما معينًا تقصده دون غيره. ذلك أن كلمة: "شرطيّ" وحدها، أو: كلمة، "حارس" وحدها نكرة، لا تدل في أصلها قبل النداء على فرد معين"، ولكنها تصير معرفة بعد النداء، بسبب القصد الذي يفيد التعيين، وتخصيص واحد بعينه، دون غيره.
ودرجة هذا المنادى في التعريف هي درجة اسم الإشارة؛ لأن تعريف كل منهما يتم بالقصد الذي يعينه المشار إليه في اسم الإشارة والتخاطب في المنادى النكرة المقصودة، كما سبق
ص440