ذم التعلق بالدنيا وملذّاتها
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 43 ــ 44
2025-12-18
45
إن اللذّة في حد ذاتها مطلوبة ومتناسبة مع فطرة الإنسان، وإذا كانت مذمومة في بعض المواطن، فالمراد منها هو تلك اللذة المحدودة والمحرّمة التي تمنع من الوصول إلى اللذات الأبدية في الآخرة، مثل اللذة المؤقتة الناتجة عن استعمال الإنسان للمواد المخدرة، ولكنها تؤدي إلى الانزعاج والمعاناة والحرمان من لذات الحياة على المدى الطويل، إن الأمر المذموم هو ترجيح الملذات الدنيوية المحدودة على ملذات الآخرة غير المحدودة، إن الأمر المذموم هو حسابات الإنسان الخاطئة، والتي بسببها يتعلق بالملذات المحدودة، ويحرم نفسه من الملذات غير المتناهية، أليس مجنوناً حقا من يكون مستعدا لأن يُدمر حياته من أجل بضع لحظات من المتعة وإرضاء شهوته أو الذي يتسبب لنفسه بنار جهنم وبعذاب طويل من أجل تحصيل متعة مؤقتة من خلال نظرة محرمة أو الاستماع إلى موسيقى محرمة؟!
يقول الله عن أولئك الذين تعلقوا بالدنيا وثملوا بملذاتها فتخلوا عن ملذات الآخرة غير المحدودة، ما يلي: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17].
لقد سعى الأنبياء إلى تبصير البشر بشأنهم ومنزلتهم، ومن أجل أن يوجدوا هذا الاعتقاد فيهم، وهو أن ملذات الإنسان لا تنحصر في الملذات الدنيوية والحيوانية المحدودة، وأنه يمكن للمرء أن يتمتع بملذات معنوية وأخروية غير محدودة وغير متناهية، ولذلك ليس من شأنه التعلق بالملذات الطفولية والحيوانية، وهذا التعلق سوف يمنعه من الوصول إلى الملذات غير المحدودة، عندما يتعامل الإنسان مع الملذات الحيوانية من قبيل الأكل والشرب والشهوة الجنسية فهو مشترك فيها مع الحيوانات، بل بعض هذه الملذات أشد في الحيوانات منه، ولذا إذا كان جهد الإنسان وهمته منصرفين إلى هذه الملذات فقط، فإنه يكون قد تنزّل إلى حدود حيوانٍ من الحيوانات، وفقد شأنه ومكانته الإنسانية وعليه، فإنسان كهذا يستحق اللوم والمذمّة.
وعليه، فإن الآيات والروايات التي اعتبرت الخوف والحزن مطلوبين لا تتعارض مع فطرة الإنسان أبدا؛ لأن الحزن والخوف حالتان فطريتان، ولكن يجب على الإنسان استخدامهما ينحو صحيح، وفي هذه الحالة سوف تستتبع آثارا قيمة وبناءة مثلا: يُؤدي الخوف والخشية من عظمة الله إلى أن يؤدي الإنسان واجباته وإلى أن يكون رحيما مع الآخرين، وأن يقوم بخدمة خلق الله، وأن يخضع لله أكثر، وأن يقوم بالأعمال الصالحة من أجل أن يتقرب منه، وفي المقابل، عندما تتسبب السعادة والثمالة في إهمال الإنسان للواجبات الفردية والاجتماعية، فإنه يكون مذموماً ومخالفاً للطبيعة البشرية.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة