ورثة الكتاب كلّهم من أبناء فاطمة الزهراء
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص8-13
2025-12-04
44
نقل محمّد بن يعقوب الكلينيّ في كتاب «الكافي» بسنده عن أحمد بن عمر أنّه قال: سَألْتُ أبَا الْحَسَنِ الرِّضا عَلَيهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا} (الآية)، فَقَالَ: "وُلْدُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ والسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ الإمَامُ، والْمُقْتَصِدُ الْعَارِفُ بِالإمَامِ، والظّالِمُ لِنَفْسِهِ الذي لَا يَعْرِفُ الإمَامِ"[1].
ونقل الكلينيّ مثل هذه الرواية بألفاظها نفسها (ما عدا: وُلد فاطمة عليها السلام) عن سالم، عن الإمام الباقر عليه السلام[2].
ورواها ابن بابويه أيضاً بسنده عن جابر بن يزيد الجعفيّ، عن الإمام الباقر عليه السلام ما عدا قوله: وُلْدُ فاطِمَةَ عليها السلام لكن جاء في ذيلها قوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها} أي: الْمُقْتصِدَ والسَّابِقَ[3].
وروى الطبرسيّ عن عبد العزيز، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "الظّالِمُ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقَّ الأمام، والْمُقْتَصِدُ مِنّا الْعَارِفُ بِحَقِّ الإمامِ، والسّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ الإمَام، وهَؤلَاءِ كُلُّهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ"[4].
ونلاحظ أنّ الإمام الصادق عليه السلام قد فسّر الآية كما فسّرها الإمام الباقر عليه السلام وقال في ذيلها: كلّهم مغفور لهم.
وروى ابن بابويه بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}. فقال: "الظّالِمُ يَحُومُ حَوْمَ نَفْسِهِ، والْمُقْتَصِدُ يَحُومُ حَوْمَ قَلْبِهِ"[5] (أي أنّه يراقب قلبه لئلّا يقدر منه معصية أو تفوته طاعة، ولئلّا يعتريه صدأ؛ فيحفظ قلبه دوماً طاهراً بنور الطاعة)، "وَالسّابِقُ يَحُومُ حَوْمَ رَبهِ عَزَّ وجَلَ" (أي أنّه تخطّى قلبه، فهو لا يجد وجوداً وقلباً في داخله ليكون في صدد تنزيهه وتطهيره، فهو ناظرٌ دوماً إلى جمال الحق وتجلّياته. مضمحلًّا في شعاع صفاته وأسمائه، وفانياً في ذاته المقدّسة).
لكنّ العلّامة الطباطبائيّ نقل ذلك عن «معاني الأخبار» للصدوق، عن الإمام الصادق عليه السلام على النحو التالي: "الظَّالِمُ يَحُومُ حَوْمَ نَفْسِهِ، والْمُقْتَصِدُ يَحُومُ حَوْمَ قَلْبِهِ، والسّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ يَحُومُ حَوْمَ رَبهِ"[6]. والقصد واحد في كلتا الحالتين.
وروى محمّد بن العبّاس بن ماهيار، وهو من الموثّقين، في تفسيره عن أبي إسحاق السبيعيّ أنّه قال: خَرَجْتُ حاجّاً فَلَقيتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيّ عَلَيْهما السَّلَامُ فَسَألْتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا} فَقَالَ: ما يَقُولُ فيها قَوْمُكَ يا أبَا إسْحَاقَ- يَعْنِي أهْلَ الْكُوفَةِ-؟ قالَ: قُلْتُ: يَقُولُونَ أنّها لَهُمْ، قَالَ: "فَما يُخَوِّفُهُمْ إذَا كَانُوا مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: فَما تَقُولُ أنْتَ جُعِلْتُ فِداكَ؟ قَالَ: هِيَ لَنا خَاصَّةً يَا أبا إسْحَاقَ أمّا السّابِقُونَ بِالْخَيْرَاتِ فَعَلِيّ والْحَسَنُ والْحُسَيْنُ عَلَيْهمُ السَّلَامُ والإمَامُ مِنّا، والْمُقْتَصِدُ فَصَائِمٌ بِالنَّهَارِ وقَائِمٌ بِالَّلَيْلِ، والظّالِمُ لِنَفْسِهِ فَفِيهِ ما في النَّاسِ وهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ: يَا أبا إسْحَاقَ بِنَا يَفُكُّ اللهُ رِقَابَكُمْ ويَحُلُّ رِبَاقَ الذُّلِّ مِنْ أعْنَاقِكُمْ وبِنَا يَغْفِرُ اللهُ ذُنُوبَكُمْ، وبِنَا يَفْتَحُ وبِنَا يَخْتِمْ، ونَحْنُ كَهْفُكُمْ كَكَهْفِ أصْحَابِ الْكَهْفِ، ونَحْنُ سَفِينَتُكُمْ كَسَفِينَةِ نُوحٍ، ونَحْنُ بَابُ حِطِّتِكُمْ كَبابِ حِطَّةِ بَني إسْرَائِيلَ"[7].
وروى ابن بابويه، الشيخ الصدوق بسنده عن أبي حمزة الثماليّ رضوان الله عليه أنّه قال: كُنْتُ جالِساً في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعَ أبي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ إذْ أتاهُ رَجُلانِ مِنْ أهْلِ الْبَصْرَةِ فَقَالا لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ أنّا نُريدُ أن نَسْألَكَ عَنْ مَسْألَةٍ؟ فَقَالَ لَهُما: سَلَا عَمَّا شِئتُما قَالا: أخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} - إلى آخِرِ الآيَتَيْنِ- قَالَ: نَزَلَتْ فِينا أهْلَ الْبَيْتِ. قَالَ أبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيّ: فَقُلْتُ: بِأبي أنْتَ وامّي، فَمَنِ الظّالِمُ لِنَفْسِهِ مِنكُمْ؟ قَالَ: مَنِ اسْتَوَتْ حَسَناتُهُ وسَيِّئاتُهُ مِنْ أهْلِ الْبَيْتِ، فَهُوَ الظّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ: مَنِ الْمُقْتَصِدُ مِنكُمْ؟ قَالَ: الْعَابِدُ لِلهِ في الْحَالَيْنِ[8] حتى يَأتِيَهُ الْيَقِينُ. قُلْتُ: فَمَنِ السّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ؟ قَالَ: مَنْ دَعا واللهِ إلى سَبيلِ رَبهِ وأمَرَ بِالْمَعْرُوفِ ونَهى عَنِ الْمُنْكَرِ ولَمْ يَكُنْ لِلْمُضِلِّينَ عَضُداً ولَا لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً، ولَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ الْفَاسِقِينَ إلّا مَنْ خَافَ على نَفْسِهِ ودِينِهِ ولَمْ يَجِدُ أعْوَاناً"[9].
وحدّث صاحب كتاب «ثاقب المناقب» عن أبي هاشم الجعفريّ، قال: كنت عند أبي محمّد الحسن العسكريّ عليه السلام فسألته عن قول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}. قال عليه السّلام: "كُلُّهُمْ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ الذي لا يَقِرُّ بِالإمامِ، والْمُقْتَصِدُ الْعَارِفُ بِالإمَامِ، والسّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ بِاذن اللهِ الإمَامُ". قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَأي وجَعَلْتُ افَكِّرُ في نَفْسِي مَا أعْطَى اللهُ آلَ مُحَمَّدٍ، فَنَظَرَ إلَيّ وقَالَ: "الأمْرُ أعْظَمُ مِمّا حَدَّثَتْكَ بِهِ نَفْسُكَ مِنْ عِظَمِ شَأنِ آلِ مُحَمَّدٍ، فَاحْمَدِ اللهَ فَقَدْ جَعَلَكَ مُسْتَمْسِكَاً بِحَبْلِهِمْ تُدْعَى يَومَ الْقِيَامَةِ لَهُمْ إذَا دُعِيَ كُلُّ انَاسٍ بِإمَامِهِمْ، فَأبْشِرْ يَا أبَا هَاشِمٍ وأنّكَ على خَيْرٍ"[10].
[1] «غاية المرام» ص 351، الحديث الرابع، وتفسير «الميزان» ج 17، ص 49؛ و«بحار الأنوار» ج 7، ص 44 عن «بصائر الدرجات».
[2] «غاية المرام» ص 351، الحديث الأوّل؛ و«بحار الأنوار» ج 7، ص 44 عن «بصائر الدرجات»، وص 45 عن «تفسير عليّ بن إبراهيم».
[3] «غاية المرام» ص 351، الحديث الثامن.
[4] «غاية المرام» ص 353، الحديث السادس عشر: وقال في تفسير «الدرّ المنثور» ج 5، ص 251 في ذيل الآية الشريفة: وأخرج الطيالسيّ، وأحمد، وعبد بن حميد والترمذيّ وحسّنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقيّ، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبيّ صلّي الله عليه وسلّم أنّه قال في هذه الآية:{ثُمَّ أوْرَثنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنهُمْ سَابِقُ بِالْخَيْرَاتِ} قال: "هؤلاء كلّهم بمنزلة واحدة وكلّهم في الجنّة".
[5] «غاية المرام» ص 351، الحديث الثامن.
[6] تفسير «الميزان» ج 17، ص 50؛ و«بحار الأنوار» ج 7، ص 43 عن «معاني الأخبار».
[7] «غاية المرام» ص 352، الحديث الحادي عشر، و«بحار الأنوار» ج 7، ص 44 عن كتاب «سعد السعود» لابن طاووس، عن كتاب «تفسير محمّد بن عبّاس بن مروان». وقال في تفسير «الدرّ المنثور» ج 5، ص 251: وأخرج الفريابيّ، وأحمد، وعبيد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبرانيّ، والحاكم، وابن مردوية، والبيهقيّ، عن أبي الدرداء: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: "قال الله- تعالى: {ثُمّ أوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ومِنهُم مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللهِ} فأمّا الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنّة بغير حساب، وأمّا الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حساباً يسيراً، وأمّا الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طوال المحشر ثمّ هم الذين تلقّاهم الله برحمة، فهم الذين يقولون: {الْحَمْدُ لِلهِ الذي أذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ أنّ رَبنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ، الذي أحَلَّنَا دَارَ الْمَقَامِة مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسَّنَا فِيهَا نَصَبٌ ولَا يَمَسَّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}
[8] أي في الشدّة والرخاء، وفي الضّيق والسعة.
[9] «غاية المرام» ص 352، الحديث التاسع؛ و«بحار الأنوار» ج 7، ص 44 عن «معاني الأخبار».
[10] «غاية المرام» ص 353، الحديث الثامن عشر؛ و«بحار الأنوار» ج 7، ص 44 عن «كشف الغمّة».
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة