نظرةٌ عامّة في عصر الظهور المبارك وتأصيلها القرآني
المؤلف:
السيد حسن زماني
المصدر:
عصر الظهور على ضوء القرآن الكريم
الجزء والصفحة:
ص13-20
2025-12-02
28
أوّلًا: قاعدة الجري والتطبيق في القرآن الكريم
القرآن الكريم كتابٌ جامعٌ نزل من عند الله عزّ وجلّ، وهو الكتاب الذي وصل إلينا عن طريق خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله) طوال 23 سنة. هذا الكتاب هدىً للعالمين، يجري كما يجري الشمس والقمر، و«مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ»، وما عاش إنسانٌ على وجه هذه البسيطة، وهو في كلّ زمانٍ غضٌّ جديد، ولآياته مصاديق جديدةٌ تنطبق عليها؛ وإلّا لتوقّف به الزمن مع رحيل النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولما كان هدىً للناس من بعده؛ ولمزيدٍ من البيان نذكر حديثين في المقام عن أهل البيت (عليهم السلام):
الحديث الأول: عن عبد الرحيم بن قصير عن الإمام الصادق(عليه السلام)قال:
«إِنَّ الْقُرْآنَ حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، وَإِنَّهُ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَكَمَا تَجْرِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَيَجْرِي عَلَى آخِرِنَا كَمَا يَجْرِي عَلَى أَوَّلِنَا» .
الحديث الثاني: عن يعقوب بن السُكّيت أنّه سأل الإمام الهادي (عليه السلام): ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدّرس إلّا غضاضةً؟ قال:
«إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْهُ لِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَلاَ لِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ، فَهُوَ فِي كُلِّ زَمَانٍ جَدِيدٌ، وَعِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ غَضٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
من هنا، عندما تأمر آيةٌ من آيات القرآن الكريم بقتال المشركين لتكون «كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا»، أو تأمر بإقامة دين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وكذلك حينما يأتي الخطاب: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» و «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ»، فليس لهذه الآيات ونظائرها اختصاصٌ بزمان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)؛ بل هي جاريةٌ إلى يوم القيامة. والحال هو نفسه في الآيات التي نزلت في النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ولزوم إطاعته، فهي جاريةٌ في أوصيائه كذلك.
ثانيًا: الإخبارات الغيبيّة في القرآن الكريم
إنّ أحد وجوه ومظاهر إعجاز القرآن الكريم النبوءات والإخبارات الغيبيّة التي جاء بها؛ فكما أخبر القرآن الكريم عن الأمم السابقة؛ كأقوام الأنبياء نوح وهود وصالح وإبراهيم (عليهم السلام)، وذكر مفصّلًا أخبار النبيّ يوسف والنبيّ موسى والنبيّ عيسى (عليهم السلام)، كذلك أخبر عن المستقبل القريب والبعيد. فتراه تارةً يُخبر عن فتح مكّة ودخول المسجد الحرام، وأخرى عن الانتصار القريب للروم على الفرس في وقتٍ كانت فيه الغلبة للفرس على الروم، وكانت الإمبراطوريّة الفارسيّة في أَوج قدرتها، وإلى جانب هذه الإخبارات فإنّ ورثة الأرض -وفقًا للرؤية القرآنيّة-، هم الصالحون والمتّقون، وهي الوراثة الصالحة المستمرّة إلى يوم القيامة؛ وقد أشارت روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلى هذا الجانب من إعجاز القرآن الكريم.
عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال:
«سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، سَيَكُونُ فِي أُمَّتِكَ فِتْنَةٌ، قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ فَقَال: كِتَابُ اَللَّهِ فِيهِ بَيَانُ مَا قَبْلَكُمْ مِنْ خَبَرٍ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ» .
عن سُماعة بن مهران أنّه سمع الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)يقول:
«إِنَّ اَللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ الصَّادِقَ الْبَارَّ، فِيهِ خَبَرُكُمْ وَخَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَخَبَرُ السَّمَاءِ وَخَبَرُ الْأَرْضِ، فَلَوْ أَتَاكُمْ مَنْ يُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ لَعَجِبْتُمْ» .
ثالثًا: محوريّة القرآن الكريم في عصر الظهور
صحيحٌ أنّ القرآن الكريم نزل على النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وقد قام (صلى الله عليه وآله) بتلاوته على المسلمين؛ إلّا أنّ بعض آيات القرآن الكريم لم تتحقّق، وزمان ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) هو زمان تحقّق وجريان هذه المجموعة من الآيات، سواءٌ لجهة العمل بتمام أحكامها وأوامرها، أو لجهة اتّساع دائرة العمل بها لتشمل العالم بأسره.
إنّ القرآن الكريم هو أساس حركة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وهو مصداقٌ من مصاديق ﴿عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ ، وهو الذي سيتحقّق على يديه في عصر الظهور ما جاء في هذا الكتاب العزيز؛ وفي هذا السياق نستعرض عددًا من الأحاديث.
الحديث الأول: جاء في رواية عمّار بن ياسر عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) حول انطباق القرآن الكريم في عصر الظهور:
«فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْرُجُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا قِسْطًا وَعَدْلًا وَيُقَاتِلُ عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ، وَهُوَ سَمِيِّي وَأَشْبَهُ النَّاسِ بِي» .
الحديث الثاني: عن أبي الجارود عن الإمام الباقر(عليه السلام)أنّه قال: «فَإِذَا قَامَ قَائِمُنَا نَطَقَ وَصَدَّقَهُ الْقُرْآنُ» ؛ أي إنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يَمضي في جميع أقواله وأفعاله على خطى القرآن الكريم، ولا ينطق إلّا بما يوافق كتاب الله العليم.
الحديث الثالث: عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
«الْقَائِمُ مِنْ وُلْدِي، اِسْمُهُ اِسْمِي وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي وَشَمَائِلُهُ شَمَائِلِي وَسُنَّتُهُ سُنَّتِي، يُقِيمُ النَّاسَ عَلَى مِلَّتِي وَشَرِيعَتِي وَيَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» .
الحديث الرابع: في كلامٍ لأمير المؤمنين(عليه السلام)حول محوريّة القرآن في الدولة الكريمة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، والعمل وفق ما جاء فيه يقول:
«يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ» .
أكّد أمير المؤمنين(عليه السلام)في كلامه محوريّة القرآن الكريم في عصر الظهور، وبيّن(عليه السلام)أنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) سيُجري إرادة الله تعالى؛ ويُغيّر بذلك مسير الناس من الضلالة إلى الهداية.
الاكثر قراءة في الدولة المهدوية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة