دفاع أبي بكر عن جرائم خالد
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص64-69
2025-11-10
26
عذر أبو بكر خالداً، فخرج خالد منه مسروراً[1]. فجاء عمر إلى أبي بكر، وهو يقول له: زنى خالد، فأقم عليه الحدّ. فقال أبو بكر: لَا لأنَّهُ تَأوَّلَ فَأخْطَأ. فقال عمر: قتلَ إمرأً مسلماً، فاقْتُله. فقال أبو بكر: لَا، إِنَّهُ تَأوَّلَ فَأخْطَأ. ثمّ قال: يا عمر! مَا كُنتُ لأغمِدَ سَيْفاً سَلَّمهُ اللهُ عَلَيْهِم[2]. فقال عمر: يا أبا بكر! اعزِله عن مقامه. فأجابه أبو بكر: لَا أغْمِدُ سَيْفاً شَهَرَهُ اللهُ عَلَى الكُفَّار[3].
فجاء أخو مالك، وهو متمّم بن نويرة، إلى المدينة يطلب ثأر أخيه من أبي بكر، ويريد منه الأسرى. فأمر أبو بكر بإرجاع الأسرى. وألحّ عمر على أبي بكر أن يعزِل خالداً قائلًا له: أنّ في سَيْفِهِ رَهَقاً[4]. فأجابه أبو بكر: لَا، يا عُمَرُ! لَم أكُن لأشِيمَ سَيفاً سَلَّمهُ اللهُ عَلَى الكافِرينَ[5].
وجاء عبد الله بن عمر، وأبو قتادة عند أبي بكر وشهدا أنّ خالداً قتل مسلماً، وقالا له: كان مالك بن نويرة على الإسلام، وقد رأينا أذانه وإقامته. فأعرض أبو بكر عن أبو قتادة وغضب عليه[6].
أجل، لقد قتل خالد مالكاً بحجّة الارتداد عن الإسلام. وكلّما قال لهذلك الرجل المؤمن أنا مسلم. قال خالد: لا بدّ أن تقتل. ولمّا قال له: هذه التي قتلتني. قال خالد: بَل قَتَلَك رُجُوعُكَ عِنَ الإسلامِ[7]. ولم يرتدّ ذلك الصحابيّ النقيّ السيرة عن الإسلام؛ وإنّما قال كلاماً في أبي بكر فقط ونقله خالد إلى أبي بكر. وهذا الكلام هو الذي أهدر دم ذلك الرجل البريء، وبرّأ خالد من فعلته. وعذر أبو بكر خالداً، فلم يقتله، ولم يُقم عليه حدّ الزنى ولا حدّ الافتراء. ولم يعزّره لسلبه أموال المسلمين، بل نجد العكس. نجد أنّه لم يوبّخه على تلك الأعمال الشنيعة، بل دافع عنه. وسمّاه سيف الله وهو الفاسق الفاجر الفاتك صراحة، وهكذا أطلق عليه سيف الله الذي سلّه لقتل الكافرين (أمثال مالك بن نويرة، واعتدى به على أعراض النساء المسلمات، ونهب أموال المسلمين).
ولو فرضنا أنّ مالكاً امتنع عن أداء الزكاة، فهل حكمه القتل؟ لقد امتنع مالك عن دفع الزكاة لأبي بكر، ولم يمتنع عن دفعها لوصيّ رسول الله، كما جاء ذلك في شعره، كان مالك مسلماً، فهل يجوز قتل المسلم؟ ولو فرضنا أنّ مالكاً قد ارتدّ عن الإسلام بارتداده عن أبي بكر فهل يجوز الزنى بزوجته، وهي امرأة مسلمة؟ وهل هذا يقبل التأويل؟ أ ليس في وجود عبد الله بن عمر، وأبي قتادة، اللذَينِ شهدا الحادثة عن قرب حجّة قاطعة لرفع التأويل؟ لما ذا غضب أبو بكر من كلامهما، وأعرض عنهما؟ لأنّ خالداً كان معيناً له في حكومته.
أمر أبو بكر أن تُدفع دية مالك من بيت المال، وأن يُرجع الأسرى. فهل نعتبر تلك الأحداث عملًا صحيحاً قام به أبو بكر، ونحملها على الاجتهاد؛ لأنّه تأوّل بوصفه معصوماً ومن أولي الأمر؟ حقّاً أنّ الفخرالرازيّ وأمثاله، ممّن أوّلوا وبرّروا تلك السيّئات الصريحة، هم شركاء في تلك الجرائم التي ارتكبها أبو بكر وأعوانه. وهل كان سيف خالد هو واقعاً سيف الله الذي سلّه الله على الناس؟
يقول عمر: «أنّ في سَيْفِهِ رَهَقاً» فهل هذا الهتك والاعتداء من فعل الله، وخالد سيف الله؟ يقول عمر: لَا. أمّا أبو بكر فيقول: نعم، هو سيف الله .... {وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ... وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[8].
[1]«تاريخ الطبري» ج 2، ص 504.
[2]«تاريخ أبي الفداء» ج 1، ص 158.
[3]«تاريخ الخميس» ج 2، ص 233.
[4]تاريخ الطبري ج 2، ص 503. وقال أيضاً: قال (أبو بكر): هيه يا عمر! تأوّلَ فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد. وينقل فريد وجدي في (دائرة المعارف) 306: 2 هذه العبارة نفسها عن أبي بكر.
[6]«تاريخ الطبري» ج 2، ص 502.
[7]«الغدير» ج 7، ص 160نقلًا عن «تاريخ ابن شحنة» هامش(الكامل) ج 7، ص 165.
[8]الآيتان 151 و153، من السورة 6: الأنعام.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة