احتجاج مالك بن نويرة ضدّ أبي بكر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص59-61
2025-11-04
78
لقد آزر أبو بكر خالد بن الوليد علناً في قضيّة قتل مالك بن نُويرَة. ولم يمتنع عن القصاص منه وإقامة الحدّ عليه لما إرتكبه من زنى محصن مع زوجة مالك فحسب، بل وسمّاه سيف الله بقوله: لَا أشِيمُ سَيفاً سَلَّمهُ اللهُ عَلَى الكافِرِينَ[1].
كان مالك بن نويرة أحد الباذلين المضحّين لمقام الولاية. وأنّ حبّه لأمير المؤمنين وتشيّعه له هو الذي أدّى إلى قتله وأفضى إلى العفو عن خالد. وكان ذلك الرجل التميميّ اليربوعيّ من كبار الشجعان والفرسان والشعراء، وله منزلة مرموقة بين بني يربوع في الجاهليّة والإسلام.
وحدّث المرحوم القاضي نور الله الشوشتريّ[2]. وكذلك المحدّث القمّيّ عن كتاب «الفضائل»[3] للشيخ الفقيه الثقة الجليل شاذان بن جبرئيل القمّي الذي يروي عنه السيّد فخّار بن معد الموسويّ استاذ المحقّق الحلّيّ حدّثا عن البراء بن عازب أنّه قال: كنّا جالسين عند رسول الله ومعنا بعض الصحابة إذ دخل رؤساء بني تميم وبينهم مالك بن نويرة، فقال مالك: يَا رَسُولَ اللهِ عَلَّمْنِي الإيمانَ.فَقَالَ لَهُ رَسولُ اللهِ: «أنْ تَشْهَدَ أنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وأنِّي رَسُولُ اللهِ، وتُصَّلِي الْخَمْسَ، وتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وتُؤَدِّي الزَّكَاةَ وتَحُجَّ البَيْتَ، وتُوَالِي وَصِيِّي هَذَا- وأشارَ إلى عليّ بنِ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ- ولَا تَسْفِكَ دِمَاءً، ولَا تَسْرِقَ، ولَا تَخُونَ، ولَا تَأكُلَمَالَ الْيَتِيمِ، ولَا تَشْرَبَ الْخَمْرَ، وتُؤمِنَ بِشَرائِعي، وتُحَلِّلَ حَلَالِي وتُحَرِّمَ حَرَامِي، وتُعطِيَ الحَقَّ مِنْ نَفْسِكَ الضَّعِيفَ والقَوِيّ والكَبِيرَ والصَّغِيرَ وعَدَّ عَلَيْهِ شَرائِعَ الإِسلامِ». فَسُرّ مالك كثيراً، وذهب متبختراً وهو يقول: «تَعَلَّمْتُ الإيمانَ ورَبِّ الْكَعْبَةِ». ولمّا غاب عن أنظار النبيّ، قال صلى الله عليه وآله، «مَنْ أحبّ أن يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا الرَّجُلِ»، فاستأذن أبو بكر وعمر رسول الله، وتبعاه، وبشّراه بما قال النبيّ بحقّه، وطلبا منه أن يستغفر لهما؛ لأنّه من أهل الجنّة. فقال مالك: «لَا غَفَرَ اللهُ لَكُمَا» تتركان رسول الله وهو صاحب الشفاعة وتطلبان منّي أن أستغفر لكما. فخجلا من موقفهما وقفلا راجعَين. فلمّا رآهما النبيّ قال: «في الْحَقِّ مَبْغَضَةٌ»[4].
ولمّا توفّي رسول الله، جاء مالك إلى المدينة وبحث عن وصيّه. وكان ذلك في يوم الجمعة، حيث ارتقى أبو بكر المِنبر ليخطب في المسلمين، فلم يتحمّل مالك، وقال لأبي بكر: أ لستَ أخا تيم؟ قال: بلى. فقال مالك: أين وصيّ رسول الله الذي أمرني النبيّ بولايته؟ فقال الناس: أيّها الأعرابيّ! ما أكثر ما يحدث الأمر بعده الأمر. فقال مالك: لَا والله! ما حدث شيء ولكنّكم خنتم في تنفيذ وصيّة رسول الله. ثمّ التفت إلى أبي بكر فقال له: من أصعدك على المنبر ووصيّ رسول الله جالس؟ فقال أبو بكر للحاضرين: أخرجوا هذا الأعرابيّ البوّال على عَقِبَيْه. فضَربه قُنْفُذوخالد بن الوليد وأخرجاه من المسجد. فركب مالك ناقته وصلى على رسول الله، ثمّ أنشد قائلًا:
أطَعْنَا رَسُولَ اللهِ مَا كَانَ بَيْنَنا *** فيا قَومِ ما شَأني وشَأن أبي بَكرِ
إذا مَاتَ بَكرٌ قَامَ بَكْرٌ مَقَامَهُ *** فَتِلكَ وبَيْتِ اللهِ قاصِمَةُ الظّهْرِ
[1]«الغدير» ج 7، ص 158 نقلًا عن «تاريخ أبي الفداء».
[2]«مجالس المؤمنين» ص 114.
[3]«سفينة البحار» ج 2، ص 551.
[4]لم يرد حديث أبي بكر وعمر مع مالك، وحديث النبي معهما في «سفينة البحار»، بل وردا في «مجالس المؤمنين» فقط، لكنّ المرحوم المحدّث القمّي قال بعد أن نقل قضيّة مالك: انتهي ملخّصاً.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة