الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الشؤون الاقتصادية / الاستهلاك (الانتفاع)
المؤلف:
الشيخ عبد الله الجوادي الطبري الآملي
المصدر:
مفاتيح الحياة
الجزء والصفحة:
ص537ــ549
2025-09-22
67
الناس ليسوا سواء في الفروع العلمية والعملية، وكذلك في القضايا الاقتصادية، كما هو الحال مع جريان الدم في العروق، فيكون في بعضها أكثر جرياناً وفي بعضها الآخر أقل، وذلك بالتناسب مع الأوردة والشرايين، وهذا يتبع النظام الطبيعي واختلاف القدرات والاستعدادات. وهذا الاختلاف ينطبق أيضاً على متطلبات المجتمع واحتياجاته. فبعض المرافق تحتاج إلى صرف أموال أكبر بحسب اقتضاءاتها، ومرافق أخرى تحتاج إلى أموال ونفقات أقل، وينبثق هذا الاختلاف من المتطلبات الطبيعية للمجتمع؛ وعليه، فإذا قلبنا المعادلـة واستثمرنا أموالاً أقل في المرافق المكلفة في مقابل استثمار أكبر للأموال في تلك التي لا تقتضي هذا الصرف والإنفاق فإنّ الذي سيحصل هو تخلخل تــوازن المجتمع(1).
لقد أوصى القرآن الكريم بالانتفاع من النعم الإلهية، وتصب جميع وصاياه في مجال العمل والإنتاج وأهميتهما في خلق الظروف المناسبة لاستيلاد نموذج استهلاكي صحيح يدفع باتجاه تعالي الإنسان وتكامله. وهذا الاستهلاك هو لتأمين الاحتياجات الفردية أو الاجتماعية.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] وقال أيضاً: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].
إن المال في النص القرآني عبارة عن أمانة أودعها الله عباده: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]، {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]؛ وينطبق مع هذا النص القرآني قول الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه):... اجْعَلْ مَالَكَ كَعَارِيةٍ تَرُدُّهَا...(2).
وفي قول آخر له (سلام الله عليه): إِنَّمَا أَعْطَاكُمُ اللَّهُ هَذِهِ الْفُضُولَ مِنَ الْأَمْوَالِ لِتُوَجُهُوهَا حَيْثُ وَجَهَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُعْطِكُمُوهَا لِتَكْنِزُوهَا(3)؛
وعن الإمام زين العابدين (سلام الله عليه):... اسْتِثْمَارُ المالِ تَمامُ المَرُّوءَةِ...(4).
هدف الاستهلاك
لقد ذكر الله تعالى في قرآنه الكريم أنّ المال نعمة أنعمها على عباده لتكون مدعاة لحمده وشكره: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10].
في آية أخرى، وفي ردّه جلّ وعلا على الذين حصروا أحكام الدين في الأمور الأخروية، ويسعون إلى إلغاء العلوم والأحكام الاقتصادية من الدين، وإظهار الدين كأمر معنوي وروحاني محض قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].
من وجهة نظر الإسلام، الاعتقاد هو الأصل لا الاقتصاد؛ بيد أن الناس بصورة عامة لا طاقة لهم بالمصاعب والفقر، وربما باعوا دينهم بمجرد انسحاقهم تحت دواسة شظف العيش، وقد أولى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) موضوع الاقتصاد وضرورة تأمين الثروات وإصلاحها أهمية قصوى، حيث كان يشير إلى الخبز بوصفه رمزاً للنعم الدنيوية في دعائه ربه: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي الْخبز وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَلَوْلَا الْخُبْزُ مَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا وَلَا أَدَّيْنَا فَرَائِضَ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ(5).
المراد بـ «الخبز» هنا اقتصاد المجتمع السليم والجامع الذي يشمل نفقات السكن والملبس والعلاج والدراسة وأمثال ذلك؛ كقولنا مثلاً «كم فرداً تعيل؟»
أي كم فرداً تؤمن نفقات معيشته(6).
أنواع الاستهلاك
لقد وضع الله تعالى للاستهلاك حدوداً تأخذ بيد الإنسان نحو الارتقاء والتعالي الفردي والجمعي، ومتى نقصت أو زادت تلك الحدود، فسوف يختل نظام المعيشة. فالإمساك في النفقات وحرمان الآخرين من النعم الإلهية بخل، في المقابل، فإنّ زيادة النفقات سرف وتبذير؛ إذن فالاستهلاك يحده حـديـن مـن طرفيه، وتجاوزهما مذموم، ولا يتبقى سوى الاعتدال أو الوسطية التي حثت عليها التعاليم، وعليه، فالاستهلاك من منظار الآيات والروايات ثلاثة أنواع:
أ. الاستهلاك المقتر
معيار البخل: عرّف رسول الله (صلى الله عليه وآله) البخيل بالقول:... الْبَخِيلُ الَّذِي يَأْكُلُ وَلا يُعْطِي...(7)؛ وبيّن الإمام الحسن العسكري (سلام الله عليه) الاعتدال قائلاً:... لِلاِقْتِصَادِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ بُخْلٌ...(8).
النهي عن البخل: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا بُخْلٍ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ(9).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه):... مَنْ بَرِئَ مِنَ الْبُخْلِ نَالَ الشَّرَفَ...(10).
مضرات البخل: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنْ مَنَعَ مَالَهُ مِنَ الْأَخْيَارِ اخْتِيَاراً صَرَفَ اللهُ مَالَهُ إِلَى الأَشْرَارِ اضْطِرَاراً(11).
وقال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): جُودُ الرَّجُلِ مُحَبِّبُهُ إِلَى أَضْدَادِهِ وَبُخْلُهُ يُبَغِّضُهُ إِلَى أَوْلادِهِ(12).
وعن أمير المؤمنين (سلام الله عليه):... فَإِذَا... بَخِلَ الْغَنِيُّ بِفَضْلِهِ... رَجَعَتِ الدُّنْيَا عَلَى تُرَاثِهَا قَهْقَرَي(13).
وقال الإمام الصادق (سلام الله عليه) أيضاً:... لَيْسَت لِبَخِيلٍ رَاحَةٌ...(14).
عقوبة البخيل: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):... البَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ الله بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ(15)؛ وقال (صلى الله عليه وآله): لا يَدْخُلُ الجنَّةَ... بخيل...(16).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): أيما مُؤْمِنٍ كَانَت لَهُ دَارٌ فَاحْتَاجَ مُؤْمِنٌ إِلَى سُكْنَاهَا فَمَنَعَهُ إِيَّاهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَلائِكَتِي! بَخِلَ عَبْدِي عَلَى عَبْدِي بِسُكْنَى الدُّنْيَا وَعِزَّتِي لَا يَسْكُنُ جِنَانِي أَبَداً(17).
الابتعاد عن البخلاء: قال الإمام زين العابدين (سلام الله عليه): يَا بُنَيَّ!... إِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْبَخِيلِ، فَإِنَّهُ يَخْذُلُكَ فِي مَالِهِ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْه(18).
ب الاستهلاك المسرف
حالات الإسراف: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): إِنَّمَا الإِسْرَافُ فِيمَا أَفْسَدَ المالَ وَأَضَرَّ بِالْبَدَنِ(19)؛ لَيْسَ فِيمَا أَصْلَحَ الْبَدَنَ إِسْرَافُ(20)؛ ... مَنْ عَدَا ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ حَرَاماً، ثُمَّ قَالَ: لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِين...(21)؛ ... لَكِنَّ المالَ مَالُ الله يَضَعُهُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدَائِعَ وَجَوَّزَ لهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا قَصْداً وَيَشْرَبُوا قَصْداً وَيَلْبَسُوا قَصْداً وَيَنْكَحُوا قَصْداً وَيَرْكَبُوا قَصْداً... فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مَا يَأْكُلُ حَلالاً وَيَشْرَبُ حَلالاً وَيَرْكَبُ وَيَنْكِحُ حَلالاً وَمَنْ عَدَا ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ حَرَاماً...(22).
النهي عن الإسراف: في معرض نهيه عن الإفراط في الاستهلاك، قال الله تعالى {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ...(23).
وقال (صلى الله عليه وآله): شِرَارُ أُمَّتِي الَّذِينَ غُذُوا بِالنَّعِيمِ وَنَبَتَتْ عَلَيْهِ أَجْسَامُهُم(24).
وقال الراوي: سَمِعْتُ الْعَيَّاشِي وَهُوَ يَقُولُ: اسْتَأْذَنْتُ الرِّضَا (سلام الله عليه) في النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ... فَقَالَ: بَلَى يَرْحَمُكَ اللهُ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ الإسْرَافَ... فَقَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان: 67]...(25).
عن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه):... إِنَّ السَّرَفَ أَمْرٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ حَتَّى طَرْحُكَ النَّوَاةَ، فَإِنَّهَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ وَحَتَّى صَبُّكَ فَضْلَ شَرَابِك [الذي يمكن الاستفادة منه](26).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ مَا بِها مِن الأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ...(27).
علامات الإسراف
علامة المسرف: قال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): لِلْمُسْرِفِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: يَأْكُلُ مَا لَيْسَ لَهُ وَيَلْبَسُ مَا لَيْسَ لَهُ وَيَشْتَرِي مَا لَيْسَ لَهُ(28).
علامة حالات الإسراف: عن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): السَّرَفُ في ثلاث: ابْتِذَالُكَ [الاستفادة غير المناسبة] ثَوْبَ صَوْنِكَ وَالْقَاؤُكَ النَّوَى يَمِيناً وَشِمَالاً وَإِهْرَاقُكَ فَضْلَةَ الْمَاءِ وَقَالَ: لَيْسَ فِي الطَّعَامِ [إذا يؤكل] سَرَفٌ(29).
علامة أدنى الإسراف: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): أَدْنَى الإِسْرَافِ هِرَاقَةُ فَضْلِ الإِنَاءِ وَابْتِذَالُ ثَوْبِ الصَّوْنِ وَالْقَاءُ النَّوَى(30).
أضرار الإسراف
الفقر والحرمان من الرزق: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):... وَمَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ اللهُ [الرزق]...(31).
وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: مَنْ بَذَرَ أَفْقَرَهُ اللهُ...(32).
الحؤول دون إصلاح النفس: قال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): وَيْحَ المُسْرِفِ مَا ابْعَده عَنْ صَلَاحِ نَفْسِهِ وَاسْتِدْرَاكِ أَمْرِهِ(33).
عدم استجابة الدعاء: عن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): أَرْبَعَةٌ لا تُسْتَجَابُ
لهُمْ دَعْوَةُ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي...(34).
وقال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ... إِنَّ أَصْنَافاً مِنْ أُمَّتِي لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ دُعَاؤُهُمْ: ... وَرَجُلٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً كَثِيراً فَأَنْفَقَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ يَدْعُو: يَا رَبِّ ارْزُقْنِي. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ أَرْزُقُكَ رِزْقاً وَاسِعاً فَهَلًا اقْتَصَدْتَ فِيهِ كَمَا أَمَرْتُكَ وَلِمْ تُسْرِفُ وَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنِ الإِسْرَافِ...(35).
أشد الاستهلاك ضرراً: قال أبو مخنف الأزدي: أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ - رَهْطُ مِنَ الشَّيعَةِ؛ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ أَخْرَجْتَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ فَفَرَّقْتَهَا فِي هَؤُلَاءِ الرُّؤَسَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَفَضَّلْتَهُمْ عَلَيْنَا حَتَّى إِذَا اسْتَوْسَقَتِ الْأُمُورُ عُدْتَ إِلَى أَفْضَلِ مَا عَوَّدَكَ اللَّهُ مِنَ الْقَسْمِ بِالسَّوِيَّةِ وَالْعَدْلِ فِي الرَّعِيَّةِ. فَقَالَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ (سلام الله عليه) أتَأْمُرُونِّي وَيُحكُمْ أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ فِيمَنْ ولَّيتُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؟ لَا وَاللهِ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ مَا سَمَرَ السَّمِيرُ وَمَا رَأَيْتُ في السَّمَاءِ نَجْماً. وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ أَمْوَالهُمْ مَالِي لَسَاوَيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْوَاهُمْ. قَالَ: ثُمَّ أَزَمَ سَاكِتاً طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ فِيكُمْ لَهُ مَالٌ فَإِيَّاهُ وَالْفَسَادَ، فَإِنَّ إِعْطَاءَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرُ وَإِسْرَافُ وَهُوَ يَرْفَعُ ذِكْرَ صَاحِبِهِ فِي النَّاسِ وَيَضَعُهُ عِنْدَ اللهِ وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللهُ شُكْرَهُمْ وَكَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ، فَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ مِمَّنْ يُظْهِرُ الشُّكْرَ لَهُ وَيُرِيهِ النُّصْحَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَلَقٌ مِنْهُ وَكِذْبٌ - فَإِنْ زَلَّتْ بِصَاحِبِهِمُ النَّعْلُ ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ وَمُكَافَاتِهِمْ فَأَلْأَمْ خَلِيلٍ وَشَرُّ خَدِينٍ، وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْحَظِّ فِيمَا أُتِيَ إِلَّا مَحْمَدَةُ اللَّئامِ وَثَنَاءُ الْأَشْرَارِ مَا دَامَ عَلَيْهِ مُنْعِماً مُفْضِلاً وَمَقَالَةُ الْجَاهِلِ مَا أَجْوَدَهُ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهُ بَخِيلٌ فَأَيُّ حَقٌّ أَبْوَرُ وَأَخْسَرُ مِنْ هَذَا الْحَقِّ...(36).
تجنب الإسراف
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) [إحدى علائم المؤمن]... وَلا يُسْرِفُ...(37).
وعن أمير المؤمنين (سلام الله عليه): إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً... جَنَّبَهُ سُوءَ التَّدْبِيرِ وَالإِسْرَافَ(38)، مِنْ أَشْرَفِ الشَّرَفِ الْكَفُّ عَنِ التَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ(39).
وعن الإمام موسى الكاظم (سلام الله عليه): الغَارِمُونَ قَوْمٌ قَدْ وَقَعَتْ عَلَيْهِمْ دُيُونُ قَدْ أَنْفَقُوهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ(40).
ج. المعيشة المعتدلة
دأبت التعاليم السماوية الإسلامية على الحثّ على «الإنتاج والاعتدال والقناعة في الاستهلاك». وثمّة الكثير من الآيات والأحاديث التي تدلّ على هذا المبدأ؛ ذلك أنّ رخاء الإنسان ورفاهيته الحقيقية لا تتحقق في الاستهلاك المفرط؛ وإنما في الاستغناء وعدم الحاجة للآخرين. فإذا استطاع الإنسان أن ينعتق من أمور الدنيا ويستغني عنها، فسوف يحيا حياة أكثر راحةً وهناء عما لو استغنى بها (تلك الأمور) عبر الاستهلاك المفرط لها(41). فالبعض يستغني عن السكن الفاخر والسيارة الفارهة والكثير من زوائد الحياة؛ بينما يعتقد البعض الآخر أن استغناؤه في التمتع بهذه الأمور.
الحثّ على الاعتدال: عن الإمام الرضا (سلام الله عليه) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لرهط من المؤمنين: لا تَبْنُوا مَا لا تَسْكُنُونَ وَلا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(42).
وقال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): فقال... اقْتَصِدْ يَا بُنَيَّ! فِي مَعِيشَتِكَ وَاقْتَصِدْ فِي عِبَادَتِكَ...(43).
وعن الإمام زين العابدين (سلام الله عليه): كَانَ آخِرُ مَا أَوْصَى بِهِ الْخَضِرُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (سلام الله عليه) أَنْ قَالَ: ... أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ: الْقَصْدُ فِي الجدة...(44).
وجاء في الحديث النبوي الشريف: الاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ المُعِيشَةِ...(45).
وقال الراوي: سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُولُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهُ (سلام الله عليه): بَلَغَنِي أَنَّ الْاقْتِصَادَ وَالتَّدْبِيرَ فِي المَعِيشَةِ نِصْفُ الْكَسْبِ، فَقَالَ أَبو عَبْدِ اللَّهُ (سلام الله عليه): لَا بَلْ هُوَ الْكَسْبُ كُلُّهُ وَمِنَ الدِّينِ التَّدْبِيرُ فِي المُعِيشَةِ(46).
وكذلك عن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) أنه قال: المالَ مَالُ الله يَضَعُهُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَدَائِعَ وَجَوَّزَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا قَصْداً وَيَشْرَبُوا قَصْداً وَيَلْبَسُوا قَصْداً وَيَنْكِحُوا قَصْداً وَيَرْكَبُوا قَصْداً(47)؛ وعنه (سلام الله عليه) أيضاً: لِيَكُنْ طَلَبُكَ الْمُعِيشَةَ فَوْقَ كَسْبِ المُضَيِّعِ وَدُونَ طَلَبِ الْحَرِيصِ الرَّاضِي بِدُنْيَاهُ المُطْمَئِنَّ إِلَيْهَا وَلَكِنْ أُنْزِلْ نَفْسَكَ مِنْ ذلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّصَفِ المُتَعَفُّفِ...(48).
وعن الإمام الرضا (سلام الله عليه): وَلْيَكُنْ نَفَقَتُكَ عَلَى نَفْسِكَ وَعِيَالِكَ قَصْداً(49).
بعض آثار الاعتدال
الرزق الإلهي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنِ اقْتَصَدَ فِي مَعِيشَتِهِ رَزَقَهُ اللَّهُ وَمَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ الله...(50).
عدم الافتقار: وكذلك جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ(51).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه):... إِنَّ الْقَصْدَ يُورِثُ الْغِنَى(52).
وعن إبراهيم بن ميمون قال: سمعت الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) يقول: ضَمِنْتُ لمَنِ اقْتَصَدَ أَنْ لا يَفْتَقِرَ(53).
استجابة الدعاء: وعنه (سلام الله عليه) أيضاً: أَرْبَعَةٌ لا تُسْتَجَابُ هُمْ دَعْوَةٌ: ... رَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرُكَ بِالاقْتِصَادِ(54).
سمة الكمال: وقال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمال... التَّقْدِيرَ فِي المُعِيشَةِ(55).
الحماية من العذاب: وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): اتَّقِ اللهَ وَلَا تُسْرِفْ وَلَا تَقْتُرْ وَكُنْ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً... إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ عَلَى الْقَصْدِ(56).
القناعة في الاستهلاك
القناعة، كنز لا يفنى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أغْنَى النَّاس(57).
وفي كلام للإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): لا كَنزَ أَغْنَى مِنَ الْقُنُوعِ(58).
قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): الغِنَى الْأَكْبَرُ: الْقَنَاعَةُ بِمَا أُعْطِيَ...(59).
الحثّ على القناعة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طُوبَى لَمنْ هُدِيَ لِلإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافاً وَقَنِعَ(60).
وقال (صلى الله عليه وآله):... إِذَا اشْتَدَّ بِكَ الجُوعُ فَعَلَيْكَ بِرَغِيفِ وَكُوزِ مِنْ مَاءٍ...(61).
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي(62).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) لحمران بن أعين: يَا حُمْرَانُ انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ فِي المَقْدُرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْنَعُ لَكَ بِمَا قُسِمَ لَكَ وَأَحْرَى أَن تَسْتَوْجِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ رَبِّكَ(63).
وقال (سلام الله عليه) أيضاً:... وَاقْنَعْ بِمَا قَسَمَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَّا إِلَى مَا عِنْدَكَ وَلَا تَتَمَنَّ مَا لَسْتَ تَنَالُهُ، فَإِنَّ مَنْ قَنعَ شَبعَ وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ لَمْ يَشْبَعْ...(64).
بعض آثار القناعة
دوام النعم: قال الإمام موسى الكاظم (سلام الله عليه): مَنِ اقْتَصَدَ وَقَنِعَ بَقِيَتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ...(65).
الغنى: قال أمير المؤمنين (سلام الله عليه): إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَه وَضَعَ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ: ... الْغِنَى فِي الْقَنَاعَةِ(66).
الطمأنينة والراحة: وعنه (سلام الله عليه) أيضاً: قال: ... مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ(67)؛ وكذلك عنه (سلام الله عليه): أَنْعَمُ النَّاسِ عَيْشَاً مَنْ مَنَحَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَنَاعَةَ...(68).
سمة الإيمان: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَمانِي خِصَالٍ:... قَانِعَاً بِمَا رَزَقَهُ اللهُ...(69).
____________________________
(1) تسنیم، ج 17، ص 344.
(2) الفقيه، ج 4، ص 410.
(3) الكافي، ج 4، ص 32.
(4) الكافي، ج 1، ص 20.
(5) الكافي، ج 6، ص 287.
(6) تسنیم، ج 17، ص 355.
(7) جامع الأخبار، ص 113.
(8) بحار الأنوار، ج 66، ص 407.
(9) بحار الأنوار، ج 70، ص207.
(10) تحف العقول، ص 316.
(11) جامع الأخبار، ص 178.
(12) غرر الحكم، ص 378.
(13) روضة الواعظين، ص6.
(14) الفقيه، ج 4، ص 394.
(15) مشكاة الأنوار، ص 232.
(16) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 1، ص198.
(17) المحاسن، ص 101.
(18) الكافي، ج 2، ص 641.
(19 و 20) الكافي، ج 4، ص 54.
(21 و 22) تفسير العياشي، ج 2، ص13.
(23) بحار الأنوار، ج 70، ص207.
(24) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج1، ص178.
(25) کتاب الخصال، ص 54.
(26) كتاب الخصال، ص11.
(27) الجامع الصغير، ج 1، ص 150.
(28) کتاب الخصال، ص 98.
(29) کتاب الخصال، ص 93.
(30) الكافي، ج 6، ص 460.
(31) الكافي، ج 2، ص 122.
(32) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 1، ص 200.
(33) غرر الحكم، ص 359.
(34) الكافي، ج 2، ص 511.
(35) الكافي، ج 5، ص 67.
(36) الكافي، ج 4، ص 30.
(37) الكافي، ج 2، ص231.
(38) غرر الحكم، ص 353.
(39) غرر الحكم، ص 360.
(40) عوالي اللئالي، ج 3، ص 121.
(41) اسْتِغْنَاؤُكَ عَنْ الشَّيْءِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِغْنَائِك بِهِ (مستدرك سفينة البحار، ج8، ص616).
(42) الكافي، ج 2، ص 48.
(43) الأمالي، المفيد، ص 222.
(44) کتاب الخصال، ص111.
(45) المعجم الأوسط، ج 7، ص 25.
(46) الأمالي الطوسي، ص 671.
(47) تفسير العياشي، ج 2، ص 13.
(48) تهذيب الأحكام، ج6، ص 322.
(49) فقه الرضا (سلام الله عليه)، ص 255.
(50) الكافي، ج 2، ص 122.
(51) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 1، ص 167.
(52) الكافي، ج 4، ص 53.
(53) كتاب الخصال، ص 9.
(54) الكافي، ج 2، ص 511.
(55) دعائم الإسلام، ج 2، ص 255.
(56) تفسير العياشي، ج 2، ص288.
(57) تحف العقول، ص 7.
(58) الكافي، ج 8، ص19.
(59) تحف العقول، ص318.
(60) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 1، ص 163.
(61) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 1، ص 163.
(62) كتاب الخصال، ص 345.
(63) علل الشرائع، ص 569.
(64) تحف العقول، ص 304.
(65) تحف العقول، ص 403.
(66) إرشاد القلوب، ص 119.
(67) الكافي، ج 8، ص 19.
(68) عرر الحكم، ص 212.
(69) الكافي، ج 2، ص 47.
الاكثر قراءة في النظام المالي والانتاج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
