الإمام العسكري في مراسم تشييع أبيه الهادي ( عليهما السلام )
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص415-418
2025-09-01
234
روى الخصيبي في الهداية الكبرى / 248 ، عن جماعة : « أنهم حضروا وقت وفاة أبي الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق صلوات الله عليهم ، والصلاة بسر من رأى ، فإن السلطان ( المعتز ) لما عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته ، وأن يحمل إلى دار السلطان حتى يصلي عليه ، وحضرت الشيعة وتكلموا وقال علماؤهم : اليوم يَبِينُ فضل سيدنا أبي محمد الحسن بن علي على أخيه جعفر ، ونرى خروجهما مع النعش . قالوا جميعاً : فلما خرج النعش وعليه أبو الحسن ، خرج أبو محمد حافي القدم مكشوف الرأس ، محلل الإزرار خلف النعش ، مشقوق الجيب مُخْضَلَّ اللحية بدموع على عينيه ، يمشي راجلاً خلف النعش ، مرةً عن يمين النعش ومرةً عن شمال النعش ، ولا يتقدم النعش .
وخرج جعفر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها ، معتمٌّ محبتكُ الإزار ، طلق الوجه ، على حمار يماني ، يتقدم النعش .
فلما نظر إليه أهل الدولة وكبراء الناس والشيعة ، ورأوا زيَّ أبي محمد وفعله ، ترجل الناس وخلعوا أخفافهم ، وكشفوا عمائمهم ، ومنهم من شق جيبه ، وحل إزاره ولم يمش بالخفاف من الأمراء وأولياء السلطان أحد ، فأكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب وركوبه وخلافه على أخيه . . . لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق بالخبر إليه ، فأمر بأن يوضع على ساحة الدار ، على مصطبة عالية كانت على باب الديوان ، وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه ، وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة ، وأمر السلطان بالإعلان والتكبير ، وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع ، فصلى عليه خمس تكبيرات ، وصلى السلطان بصلاتهم . . وبقي الإمام أبو محمد الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ثلاثة أيام مردود الأبواب ، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء ، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح ، ويشرب الشربات . وجعفر بغير هذه الصفة ، ويفعل ما يقبح ذكره من الأفعال » .
وفي الهداية الكبرى / 383 : « لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن ( عليه السلام ) أمر المعتز بأن ينفذ إلى أبي محمد من يستركبه إلى المعتز ليعزيه ويسليه ، فركب أبو محمد إلى المعتز ، فلما دخل عليه رحب به وعزاه ، وأمر فرتب بمرتبة أبيه ( عليه السلام ) ، وأثبت له رزقه وزاد فيه ، فكان الذي يراه لا يشك إلا أنه في صورة أبيه ( عليه السلام ) ، واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين على أبي محمد بعد أبيه ، إلا أصحاب فارس بن ماهَوَيْه ، فإنهم قالوا بإمامة جعفر بن علي العسكري ( عليه السلام ) » .
وروى المسعودي في إثبات الوصية « 1 / 242 » : « ثم فتح من صدر الرواق بابٌ وخرج خادمٌ أسود ، ثم خرج بعده أبو محمد ( عليه السلام ) حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وعليه مبطنة بيضاء ، وكان وجهه وجه أبيه ( عليه السلام ) لا يخطئ منه شيئاً ، وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود ، فلم يبق أحد إلا قام على رجله ، ووثب إليه أبو محمد الموفق فقصده أبو محمد ( عليه السلام ) فعانقه ثم قال له : مرحباً بابن العم . وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه . وكانت الدار كالسوق بالأحاديث ، فلما خرج وجلس أمسك الناس ، فما كنا نسمع شيئاً إلا العطسة والسعلة ، وخرجت جارية تندب أبا الحسن ( عليه السلام ) فقال أبو محمد : ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة ؟ فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار ، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد ( عليه السلام ) فنهض صلى الله عليه وأخرجت الجنازة ، وخرج يمشي حتى أخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بقا ، وقد كان أبو محمد صلى عليه قبل أن يخرج إلى الناس ، وصلى عليه لما أخرج المعتمد ، ثم دفن في دار من دوره .
واشتد الحر على أبي محمد ( عليه السلام ) وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه ، فصار في طريقه إلى دكان « مصطبة » بقال رآه مرشوشاً فسلم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس ، ووقف الناس حوله . فبينا نحن كذلك إذ أتاه شابٌّ حسن الوجه نظيف الكسوة ، على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض ، قد نزل عنه فسأله أن يركبه ، فركب حتى أتى الدار ونزل . وخرج في تلك العشية إلى الناس ، ما كان يَخْرِمُ عن أبي الحسن ( عليه السلام ) حتى لم يفقدوا منه إلا الشخص ) .
ملاحظات
كتبنا في سيرة الإمام الهادي ( عليه السلام ) فصلاً عن شهادته ومراسم جنازته ، وكيف اهتم الخليفة بإشهاد الشهود على أن الإمام ( عليه السلام ) مات حتف أنفه لينفي عنه تهمة قتله بالسم . ثم كيف أمر بالصلاة عليه في قصره ، واهتم بمراسم تشييعه ، ثم استقبل ولده الإمام الحسن ( عليه السلام ) في اليوم الرابع وعزاه رسمياً ، وجعل له رتبة أبيه وزاد من مخصصاته !
ونلاحظ أن السلطة القرشية كانت تبالغ في تشييع الإمام من العترة الطاهرة ( عليهم السلام ) ، ليبعدوا عن أنفسهم جريمة قتله ! وكانوا يشهدون كبار القضاة والشهود بأن بدنه سالمٌ وأنه مات حتف أنفه ! حتى لا يطالب بنو هاشم بدمه . وقد استعملوا هذا الأسلوب في جنازة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، كما استعملوه مع خلفائهم فكانوا يقتلون الخليفة بعصر خصيتيه ، ثم يأتون بالشهود فيشهدون أنه مات حتف أنفه !
قال في معالم الخلافة « 3 / 371 » : « لما وليَ المعتز لم يمض إلا مدة حتى أُحضر الناس وأخرج المؤيد فقيل : اشهدوا أنه دعي فأجاب وليس به أثر ! ثم مضت أشهر فأحضر الناس وأخرج المستعين ، فقال : إن منيته أتت عليه وها هو لا أثر فيه ، فأشهدوا ! ثم مضت مُدَيْدَة واستخلف المهتدي فأخرج المعتز ميتاً وقيل : اشهدوا أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به ! ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتاً وقيل : اشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته » !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة